التقاريرتقارير الغازرئيسيةروسيا وأوكرانياغاز

صفقات الغاز المسال الفورية تهدد أوروبا بمأزق في الشتاء المقبل

هبة مصطفى

شكّلت صفقات الغاز المسال من السوق الفورية ملاذًا آمنًا لدول القارة الأوروبية؛ لمواكبة الطلب خلال فصل الشتاء، في ظل غياب الغاز الروسي عن القارة العجوز للمرة الأولى منذ سنوات.

وفي ظل استقرار الأحوال الجوية نسبيًا وعدم تعرض أوروبا لموجات شديدة البرودة، مر شتاء (2022-2023) هادئًا في مستويات الطلب على الوقود، بحسب ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.

ورغم ذلك؛ فإن التوقعات تشير إلى أن الشتاء المقبل (2023-2024) سيكون أشد قسوة على القارة العجوز؛ إذ ستتحمل الدول فاتورة باهظة التكلفة إذا استمرت السياسة الرامية للاعتماد على السوق الفورية للحصول على إمدادات الغاز، وفق تحليل أجرته رويترز.

ودعم هذا الاتجاه المخاوف من الانخراط في صفقات طويلة الأجل، قد تشكّل عائقًا أمام الوفاء بالأهداف المناخية والحزم الخضراء المستهدفة.

أوروبا والسوق الفورية

بلغت واردات أوروبا من الغاز المسال، خلال العام الماضي (2022)، ما قُدر بنحو 121 مليون طن، بزيادة تصل إلى 60% عن العام السابق له (2021).

وبخلاف أحجام الواردات، سجّلت تكلفتها 190 مليار دولار بارتفاع يزيد على 3 أمثال التكلفة المعتادة، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.

الغاز المسال
صهاريج لتخزين الغاز - الصورة من Nikkei Asia

وارتفعت أسعار السوق الفورية للغاز إلى مستويات قياسية، مقارنة بصفقات الشراء طويلة الأجل التي تفضلها الصين، لكنها أسهمت في الوقت ذاته في تجاوز نقص التدفقات الروسية التي اعتمدت عليها أوروبا لسنوات طويلة.

وركزت أوروبا على عمليات شراء الغاز الطبيعي المسال من السوق الفورية خلال مدة التخزين وملء المرافق وقبيل فصل الشتاء، غير أن الاستمرار على الوتيرة ذاتها خلال الشتاء المقبل قد يكلفها مبالغ باهظة.

ويخشى محللون من تأثير نمو الطلب الصيني في فرض المزيد من الضغوط على الأسواق.

صفقات طويلة الأجل

تحاول صفقات الغاز المسال طويلة الأجل إيجاد مكان لها ضمن الواردات الأوروبية، بعدما استحوذت القارة العجوز على ما يقرب من ثلث تداولات السوق الفورية العام الماضي (2022)، ارتفاعًا من 13% في العام السابق له.

وتُشير التوقعات إلى امتداد الاستحواذ الأوروبي ليصل إلى 50% من حجم تداولات الغاز العالمية، حال استمرار الاعتماد على السوق الفورية وعدم التحول إلى العقود طويلة الأجل.

ورغم الميل الأوروبي لصفقات الغاز الفورية؛ فإن الآونة الأخيرة شهدت محاولات لإبرام صفقات طويلة الأجل بين دول أوروبية وكبار المنتجين العالميين؛ من بينهم: (قطر للطاقة، وشركة شل، وشيفرون الأميركية، وكونوكو فيليبس).

ونجحت صفقة الغاز الطبيعي المسال بين ألمانيا وقطر للطاقة، إذ أُعلن نهاية نوفمبر/تشرين الثاني (2022) تزويد الشركة لبرلين بمليوني طن سنويًا من الغاز المسال بدءًا من عام 2026، ولمدة 15 عامًا.

