الطاقة الشمسية في الإمارات.. أرقام قياسية تواجه رياحًا معاكسة (تقرير)
محمد عبد السند
ترسم سوق الطاقة الشمسية في الإمارات حاضرًا مشرقًا ومستقبلًا باهرًا -على الأرجح- بفضل السياسات المبتكرة التي تستحدثها أبوظبي، واستثماراتها السخية في هذا المجال بصفة خاصة وقطاع الطاقة النظيفة والمتجددة بصفة عامة.
إلا أن هذا القطاع الحيوي في البلد الخليجي الغني بالنفط ما زال يصارع بعض الرياح المعاكسة التي تتطلب تدخلًا سريعًا من قِبل القائمين على صناعة الطاقة الشمسية، حال أرادوا لها مواصلة مسارها الحالي.
وتتويجًا لجهود سنوات طوال، حققت الإمارات تقدمًا كبيرًا في تعزيز اعتمادها على الطاقة المتجددة في السنوات الأخيرة؛ إذ تستهدف زيادة حصتها من الكهرباء النظيفة في مزيج الطاقة الوطني إلى 50% بحلول عام 2050، حسبما أورد موقع مجلة "بي في ماغازين" (pv magazine).
وتُصنف الإمارات -حاليًا- واحدة من أسرع الأسواق نموًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع وصول سعة تركيب الكهرباء المتجددة إلى نحو ألفي ميغاواط سنويًا، وفق بيانات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
رياح معاكسة
رغم تلك الطفرة؛ فما زالت ثمة تحديات عدة تواجه سوق الطاقة الشمسية في الإمارات، والتي قد تعطل الأخيرة عن تحقيق أهدافها الطموحة في هذا المجال.
وفي هذا السياق، علّق مدير التطوير العالمي في جمعية الشرق الأوسط لصناعة الطاقة الشمسية رومان ريتشي، بقوله: "على مدار العامين الماضيين، ونتيجة للزيادة في أسعار الألواح الشمسية، شهد مطورو الطاقة الشمسية الكبار تأخيرات في تسلم الوحدات من الصين، وهو ما تسبب في إرجاء طفيف لمشروعاتهم في المنطقة".
ونتيجة لتلك التحديات ظلّت قيمة السعة التراكمية المركبة لسوق الطاقة الشمسية في الإمارات تلامس قرابة 3.5 غيغاواط، بحلول نهاية العام الماضي (2022)، وستصل قريبًا إلى 6 غيغاواط فور إنجاز المشروعات العملاقة الحالية في أبوظبي (محطة الظفرة للطاقة الشمسية بسعة 1500 ميغاواط) ودبي ( مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية بمرحلتيه الرابعة والخامسة سعة 950 ميغاواط و900 ميغاواط على الترتيب)، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ومع تنفيذ برامج مثل إستراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050، التي تستهدف توفير ما نسبته 75% من إجمالي سعة الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة، ورؤية أبوظبي 2030، وضعت الإمارات مُستهدفات سخية لتطوير تقنية الطاقة الشمسية.
مشروعات طموحة
يقول ريتشي: "مع بدء انعقاد مؤتمر المناخ كوب 28 في الإمارات، ستُعلَن تطورات جديدة -على الأرجح-"، وفق التصريحات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
ولفت إلى أنه خلال العام الجاري، ستنتهي شركة مياه وكهرباء الإمارات (إي دبليو إي سي) من مناقصة مشروع محطة العجبان للطاقة الشمسية الذي يستهدف إضافة 1500 ميغاواط من الطاقة الشمسية في إمارة أبوظبي.
وتابع: "في غضون ذلك، تستمد دبي بالفعل 14% من احتياجاتها الكهربائية من مصادر الطاقة النظيفة؛ وطرحت هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) مناقصة للمرحلة السادسة من مجمّع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، لإتاحة سعة إضافية تلامس 1800 ميغاواط".
التنظيم القانوني
بينما تشهد سوق الطاقة الشمسية في الإمارات نموًا مُذهلًا، تبقى هناك تحديات عديدة لا تزال بحاجة إلى حل، من بينها القضايا القانونية والتشريعية، وقيود التمويل، وقيود الدمج في الشبكة.
ولعل أحد تلك التحديات، هو غياب التنظيم المتعلق بسوق التوليد الموزع (اللامركزي) في الإمارات، وتحديدًا خارج إمارة دبي، وفق المعلومات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
ويُعرف التوليد الموزع بأنه عملية توليد الطاقة الكهربائية بالاعتماد على محطات الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، من بين مصادر أخرى عدة) الموزعة بمختلف نقاط الشبكة وبالقرب من المستخدمين. وتتيح المحطات الموزعة سعة مركّبة صغيرة نسبيًا، قياسًا بالمحطات التقليدية.
ومع ذلك فإنه وفي نوفمبر/تشرين الثاني (2021)، أعلنت الإمارات نيتها تطبيق قانون فيدرالي يُنظم توصيل وحدات إنتاج الكهرباء المتجددة الموزعة بالشبكة الكهربائية في مختلف الإمارات الـ7 بالبلاد.
ومن المتوقع أن يعيد ذلك إحياء سوق التوليد الموزع خلال السنوات القليلة المقبلة، بزيادة سنوية تُقدر بما يتراوح من 400 إلى 500 ميغاواط سنويًا، ما إن تُسن الإجراءات التنظيمية في هذا الخصوص، قياسًا بالمعدل الحالي الذي يتراوح من نحو 60 إلى 100 ميغاواط سنويًا.
