أسواق تعويضات الكربون تتطلب تطويرًا تجاريًا واسعًا لمواكبة الطلب المتزايد (تقرير)
قيمة السوق قد تتجاوز تريليون دولار سنويًا
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- مبادرات تعويضات الكربون تشمل الأفراد والشركات والدول.
- أغلب المبادرات ما زالت طوعية ولم تصل إلى حد الإلزام بعد.
- اقتراحات بتطوير أسواق تعويضات الكربون على أسس تجارية.
- توقعات بارتفاع الطلب العالمي على أرصدة الكربون إلى 1.2 مليار طن بحلول 2030.
- أسواق الكربون الحالية لا تصلح لمواكبة الطلب المتوقع بحلول 2050.
ما زالت أسواق تعويضات الكربون محل جدل واسع بين خبراء البيئة والصناعة المهتمين بتقييم مسارها، خلال العقدين الماضيين، ومدى جدواها الاقتصادية والمناخية المحتملة في المستقبل؛ ما يعرقل -حتى الآن- التوافق العالمي نحو معايير محددة تكون نبراسًا للأسواق وتُوسع نطاقها التجاري، خاصة مع الطلب المتزايد حول العالم.
وتتزايد مبادرات إنشاء أسواق الكربون حول العالم، منذ إطلاق أول سوق رائدة لها في أوروبا عام 2005، إلا أن فكرة السوق نفسها ما زالت تتعرض لانتقادات ضعف الفاعلية من قبل عدد من الخبراء والمتخصصين، وفقًا لتقرير صادر عن منصة بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس المتخصصة (BloombergNEF).
ويرى التقرير ضرورة التعامل مع تعويضات الكربون على أنها سلعة ذات نطاق تجاري واسع، موضحًا أن الطلب المستقبلي على أرصدة الكربون قد يرفع قيمة السوق إلى تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2037، مقابل 2 مليار دولار حاليًا.
وتستند فكرة أسواق تعويضات الكربون إلى إلزام الأفراد والشركات والدول بدفع مقابل مالي محدد نظير الانبعاثات الصادرة عن استهلاكهم للوقود الأحفوري -فوق حد معين- أو المساهمة في مشروع منخفض الكربون، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وغالبًا ما تتجه اقتراحات تحصيل المقابل المالي من الأفراد عبر وسائل الرسوم الإضافية التي تُحمل على تكلفة بعض الخدمات والتراخيص ذات الصلة، مثل رسوم تذاكر الطيران وفواتير الكهرباء والغاز والمواصلات والمرور وغيرها، إلا أنها ما زالت طوعية في الغالب.
أسواق تعويضات الكربون بالنسبة للشركات
تتجه أغلب الاقتراحات بالنسبة للشركات إلى إنشاء نظم امتثال بيئية محلية تلتزم بموجبها الشركات بحدود معينة من الانبعاثات سنويًا، عبر تراخيص تمنحها سلطات البيئة والرقابة الوطنية في كل بلد وفق معايير عالمية ما زالت محل نقاش دولي ولم يستقر عليها بصورة ملزمة بعد، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وتستطيع الشركات التي تنجح في خفض انبعاثاتها -عن الحدود المفروضة- طرح شهادات تسمى شهادات الكربون في أسواق تداول تشبه أسواق الأسهم، لتشتريها الشركات التى ما زالت غير قادرة على خفض الانبعاثات على حسب ظروف العرض والطلب.
بموجب هذه الفكرة، تزداد التكلفة على الشركات المتجاوزة لحد الانبعاثات المفروضة من جانب، في مقابل خفض الانبعاثات من جانب الشركات الملتزمة وحصولها على أموال تستطيع ضخها في مزيد من المشروعات النظيفة أو منخفضة الكربون.
وينتج عن هذه المعادلة -نظريًا- توازن الكفتين بين الكيانات التي تعمل على خفض الانبعاثات ونظيرتها المعاندة في إصدار انبعاثات أعلى، مع مكافأة الأولى وتغريم الثانية، وفقًا لصندوق النقد الدولي.
كما تراهن هذه المعادلة على دفع الشركات الملوثة إلى التفكير بمنطق الفرصة البديلة للاستثمار في مشروعات خفض الانبعاثات أو الطاقة المتجددة بدلًا من الاستمرار في شراء شهادات الكربون من الشركات الملتزمة، التي تراهن على المستقبل.
السعودية ومصر أحدث الملتحقين بالأسواق
تعد أوروبا أول من أنشأ سوقًا لتداول الانبعاثات في العالم منذ 2005، في حين جاءت أفكار الأسواق المماثلة في الولايات المتحدة وآسيا متأخرة لسنوات، وصولًا إلى الصين المؤسسة لسوقها رسميًا يوليو/تموز 2021.
كما دخل الشرق الأوسط مؤخرًا على خط المبادرات العالمية لنشر فكرة أسواق تعويضات الكربون، وكانت البداية من المملكة العربية السعودية التي أطلقت أول منصة طوعية لتداول الكربون في الشرق الأوسط خلال سبتمبر/أيلول 2021.
