إنقاذ الأرض من تداعيات تغير المناخ يزداد صعوبة.. ما علاقة سعر الفائدة؟ (تقرير)
وخفض الانبعاثات بموجب اتفاق باريس يتفكك بسرعة
نوار صبح
- التحول الأخضر أصبح مسعى مكلفًا ومرهِقًا جرّاء أسعار الفائدة المرتفعة
- تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 سيتطلب استثمارات إضافية في تخفيف الانبعاثات
- حكومة ريشي سوناك في بريطانيا غيرت موقفها بشأن التزامات البلاد فيما يتعلق بتغير المناخ
- الصين تملأ الفراغ من خلال توفير التمويل اللازم لدول العالم النامي
يزداد تحقيق هدف إنقاذ الكوكب من تداعيات تغير المناخ صعوبة بسبب ارتفاع سعر الفائدة، إذ أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى عرقلة تلك الغاية، وأسفر عن مرحلة تضخم جديدة؛ ويستبعد المحللون أن تكون الظروف الراهنة مؤقتة.
وسيتطلب تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 جهدًا هائلًا، ويمكن القول، إنه ينطوي على الخداع، حتى بالنسبة للاقتصادات الغنية مثل المملكة المتحدة، حسبما ذكره المحرر المساعدة لدى صحيفة ذا تيليغراف البريطانية (telegraph)، جيريمي وورنر.
وعندما ظلت أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة للغاية، واستمرت طباعة العملات في البنك المركزي، كان من الممكن التظاهر بأن الوصول إلى الحياد الكربوني قابل للتحقيق، وبتكلفة منخفضة نسبيًا، وفق معلومات اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وعلى الرغم من أن التحول الأخضر يُعدّ هدفًا جديرًا بالتحقيق، فقد أصبح -جرّاء ارتفاع سعر الفائدة- مسعى مكلفًا ومرهقًا، وربما مدمرًا، يهدد بتنفير الناخبين ومزاحمة أولويات الإنفاق الأخرى.
وبالنسبة للعديد من البلدان منخفضة الدخل، التي لديها احتياجات إنمائية متعددة، فقد أصبحت مواجهة تداعيات تغير المناخ خيارًا مستحيلًا تقريبًا.
ونتيجة للدفء الذي شهده شهر سبتمبر/أيلول 2023، والعدد المتزايد من الكوارث التي نتجت عن تداعيات تغير المناخ، فإن رفض هذه السياسات أصبح واضحًا بشكل أو بآخر في مختلف المناطق، سواء على المستوى الوطني أو العالمي.
تبعًا لذلك، فإن الإجماع الدولي بشأن خفض الانبعاثات، بموجب اتفاق باريس للمناخ لعام 2015، يتفكك بسرعة.
من ناحية ثانية، أسفر الغزو الروسي لأوكرانيا عن تآكل المبدأ متعدد الأطراف، الذي تقوم عليه بالضرورة أيّ محاولة لمعالجة تداعيات تغير المناخ.
ارتفاع تكاليف التمويل
عندما ترتفع تكاليف التمويل إلى أعلى مستوياتها، كما حدث في العام ونصف العام الماضيين، فإن القيود المالية المفروضة على الإنفاق البيئي ترتفع، لتصل في نهاية المطاف إلى نقطة تُعدّ فيها غير محتملة.
وبنقطة تحول تاريخية، انطوت الحرب في أوكرانيا وأحداث 11 سبتمبر/أيلول على عواقب اقتصادية وجيوسياسية مزعزعة للاستقرار، وتعود أصول الأزمة المالية العالمية اللاحقة إلى فقاعة الائتمان التي حدثت في ذلك الوقت.
ويختتم الحدثان مدة فاصلة غير عادية من التمويل رخيص التكلفة، شهدت ارتفاع الديون العامة والخاصة بأكثر من 100 تريليون دولار على مستوى العالم في السنوات الـ10 الماضية وحدها.
وإذا وصلت فقاعة الائتمان إلى نهايتها، فإن ذلك من شأنه أن يضاعف من تحديات الحياد الكربوني وتحقيق أهداف مواجهة تداعيات تغير المناخ.
تجدر الإشارة إلى أن تراكم الديون، والتضخم المرتفع، وتوقعات النمو الضعيفة، يدفع الحكومات إلى التشكيك أكثر من أيّ وقت مضى في ضرورة التقيّد بالتزاماتها المتعلقة بمواجهة تداعيات تغير المناخ.
بالعودة إلى عام 2019، عندما أصبحت بريطانيا أول دولة في العالم تجعل الحياد الكربوني بحلول عام 2050 ملزمًا قانونًا، كان هناك دعم سياسي ساحق لهذا التعهد، إذ سارعت الاقتصادات المتقدمة الكبرى الأخرى إلى أن تحذو حذوها.
إضافة إلى ذلك، ساد اقتناع عالمي بفكرة إمكان تحقيق الهدف بتكلفة محدودة، وزعم كثيرون أن التحول الأخضر لن يكلف المبادرين الأوائل، بل سيثريهم من خلال دعم الاستثمار والابتكار وإيجاد فرص العمل، حسبما ذكره المحرر المساعدة لدى صحيفة ذا تيليغراف البريطانية (telegraph)، جيريمي وورنر.
عندما يكون الائتمان وفيرًا والتمويل رخيص التكلفة، فمن السهل التعامل مع الانبعاثات بصفتها القضية الأكثر إلحاحًا في العالم، وعندما يكون شحيحًا ومكلفًا، وسط تنامي التوترات الجيوسياسية، تصبح الخيارات أكثر صعوبة.
استثمارات الحياد الكربوني
تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 سيتطلب استثمارات إضافية في تخفيف الانبعاثات تتراوح بين 2 تريليون دولار و2.5 تريليون دولار على مستوى العالم طوال العقد المقبل وحده، لمواجهة تداعيات تغير المناخ، ويأتي هذا في وقت ترتفع فيه قيود الموازنة وتكاليف خدمة الديون.
ويمكن لمستويات مرتفعة من تسعير الكربون أن تخفف من هذه الضغوط المالية، لكن فرضها، لا سيما في ظل ضغوط تكاليف المعيشة، لا بد أن يكون ضارًا سياسيًا.
ولن يؤدي ذلك إلا إلى زيادة نشاط الحركات السياسية، المهمشة سابقًا، على سبيل المثال، حركة السترات الصفراء في فرنسا وحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف.
في مواجهة هذه الأصوات، غيّرت حكومة ريشي سوناك في المملكة المتحدة موقفها بشأن التزامات بريطانيا فيما يتعلق بتعهدات مواجهة تداعيات تغير المناخ.
وفي مواجهة الضغوط المالية، خفّف حزب العمال، تدريجيًا، وعده بإنفاق 34.10 مليار دولار سنويًا على الاستثمار في الطاقة الخضراء، الذي يبدو في غياب الضرائب المرتفعة غير متوافق تمامًا مع الالتزام بتقليص الديون، حسبما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ولا يقتصر الأمر على أن أسعار الفائدة الأطول أمدًا هي التي تقوّض أهداف تغير المناخ، ومع تراجع الغرب عن الاستثمار في الوقود الأحفوري، فإن الصين تملأ الفراغ من خلال توفير التمويل اللازم لدول العالم النامي.
اقرأ أيضًا..
- استعمال الهيدروجين في أفريقيا ينمو 4%.. ومصر تقود القارة السمراء (دراسة)
- توربينات الغاز الجزائرية تترقب تجربة عالمية.. ما القصة؟
- أسهم 4 شركات مستثمرة في الغاز المغربي تنخفض 5%.. ما السبب؟