خبراء لـ"الطاقة": قطاع النفط في العراق لم يتعافَ بعد 20 عامًا من الغزو الأميركي
داليا الهمشري
- قطاع النفط في العراق تأثّر بصورة كبيرة منذ الحصار الاقتصادي بعد غزو الكويت
- الغزو الأميركي للعراق تسبَّب بتوقّف الاستثمار في قطاع النفط والغاز لسنوات
- العراق أصبح يعتمد على استيراد الكهرباء من دول الجوار لتلبية الطلب المحلي
ما يزال قطاع النفط في العراق يعاني من تبعات الغزو الأميركي للبلاد، على الرغم من مرور 20 عامًا على سقوط بغداد، وما تبعه من أزمات.
واتفق عدد من خبراء الطاقة في العراق على أن قطاع النفط يشهد تدهورًا كبيرًا يعوق زيادة الإنتاج، مؤكدين أن بغداد أصبحت مستوردة للمشتقات والمنتجات النفطية؛ بسبب عدم قدرة القطاع على التكرير لتلبية الطلب المحلي.
وعبَّر الخبراء، الذين استطلعت منصة الطاقة المتخصصة آراءهم، عن أسفهم لاضطرار البلاد إلى استيراد الغاز الطبيعي من إيران لتشغيل محطات الكهرباء بدلًا من الاستفادة من القدرات الوطنية.
وقال الخبير النفطي العراقي الدكتور نبيل المرسومي، إنه كان متوقعًا بعد سقوط النظام السابق في عام 2003 أن تحقق بغداد زيادات سنوية كبيرة في إنتاج النفط، إلّا أن هذه التوقعات لم تكن دقيقة.
وأضاف المرسومي -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أن إنتاج النفط في العراق قد انخفض من مليونين و126 ألف برميل يوميًا في عام 2002، إلى مليون و536 ألف برميل عام 2003، واستمر الانخفاض إلى أقل من مليون برميل يوميًا خلال المدة بين 2004 و2006.
الاستهداف المسلح للحقول
أرجع الدكتور نبيل المرسومي الانخفاض الهائل في إنتاج النفط العراقي إلى عدّة أسباب، في مقدّمتها الهجمات المسلحة على المنشآت النفطية، لا سيما خطوط الأنابيب والآبار ومحطات عزل النفط.
وأوضح أن استهداف المنشآت النفطية كان من أبرز الآثار السلبية الناجمة عن الاحتلال الأميركي للعراق، فضلًا عن عدم وجود نظام جيد للصيانة، وهروب الكفاءات وعدم القدرة على إيجاد بدائل لها، وانتشار الفساد في البلاد.
ولفت إلى أن أعمال التدمير والتخريب التي رافقت العمليات العسكرية قد استمرت خلال المدة بين عامي 2003 و2006، إلى أن عاد النشاط مرة أخرى إلى هذا القطاع بإحالة حقول النفط العراقي إلى مجموعة من الشركات الأجنبية من خلال جولات التراخيص الـ4.
وأشار الخبير العراقي إلى أنه بموجب جولات التراخيص أُحيلَ معظم الحقول المُنتجة في البلاد، والحقول المُستكشفة غير المُطورة، ومجموعة من البقع الاستكشافية في الجولة الرابعة، فضلًا عن حقول الغاز الـ3، وهي حقل السيبة والمنصورية وعكاس، إلى شركات كبرى للعمل فيها.
الحاجة إلى منافذ جديدة
أكد الدكتور نبيل المرسومي أن قطاع النفط في العراق شهد تقدمًا ملحوظًا بعد دخول الشركات الأجنبية للاستثمار، سواء في الإنتاج أو التصدير، مشيرًا إلى أن إنتاج النفط العراقي قد زاد إلى نحو مليونَي برميل.
وأضاف: "أصبح العراق اليوم يمتلك طاقة إنتاجية تُقدَّر بنحو 4 ملايين و650 ألف برميل"، إلّا أنه انتقد عدم ارتفاع القدرات التصديرية بصورة ملحوظة.
وقال، إن العراق ما يزال يعتمد على المنفذ الجنوبي فقط، رغم ارتفاع قدرات التصدير التي أصبحت تقترب من 3 ملايين و500 ألف برميل.
وأوضح المرسومي أن العراق يعمل على إيجاد منافذ جديدة لتصدير النفط الخام منذ عام 2003، سواء في الشمال عبر الخط التركي، الذي أصبح اليوم مقتصرًا على تصدير النفط الكردستاني، أو غربًا عبر المملكة العربية السعودية، أو من خلال الأردن.
