صادرات الغاز الروسي إلى الصين تدخل مفاوضات عميقة.. والغموض يكتنف خط الأنابيب الثالث (تقرير)
الرئيس الصيني يزور موسكو 3 أيام
رجب عز الدين
دخلت صادرات الغاز الروسي إلى الصين في مرحلة مفاوضات عميقة باتجاه مضاعفتها خلال السنوات المقبلة، وسط تحديات تحيط بشبكة البنية التحتية، وغموض الموقف حول خط الأنابيب الثالث للنقل بين البلدين.
وحلّ الرئيس الصيني شي جين بينغ ضيفًا على موسكو في زيارة رسمية تستغرق 3 أيام (20-22 مارس/آذار 2023)، وسط توقعات باستحواذ ملف الطاقة على الجانب الأكبر من المفاوضات مع بوتين، وفقًا لوكالة بلومبرغ.
ويتوقع مراقبون أن تُسفر المفاوضات عن صفقة طويلة الأجل لزيادة صادرات الغاز الروسي إلى الصين، إضافة إلى تفاهمات سياسية بشأن الحرب الأوكرانية ومبادرة الرئيس الصيني لحلّها، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وأطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال شهر فبراير/شباط الماضي، مبادرة دولية مكونة من 12 بندًا لتسوية الحرب الأوكرانية، وفق رؤية وسط تجمع الأطراف المتنازعة لإنهاء الصراع.
مبادرة الرئيس الصيني
يقول شي بينغ، إن مبادرته لإنهاء الحرب لا تستهدف تسوية كل ما يتعلق بها، بقدر ما تركّز على تجنّب عواقب الاستمرار فيها، فالمشكلات المعقدة لا تنتهي بحلول سهلة، على حدّ تعبيره.
كما وصف زيارته إلى موسكو بكونها رحلة صداقة تستهدف تعزيز أواصر التعاون وتعميق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين في عالم مضطرب تهدده أفعال التسلط والاستبداد، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ويحرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تسريع العلاقات التجارية والاقتصادية لبلاده مع الصين بصورة أكبر من حرص المسؤولين المتأنّين في بكين، لحاجة موسكو إلى ضمان تدفّق الأموال لمواصلة حربها على أوكرانيا، خلافًا للصين التي لا تتعرض لضغوط حرب مباشرة، وإن كانت تعاني من آثار الحرب وتداعياتها، مثل بقية دول العالم.
تعزيز صادرات الغاز الروسي إلى الصين
تطمح موسكو إلى عقد صفقة طويلة الأجل لمضاعفة صادرات الغاز الروسي إلى الصين خلال السنوات المقبلة، بعد أن فقدت الوصول إلى أسواق أوروبا الرئيسة منذ العام الماضي.
وكانت روسيا أكبر مصدر للغاز في العالم قبل حرب أوكرانيا المندلعة منذ فبراير/شباط 2022، ما اضطرها إلى البحث عن أسواق بديلة في آسيا.
وتصطدم رغبات موسكو في مضاعفة صادرات الغاز الروسي إلى الصين بعوائق البنية التحتية الحالية لشبكة أنابيب التصدير المهيئة منذ عقدين للنقل إلى أوروبا، ما قد يتطلب وقتًا لمدّ شبكات أنابيب موازية إلى بكين.
وتصل كميات كبيرة من صادرات الغاز الروسي إلى الصين في الوقت الحالي عبر أحد خطوط الأنابيب المتفق عليها قبل الحرب الأوكرانية "باور أوف سيبيريا".
البنية التحتية عائق
كان من المفترض ضخ كميات أخرى عبر خط فرعي جديد، لكن لم يحدث ذلك حتى الآن، وسط مفاوضات أخرى بشأن إنشاء خط ثالث أضخم حجمًا من الخطين معًا.
ولم تسفر محادثات الخط الثالث عن إبرام تعاقد بشأنه حتى الآن، ما يرجّح إدراجه على قائمة الموضوعات التي سيتحدث فيها الزعيمان على انفراد، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ولا يتوقع مراقبون أن تقع الصين في فخ الاعتماد المفرط على واردات الغاز الروسي في المدى الطويل كما فعلت أوروبا، لما فيه من مخاطر تهدد أمن الطاقة واستقلالها في دولة ضخمة تنافس على صدارة الاقتصاد العالمي بحلول 2030.