كما أطلقت مصر، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أول سوق طوعية لتداول شهادات الكربون في أفريقيا على هامش قمة المناخ كوب 27 العام الماضي.
وهناك مستوى آخر لتوسيع نطاق أسواق تعويضات الكربون على الصعيد العالمي، ويستند إلى إلزام الدول الصناعية الكبرى المتسببة في الجزء الأكبر من انبعاثات العالم، بمساعدة الدول الفقيرة أو الأكثر هشاشة عبر مساعدات مالية سنوية.
وتعهّدت دول العالم الكبرى في قمة باريس للمناخ عام 2015، بمساندة الدول النامية بمبلغ 100 مليار دولار سنويًا لمساعدتها في مواجهة آثار التغيرات المناخية، لكن هذه الوعود لم تخرج عن كونها مبادرات طوعية ولم ينفّذ منها إلا القليل، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وتتطلع الشركات والحكومات إلى تطوير أسواق تعويضات الكربون خلال العقود المقبلة، بوصفها أداة رئيسة في خطط خفض الانبعاثات والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050.
ومن المفترض أن تسهم تعويضات الدول الكبرى للدول النامية في خفض الانبعاثات العالمية بصورة غير مباشرة؛ نظرًا إلى اختلاط غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي؛ ما يعني أن خفضها بأي مكان يصب في جهود الحماية الشاملة للمناخ.
توسيع النطاق التجاري لأسواق الكربون
يتوقف مدى نجاح أسواق تعويضات الكربون خلال العقود المقبلة على عدة عوامل؛ أهمها بناء الثقة بالتعويضات وتطوير نظم الأسواق ذاتها وانتقالها من مجرد أسواق طوعية إلى أسواق تجارية تحكمها معايير محددة، وفقًا لمنصة بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس.
وتحدث أغلب تعاملات تعويضات الكربون الحالية خارج البورصة، بصورة طوعية ضيقة النطاق على مستوى أصحاب بعض المشروعات وبعض المشترين الراغبين، في حين يطالب المتحمسون بضرورة توسيع نطاقها لتشمل أعمال البنية التحتية الداعمة للتجارة الفورية والائتمانات الكبيرة.
ويشرح الرسم التالي، من إعداد وحدة أبحاث الطاقة، أسعار تعويضات الكربون المتوقعة بحلول 2050:
وتعتقد منصة بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس أن تداول تعويضات الكربون خارج البورصة لن يكون كافيًا للتعامل مع الطلب العالمي المتنامي على أرصدة الكربون بحلول 2030، ثم 2050.
ومن المتوقع زيادة الطلب العالمي على تعويضات الكربون إلى 1.2 مليار طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون بحلول نهاية 2030، قبل أن يرتفع إلى 5.38 مليار طن بحلول 2050.
ويزيد هذا الطلب المستقبلي على الطلب الحالي بأكثر من 35 مرة؛ ما سيفوق قدرة أسواق تداول الانبعاثات الطوعية الحالية التي تجري معاملاتها خارج البورصات.
3 محاور عاجلة للتطوير
تقترح منصة بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس إعادة النظر في قواعد أسواق تعويضات الكربون الحالية، وتطويرها على أسس تجارية مرنة تصلح لمواكبة طفرة التعاملات الضخمة المرتقبة مستقبليًا في عالم يسير نحو الحياد الكربوني.
ويأتي ذلك من خلال توسيع نطاق المعاملات الفورية والشفافة في أسواق تداول الكربون عبر 3 محاور رئيسة؛ أهمها ضرورة الاتفاق على تعرفات ومعايير الجودة بين الجهات المنظمة.
كما تشمل الاقتراحات إعادة النظر في طبيعة الهيكل اللامركزي لأسواق تعويضات الكربون الحالية، بوصفها عائقًا أمام تطوير التعرفات والمعايير.
أما الاقتراح الثالث؛ فيختص بتطوير صيغ عقود موحدة للسوق ومنتجات مالية مستقبلية مرنة تشجع على الاستثمار في هذا المجال بوصفها أسواقًا تجارية مثل أسواق السلع.
وانخفضت شهية المستثمرين على شراء شهادات تعويضات الكربون خلال العام الماضي، بسبب مخاوف متزايدة بشأن الجودة، إلا أن السوق ما زالت تحرز تقدمًا في اتجاه تحولها إلى سوق للسلع الأساسية، على حد تعبير بلومبرغ.
موضوعات متعلقة..
- ما الفرق بين أسواق الكربون الإلزامية والطوعية؟.. أداة لخفض الانبعاثات
- أسواق الكربون الطوعية.. فرصة الشركات لتعزيز خفض الانبعاثات
-
أسواق تعويضات الكربون تشهد تقلبات نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا
- سوق الكربون الصينية قد تفشل في خفض انبعاثات شركات الطاقة (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- هل تنخفض أسعار النفط الخام في النصف الثاني من 2023؟ أنس الحجي يجيب
- أكبر 10 حقول نفط في العالم حسب الاحتياطيات المؤكدة المتبقية (إنفوغرافيك)
- استثمارات المركبات الكهربائية عالميًا ترتفع 18 مرة خلال 6 سنوات (تقرير)