إلّا أنه رأى أن هناك تلكؤًا مستمرًا في بناء منافذ تصدير جديدة، موضحًا أن استمرار تصدير النفط العراقي بأكمله من المنفذ الجنوبي عبر البحر يعرّضه للمخاطر الجيوسياسية والأمنية، ويعوق تصديره في أوقات معينة.
تراجع قطاع النفط
سلّط الدكتور نبيل المرسومي الضوء على عدم تكامل صناعة النفط في العراق، مشيرًا إلى وجود تخلّف واضح في صناعة التكرير.
وقال: "على سبيل المثال، يستورد العراق اليوم بما قيمته 5 مليارات و300 مليون دولار من النفط الأبيض والجاز والبنزين، وهو مستورد صافٍ للغاز الإيراني في حدود ملياري دولار سنويًا".
وتابع: "كما أُهمِلت شركات ناقلات النفط في العراق، فقد كانت طاقة تصدير النفط عبر الناقلات في الثمانينيات أكثر من مليون طن، وتراجعت -حاليًا- إلى 52 ألف طن فقط".
ويوضح الإنفوغرافيك التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، حجم صادرات النفط العراقي خلال العام الماضي 2022:
وانتقد المرسومي الفصل بين قطاع النفط وقطاعات الاقتصاد الوطني الأخرى؛ بسبب جولات التراخيص التي أدت إلى عزل قطاع النفط في العراق عن باقي قطاعات الاقتصاد الوطني.
وأضاف خبير النفط العراقي أن البلاد تواجه -حاليًا- عددًا من الإشكالات الكبرى نتيجة للغزو الأميركي، وسقوط النظام السياسي، لافتًا إلى أن أحد هذه الإشكالات يتمثل في التعامل مع كوردستان.
وأوضح أن العراق أصبح البلد الوحيد في أوبك اليوم الذي لديه سياستان نفطيتان مختلفتان في التسعير وفي إبرام العقود والإنتاج والتصدير، مؤكدًا انعكاس ذلك بصورة سلبية على واقع قطاع النفط في العراق.
إمكانات واعدة
يقول المرسومي، إن العراق لديه الكثير من الإمكانات الواعدة التي تؤهله لرفع مستوى إنتاج النفط والغاز، لافتًا إلى أن الاحتياطي النفطي في العراق -اليوم- يتجاوز 145 مليار برميل، بينما ما يزال الإنتاج متواضعًا قياسًا على الاحتياطي.
وفي قطاع الغاز، أوضح المرسومي أن العراق لا يزال يحرق أكثر من نصف الغاز المُنتج ويستثمر النصف الآخر، مؤكدًا أن هذا الوضع يمثّل خسارة اقتصادية وبيئية كبيرة.
من جانبه، أوضح أستاذ اقتصادات النفط بجامعة البصرة العراقية الدكتور أمجد صباح أن الاقتصاد العراقي يعتمد على إنتاج النفط الخام وعوائد الصادرات النفطية، ويشكّل قطاع النفط في العراق نسبة كبيرة من الموازنة العامة، وحجم الناتج الإجمالي للبلاد.
وأضاف -خلال تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أن النفط يمثّل -كذلك- نسبة كبيرة من حجم الصادرات الخارجية تتراوح بين 95-98% من صادرات العراق من النفط الخام، وتُوجّه عوائد الصادرات النفطية لتمويل الموازنة العامة.
الحصار الاقتصادي
يرى أستاذ اقتصادات النفط الدكتور أمجد صباح أن قطاع النفط في العراق قد تأثّر بدرجة كبيرة جدًا بالأوضاع السياسية التي مرّت بها البلاد، على مدار العقود الماضية، بدءًا من الحرب العراقية-الإيرانية.
وأوضح أن الحرب مع إيران قد أثّرت بشكل سلبي للغاية في هذا القطاع، إذ اتجه النظام السياسي في هذه المدة إلى عسكرة الاقتصاد العراقي لتمويل الحرب على طهران.
وتابع: "جاء لاحقًا الاحتلال العراقي للكويت، وبدأ الحصار الاقتصادي لبغداد في عام 1991، واستمر حتى عام 2003، ومُنعت الدولة من استيراد المعدّات والسلع اللازمة لقطاع النفط، في إطار العقوبات الدولية المفروضة عليها في ذلك الوقت، مما جعل هذا القطاع يتأثر بصورة سلبية للغاية بسبب الحصار الاقتصادي".
وأفاد الدكتور أمجد صباح أنه بعد عام 2003، وتغيير النظام السياسي في العراق، واحتلال الجيش الأميركي للدولة، بدأ تدهور الأوضاع الأمنية، خاصة في بعض المحافظات الشمالية والوسطى.
وسلّط صباح الضوء على تعرُّض بعض المنشآت النفطية، مثل حقول كركوك في الشمال، إلى أعمال تخريبية؛ نتيجة لعدم استقرار الأوضاع الأمنية خلال هذه المدة.
