الطحالب سلاح أرامكو السعودية لإنتاج وقود حيوي منخفض الانبعاثات (تقرير)
عملاقة النفط السعودي تنجح في إنتاج أول دفعة من الوقود الحيوي
ياسر نصر
تعمل شركات النفط الكبرى، وفي مقدمتها أرامكو السعودية، على ضخ استثمارات ضخمة من أجل إنتاج وقود حيوي من الطحالب، بصفته أحد الحلول لمواجهة أزمة التغير المناخي.
وترى شركات النفط أن نبات المحيطات يحمل في طياته العديد من الأسرار الخفية، ما يمكنه تمثيل مستقبل التنقل منخفض الكربون، وفق البيانات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
ويمكن استعمال الطحالب الدقيقة المزروعة في مياه الصرف أو مياه البحر، لإنتاج وقود منخفض الانبعاثات الكربونية، إذ تنتج الكائنات البسيطة كتلة حيوية يمكن حصادها وتحويلها إلى وقود ومنتجات أخرى.
وقد نجحت شركة أرامكو السعودية في إنتاج أول دفعة خام حيوي من الطحالب، ويجري استكشاف تطبيقات أخرى للكتلة الحيوية لها، مثل أعلاف الحيوانات لاستعمالها في عمليات مثل الحفر.
أهمية الطحالب
تشير الأبحاث الأولية إلى قدرة الطحالب الدقيقة على إنتاج آلاف المركبات الجديدة، مع وجود مئات الآلاف من الأنواع التي ما تزال قيد الدراسة.
وتتمتع الطحالب بجاذبية بصفتها مادة وسيطة للوقود الحيوي، نظرًا إلى أنها تنمو بتركيزات كبيرة في المستنقعات وبرك المياه، إذ لا تتنافس مع المحاصيل الغذائية على الأراضي الصالحة للزراعة.
كما أن بعض السلالات تنتج كميات كبيرة من الدهون، وهي أحماض دهنية يمكنها إنتاج زيت يمكن تحويله إلى وقود بسهولة نسبيًا.
يأتي إنتاج أرامكو السعودية لأول دفعة من الوقود الحيوي المنتج من الطحالب بمثابة رد على الاتهامات التي ساقتها بعض التقارير الغربية، وفي مقدمتها صحيفة الغارديان البريطانية التي أشارت إلى وقف شركات النفط الكبرى مشروعاتها لإنتاج الوقود من الطحالب.
جاء التقرير البريطاني في أعقاب إعلان شركة إكسون موبيل الأميركية -التي وصفتها الغارديان بأنها آخر مؤيد متبقٍ لوقود الطحالب الحيوي- التوقف عن تمويل الأبحاث ذات الصلة في جامعة ويسكنسون، حسبما نشرته الصحيفة في 17 مارس/آذار الجاري.
مصدر محتمل للطاقة
أثبتت العديد من الأبحاث أن الطحالب الدقيقة مصدر مهم محتمل للطاقة، ومن الممكن أن يكون لها دور مهم في التحوّل إلى مستقبل منخفض الانبعاثات الكربونية.
وتُعد الطحالب الدقيقة من بين أصغر النباتات في العالم، لكن الكائنات الحية العائمة دون جذور أو أوراق تنتج أكثر من نصف الأكسجين الذي نتنفسه، بالإضافة إلى إنتاجها مجموعة من المركبات النشطة حيويًا.
ويُقدِّر العلماء عدد الأنواع التي جرى دراستها حتى الآن بنحو 50 ألف نوع فقط من أصل عدد يتراوح ما بين 200 و800 ألف نوع من الطحالب الدقيقة التي يُعتقد أنها موجودة.
وكشفت الأبحاث عن أكثر من 15 ألف مركب جديد تُنتجها هذه الأنواع، بدءًا من الأحماض الدهنية والإنزيمات ووصولًا إلى البوليمرات والستيرولات، والعديد منها له تطبيقات مفيدة محتملة في مجال الصحة وغيره.
طاقة منخفضة الانبعاثات
تفتح الطحالب الدقيقة آفاقًا جديدة في مجالي التغذية والطب، لكن الخبراء متحمسون أيضًا للإمكانات التي تحملها هذه الكائنات الدقيقة من خلال استعمالها بصفتها كتلة حيوية، إذ يمكن تحويلها إلى منتجات مثل الوقود الحيوي والأعلاف الحيوانية والمستحضرات الدوائية.
وتستطيع البنية البسيطة لأنسجتها تحويل ضوء الشمس إلى طاقة كيميائية أسرع من معظم النباتات الأخرى، ما يُضاعف حجمها يوميًا، وفق تقرير نشرته أرامكو السعودية عبر موقعها الإلكتروني، واطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ويعود الاهتمام بالكتلة الحيوية للطحالب واستعمالها مصدرًا للغذاء أو الطاقة إلى أكثر من 5 عقود، إذ تزداد الأنشطة البحثية حول الطحالب على مرّ السنين.