ويكشف الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- عن حجم واردات الغاز الطبيعي المسال وصادراته خلال المدة من عام 2015 حتى العام الجاري (2023):

واردات وصادرات الغاز المسال حسب المنطقة

وسعت الشركة القطرية إلى مد أجل الصفقة لنحو 25 عامًا بدلًا من 15 عامًا، غير أن ألمانيا تحفظت على ذلك لمراعاة أهدافها المناخية وعزمها وقف الاعتماد على الغاز في أعقاب عام 2043.

وأكّدت المسؤولة المالية لدى شركة شل "سينيد غورمان"، أن صفقات الغاز المسال طويلة الأجل في نطاق 20 عامًا غير مرجحة في الآونة الحالية، مشيرة إلى أن شركتها تدرس عرض عقود مرنة قابلة لتعديل الشروط والوجهات بصورة دورية كل 3 أو 5 أو 10 سنوات.

الغاز والأهداف المناخية

يسعى الاتحاد الأوروبي إلى خفض الانبعاثات بنسبة 55% بحلول نهاية العقد الجاري (2030) والحياد المناخي مع بلوغ القرن منتصفه (2050)، ويعد الغزو الروسي لأوكرانيا وما تلاه من تداعيات أثرت في أسواق الطاقة بمثابة عثرة أمام الأهداف المناخية للقارة العجوز.

وتقيد الخطط والأهداف المناخية الزمنية مشتري الغاز المسال في أوروبا، وتدفعهم لتأمين الصفقات في إطار محدود نسبيًا لا يتفق مع مدد الصفقات طويلة الأجل وزهيدة التكلفة مقارنة بالشراء من السوق الفورية.

ويوضح الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- مصدري الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، خلال العام الماضي (2022):

واردات أوروبا من الغاز المسال في 2022

ورغم أن الغاز من صور الوقود الأحفوري الذي طالما كافحته الدول الأوروبية؛ فإن الأخيرة لجأت إليه بصفته "وقودًا انتقاليًا" ينتج انبعاثات كربونية بمستويات أقل من الفحم.

من جانبه، أوضح الشريك لدى شركة مورتن فريش للاستشارات مورتن فريش، أن القارة الأوروبية بحاجة إلى تأمين صفقات إمدادات الغاز المسال بالاعتماد على العقود طويلة الأجل بنسبة تتراوح بين 70 و75%.

وقال إن هناك معتقدًا خاطئًا لدى أوروبا بأن الهيدروجين قد يؤدي دور الغاز الطبيعي بحلول نهاية العقد 2030؛ ما عزز اتجاه شراء الغاز المسال من السوق الفورية على حساب الصفقات طويلة الأجل.

الأسعار الفورية والشراء الآسيوي

قفزت أسعار الغاز المسال في السوق الفورية إلى أعلى حاجز 70.50 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، خلال العام الماضي (2022)، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

وهبطت هذه الأسعار من مستوياتها القياسية، لتسجل انخفاضًا بنسبة تتجاوز 82%.

وقد تدفع عوامل نحو إعادتها إلى الارتفاع مرة أخرى، من بينها: زيادة الطلب مع موجات الحرارة خلال الصيف، وانخفاض قدرات توليد الطاقة الكهرومائية، إلى جانب توقعات شتاء (2023-2024) بمعدلات باردة.

ومن جانب آخر، تشكل انتعاشة الطلب الصيني على الغاز الطبيعي المسال عاملًا إضافيًا يهدد مستويات الأسعار بالارتفاع مرة أخرى في الآونة المقبلة.

وبينما تتردد الدول الأوروبية في إبرام الصفقات طويلة الأجل، استفادت دول آسيوية من الموقف واقتحمت السوق لاقتناص حصتها.

وقال رئيس تحليلات الغاز الطبيعي المسال لدى "فورتيكسا" فيليكس بوث، إن المشترين الآسيويين انحازوا إلى أمن الإمدادات ومواصلة المشروعات الجديدة بينما واصل الأوروبيون القلق حيال الأهداف المناخية.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق