توسُّع محطات الفحم في قازاخستان يهدد بمخاطر اقتصادية ومناخية (تقرير)
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- قازاخستان تلزم نفسها بالوصول إلى الحياد الكربوني 2060
- خطة لبناء 4 محطات فحم جديدة بسعة 3.7 غيغاواط
- الفحم ما زال يستحوذ على 67% من مزيج الكهرباء
- خطة لنشر محطات الغاز في قطاع توليد الكهرباء
زادت وتيرة محطات الفحم في قازاخستان خلال الأشهر الأخيرة بصورة ملحوظة، وسط مخاوف من اصطدام ذلك بخطط خفض الانبعاثات والوصول الحياد الكربوني المعلنة منذ أشهر قليلة.
واعتمدت قازاخستان، في فبراير/شباط 2023، إستراتيجية وطنية لخفض الانبعاثات وتوسيع نطاق الطاقة المتجددة للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060، متأخرة عن دول أوروبا وأميركا بـ10 سنوات، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ولم تذكر الإستراتيجية الحاصلة على دعم البنوك ومؤسسات التمويل المحلية والدولية أيّ إشارة للتوسع في محطات الفحم بقازاخستان، بل تضمنت بنودًا واضحة على تقليل حصة الفحم في مزيج الكهرباء، وزيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة، مع استعمال الغاز الطبيعي لمدة انتقالية.
وتشكّل مشروعات الفحم الجديدة في قازاخستان انتكاسة مبكرة لخطط البلاد طويلة الأجل تجاه المناخ وخفض الانبعاثات ما يهدد سمعة البلاد الخارجية، وينطوي على مخاطر اقتصادية وبيئية كبيرة، وفقًا لتحليل نشره موقع ذا ثيرد بول "the third pole".
انتعاش محطات الفحم في قازاخستان
أعلنت قازاخستان، أواخر عام 2022 وأوائل هذا العام (2023)، خططًا لبناء 4 محطات جديدة لتوليد الكهرباء بالفحم، بسعة إجمالية تبلغ 3.7 غيغاواط.
ويقع أكبر مشروعين في مدينة إيكيباستوز، المركز الرئيس لتعدين الفحم في البلاد، إذ يركّز المشروع الأول على توسعة المحطة رقم 2 في المنطقة، بإضافة 1.9 غيغاواط جديدة إلى قدرتها، في حين يختصّ المشروع الثاني ببناء محطة ثالثة بسعة 1.2 غيغاواط.
وتعادل السعة الجديدة المقترحة لمحطات الفحم في قازاخستان 25% من سعة أسطول محطات التوليد العاملة بالفحم، ما يعني إضافة قوية إلى حصة المعدن الأسود في مزيج الكهرباء، وفقًا لتقديرات منصة غلوبال إنرجي مونيتور التي رصدت انخفاضًا قياسيًا في تمويل مشروعات التوليد بالفحم على مستوى العالم في عام 2022، باستثناء الصين.
يوضح الرسم التالي -أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- خريطة تمويل محطات التوليد العاملة بالفحم خلال الـ12 عامًا الماضية:
وتعاني قازاخستان ذات الـ20 مليون نسمة من تقادم البنية التحتية لمحطات الفحم، إلى جانب زيادة الطلب على الكهرباء، ما أدى إلى ارتفاع حالات انقطاع التيار بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة.
وتعتمد قازاخستان تاريخيًا على الفحم في توليد الكهرباء لاحتياطياته الوفيرة في البلاد وانخفاض تكلفته، ما جعله أكبر مساهم في مزيج الكهرباء بنسبة 67% حتى عام 2022.
بينما يستحوذ الغاز الطبيعي على 21.5% من توليد الكهرباء في البلاد، تليه الطاقة الكهرومائية بنسبة 7.3%، ثم مصادر الطاقة المتجددة الأخرى بنسبة 4.5% فقط، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
عُمر محطات الفحم يتجاوز المتوسط العالمي
رغم استحواذ محطات الفحم في قازاخستان على حصة الثلثين من مزيج الكهرباء، فإن متوسط عمر أسطول المحطات العاملة في البلاد يتجاوز المتوسط العالمي الحالي لأغلب المحطات حول العالم.
