نمو استهلاك الفحم في إندونيسيا خارج الشبكة.. ما قصة محطات الكهرباء الأسيرة؟
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- نمو محطات الفحم خارج الشبكة لأغراض صهر المعادن
- إندونيسيا تحظر تصدير خامات المعادن منذ عام 2014
- الحكومة تركّز خفض الانبعاثات على محطات الفحم داخل الشبكة
- معالجة معادن الطاقة النظيفة بالفحم ثغرة بيئية كبيرة
- الفحم مسؤول عن 70% من انبعاثات الطاقة في إندونيسيا
تزايد استهلاك الفحم في إندونيسيا خلال الأعوام الأخيرة بصورة ملحوظة؛ ما أثار مخاوف تهديد الأهداف والالتزامات المناخية التي قطعتها البلاد على نفسها لخفض الانبعاثات والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2060.
وحذّر تقرير تحليلي حديث -حصلت وحدة أبحاث الطاقة على نسخة منه- من فشل إندونيسيا في الوصول إلى هدف ذروة الانبعاثات بحلول 2030، إذا استمرت في زيادة الاعتماد على الفحم بالمعدلات الحالية.
وتوسّع استهلاك الفحم في إندونيسيا -حديثًا- مع طفرة الإنتاج الضخمة خلال العقد الماضي، إذ بُنيَت ثلاثة أرباع الطاقة التشغيلية للفحم في البلاد منذ عام 2005؛ ما يشير إلى حداثة أسطول الفحم الإندونيسي مقارنة بالدول العريقة في استعماله مثل الصين والهند وجنوب أفريقيا، بحسب التقرير الصادر عن مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، بالتعاون مع مؤسسة غلوبال إنرجي مونيتور.
وزادت مكانة إندونيسيا في أسواق الفحم العالمية خلال العقد الماضي، إلى أن أصبحت أكبر مصدّر للفحم الحراري في العالم -حاليًا-، كما عززت البلاد أسطول محطات الكهرباء العاملة بهذا الوقود الأحفوري، لتمتّع البلاد بفائض جيد من الكهرباء، بحسب التقرير.
تضاعف محطات الفحم خارج الشبكة 8 مرات
اتّسع استهلاك الفحم في إندونيسيا خارج الشبكة الكهربائية، وهي ظاهرة متصاعدة تُسمى "محطات الكهرباء الأسيرة"، نسبة إلى تشغيل منشآت الفحم المشغّلة خارج الشبكة لأغراض الاستعمالات الصناعية.
و بصفة عامة، تشير محطات الكهرباء الأسيرة أو المقيدة إلى قدرة توليد الكهرباء التي تستغلها المنشآت الصناعية التجارية، لتلبية احتياجاتها الخاصة، ويمكن لهذه المحطات العمل خارج الشبكة الرئيسة، أو توصيلها بالشبكة لتبادل القدرات الفائضة.
وزادت سعة الكهرباء الأسيرة العاملة بالفحم في إندونيسيا 8 مرات خلال العقد الماضي، لتقفز من 1.4 غيغاواط عام 2013، إلى 10.8 غيغاواط في عام 2023، بحسب بيانات تفصيلية رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.
وتمثّل محطات الفحم خارج الشبكة 25% من إجمالي السعة التشغيلية في إندونيسيا، ما يقع خارج خطط الحكومة المركّزة على خفض الاعتماد على الفحم في قطاع الكهرباء داخل الشبكة.
كما تستحوذ محطات الكهرباء الأسيرة أو المخصصة للعمل خارج الشبكة على 50% من إضافات السعة الجديدة المقترحة للفحم في البلاد حتى يوليو/تموز 2023، شاملة المشروعات المعلَنة أو التي تنتظر الحصول على تصاريح.
وتبلغ قدرة محطات الكهرباء العاملة بالفحم خارج الشبكة -المقترحة أو قيد الإنشاء- قرابة 14.4 غيغاواط، بحسب بيانات رصدتها وحدة أبحاث الطاقة؛ ما يرجّح زيادة استهلاك الفحم في إندونيسيا خلال الأعوام المقبلة بصورة أكبر، مع دخول هذه المحطات إلى الخدمة.
معضلة صهر المعادن الحيوية بالفحم
تعدّ إندونيسيا موردًا رئيسًا للمعادن الحيوية اللازمة لتحول الطاقة، مثل النيكل والألومنيوم والحديد، لكنها تعتمد على الفحم بصورة كبيرة في تشغيل أفران صهر المعادن، وسط خطة تعزيز الاستفادة من المعادن ومنع تصديرها خامًا.
وحظرت إندونيسيا تصدير خامات المعادن غير المعالجة في عام 2014، بعد تأخّر 5 أعوام على اقتراحها؛ بهدف توطين صناعة المنتجات المعدنية النهائية وتصديرها إلى الخارج.
واستهدفت هذه الخطوة إجبار شركات التعدين الأجنبية العاملة في البلاد على بناء مصانع لمعالجة المعادن في إندونيسيا، وهو ما استجابت إليه الشركات الصينية خلال السنوات الأخيرة، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وتسمح خطة التنمية الصناعية الوطنية (2015-2035) بتطوير محطات الفحم المرتبطة بأغراض تعزيز القيمة المضافة من معالجة المعادن و الموارد الطبيعية؛ ما يفتح الباب أمام زيادة استهلاك الفحم في إندونيسيا من باب خلفي غير مباشر.
