كيف تتخلص صناعة الكيماويات الأوروبية من الانبعاثات الكربونية؟
تقنيات التدوير الكيميائي حلًا
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- المواد الكيميائية الأولية تدخل في مزيج 95% من السلع المصنّعة عالميًا
- صناعة الكيماويات الأوروبية رابع أكبر قطاع على مستوى أوروبا
- انبعاثات صناعة البلاستيك ومخلّفاتها التحدي الأكبر أمام الأوروبيين
- تقنيات التدوير الكيميائي تحلّ معضلة الانبعاثات وإنتاج المواد الأولية
- شركة داو للتغليف والبلاستيك تجربة رائدة في خطط التحول
يتزايد الاهتمام بانبعاثات صناعة الكيماويات الأوروبية مع نمو صناعة البلاستيك المعتمدة على الوقود الأحفوري، وصعوبة التخلص من النفايات عبر طرق التدوير التقليدية، ما أسهم في زيادة الانتقادات الموجهة للصناعة لتسريع خطط خفض الانبعاثات على مستوى الاتحاد الأوروبي.
وتدخل المواد الكيميائية الأولية المصنوعة من النفط ومصادر الوقود الأحفوري بصورة غير مباشرة في مزيج 95% من السلع المصنّعة في العالم، ما يزيد من أهمية البحث عن بدائلها المستدامة للتخلص من انبعاثاتها المباشرة وغير المباشرة.
وتعدّ صناعة الكيماويات الأوروبية رابع أكبر قطاع على مستوى أوروبا، إذ بلغ حجم ما وظّفته الصناعة في عام 2021 قرابة 1.2 مليون عامل، في حين بلغت مبيعاتها قرابة 594 مليار يورو (648.6 مليار دولار)، وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز.
وزاد اهتمام صناعة الكيماويات الأوروبية بالبحث في بدائل المواد الأولية خلال السنوات الأخيرة، في إطار خطط انتقال الطاقة وخفض الانبعاثات على مستوى فروع الصناعة كلّها في الاتحاد الأوروبي.
ثالث أكبر مصدر للانبعاثات في أوروبا
تعدّ صناعة الكيمياويات الأوروبية من أكثر الصناعات استهلاكًا للطاقة، وثالث أكبر مصدّر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى الاتحاد الأوروبي، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وأنفقت الصناعة قرابة 9.9 مليار يورو (10.8 مليار دولار) في استثمارات البحث العلمي والابتكار، بعضها في مجال التقنيات الجديدة لتدوير نفايات البلاستيك والمواد الأولية الدائرية.
ويراهن خبراء صناعة الكيمياويات الأوروبية على ضرورة إحداث نقلة نوعية كبيرة في مجال خفض الانبعاثات، عبر فطم الصناعة عن المواد الكيميائية الأولية المصنّعة من النفط وتوفير نماذج تشغيل أكثر دائرية وأقلّ انبعاثًا وأكثر قابلية للانتشار على نطاق واسع.
وتتعرض صناعة الكيمياويات الأوروبية لضغوط شديدة لخفض الانبعاثات، سواء من موظفي الصناعة أو من المستثمرين والعملاء وصنّاع السياسات المدركين أهمية قضايا البيئة والتغير المناخي.
وتتزايد الرهانات على جعل قطاع الكيماويات أكثر استدامة عبر زيادة مشروعات إنتاج المواد الأولية الدائرية من تدوير النفايات البلاستيكية أو من المصادر الطبيعية، ما سيساعد الصناعة على تحقيق التزاماتها في الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050.
صناعة البلاستيك التحدي الأكبر
يكمن التحدي الأكبر في صناعة البلاستيك الأوروبية التي يعوّل على وصولها إلى الحياد الكربوني بسرعة لتمكين كل الصناعات الأخرى من الوصول إلى الهدف نفسه، لا سيما صناعة النقل والطاقة والمباني الأكثر استدامة.
وانخفضت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من صناعة الكيماويات الأوروبية بنسبة 54% على مستوى الاتحاد الأوروبي خلال 29 عامًا ممتدة بين (1990 - 2019)، في حين زاد الإنتاج بنسبة 47% خلال المدة نفسها.
وارتفع الإنتاج العالمي للبلاستيك إلى 390 مليون طن في عام 2021، وتركّز أغلب إنتاجه في آسيا بنسبة 52%، ثم أميركا الشمالية بنحو 18%، ثم أوروبا بنسبة 15%.
بينما استحوذت منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا على 8%، تليها أميركا اللاتينية بنسبة 4%، ثم دول الاتحاد السوفيتي سابقًا بنسبة 3%، وفقًا لتقرير صادر عن مجموعة بلاستكس يوروب (plastics europe).
خفض انبعاثات إنتاج المواد الأولية
أكدت المفوضية الأوروبية، في يناير/كانون الثاني 2023، أهمية إحداث تغيير جذري في صناعة الكيماويات الأوروبية عبر خطة مسار انتقالي مكونة من 150 إجراء مجمعًا في 26 موضوعًا متصلًا، يجب تنفيذها للوصول إلى أهداف خفض الانبعاثات.
ويعتمد سيناريو وكالة الطاقة الدولية للحياد الكربوني، بحلول 2050، على خفض واضح لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من إنتاج المواد الكيميائية الأولية، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وتحتاج صناعة الكيماويات الأوروبية إلى تغيير الطريقة التي تدير بها عمليات التصنيع، سواء على مستوى إنتاج المواد الأولية أو على مستوى صناعة البلاستيك وتدوير النفايات، خلال أقلّ من 30 عامًا متبقية للوصول إلى هدف الحياد الكربوني.