وغالبًا ما تُصَمَّم محطات التوليد العاملة بالفحم للعمل لمدة 40 عامًا، وهو ما تجاوزته محطات الفحم في قازاخستان منذ سنوات.
وينطوي تشغيل أسطول الفحم الذي قاربَ أو تجاوزَ العمر الافتراضي للمحطات على مخاطر كبيرة على مستوى التشغيل والتكلفة، مع كثرة الأعطال المتوقعة وزيادة أعمال الصيانة، فضلًا عن مخاطر انقطاع التيار والإمدادات على نطاق أوسع، ولمدد أطول من المحطات الأخرى حديثة الإنشاء.
وتتشابه حالة أسطول محطات الفحم في قازاخستان مع حالة الأسطول العامل في جنوب أفريقيا، التي تواجه عجزًا مزمنًا وانقطاعًا مستمرًا في التيار على نطاق واسع خلال السنوات الأخيرة، وحتى الآن.
معدل التآكل في المحطات 66%
كشفت مراجعة فنية حديثة لحالة محطات الفحم في قازاخستان وصول معدل التآكل والتلف بالمحطات إلى 66%، ما يتطلب تكثيف عمليات الصيانة واستثمارات كبيرة لضمان استمرارها في التوليد دون انقطاع التيار.
كما أظهرت المراجعة انخفاض قيمة بعض محطات الفحم في قازاخستان بنسبة 80%، مع سوء حالتها الفنية والتشغيلية، وفقًا للتحليل، التي تابعته وحدة أبحاث الطاقة.
وتضم مرافق الطاقة في قازاخستان محطات مشتركة لتوليد الكهرباء والتدفئة، ما يعني أن أيّ أعطال في محطات الكهرباء غالبًا ما ينتج عنه ترك بعض السكان دون تدفئة في منازلهم خلال فصول الشتاء القاسية.
ورغم حاجة قطاع الطاقة في قازاخستان إلى التمويل لضمان الصيانة الدورية الفاعلة للمحطات القديمة، فإن رسوم الطاقة التي يدفعها المواطنون لا تكفي لتمويل التكلفة المتزايدة لتشغيل محطات متهالكة.
ولجأت الحكومة إلى زيادة التعرفات الجمركية على بعض السلع المستوردة، ولم تسمح بزيادة أسعار الطاقة على المواطنين، خشية وقوعها في فقر الطاقة مع زيادة الاضطرابات العالمية.
بناء محطة نووية لا يحلّ الأزمة
تدرس قازاخستان منذ العام الماضي (2022) بناء أول محطة طاقة نووية لتوليد الكهرباء في البلاد، لكن إنشاء المحطات النووية غالبًا ما يستغرق 10 سنوات أو أكثر، ما قد يسهم في تلبية الطلب مستقبلًا، لكنه لن يحلّ أزمة الكهرباء الحالية.
ولجأت قازاخستان إلى بناء محطات فحم جديدة لوفرة الإنتاج المحلي، والاستفادة من العقوبات المفروضة على الفحم الروسي في زيادة صادراتها إلى الأسواق الأخرى.
وأعلن أكبر منجم لإنتاج الفحم في البلاد بمدينة بوغاتير خطة لزيادة إنتاجه من 33 إلى 40 مليون طن سنويًا، ويمكن لهذه الخطط أن تحقق منافع اقتصادية لقازاخستان على المدى القصير، لكنها ستضرّ بمسارها الطموح للوصول إلى الحياد الكربوني.
وتؤكد وكالة الطاقة الدولية على ضرورة التخلص من محطات الفحم (التي لا تتضمن تقنية احتجاز كربون) بصورة تدريجية حاسمة لضمان خفض الانبعاثات من قطاع الطاقة، بما يتماشى مع أهداف والتزامات اتفاقية باريس للمناخ الرامية إلى خفض درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية؛ تجنبًا للكوارث البيئية.