ونصح العضو المنتدب في شركة "أغورا إنرجي ترانزشن تشاينا" كيفن تو مسؤولي بلاده بالتفكير جيدًا في هذه المعضلة، وأن يأخذوا حذرهم منها في التعامل التجاري مع روسيا، لا سيما في مجال الطاقة.
غموض حول الخط ثالث
من المقرر أن يتناقش الزعيمان الصيني والروسي حول مسائل تفصيلية في ملف الطاقة، وفقًا لبيان مختصر صادر عن الكرملين بخصوص الزيارة، الجمعة 16 مارس/آذار 2023.
ولم يتضمن بيان الكرملين أيّ إشارة إلى إدراج صفقة خط أنابيب الغاز الثالث المعروف بـ"باور أوف سيبيريا 2" إلى جدول الأعمال، ما يرجّح رغبة الرئيسين بعدم الإفصاح عن ذلك في الوقت الحالي، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتمثّل عائدات النفط والغاز واحدة من أكبر المصادر المالية الرئيسة التي يعتمد عليها بوتين في تمويل حربه الممتدة على أوكرانيا للعام الثاني على التوالي، وسط دعم عسكري مضادّ واسع النطاق تقدّمه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إلى كييف، ما أطال أمد الحرب وعقّد مسارها على الروس.
وتقف الصين في موقف شبه محايد بين أطراف الأزمة على المستوى السياسي المعلَن، كما تتجنب الدعم العسكري الواسع لروسيا، في محاولة لموازنة العلاقات مع أميركا وأوروبا ومجموعة الـ7 المتشددة في العقوبات على موسكو.
رقم قياسي خلال 2022
على الجانب الآخر، تحاول بكين تعزيز الاستفادة من الحرب عبر زيادة معدلات التجارة البينية مع موسكو، لا سيما في مجال الطاقة، إذ تحصل على النفط الروسي بأسعار مغرية منذ العام الماضي (2022)، ما جعلها مصدرًا رئيسًا لإيرادات الطاقة في روسيا.
وعززت الصين من مشتريات النفط الروسي لتصبح أكبر مستورد له عالميًا منذ العام الماضي وحتى الأشهر الأولى من عام 2023، تليها الهند، ما أسهم في ضمان تدفقات مالية مستقرة لروسيا من أجل تمويل الحرب.
وقفز معدل التبادل التجاري بين البلدين ليسجل رقمًا قياسيًا خلال العام الماضي، مدفوعًا بارتفاع حجم التبادل واشتعال أسعار النفط والغاز بعد الحرب.
وأظهرت بيانات صينية أن روسيا تعدّ ثاني أكبر مورّد للنفط الخام والفحم بعد المملكة العربية السعودية وإندونيسيا، بينما حلّت في المركز الرابع على مستوى تصدير الغاز الطبيعي المسال، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
بكين تحجب البيانات
لا يشمل الترتيب الأخير أحجام الغاز الروسي المنقولة عبر الأنابيب البرية بين موسكو وبكين، وسط غياب البيانات المتصلة بهذه الخطوط منذ يناير/كانون الثاني 2022.
وقفزت فاتورة مشتريات الصين من مصادر الطاقة الروسية -النفط الخام والمشتقات والغاز الطبيعي والفحم- إلى 74.3 مليار دولار، خلال الـ10 أشهر المنتهية أكتوبر/تشرين الأول 2022، مقارنة بـ46.8 مليار دولار خلال المدة نفسها من عام 2021.
ولم تعترف الصين بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ومجموعة الـ7 والاتحاد الأوروبي على صادرات النفط الروسي منذ 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، والمشتقات الروسية بدءًا من 5 فبراير/شباط 2023.
كما لا تعترف بالحد الأقصى للسعر المفروض على النفط الروسي عند 60 دولارًا، لكن من غير الواضح ما إذا كانت تشتري الخامات الروسية أقلّ من هذا الحدّ أم أعلى بقليل، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
خصومات النفط الروسي
استحوذت الصين والهند، أكبر الاقتصادات الآسيوية والعالمية، على أكثر من 70% من صادرات النفط الروسي خلال شهر فبراير/شباط 2023، وفقًا لبيانات وكالة الطاقة الدولية.