وتؤكد أرامكو السعودية أنه في الوقت الذي يبدو فيه إنتاج الوقود في برك الطحالب أمرًا مستقبليًا، إلا أنها مسألة وقت فحسب، إذ لطالما كانت الطحالب منذ ملايين السنين من ضمن بقايا الكائنات البحرية المكوّنة للهيدروكربونات العضوية، التي نشأت منها موارد النفط والغاز في العالم.
أول دفعة من الوقود الحيوي
تعكف أرامكو السعودية على إجراء أبحاث مكثفة حول إمكانات الوقود الحيوي المُستمد من الطحالب، إذ نجحت في إنتاج أول دفعة خام حيوي من الطحالب الدقيقة.
وتأتي الدفعة الأولى في إطار استكشاف أوسع نطاقًا لكيفية الاستفادة بصورة أكبر من الحلول الطبيعية لإدارة الانبعاثات والحدّ منها في أعمال أرامكو السعودية.
وكانت أرامكو السعودية قد أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول إنشاء صندوق للاستدامة بقيمة 1.5 مليار دولار للاستثمار في التقنية التي يمكن أن تدعم تحولًا مستقرًا وشاملًا للطاقة.
ويدعم الصندوق الاستثمار في التقنيات التي تدعم طموح أرامكو بالوصول إلى الحياد الكربوني في أعمالها التشغيلية، عام 2050، بالإضافة إلى تطوير أنواع وقود جديدة منخفضة الكربون من بينها الوقود الحيوي المنتج من الطحالب.
تنقية مياه الصرف
تنمو الطحالب في كل مكان، في المياه العذبة والمالحة على حدٍ سواء، وغالبًا ما تزدهر في مياه الصرف، التي قد تحتاج إلى المعالجة قبل إعادة استعمالها.
ويؤكد تقرير أرامكو السعودية أنه يمكن أن تساعد الطحالب الدقيقة في تنقية مياه الصرف، إذ تعمل بصفتها عامل معالجة بيولوجيًا يمكنه إزالة المواد الملوثة أو الضارة من الماء.
وتشجّع المنتجات الثانوية الصناعية -مثل أكاسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكربون- على نمو الطحالب الدقيقة، ويمكن أن تكون برك مياه الصرف بمثابة مشاتل لكميات هائلة من هذه الكائنات الحية، التي يمكن بدورها أن تساعد على الحد من الانبعاثات الصناعية.
وتستهلك الطحالب الدقيقة، داخل هذه المشاتل، النيتروجين بصفته سمادًا، كما تستهلك الطاقة المستمدة من ضوء الشمس لاستخلاص ثاني أكسيد الكربون وعزله خلال عملية التمثيل الضوئي، في حين تطلق أيضًا الأكسجين إلى الغلاف الجوي في أثناء نموها.
أحواض الطحالب
تشير أرامكو السعودية إلى أن البيئة الجغرافية الملائمة في المملكة التي توفر الموارد لزراعة الطحالب الدقيقة تقود إلى مزيد من البحث في الإمكانات الواعدة التي يمتلكها هذا المورد.
وعلى الرغم من أن الطحالب الدقيقة يمكن أن تنمو في أي مكان يوجد فيه الماء وضوء الشمس، فإن بعض المواقع أفضل من غيرها لإنتاجها على نطاق صناعي.
وتُعد بعض أجزاء السعودية، مثل المنطقة الشرقية، بيئة مناسبة جدًا لزيادة إنتاج الطحالب بصورة خاصة، لأنها تقدم وفرة من المياه المالحة والدفء وأشعة الشمس معظم أيام السنة.
وتؤكد أرامكو السعودية أن هناك إمكانات كبيرة لزيادة الإنتاج في المنطقة، بفضل السبخات الضخمة والمسطحات المائية المالحة على طول ساحل الخليج العربي، التي يمكن تحويلها إلى أحواض للطحالب.
وأشار إلى أنه عندما تكون هذه السبخات قريبة من المنشآت الصناعية، بما في ذلك معامل أرامكو السعودية في القريّة والقطيف ورأس تنورة، يمكن استعمال انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المستخلصة من مواقع الإنتاج هذه لزيادة إنتاج الطحالب الدقيقة.
جهود أرامكو السعودية
أنشأت أرامكو السعودية في عام 2021 أول مرفق ميداني لاختبار الطحالب الدقيقة في المملكة، لاستكشاف إمكانات الوقود الحيوي الجديد المشتق من الطحالب، والنظر في الاستعمالات المحتملة الأخرى لكتلتها الحيوية، بما في ذلك أعلاف الحيوانات وأشكال أكثر استدامة من الأسمدة ومكوّنات الخرسانة الصديقة للبيئة.
