مشروعات الطاقة المتجددة تواجه مخاطر التعدي على حقوق الملكية
أضرار للحكومات والشركات ومؤسسات التمويل
أحمد أيوب
عندما تقرأ عن تأثير الطاقة المتجددة في حقوق الإنسان؛ قد يقفز إلى ذهنك سؤال -مشروع- حول العلاقة التي تربط هذه بتلك، لكن يبدو أن هناك علاقة قوية بين حق الأفراد في التملك وانتشار مشروعات الطاقة النظيفة عالميًا.
فعلى الرغم من المزايا الجمّة للمشروعات النظيفة وتأثيراتها الإيجابية الجلية في ضبط بوصلة التغيرات المناخية عالميًا؛ فإن هناك وجهًا سلبيًا آخر لهذه المشروعات يمكن أن يقوض جميع الجهود الدولية لنشرها.
وعرضت دراسة حديثة ما يزيد على 200 شكوى حول العالم تدّعي التضرر من مشروعات الطاقة المتجددة بسبب سياسات الحصول على الأراضي من السكان الأصليين والمجتمعات المحلية، بحسب مقال للكاتبين هانسيكا أغراوال، ولورا الكثيري، نشره الموقع الرسمي للمنتدى الاقتصادي العالمي، في 11 مايو/أيار 2023.
وينذر المقال بوقوع ضرر بالغ على كل من الشركات والحكومات ومؤسسات التمويل الدولية، في حالة عدم مراعاة تحقيق التجانس بين تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة وحقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بالحصول على الأراضي من السكان الأصليين والمجتمعات المحلية.
ويقدم كاتبا المقال مجموعة من الحلول الواجب اتباعها؛ لتفادي عرقلة جهود تطوير مشروعات الطاقة المتجددة، وكذلك لحماية حقوق السكان مالكي وقاطني الأراضي التي تُقام عليها مثل هذه المشروعات.
تحول الطاقة وحقوق الإنسان
تفرض أزمة المناخ العالمية التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، وبالفعل تبنّت الدول حول العالم مبادرات قوية لتحول الطاقة لدعم مشروعات الطاقة النظيفة، ومن ذلك قانون خفض التضخم الأميركي، وصفقة الاتحاد الأوروبي الخضراء.
ويستلزم نشر هذه المشروعات توفير أراضٍ شاسعة لإقامتها، ويصطدم ذلك -في كثير من الأحيان- مع مالكي هذه الأراضي وقاطنيها من السكان الأصليين للبلدان التي تُقام فيها هذه المشروعات.
وتلقى الكثير من هذه المشروعات معارضات من المجتمعات المحلية، وغالبًا ما تفشل الحكومات والشركات في التشاور معها بشكل هادف في صنع القرار العام وفي تخطيط وتنفيذ السياسات المناخية الوطنية.
وفي كثير من الأحيان، تُستبعد هذه المجموعات من السكان المحليين، من عملية صنع القرار الإنمائي على نطاق واسع، بل يُستولى على أراضيهم قسريًا.
ويؤدي ذلك إلى وقوع أضرار بالغة للشعوب الأصلية بسبب فقدان أراضيها وسبل عيشها، فضلًا عن انتزاعها من محيطها الثقافي.
وسجّلت دراسة حديثة أكثر من 200 حالة تدّعي تأثرها سلبيًا بمشروعات الطاقة المتجددة، خلال المدة بين عامي 2010 و2020؛ ما يشير إلى فشل واسع النطاق للجهات الفاعلة الرئيسة في الوفاء بمسؤولياتها المعترف بها دوليًا لحماية حقوق الإنسان.
ويستدعي هذا الحديث عن مفهوم التحول العادل للطاقة الذي يراعي ويحترم حق الإنسان في الحفاظ على ممتلكاته؛ حتى لا يتآكل الدعم الشعبي لمشروعات الطاقة المتجددة.
ضرر للجميع
لا تقتصر التأثيرات السلبية على السكان المحليين فقط، وإنما ينال جميع المشاركين في العملية التنموية لهذه المشروعات نصيبهم من الضرر.
فالجميع؛ بما في ذلك الحكومات والشركات ومؤسسات تمويل التنمية، يواجهون مخاطر حقيقية عندما لا تُعطى الأولوية لمصالح المجتمع وحقوق الإنسان.
