التقاريرالتغير المناخيتقارير التغير المناخيرئيسية

سياسات المناخ في دول الخليج العربي.. هل تحقق الهدف المنشود؟ (تقرير)

نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • الطريق إلى الحياد الكربوني سيشمل استمرار الاستثمار في النفط والغاز
  • دول الخليج العربي تتمتع بنفوذ كبير في علاقات الطاقة والمال والسياسة في العالم
  • 6 مليارات نسمة في العالم لا يستطيعون الحصول على الكهرباء أو خيارات الطهي النظيف
  • الدول النامية تحتاج إلى مصادر طاقة موثوقة وبأسعار معقولة لتحقيق أهدافها التنموية
  • دول الخليج العربي ليست متحمسة لاستبعاد النفط والغاز من مشروعاتها المحلية والعالمية

تثير سياسات المناخ في دول الخليج العربي الجدل بين العديد من الخبراء والمسؤولين، ورغم تعهدات هذه الدول بالالتزام بالجهود العالمية في هذا المجال فإنها تواجه انتقادات مستمرة واتهامات بـ"تمييع اتفاقيات المناخ وتأخير العمل الدولي".

واتهم بعض المراقبين دول الخليج العربي باستعمال مواردها المالية الهائلة، للتأثير في مفاوضات المناخ والحصول على امتيازات تخدم مصالحها الاقتصادية الخاصة.

جاء ذلك في تقرير بعنوان "الخليج العربي يساعد في تغذية الاقتصاد العالمي.. مدلولات انتقال الطاقة" للباحث الزائر في مركز دراسات الطاقة ومركز إدوارد بي جيريجيان للشرق الأوسط بمعهد بيكر (bakerinstitute.org)، مدير مركز أبحاث الطاقة والبناء في معهد الكويت للأبحاث العلمية، الدكتور أسامة الصايغ.

سياسات المناخ في دول الخليج العربي

تشير الاتجاهات في تمويل مشروعات الوقود الأحفوري إلى أن الطريق إلى الحياد الكربوني سوف يشمل استمرار الاستثمار في النفط والغاز، وزيادة حصة المصادر النظيفة في مزيج الطاقة، ودمج التكنولوجيات النظيفة في قطاع الطاقة.

وعلى الرغم من أن هذا هو المسار المفضل في سياسات المناخ في دول الخليج العربي، فإنه ليس بالضرورة الوحيد الذي تؤيده، إذ إن إستراتيجيتها تتوافق مع سعي العالم إلى تحقيق النمو الاقتصادي، وبالتالي الحصول على مصادر طاقة آمنة وموثوقة ومستقرة، وفق التقرير الذي اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وأصبحت دول الخليج العربي "البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والسعودية، والإمارات" قوة عالمية.

وتتمتع هذه الدول بقيادة السعودية والإمارات، وإلى حد ما دولة قطر، بنفوذ كبير في علاقات الطاقة والشؤون المالية والسياسية في العالم، وبالتالي في مشهد البيئة.

دور دول الخليج العربي في توجيه أجندة تغير المناخ العالمي

في يناير/كانون الثاني 2023، عيّنت دولة الإمارات العربية المتحدة سلطان بن أحمد الجابر رئيسًا لقمة المناخ (كوب 28)، المقرر عقدها في دبي خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

ويشغل الجابر مهام وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات والمبعوث الخاص لتغير المناخ، وكذلك الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك).

وقُوبل تعيين الجابر رئيسًا لقمة المناخ كوب 28 بانتقادات من بعض المشرعين الغربيين، وطالب أكثر من 100 عضو في الكونغرس الأميركي والبرلمان الأوروبي بإقالة الجابر من منصب الرئيس، بحجة أن كونه رئيسًا تنفيذيًا لشركة أدنوك من شأنه أن يهدد نزاهة المفاوضات.

وقُدِّمت اعتراضات مماثلة خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 27)، الذي عُقد في مصر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

واحتج المنتقدون على حضور جماعات الضغط العاملة في مجال الوقود الأحفوري في المؤتمر، ما أدى إلى إصدار إعلان نهائي تعهد -فقط- بالتخلص التدريجي من الفحم، وليس النفط ووقود الغاز.

في المقابل، رحّب بعض الزعماء الغربيين بتعيين الجابر، وقال رئيس المفوضية الأوروبية لشؤون المناخ، فرانس تيمرمانز: "إن الجابر في وضع جيد للغاية لقيادتنا إلى مؤتمر الأطراف الناجح، بسبب مشاركته في الطاقات المتجددة".

وأكد تيمرمانز ضرورة مشاركة شركات النفط والغاز في تحول الطاقة، مشيرًا إلى أن استبعادها من شأنه أن يعوق التقدم نحو أهداف تغير المناخ.

وأعرب مبعوث المناخ الأميركي وزير الخارجية السابق، جون كيري، عن موافقته على تعيين الجابر، قائلًا: "أعتقد أن الدكتور سلطان الجابر خيار رائع، لأنه رئيس شركة تعلم أنها بحاجة إلى التحول".

من ناحيتها، اتخذت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) قرارًا، عام 2011، بجعل دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تهيمن صادرات النفط على اقتصادها، موقعًا لمقرها الدائم.

يأتي ذلك وسط خطط دول الخليج لزيادة قدراتها الإنتاجية من النفط والغاز، واستمرارها في تمويل مشروعات الوقود الأحفوري العالمية، التي وصلت قيمتها التراكمية إلى 5.5 تريليون دولار في عام 2022، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

تجدر الإشارة إلى أن العوامل الجيوسياسية والاقتصادية المعقدة تحجب، بوجه عام، الأدوار المحددة التي تؤديها أي منطقة معيّنة في تحول الطاقة العالمية والسعي لتحقيق الحياد الكربوني.

ومن خلال دراسة صادرات أي منطقة ووارداتها، واستثماراتها، وأموالها، وغير ذلك من مؤشرات النمو الاقتصادي، يصبح من الممكن تقييم دورها في التنمية الاقتصادية العالمية بسهولة أكبر.

ولأن النمو الاقتصادي -وهو الهدف الرئيس بين البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء- يعتمد على إمدادات مستقرة من الطاقة، فإنه يمكن تحديد، ولو جزئيًا على الأقل، تأثير المنطقة في قطاع الطاقة وأجندة تحول الطاقة.

وفي عالم يتسم بالترابط المتزايد بين مستوردي الطاقة ومصدريها الصافين، من الممكن أن توفر القواعد متعددة الأطراف إطارًا أكثر توازنًا وكفاءة للتعاون الدولي.

تحول الطاقة من منظور الخليج

بموجب اتفاق باريس للمناخ، تعهدت البلدان المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 21) في عام 2015 بالحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، بحلول نهاية هذا القرن.

ويمكن أن يُعزى نحو 65% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية المسببة لارتفاع درجات الحرارة العالمية، إلى ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الوقود الأحفوري والعمليات الصناعية، وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

ومن خلال أمينتها التنفيذية باتريشيا إسبينوزا، دعت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى "تحوّل سريع وواسع النطاق إلى الطاقة المتجددة".

وصرحت إسبينوزا بأن التحول سيكون "ضروريًا لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات المنصوص عليها في اتفاقية باريس للمناخ".

وعلى الرغم من أن المنظمات التابعة للأمم المتحدة والدول الأعضاء لم تدعُ صراحة إلى التخلص التدريجي من النفط والغاز من نظام الطاقة العالمي، فقد دعمت بعض الوكالات الدولية صراحة التخلص التدريجي من جميع أنواع الوقود الأحفوري -الفحم والنفط والغاز- لتحقيق هدف الحياد الكربوني.

على سبيل المثال، تُعرِّف الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) تحول الطاقة بأنه "مسار نحو تحويل قطاع الطاقة العالمي من قطاع الطاقة الأحفوري إلى آخر خالٍ من الكربون بحلول النصف الثاني من هذا القرن".

واقترحت وكالة الطاقة الدولية سابقًا مسارًا للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، من شأنه أن يؤدي إلى حظر الاستثمار في مناجم الفحم وحقول النفط والغاز بحلول عام 2021، واستبعاد الوقود الأحفوري تمامًا بحلول عام 2025.

وعلى الرغم من اعتراف وكالة الطاقة الدولية بأن 2.6 مليار نسمة من سكان العالم البالغ عددهم 7.9 مليار نسمة لا يستطيعون الحصول على الكهرباء أو خيارات الطهي النظيف، فإنها تفترض أن الطاقة والكهرباء سيكونان متاحين لجميع سكان العالم بحلول عام 2030.

ويعتمد هذا الافتراض على مواجهة التحدي المتمثل في النشر السريع للبنية التحتية للتكنولوجيا النظيفة وتطويرها وتوافرها.

جاء ذلك في تقرير بعنوان "الخليج العربي يساعد في تغذية الاقتصاد العالمي، مدلولات انتقال الطاقة" للباحث الزائر في مركز دراسات الطاقة ومركز إدوارد بي جيريجيان للشرق الأوسط بمعهد بيكر (bakerinstitute.org)، مدير مركز أبحاث الطاقة والبناء في معهد الكويت للأبحاث العلمية، الدكتور أسامة الصايغ.

الطاقة المتجددة أحد مبادرات السعودية لتحقيق الحياد الكربوني
مشروع سدير للطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية

وعلى النقيض من ذلك، فإن دول الخليج العربي لديها منظور مختلف تمامًا فيما يتعلق بالمسار إلى الحياد الكربوني، ويُعدّ تحقيق الدخل من الأصول النفطية لدى هذه الدول أولوية قصوى للحفاظ على الأمن القومي.

على هذا النحو، تتمثل إستراتيجية دول الخليج في زيادة صادرات المواد الهيدروكربونية إلى الحد الأقصى للحفاظ على استقرار اقتصاداتها المحلية والشؤون السياسية والاقتصادية الدولية ذات الصلة.