وأنتج المرفق في العام ذاته أول كمية من الخام الحيوي في أرامكو السعودية مستخرجًا من الطحالب الدقيقة، إذ يمكن خلطه مع الزيوت وأنواع الوقود الأخرى لإنتاج وقود حيوي منخفض الانبعاثات الكربونية، كما يمكن استعماله وقودًا للنقل وفي أنظمة التدفئة وتوليد الكهرباء.
يقول مدير مشروع استكشاف الطحالب في أرامكو السعودية نايف العبداللطيف: "تُستعمل الدفعة الأولى للاختبارات المتخصصة، لكننا نأمل توسيع نطاق العملية وإتقانها لضمان أن يكون الخام الحيوي من الطحالب جزءًا من مزيج الطاقة المستقبلية لدينا".
ونتج عن المشروع التجريبي -أيضًا- اكتشافات أخرى حول هذا المورد القيّم، إذ يدرس العلماء في المرفق الاختلافات في نمو الطحالب الدقيقة عبر سنوات ومواسم مختلفة، وقدرة الأنواع المختلفة منها على عزل ثاني أكسيد الكربون.
ويقول أحد كبار المستشارين البيئيين في أرامكو السعودية، رونالد لوفلاند: "لقد اكتشفنا أنه كلما ارتفعت درجة الحرارة كان ذلك أفضل لنمو الطحالب الدقيقة المحلية التي تتكيّف بصورة أفضل مع مناخ المملكة، وأن إضافة المزيد من ثاني أكسيد الكربون يزيد من سرعة التكاثر".
وأضاف: "نحن على يقين أن هذه الاكتشافات ستساعدنا على إنتاج المزيد من المواد الكيميائية التي نحتاج إليها يوميًا من خلال موارد تتضمّن بصفة رئيسة ضوء الشمس ومياه الصرف".
ويضخ معمل حقن مياه البحر في القريّة التابع لأرامكو السعودية المياه في الصخور أسفل الاحتياطيات لتحسين معدّل استخلاص النفط، وبالتالي، فهو قادر على أداء دور مهم في إنتاج هذه الطحالب الدقيقة.
وبما أنه أكبر مرفق لحقن مياه البحر من نوعه في العالم، فإنه يُمكّن أرامكو السعودية من ضخ مياه البحر إلى عمق الصحراء لإنشاء أحواض جديدة لزراعة الطحالب.
أعمال التنقيب والإنتاج
تعكف أرامكو السعودية على استكشاف الآلية التي يمكن من خلالها استعمال المنتجات المشتقة من الطحالب في أعمال التنقيب والإنتاج، بما في ذلك الحفر.
فعلى سبيل المثال، تستكشف الشركة سُبلًا لتحويل الخام الحيوي الناتج من الطحالب إلى سوائل حفر، مثل الطين الزيتي.
وفي الوقت نفسه، يمكن للطحالب تحسين الموائل الفريدة الموجودة حول السبخات، إذ هي مصدر سماد جيد لأشجار المانغروف التي تصطف على طول الخليج العربي وتمتد إلى خطوط العرض المعتدلة، وهي خزانات طبيعية وشاسعة للكربون.
ويقول المسؤول عن برنامج الطاقة الخضراء في أرامكو السعودية، الذي يتضمن أبحاث الشركة المكثفة حول الطحالب الدقيقة، ثامر المطيري: "ليست الطحالب الدقيقة سوى جانب واحد من إستراتيجيتنا للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الحلول الطبيعية، وما يزال أمامنا الكثير لاكتشافه بشأن الحجم الذي لا يُستهان به للدور الذي يمكن أن تضطلع به الطحالب الدقيقة في التحوّل العالمي في قطاع الطاقة، ومما يثير الاهتمام أن الكائنات الحية ذاتها التي أنتجت مواردنا الهيدروكربونية يمكن أن تعطينا الآن وقودًا منخفض الانبعاثات الكربونية".
موضوعات متعلقة..
- أرامكو السعودية تشارك بتمويل صندوق جديد للاستثمار في تقنيات خفض الانبعاثات
- رئيس أرامكو السعودية: علماؤنا يعملون على تطوير تقنيات تخفض الانبعاثات
اقرأ أيضًا..
- هل مصادر الطاقة المتجددة خالية من الانبعاثات الكربونية؟ تقرير يوضح
- صفقات النفط والغاز في الشرق الأوسط وأفريقيا تنتعش.. هذه أبرز 5 خلال فبراير
- صادرات الغاز الروسي إلى الصين تدخل مفاوضات عميقة.. والغموض يكتنف خط الأنابيب الثالث (تقرير)
المهم هو قتل الكائنات الحية على الأرض بحجج واهية مثل الوقود النظيف...!!؟؟اليوم طحالب وغدا محاصيل وبعدها الحيد المرجاني ....الخ