استيراد المشتقات النفطية
أكد الدكتور أمجد صباح أن إنتاج قطاع النفط في العراق لم يتطور على النحو المطلوب، وأصبح يعاني من التراجع والتخلف.
وأبرز صباح أن إنتاج النفط في العراق لا يتناسب مع حجم الاحتياطي الذي يتجاوز 145 مليار برميل، كما أصبحت البلاد مستوردة للمشتقات والمنتجات النفطية.
وأرجع أستاذ اقتصادات النفط، في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة، السبب في ذلك إلى عدم قدرة القطاع على التكرير لتلبية الطلب المحلي.
وأشار إلى أن قطاع الغاز الطبيعي لا يُنتج بالحجم المطلوب، بل تستورد البلاد الغاز لتشغيل محطات توليد الكهرباء من إيران، مؤكدًا أنه أنه ليس من اللائق أن يكون بلد مثل العراق مُنتجًا للنفط الخام، ولديه حقول الغاز الحر، ولكنه يعجز عن استغلالها.
وفيما يتعلق بقطاع الكهرباء بالبلاد، أكد خبير النفط العراقي الدكتور أمجد صباح أنه تأثّر -كذلك- بالظروف السياسية، لافتًا إلى أنه بعد عام 2003، زاد الطلب على الطاقة الكهربائية بصورة مضاعفة بسبب الزيادة السكانية.
وأضاف: "لم يعد القطاع قادرًا على تلبية الطلب الكبير، فأصبح المواطن يلجأ إلى استعمال المولدات الخاصة لتعويض انقطاع الكهرباء من الشبكة الوطنية".
وأكد صباح أن قطاع الكهرباء شأنه شأن باقي قطاعات الاقتصاد العراقي، قد عانى من تبعات الحروب المتتابعة والفساد الإداري والمالي.
ولفت إلى أنه رغم إنشاء أعداد كبيرة من محطات توليد الكهرباء، فإنها لا تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية لعدم توافر الوقود الكافي، ومن ثم أصبح قطاع الكهرباء في العراق غير قادر على تلبية الطلب المحلي من الطاقة.
نقص معامل التكرير
من جانبه، شدد الصحفي العراقي منتظر الزيدي، على أن قطاع الطاقة في العراق قد تأثّر بصورة كبيرة بعد الاحتلال الأميركي، بل ومنذ الحصار الاقتصادي الذي تعرضت له البلاد في أعقاب غزو الكويت.
وقال الزيدي -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن الحروب المتتالية التي خاضتها البلاد قد أثّرت بصورة سلبية في تطوير مصادر الطاقة ومصافي النفط ومعامل التكرير والآبار النفطية وغيرها، وتوقَّف الاستثمار في قطاع الغاز ومحطات توليد الكهرباء.
وأضاف: "بعد الاحتلال الأميركي للعراق، شهد قطاع الكهرباء -كذلك- تدهورًا كبيرًا، مما أدى إلى انقطاعات كبيرة في الكهرباء، وعدم كفاية واستيعاب شبكات الكهرباء للزيادة السكانية، وللقفزة النوعية في المشتريات من وسائل التدفئة والتبريد الكهربائية".
وتابع: "بدلًا من أن يُنتج العراق الكهرباء، ويصدّرها بوصفه بلدًا نفطيًا وغازيًّا، أصبح يشتري الكهرباء من دول الجوار".
وأوضح الزيدي أن الغاز المصاحب لاستخراج النفط في العراق، والذي يُباع بآلاف الدولارات، يُحرق في الهواء لعدم وجود معامل لمعالجته، وفي المقابل تستورد الدولة الغاز الإيراني لتشغيل محطات توليد الكهرباء بمليارات الدولارات سنويًا.
وأكد منتظر الزيدي حاجة العراق إلى ثورة نفطية وصناعية في مجال الطاقة، خلال الأعوام المقبلة.
موضوعات متعلقة..
- وزير النفط العراقي: الالتزام بقرارات أوبك+ ضرورة.. وصفقة الـ27 مليار دولار تتقدم
- موازنة العراق 2023 تستهدف جمع إيرادات نفطية بـ80 مليار دولار
- طرح 7 فرص استثمارية بقطاع تكرير النفط في العراق
اقرأ أيضًا..
- إيرادات صادرات النفط الروسي منذ بدء غزو أوكرانيا (رسم بياني)
- تقنية مصرية غير مسبوقة لتحسين محركات السيارات بالطاقة الشمسية
- اكتشافات الغاز في أفريقيا خلال 2023.. فرص واعدة للجزائر ومصر
- تقرير جديد يكشف توقعات أسعار النفط حتى عام 2024