وسيمثل هذا بالطبع قفزة كبيرة لسوق التوليد الموزع بوجه خاص، وسوق الطاقة الشمسية في الإمارات بوجه عام.
الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- يُسلّط الضوء على سعة الطاقة المتجددة في الإمارات:
قطاع المرافق
في قطاع المرافق بسوق الطاقة الشمسية في الإمارات، تتركز المشروعات -أساسًا- في دبي وأبوظبي؛ ومن ثم فإن دمج تلك المشروعات المُنفذة على قطاع المرافق يجعل من الصعب جدًا بالنسبة للمطورين المحليين تحقيق النمو في هذا القطاع الحيوي.
ورغم تلك التحديات؛ فقد تُسهم سوق الطاقة الشمسية في الإمارات بـ25% من إجمالي الكهرباء المولَّدة في البلاد، بينما سيصل إجمالي سعة الطاقة الشمسية المركبة إلى 44 غيغاواط بحلول عام 2050، ما يقترب جدًا من المستويات المٌستهدفة، وفق توقعات وكالة الطاقة الدولية.
لكن ستحتاج الإمارات إلى مواصلة جهودها الرامية لتنفيذ القوانين والبرامج الداعمة لنمو سوق الطاقة الشمسية، وتحقيق تلك الأهداف.
إستراتيجية واعدة
في عام 2017، دشّنت الإمارات "إستراتيجية الطاقة 2050"، والتي تُعَد الأولى في مجال الطاقة التي تعتمد على سياسة العرض والطلب في البلاد، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وترتكز الإستراتيجية على محاور عدة؛ أبرزها تعزيز حصة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة من 25% إلى 50% بحلول عام 2050، وتقليل البصمة الكربونية لتوليد الكهرباء بنسبة 70%؛ ما يُسهم بدوره في توفير 700 مليار درهم (190.63 مليار دولار أميركي) بحلول عام 2050، و-أيضًا- تعزيز كفاءة استهلاك الأفراد والشركات للطاقة بنسبة 40%.
(الدرهم الإماراتي = 0.27 دولارًا أميركيًا)
وتتطلع الإستراتيجية -كذلك- إلى تحقيق مزيج طاقة يجمع بين مصادر الطاقات المتجددة والنووية والنظيفة في الإمارات، لتغطية المتطلبات المتنامية في الاقتصاد الخليجي سريع النمو.
وفي هذا السياق، تستهدف الإمارات ضخ استثمارات تُقدر قيمتها الإجمالية بـ600 مليار درهم (163.5 مليار دولار) بحلول عام 2050، لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة وتعزيز النمو المستدام لاقتصاد الدولة.
الحياد الكربوني
في عام 2021، أخذت الإمارات زمام المبادرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر إعلانها المبادرة الإستراتيجية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050.
ويُعد إعلان الإمارات هدف تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050 استثمارًا لجهودها الحثيثة، ومسيرتها الناجحة في العمل على أهداف المناخ، على الصعيدين المحلي والعالمي، خلال العقود الثلاثة الماضية، وتحديدًا منذ انضمام أبوظبي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ في 1995.
ولم تُهدر الإمارات وقتًا في هذا المسار الشاق؛ إذ سارعت إلى استحداث حزمة من التشريعات، واتخاذ مجموعة من الإجراءات الرامية لتقليص الانبعاثات وتقديم الحلول المستدامة، بما يتوافق مع أفضل الممارسات بجميع الصناعات الحيوية؛ بما فيها الطاقة والصناعة والزراعة.
كما يتواءم إعلان الإمارات هدف تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050 مع أهداف اتفاق باريس للمناخ (2015)، المبنية -أساسًا- على تشجيع حكومات الدول على استحداث واعتماد إستراتيجيات طويلة الأجل لتقليص انبعاث غازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحترار العالمي، والحدّ من ارتفاع درجات حرارة الأرض دون 1.5 درجة مئوية، قياسًا بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.
قمة المناخ كوب 28
لن تترك الإمارات قمة المناخ كوب 28، التي تستضيفها خلال المدة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول (2023) في مدينة إكسبو دبي، تمر مرور الكرام.
وستستغل الإمارات القمة التي تمثل خُطوة نوعية صوب مستقبل الطاقة المتجددة في الإمارات والعالم، في التعريف بالمشروعات الواعدة والاستثمارات السخية –محليًا وعالميًا- التي تشهدها صناعة الطاقة المتجددة على أراضيها.
ويأتي هذا من منطلق حرص أبوظبي على تقديم يد العون لكل الدول الراغبة في تأسيس مشروعات مُستدامة ترتكز فيها على حلول الطاقة النظيفة.
موضوعات متعلقة..
- الطاقة المتجددة في الإمارات.. استثمارات بـ163 مليار دولار على طريق الحياد الكربوني
- الطاقة المتجددة في الإمارات تسجل رقمًا قياسيًا جديدًا
- الطاقة المتجددة في الإمارات.. توقعات مضيئة حتى 2025 (إنفوغرافيك)
- الطاقة المتجددة تنتظر استثمارات خليجية ضخمة.. الإمارات والسعودية في المقدمة (دراسة)
اقرأ أيضًا..
- جي دبليو إم الصينية تدشن مصنعًا لإنتاج السيارات الكهربائية في البرازيل
- خطة لخفض انبعاثات المواني في أميركا بتكلفة 4 مليارات دولار
- كيف تغيّر الطلب العالمي على الذهب خلال الربع الأول من 2023؟ (إنفوغرافيك)