تحول الطاقة يهدد شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (ندوة)
داليا الهمشري
- ندوة تطالب شركات النفط الوطنية بخفض الانبعاثات مع ضمان أمن الطاقة
- خبير يطالب بلامركزية الطاقة وتحريرها من القرارات الحكومية
- التكنولوجيا المتاحة للطاقة المتجددة حتى الآن لن تلبي الطلب على الطاقة
- الوقود الأحفوري لا يمكن الاستغناء عنه لعقود طويلة مقبلة
تواجه شركات النفط الوطنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عددًا من التحديات التي تشكلها عملية تحول الطاقة، ولا سيما في ظل التعهدات التي التزمت بها لخفض الانبعاثات الكربونية في هذا القطاع، والفجوات بين الالتزامات والتنفيذ.
وأبرز المشاركون -في الندوة التي نظّمها معهد حوكمة الموارد الطبيعية، الخميس (27 يوليو/تموز 2023)- المخاطر التي يواجهها هذا القطاع، من أجل ضمان أمن الطاقة في ظل مواجهة التغيرات المناخية، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتمثّل هذه الندوة -التي جاءت تحت عنوان "انتقال الطاقة وشركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، وأدارتها مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية لوري هابتايان- الحلقة الثالثة من سلسلة ندوات عبر الإنترنت بعنوان "انتقال الطاقة والطريق إلى مؤتمر الأطراف كوب 28".
وتهدف سلسلة الندوات التي ينظمها معهد حوكمة الموارد إلى مناقشة الدور المحتمل لمؤتمر الأطراف في دفع الانتقال العادل للطاقة عالميًا، وخصائص وشروط عملية تحول الطاقة على الصعيد المحلي، ودور حكومات الدول الغنية بالنفط في انتقال الطاقة، ودور الهيدروجين الأخضر في هذا التحول.
تنسيق مواجهة المخاطر
يهدف معهد حوكمة الموارد الطبيعية إلى جمع النقاط الرئيسة من سلسلة الندوات، لوضع مجموعة من التوصيات لعرضها خلال المناقشات في مؤتمر الأطراف كوب 28، الذي سيُعقد في دبي خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2023.
وخلال الندوة، دعت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية لوري هابتايان، إلى ضرورة التنسيق بين الحكومات وشركات النفط لمواجهة المخاطر، وإشراك المواطنين في هذه الخطوات وتعريفهم بمستقبل البلاد.
وأبرزت ضرورة أن يتفق واضعو سياسات المناخ مع العاملين في قطاع الطاقة على صيغة مُرضية للطرفين تسعى إلى تحقيق الحياد الكربوني مع ضمان أمن الطاقة.
ومن جانبها، أوضحت الرئيسة التنفيذية لشركة كريستول إنرجي الدكتورة كارول نخلة، أن شركات النفط والغاز تخطط لـ30 عامًا مقبلة في محاولة للحفاظ على استثماراتها في السوق لأطول مدة ممكنة.
وأشارت إلى أن الشركات لا يمكنها -كذلك- غض الطرف عن قضية التغيرات المناخية في ظل توجهات سياسات الأسواق العالمية في النفط والغاز، التي تهدف إلى تحقيق تحول جذري نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري أو تقليل الانبعاثات الكربونية الصادرة عن استعمال النفط والغاز والفحم الحجري.
عوائد المشتقات النفطية
قالت الدكتورة كارول نخلة -في كلمتها خلال الندوة-، إن أغلبية شركات النفط الوطنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أصبحت تتجه إلى التنوع في طريقة الإنتاج ومصادر الطاقة، مع عدم التخلي عن النفط والغاز.
وأضافت أن عوائد المشتقات النفطية تمثّل نسبة كبيرة ليس فقط من أرباح هذه الشركات، وإنما من دخل الحكومات كذلك، مؤكدة صعوبة تعويض أرباح المشتقات النفطية بعوائد مصادر الطاقة المتجددة.
وتابعت نخلة، أن شركات النفط الوطنية أصبحت تتبنى اتجاهين:
أولًا: التحول بصورة أكبر وأسرع لخفض الانبعاثات الكربونية في طريقة إنتاج النفط والغاز من أعمال الاستخراج والتنقيب والتكرير، وأبرز هذه الجهود تتمثّل في المشروعات الضخمة بمجال التقاط الكربون وتخزينه.
ثانيًا: تنوع مصادر الطاقة مثل الهيدروجين، ولا سيما أن الشركات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستعمل الهيدروجين في عمليات التكرير خاصة للغاز الطبيعي.
واستطردت نخلة أن شركات النفط أصبحت تدرس -الآن- كيفية إنتاج الهيدروجين بطريقة أنظف بالاتجاه نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر، لافتة إلى أن أكبر مشروع في العالم لإنتاج الهيدروجين الأخضر موجود في المملكة العربية السعودية بنيوم، وشركة أرامكو ممول رئيس لهذا المشروع.
إنتاج الهيدروجين الأخضر
أوضحت الدكتورة نخلة، أن شركات النفط الوطنية تتسم بمميزات لا تتاح لمثيلتها الخاصة في مجال تنويع الطاقة مثل الدعم الحكومي ومصادر التمويل الضخمة الناتجة عن عوائد النفط والغاز.
وأشارت إلى أنه يمكن استغلال هذه العوائد في تمويل مشروعات الطاقة المتجددة أو المشروعات التي تعمل على خفض الانبعاثات الكربونية في قطاع النفط والغاز.