وتقدّم موسكو خصومات سخية على عقود التسليم الآجل للخام تراوحت بين 8.5-15 دولارًا للبرميل، مقارنة بالأسعار العالمية للخامات المشابهة المتداولة في الأسواق.
كما ارتفعت صادرات الفحم الروسي إلى الصين خلال العام الماضي وحتى الأشهر الأولى من عام 2023، وسط توقعات بزيادتها عبر أول جسر للسكك الحديدية يمر فوق نهر آمور إلى الصين، ما قد يخفف من اختناقات النقل عبر شبكة سيبيريا الداخلية.
كما تُجري شركة "نورنيكل" الروسية المتخصصة في تعدين النيكل والبلاديوم مفاوضات مع شركات صينية لإبرام عقود تصدير طويلة الأجل على أساس أسعار شنغهاي.
غازبروم تعول على آسيا
رغم الصفقات التجارية الواضحة بين البلدين في قطاع النفط والفحم، فإن المحادثات حول تعزيز صادرات الغاز الروسي إلى الصين ما تزال غامضة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتعول شركة غازبروم الروسية العملاقة على إحداث تحول إستراتيجي في التصدير شرقًا إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، خلال العقدين المقبلين.
وتوقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال كلمته بحفل الذكرى الـ30 لتأسيس غازبروم، زيادة الطلب العالمي على الغاز في هذه المنطقة خلال السنوات الـ20 المقبلة على الأقلّ، مطالبًا بتسريع خطط تطوير منشآت إنتاج الغاز ومعالجته وشحنه إلى آسيا والمحيط الهادئ.
وارتفعت صادرات الغاز الروسي إلى الصين عبر خط "باور أوف سيبيربا" بنسبة 50% خلال العام الماضي (2022)، لتصل إلى 15.5 مليار متر مكعب، وسط توقعات بمضاعفتها إلى 38 مليار متر مكعب سنويًا بحلول 2025.
التعامل بالروبل واليوان
اتفقت شركة غازبروم مع مؤسسة النفط الوطنية الصينية، في سبتمبر/أيلول 2022، على التعامل بمدفوعات الروبل واليوان بدلًا من اليورو، في إطار أكبر اتفاقية تصدير موقّعة في تاريخها بقيمة 400 مليار دولار.
وتجرى مفاوضات في الوقت الحالي بين الشركتين لنقل 10 مليارات متر مكعب سنويًا عبر خط أنابيب الشرق الأقصى الثاني، إضافة إلى ما يُنقل عبر خط أنابيب" باور أوف سيبيريا".
أمّا بالنسبة للخط الثالث "باور أوف سيبيريا 2"، فما زالت المحادثات مستمرة بشأنه، ولم يتضح بعد متى يمكنه شحن الغاز من روسيا إلى الصين، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتشير البيانات الأولية المتاحة حول هذا الخط إلى أنه قد ينقل 50 مليار متر مكعب سنويًا إلى الصين، عبر جزيرة يامال غرب سيبيريا، وهي الجزيرة نقسها المستعمَلة في تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا.
وتحاول موسكو الوصول لاتفاق سريع مع الصين بشأن هذا الخط لتعزيز إيراداتها المستقبلية من القطاع، مستفيدة من ارتفاع أسعار الغاز، لكن يبدو أن بكين لا تريد اتفاقًا سريعًا، ربما لأسباب تفاوضية تخصّ السبب نفسه، وفقًا لكبير الباحثين في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، فيتالي يرماكوف.
موضوعات متعلقة..
- الغاز الروسي يخسر الرهان أمام أوروبا.. هل تنصفه الصين وتركيا؟
- الغاز الروسي في مأزق بعد خسارة السوق الأوروبية.. هل يدفع بوتين الثمن؟
- الصين تكثف مشتريات النفط الروسي خوفًا من تهديدات "الخفض
- بوتين يعتزم زيادة صادرات الغاز الروسي إلى الصين.. ويكشف عن آلية جديدة للأسعار الأوروبية
اقرأ أيضًا..
- اكتشافات الغاز في أفريقيا خلال 2023.. فرص واعدة للجزائر ومصر
تقنية مصرية غير مسبوقة لتحسين محركات السيارات بالطاقة الشمسية
روسيا تصدم تركيا بشأن مركز تصدير الغاز: "الأمر معقد"