وأدخلت الصناعة تحسينات بيئية ملحوظة خلال السنوات الماضية، إلّا أنها ما زالت بطيئة، ولا تفي بحجم الالتزامات المطلوبة لمسار الحياد الكربوني.
ويمثّل ضعف تدوير مخلفات البلاستيك أحد أكبر التحديات التي تواجه الصناعة حاليًا، إذ ما يزال أكثر من 85% من المواد البلاستيكية غير قابل للتدوير.
ويراهن خبراء صناعة الكيماويات الأوروبية على إدخال طرق التدوير الكيميائية إلى جانب الطرق الميكانيكية التقليدية، ما قد يسهم في جعل نظام التدوير أكثر دائرية واستدامة، وأكثر قابلية لتدوير البلاستيك وإعادة استعمال محتواه مرة أخرى، بدلًا من الاعتماد على النفط في صناعة المواد الأولية.
خطة شركة داو نموذجًا
أيّدت صناعة الكيماويات الأوروبية أهداف الاتحاد الأوروبي طويلة الأمد، كما وافقت الصفقة الخضراء لانتقال الطاقة على مستوى كل فروع الصناعة، وألزمت نفسها بالوصول إلى الحياد الكربوني عام 2050.
وأعلنت شركة داو المصنّعة للمواد الكيميائية الأولية في أوروبا التزامها بالمساعدة في خطط انتقال الطاقة بالصناعة مع التعهد بمعالجة الضرر البيئي الناجم عن النفايات البلاستيكية.
وتعمل الشركة بصورة جادة لوضع خريطة طريق لكل مواقعها الإنتاجية على مستوى أوروبا لخفض انبعاثات النطاقين الأول والثاني، تمهيدًا للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050.
وتستهدف الشركة خفض انبعاثات مصنعها الضخم بمنطقة "تيرنوزن" جنوب هولندا بنسبة 40% بحلول عام 2030، من خلال عملية كهربة شاملة لعملياتها الإنتاجية ستمهّد الطريق لتحقيق هدف صافي الانبعاثات بحلول 2050.
ويضم مصنع "تيرنوزن" تحت مظلته 16 مصنعًا و3 آلاف و700 موظفًا، وهو أكبر منشأة أوروبية تابعة لشركة "داو"، وثاني أكبر منشأة لها عالميًا، إلى جانب كونها موطنًا لمركز بحث وتطوير دولي تابع، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ويستهدف المصنع -متعدد الجنسيات- التوسع في إنتاج المواد الدائرية لتعزيز سلاسل القيمة الدائرية المصممة لخفض 40% من انبعاثات النطاقين الأول والثاني على 3 مراحل، بحلول 2030.
نشر تقنيات التدوير الكيميائي في أوروبا وأميركا
دخلت "داو" في سلسلة من الشراكات مع غيرها من الشركات لنشر تقنيات إعادة التدوير الكيميائي في صناعة البلاستيك وتدوير المخلّفات وصناعة المواد الأولية الدائرية.
وأعلنت الشركة -مؤخرًا- ضخ استثمارات في شركة "ميرا - Mura" الرائدة في تطوير تقنيات إعادة التدوير الكيميائية، والتي تعكف على إنشاء مرافق للتدوير الكيميائي لمخلّفات البلاستيك في الولايات المتحدة وأوروبا.
وتتضمن المرحلة التالية من التعاون بين الشركتين بناء منشأة جديدة في ألمانيا بطاقة تدوير كيميائية تصل إلى 120 ألف طن سنويًا عند تشغيلها بكامل طاقتها التدويرية.
وإذا نجحت الشركة في تشغيل جميع المصانع المخطط لها في أوروبا وأميركا الشمالية، فستصبح شركة "داو" أكبر مستهلك للمواد الأولية الدائرية لإنتاج البولي إيثيلين على مستوى العالم.
ويعني هذا أن المواد الأولية التي تستعملها "داو" في مصانعها الكيميائية ستستبدل بها مواد دائرية مستدامة بدلًا من المواد الأولية المعتمدة على الوقود الأحفوري، كما سيمكّنها من استغلال تخزين الكربون في المستقبل القريب.
وسيساعد هذا في استعادة النفايات البلاستيكية من مدافن النفايات أو الحرق وإعادة تحويلها إلى خامات ثانوية للصناعة، ما سيسهم في خفض الانبعاثات وتقليل استعمال المواد الأحفورية معًا، إذ يمكن لعمليات إعادة التدوير الكيميائية الأكثر تقدمًا أن تجنّب البيئة أكثر من 60% من الانبعاثات الصادرة من حرق النفايات والبلاستيك.
كما يمكن استعمال الكربون الذي تحتويه النفايات في صنع منتجات جديدة بالمواصفات والخصائص نفسها التي اعتادت عليها الصناعة دون فارق يُذكر، ما يفتح الطريق أمام تحويل اقتصاد البلاستيك التقليدي إلى اقتصاد دائري ضخم.
موضوعات متعلقة..
- خفض التلوث البلاستيكي العالمي بنسبة 80% ممكن بحلول 2040 (تقرير)
- تقنيات إعادة تدوير النفايات البلاستيكية مكلِفة وخطرة بيئيًا (دراسة)
- إعادة تدوير النفايات البلاستيكية كيميائيًا.. كم برميلًا من النفط يمكن توفيره؟
اقرأ أيضًا..
- صفقة استحواذ في الجزائر قد تكتب فشل مشروع سولار 1000 (خاص)
- الديزل الروسي يواصل التدفق إلى المغرب وتركيا.. ومفاجأة سعودية
- أسعار الغاز تترقب آثار تمرد مجموعة فاغنر الروسية