وتنتشر أفران صهر المعادن في 13 مقاطعة إندونيسية من أصل 37 مقاطعة تتكون منها البلاد الجزرية، ذات الـ274 مليون نسمة والـ1.9 مليون كيلو متر مربع.
وتستحوذ صناعة معالجة المعادن الحيوية في إندونيسيا على 8.2 غيغاواط من إجمالي سعة محطات الفحم خارج الشبكة، وفق المعلومات التي اطّلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة.
وتعدّ هذه المعادن منتجات ضرورية لتحقيق مسار تحول الطاقة عالميًا، إذ تستعمل في صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية بدرجات متفاوتة، إلى جانب الليثيوم والمنغنيز والغرافيت وغيرهم.
ومع ذلك، فإن هذه المعادن تُعالَج عبر استهلاك الفحم في إندونيسيا بصورة متزايدة، ما يشير إلى معضلة إنتاج معادن الطاقة النظيفة بأكثر مصادر الوقود الأحفوري تلويثًا للبيئة.
ويشكّل استهلاك الفحم في إندونيسيا خارج الشبكة ثغرة بالتزاماتها المناخية، إذ تقتصر جهود الحكومة على إزالة الكربون من قطاع الكهرباء داخل الشبكة؛ ما يعني وجود باب خلفي لاستهلاك الوقود الأحفوري يستحوذ على 50% من إجمالي مشروعات محطات الفحم المقترحة.
هدف ذروة الانبعاثات 2030 في خطر
يمثّل نمو استهلاك الفحم في إندونيسيا تحديًا كبيرًا أمام التزاماتها المناخية بخفض الانبعاثات والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060.
وتولّد محطات الفحم قرابة نصف الكهرباء في إندونيسيا، لكنها مسؤولة عن 70% من انبعاثات الكربون من قطاع الكهرباء الإندونيسي، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرغ، ورصدته وحدة أبحاث الطاقة العام الماضي.
وأسهمت زيادة استهلاك الفحم في إندونيسيا بحلولها بالمركز السابع ضمن قائمة أكبر 10 دول مطلقة للانبعاثات من قطاع الطاقة، بينما تحتلّ الصين والولايات المتحدة والهند المراكز الـ3 الأولى، بحسب بيانات تقرير المراجعة الإحصائية الصادر عن معهد الطاقة البريطاني (2023).
ويوضح الرسم التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- خريطة أكبر 10 دول في انبعاثات قطاع الطاقة عالميًا:
وتستهدف إندونيسيا الوصول إلى ذروة الانبعاثات بحلول عام 2030، عبر تسريع نشر الطاقة المتجددة وزيادة حصتها في مزيج الكهرباء الوطني إلى 48%، كما تخطط للتخلص من الفحم تدريجيًا بحلول 2040.
وتمثّل الانبعاثات المستقبلية من محطات الكهرباء الأسيرة العاملة بالفحم تهديدًا كبيرًا للتمويل المخطط في اتفاقية الشراكة العادلة لتحول الطاقة (جي إي تي بي)، البالغ 20 مليار دولار، بحسب التقرير.
اتفاقية الشراكة العادلة لتحول الطاقة
تقود الولايات المتحدة واليابان مبادرة الشراكة العالمية العادلة لتحول الطاقة المعلنة نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بالتعاون مع مجموعة الشركاء الدوليين، إلى جانب المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي وكندا وإيطاليا والنرويج والدنمارك.
وتهدف هذه المبادرة إلى دعم جهود الدول النامية في تسريع تحول الطاقة وخفض الانبعاثات خلال 3 إلى 5 سنوات مقبلة، وتعدّ إندونيسيا وفيتنام من أبرز دول جنوب شرق آسيا الموقّعة لهذه الاتفاقية.
وكان المقرر إطلاق الخطة الاستثمارية لاتفاقية الشراكة العادلة لانتقال الطاقة مع إندونيسيا هذا العام (2023)، إلا أنها تأجّلت، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ويعتقد فريق التحليل في مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف أن الشركاء الدوليين بحاجة إلى إعادة التفاوض مع الحكومة الإندونيسية بشأن التزامات وأهداف مناخية واضحة ومركزة وطموحة.
وما زال حجم استهلاك الفحم في إندونيسيا داخل محطات الكهرباء خارج الشبكة غير معروف على وجه الدقة، ويفتقر إلى الشفافية، ما يهدد بعرقلة مسار تحول الطاقة الذي تتبنّاه البلاد، بحسب الباحثة في منصة غلوبال إنرجي مونيتور المتخصصة لوسي هيومر.
وتنصح الباحثة الحكومة الأندونيسية بتسريع عملية تطوير صناعة المعادن الحيوية والتخلص التدريجي من محطات الفحم الأسيرة بمساعدة الشركاء الدوليين وخطط اتفاقية الشراكة العادلة لتحوّل الطاقة المؤجلة -حاليًا-.
موضوعات متعلقة..
- خطة الاستغناء عن الفحم في إندونيسيا تواجه عقبات بيئية واجتماعية (تقرير)
- إغلاق محطات توليد الكهرباء بالفحم في إندونيسيا يتطلب 37 مليار دولار
- تمويل الفحم خارج الصين يهبط إلى أقل مستوى في 12 عامًا (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- توقعات بانخفاض أسعار الغاز الأوروبية 20%.. متى ذلك؟
- هل فشلت صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر مصر؟.. مسؤول يفجر مفاجأة (خاص)
- أول قرية جزائرية تعمل بالطاقة الشمسية بشكل كامل (تفاصيل حصرية)