وحول المخاطر التي تواجهها شركات النفط الوطنية، أبرزت الدكتورة كارول نخلة أنها تتمثل بصورة أساسية في أن هناك مشروعات تتطلب تكلفة مرتفعة مثل مشروع "نيوم هيليوس" لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ولا سيما في ظل عدم وجود سوق للهيدروجين حتى الآن.
كما سلطت نخلة الضوء على أن التكلفة الباهظة لتقنية التقاط الكربون وتخزينه حالت دون انتشارها حول العالم، موضحة أنها ليست تكنولوجيا جديدة، ولكنها مُستعملة منذ عقود وطبقتها الجزائر من قبل.
تنويع الاقتصاد
لفتت الرئيسة التنفيذية لشركة كريستول إنرجي الدكتورة كارول نخلة، إلى ضرورة تنويع الاقتصاد والسماح بدخول المستثمر الأجنبي لتحفيز التوسع في استثمارات الطاقة المتجددة.
وقالت نخلة: "في الوقت الذي نفكر فيه في أمن المناخ لا بد -كذلك- من التفكير في ضمان أمن الطاقة".
وأضافت أن قارة أوروبا -وهي من أكثر مناطق العالم في تبني السياسات المتشددة تجاه مواجهة تغير المناخ، ولديها أجندات قوية للتوسع في مصادر الطاقة المتجددة- اضطرت العام الماضي 2022 إلى دعم مصادر الطاقة التقليدية من الفحم والنفط والغاز لمواجهة الأزمة التي شهدتها.
وأكدت أن أمن المناخ لن يتحقق سوى بضمان أمن الطاقة، مشيرة إلى أن أهم عوامل ضمان أمن الطاقة يتمثّل في الأسعار المناسبة التي لا تشكل عبئًا على المواطنين.
وأوضحت أن مصادر الطاقة المتجددة لم تنجح في تلبية الطلب على الطاقة، لافتة إلى أن هذا الأمر قد ظهر بوضوح في أزمة ارتفاع أسعار الطاقة العام الماضي.
عجز التكنولوجيا المتاحة
أفادت الدكتورة نخلة، بأن تكنولوجيا الطاقة المتجددة المتاحة -حتى الآن- لن تسمح بالاستغناء عن النفط والغاز، ما يستوجب استمرار شركات النفط الوطنية في الاستثمار والتنقية مع خفض الانبعاثات الكربونية، في ظل حاجة العالم إلى الاستفادة من الوقود الأحفوري في الوقت الحالي ولعقود طويلة مقبلة.
ودعت إلى ضرورة تحسين التقنيات المُستعملة في التنقيب وإنتاج النفط والغاز، من أجل تحقيق أهداف الحياد الكربوني، مشيرة إلى أن شركة أرامكو تعتمد على تقنيات أنظف وأكثر تطورًا.
بينما أوضح مدير مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة الدكتور عمر العبيدلي، أن التعاون لمواجهة المخاطر في قطاع النفط لم يصل إلى المستوى المتوقع والملائم؛ نظرًا لأن أغلب مشروعات النفط التابعة للشركات الخليجية تتجه بشراكتها خارج الإقليم بالتعاون مع شركات صينية وسنغافورية وأميركية وأوروبية.
لامركزية قطاع الطاقة
دعا الدكتور عمر العبيدلي إلى لامركزية قطاع الطاقة، وعدم خضوعه حصريًا للقرارات الحكومية، مشيرًا إلى أنه في دول الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، الشركات النفطية مستقلة ومساهمة وعامة.
كما طالب بضرورة استغلال الإيرادات النفطية والهيدروكربونية واستثمارها في خلق أنشطة اقتصادية مستقلة عن الوقود الأحفوري، لافتًا إلى أن هذا قد حدث في المملكة العربية السعودية والإمارات خلال السنوات الـ5 الماضية.
وأبرز وجود استثمارات سعودية ضخمة في مجال الطاقة الشمسية، مؤكدًا أهمية هذه الخطوة الإستراتيجية في تحقيق تنوع مصادر الطاقة.
وقال العبيدلي، إن الجهود المبذولة ومستوى تنفيذ الخطط الواعدة المرسومة ما يزالان أقل من المستوى المتوقع، مرجعًا ذلك إلى تداخل العوامل السياسية والاجتماعية في هذه القرارات.
وأضاف العبيدلي، أن حرب روسيا وأوكرانيا قد كشفت عن أن الخطط الموضوعة لتحول الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة النظيفة كانت غير واقعية من حيث الجدول الزمني.
واستطرد أن شركات النفط لا بد أن تعي الطلب على الوقود الأحفوري في أثناء وضعها خطط مواجهة التغيرات المناخية، وأن تكون مستعدة لتلبية هذا الطلب في أثناء تخطيطها بصورة إستراتيجية لمواكبة مرحلة جديدة خلال العقد المقبل تُقلص خلالها دور الوقود الأحفوري.
موضوعات متعلقة..
- كبريات شركات النفط والغاز تواجه خطر ركود قطاع البتروكيماويات
- شركات النفط والغاز تستعد لمستقبل تحول الطاقة بإنتاج الليثيوم
- شركات النفط والغاز تقود سباق إزالة الكربون.. 5 مزايا تُقربها من الهدف
اقرأ أيضًا..
- سوق الغاز في أوروبا.. هل هي جاهزة لتحديات الشتاء المقبل؟ (تقرير)
- نتائج أعمال إيني في الربع الثاني 2023 تهبط بالأرباح 49%
- اكتشاف نفطي جديد في خليج المكسيك الأميركي
- ابتكار نظام لنقل الهيدروجين وتخزينه.. قد ينقذ العالم (صور)