فالشركات يمكن أن تجد نفسها معرّضة لتهديدات قانونية وإضرار بسمعتها الاعتبارية، فضلًا عن الخسائر المالية المحتملة.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حجم استثمارات الطاقة المتجددة عالميًا خلال المدة من 2014 حتى 2022:
وبالنسبة إلى الحكومات التي تقع هذه المشروعات على أراضيها، فإن تأجيل الأعمال بسبب معارضة السكان ومالكي الأراضي يتسبب في حرمانها من هذه الاستثمارات المهمة.
كما أنها قد تواجه -بسبب ذلك- خطر تلويث سمعتها واتهامها بدعم انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما يلحق الضرر بمصداقيتها في المضي قدمًا بتنفيذ مشروعات أمن الطاقة وأهداف التنمية المستدامة.
وعلى صعيد مؤسسات تمويل التنمية؛ يمكن أن تتعرض سمعة هذه المؤسسات وخططها لآثار سلبية بسبب عدم وضع اعتبارات حقوق الإنسان في الحسبان.
كما يمكن أن يتسبب ذلك في تحقيق هذه المؤسسات خسائر مالية كبيرة، تتمثل في فشل استرداد قيم الائتمان المُقدم لهذه المشروعات.
وتطول التأثيرات السلبية -أيضًا- الدول التي ترسل شركات تحمل جنسيتها إلى دولة أخرى.
ففي حالة حصول هذه الشركات على أراضٍ بشكل مخالف لقواعد حقوق الإنسان؛ فإن مبادرات هذه الدول الداعمة لتعزيز نشر الطاقة النظيفة في البلدان الأخرى تفقد مصداقيتها، ومن المحتمل أن تتعرض لانتقادات مجتمعية حادة جراء ذلك.
كيف ينبغي أن تتصرف الدول؟
حدد المقال، الذي نشره المنتدى الاقتصادي العالمي، مجموعة من السياسات العملية التي ينبغي على كل من الدول والشركات ومؤسسات تمويل التنمية اتباعها لتفادي هذه المعضلة وتحقيق ما سماه نتائج التنمية الإيجابية المسؤولة.
وتضمّن المقال الإشارة إلى مجموعة من التوجيهات لصانعي السياسات -التي صدرت مؤخرًا من مركز كولومبيا للاستثمار المستدام- التي تضمّنت إرشادات حول أولويات السياسات الرئيسة التي يجب على مختلف صانعي السياسة اتباعها لتحقيق معادلة انتقال الطاقة والحفاظ على حقوق الإنسان.
وأكد كاتبا المقال ضرورة احترام الحكومات ومؤسسات التمويل الدولية والمنظمات الحكومية الدولية حقوق الإنسان وحقوق الملكية واحترامها، وإشراك الشعوب والمجتمعات المتضررة في عملية التنمية.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حصص أكبر 10 دول من إجمالي سعة الطاقة المتجددة المركبة منذ عام 1991 حتى عام 2026:
وأشار المقال إلى أهمية تعزيز التنمية على المستوى المحلي من خلال نماذج العدالة المشتركة وتقاسم المنافع، والعمل من خلال مبادئ مشتركة لمعالجة الأضرار.
وأورد الكاتبان مجموعة من السياسات والإستراتيجيات التي يمكن اتباعها لتعزيز هذه الأهداف؛ على سبيل المثال بالنسبة إلى حكومات الدول المُضيفة لمشروعات الطاقة المتجددة؛ فإن هناك أدوات مثل عمليات تقييم الاستثمار، ومفاوضات التعاقد بين المستثمر والدولة، وسياسات المناخ الوطنية، وحشد الأموال لإقامة هيئة تمثيلية للمجتمعات المحلية.
وتطرّق المقال إلى ضرورة إعطاء الأولوية لنشر المشروعات الصغيرة التي تقودها المجتمعات المحلية.
كما يمكن للدول المساهمة في تشكيل سلوك الشركات من خلال التوافق على إستراتيجيات لضمان حقوق الإنسان، وقوانين البيئة الإلزامية، ومتطلبات الكشف عن الاستدامة.
موضوعات متعلقة..
-
مقال - هل تستطيع الطاقة المتجددة إنقاذ كوكب الأرض؟
-
آيرينا: استثمارات الطاقة المتجددة عالميًا تحتاج 5 تريليونات دولار سنويًا
اقرأ أيضًا..
-
شركة بريطانية قد تكون على موعد مع اكتشاف نفطي في مصر خلال يوليو
-
هل يخفّض النفط الروسي حصة السعودية في أسواق الهند؟ أنس الحجي يجيب
-
بتروبراس البرازيلية تستعد لتحريك أسعار الوقود خلال أيام