ويزيد التوسع بمشروعات الفحم الجديدة في قازاخستان من ارتباطها بالمعدن الأسود على المدى الطويل، ما سيجعل التزامات المناخ في البلاد أكثر تعقيدًا وتكلفة، إلى جانب مخاطر زيادة الاعتماد على الغاز لمدة انتقالية غير معلومة.
استعمال الغاز لمدة انتقالية محفوف بالمخاطر
من المحتمل أن تكون خطط استعمال الغاز في صورة وقود انتقالي محفوفة بالمخاطر، لأنها تُلزم قازاخستان بالاستمرار في الحفاظ على البنية التحتية للوقود الأحفوري وغيرها من الأصول، التي ستصبح غير مجدية اقتصاديًا بمرور الزمن، مع التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة ذات البنية التحتية المختلفة.
وتقول وكالة الطاقة الدولية، إنه لا ينبغي الموافقة على أيّ استثمارات جديدة في النفط والغاز، إذا كان العالم يرغب في تحقيق أهدافه المناخية بحلول عام 2050، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ورغم ذلك، فما زالت خطوات قازاخستان في إحلال محطات التوليد العاملة بالغاز محلّ نظيرتها العاملة بالفحم بطيئة حتى الآن، مع تركّزها في ألماتي أكبر مدينة قازاخستانية والعاصمة القديمة للبلاد، وضعف نشرها في المناطق الوسطي والشمالية الشرقية.
ورغم اكتمال خط أنابيب الغاز المحلي الذي يربط غرب قازاخستان الغني بالغاز الطبيعي بالعاصمة نور سلطان منذ عام 2019، فإن البلاد ما زالت متأخرة في إنشاء البنية التحتية اللازمة لتوزيع الغاز، بل إن العام الماضي شهد نقصًا ملحوظًا في الغاز للاحتياجات المحلية اضطر الحكومة لتقييد الصادرات.
وتُجري الحكومة القازاخستانية مناقشات مع روسيا لبناء خط أنابيب غاز ينقل الغاز الروسي إلى الصين عبر شمال شرق قازاخستان، ما قد يعفيها من استعمال الغاز المحلي عبر الاستفادة من هذا الخط.
ورغم المخاطر المحيطة بالتوسع بمحطات الفحم في قازاخستان وكذلك الغاز، فإن فرصة خفض الانبعاثات والانتقال إلى اقتصاد أخضر ما زالت قائمة، إذا نجحت البلاد في زيادة الاستثمار بمصادر الطاقة المتجددة وتقنياتها المتنوعة.
وتحتاج قازاخستان لتحقيق هذا المسار إلى زيادة الاستثمارات في أنظمة تخزين الكهرباء، والشبكات الذكية، والبنية التحتية للنقل، إلى جانب الاستثمار في كفاءة الطاقة بقطاعات الصناعة والمنازل.
كما يجب التوقف عن الخطط الجديدة لبناء محطات الفحم في قازاخستان وسرعة استبدالها بمشروعات الغاز، ومصادر الطاقة المتجددة، مع الاستثمار في البنية التحتية اللازمة لمستقبل تحول الطاقة في البلاد.
موضوعات متعلقة...
- وكالة الطاقة الدولية تتوقع استمرار الطلب القياسي على الفحم في 2023
- قازاخستان تنفي التسوية مع شركات النفط وتطالب بـ16.5 مليار دولار
- مشروع ضخم لإنتاج الهيدروجين الأخضر في قازاخستان سيدعم أوروبا
- مصدر الإماراتية تتولى تطوير محطة طاقة الرياح في قازاخستان بقدرة 1 غيغاواط
اقرأ أيضًا..
- تحالف أوبك+ يواصل سياسة خفض إنتاج النفط دون تغيير
- أكبر 10 دول منتجة للمعادن الأرضية النادرة في عام 2022 (إنفوغرافيك)
- أدنوك الإماراتية تستحوذ على 30% من حقل أبشيرون للغاز في أذربيجان