وعلى الرغم من مشروعاتها وأهدافها الطموحة في مجال الطاقة، فإن الهياكل الاقتصادية في دول الخليج -أي اقتصاداتها القائمة على النفط والغاز- تظل دون تغيير.

وبالتالي، فإن أجندة تحول الطاقة التي تقضي بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، خصوصًا النفط والغاز، لا تُعدّ أولوية لدى دول الخليج.

في هذا السياق، حدد قادة دول الخليج العربي نهجهم للوصول إلى انبعاثات كربونية قريبة أو محايدة كربونيًا في عدة مناسبات. ويمكن تلخيصها في 3 محاور رئيسة:

أولًا: عدم تعطيل أسواق النفط والغاز: أكدت دول الخليج أهمية تبني نهج "متوازن" في التعامل مع تغير المناخ يعزز الاستدامة وأمن الطاقة والازدهار الاقتصادي.

وترى دول الخليج أن الدول النامية تحتاج إلى مصادر طاقة موثوقة وبأسعار معقولة لتحقيق أهدافها التنموية، بالإضافة إلى ذلك، تحتاج الدول المتقدمة إلى أسواق طاقة مستقرة لتغذية اقتصاداتها.

على هذا النحو، من الضروري أن تستمر دول الخليج في الاستثمار في النفط والغاز وتجنب تعريض أمن الطاقة العالمي للخطر وزيادة التضخم، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى إبطاء التحول إلى نظام مستدام للطاقة نظيفة.

وعلى الرغم من إعلانها عن أهداف مناخية طموحة، فإن دول الخليج حريصة على توسعة قدراتها الإنتاجية من النفط والغاز لتحقيق أهدافها الاقتصادية والتنموية.

بالإضافة إلى ذلك، تعتقد دول الخليج أنه يجب على الدول المتقدمة أن تفي بتعهداتها المتعلقة بتمويل المناخ إذا كانت تسعى إلى انتقال أسرع إلى الطاقة النظيفة في البلدان النامية.

في عام 2009، التزم زعماء الدول المتقدمة في مؤتمر الأطراف الـ15، بتوفير 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2020 لمساعدة البلدان النامية في معالجة تغير المناخ.

وحتى الآن، لم يتم الوفاء بصندوق تمويل المناخ السنوي الموعود، الذي وجد الخبراء منذ ذلك الحين أنه غير كافٍ لتلبية احتياجات الدول النامية.

ثانيًا: الانتقال التدريجي: اعترضت دول الخليج على الدعوة إلى استبدال مصادر الطاقة المتجددة البديلة والوقود النظيف على الفور محل النفط والغاز، معتبرة أنه يجب على العالم أولًا تحقيق تحول عملي وواقعي باستعمال مصادر الطاقة الحالية.

وهذا ما عبر عنه رئيس قمة المناخ كوب 28، الدكتور سلطان الجابر، في الاجتماع الوزاري للمناخ في كوبنهاغن في مارس/آذار 2023، قائلًا: "يجب أن يكون تركيز العمل على منع الانبعاثات وعدم التخلي عن نظام الطاقة الحالي قبل أن يصبح نظام الطاقة المستقبلي جاهزًا".

ويتطلب الانتقال من النظام التقليدي الحالي إلى نظام طاقة محايد كربونيًا، أو قريب من ذلك، بنية أساسية داعمة، وتكنولوجيا مختصة، وتمويلًا مؤكَّدًا، وهو أمر حيوي لضمان التحول الفعال دون تعطيل التنمية الاقتصادية على مستوى العالم.

ثالثًا: دمج التقنيات النظيفة في أنظمة الطاقة: لا تنوي دول الخليج العربي التخلي عن موارد الوقود التي تشكل نظام الطاقة الحالي لديها، بما في ذلك النفط والغاز.

محطة لإنتاج الهيدروجين في الإمارات
محطة لإنتاج الهيدروجين في الإمارات - الصورة من business.hsbc.ae

وتتلخص إستراتيجية دول الخليج لتخفيف انبعاثات الكربون في دمج المرافق التي تعمل بإحراق المواد الهيدروكربونية مع أنظمة الطاقة النظيفة وتنويع مزيج الطاقة، باستعمال مصادر الطاقة المتجددة، والهيدروجين، والطاقة النووية، والمزارع، واحتجاز الكربون واستعماله وتخزينه.

وعلى الرغم من أن انبعاثات غازات الدفيئة في دول الخليج منخفضة نسبيًا، فإنها بدأت العمل لتحقيق أهدافها المعلنة.

وعلى الرغم من أن دول الخليج تدعم المساعي العالمية للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق درجات حرارة ما قبل الصناعة، فإن خططها لتحقيق هذا الهدف تختلف عن خطط العديد من الدول المتقدمة.

ونظرًا إلى اعتمادها الاقتصادي الكبير على صادرات النفط والغاز، فإن دول الخليج ليست متحمسة لاستبعاد النفط والغاز من مشروعاتها، المحلية أو العالمية، للوصول إلى هدف الحياد الكربوني، وهذا ينعكس بالتالي في سياستها الخارجية.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق