الائتمان الضريبي لإنتاج الهيدروجين في أميركا يثير الجدل.. هل يزيد الانبعاثات؟ (تقرير)
أسماء السعداوي
يشهد الائتمان الضريبي لإنتاج الهيدروجين في أميركا خلافًا محتدمًا حول مدى جدواه وتأثيره في خفض الانبعاثات في البلاد.
وقدّم قانون خفض التضخم الأميركي دعمًا كبيرًا إلى مشروعات الطاقة المتجددة، عبر حوافز مالية في صورة ائتمان ضريبي لمشروعات من بينها المتعلقة بإنتاج الهيدروجين.
وفي هذا الصدد، أرسلت 18 منظمة بيئية خطابًا إلى الوكالات الفيدرالية الأميركية، بشأن الطريقة التي ستطبق بها الوكالات الفيدرالية الائتمان الضريبي، بحسب المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، نقلًا عن منصة "إنرجي نيوز" (Energy News).
ووفقًا لتلك المنظمات، ستحدد طرق تطبيق الائتمان الضريبي حجم تأثيره في تقليل الانبعاثات الضارة للبيئة.
الائتمان الضريبي لإنتاج الهيدروجين
كان الكونغرس الأميركي قد أقرّ، في أغسطس/آب 2022، قانون الحد من التضخم لمكافحة تغير المناخ باستثمارات 369 مليار دولار أميركي، وينص القانون التاريخي على منح ائتمان ضريبي لإنتاج الهيدروجين بطرق صديقة للبيئة.
وحول تنظيم الائتمان الضريبي الجديد، حذّر بيان المنظمات المدافعة عن البيئة من أن "ضعف التوجيه قد يدفع وزارة الخزانة إلى إنفاق أكثر من 100 مليار دولار أميركي في صورة إعانات لمشروعات الهيدروجين، ما سيؤدي إلى زيادة صافي الانبعاثات، في تعارض مباشر مع متطلبات القانون، كما أنه سيلطخ سمعة صناعة الهيدروجين النظيف الوليدة".
تُجدر الإشارة إلى أن استعمالات الهيدروجين النظيف تتعدد في الوقت الراهن؛ إذ إنه ضروري لإنتاج المخصبات الضرورية لنمو المحاصيل الزراعية من الأمونيا، فضلًا عن تكرير النفط بتحويله إلى منتجات نفطية يُمكن استعمالها.
ويوصف الهيدروجين بأنه "سلاح" متعدد الوظائف لتقليل انبعاثات الكربون؛ إذ يمكن استغلاله بوصفه مصدرًا للطاقة في قطاعات مثل الطيران والشحن الثقيل، التي يصعب فيها التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
ويوضح الرسم التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- مصادر إنتاج الهيدروجين المختلفة:
تشريعات صارمة أم فضفاضة؟
من ناحية أخرى، أكّدت بعض شركات الطاقة أن وضع تشريعات شديدة الصرامة بشأن منح حوافز الائتمان الضريبي ربما يقتل قطاع الهيدروجين قبل أن ينطلق.
وفي هذا السياق، قالت شركة نكست إيرا إنرجي لتوليد الطاقة النظيفة: "نرى أن إنتاج الهيدروجين الأخضر سيكون غير مجدٍ اقتصاديًا، كما لن تتوسع الصناعة إذا وُضعت الكثير من التشريعات المُرهقة".
على الجانب الآخر، شددت مؤسسات معنية بالسياسات البيئية على أنه إذا كانت القواعد فضفاضة للغاية فربما ينتهي الأمر باقتصاد الهيدروجين النظيف الجديد إلى زيادة انبعاثات الكربون بدلًا من تقليلها.
وربما ينتهي الائتمان الضريبي في أيدي شركات تنتج هيدروجين ذا انبعاثات أعلى من بدائله، كما يمكن أن يكون له تأثير غير مباشر في زيادة انبعاثات شبكات الكهرباء، بحسب المسؤولة في مؤسسة فرقة العمل المعنية بالهواء النظيف -التي وقعت على الخطاب- إيميلي كنت.
وأضافت كنت: "مع القواعد الفضفاضة وضعف قواعد تحليل انبعاثات غازات الدفيئة في إنتاج الهيدروجين، ربما ينتهي الائتمان الضريبي له في أيدي منتجي هيدروجين لا ينتج انبعاثات أقل من بدائله".
من جانبها، ردّت وزارة الخزانة ودائرة الإيرادات الداخلية في أميركا، بأنه يجري حاليًا تحديد طريقة تطبيق الائتمان الضريبي لمشروعات الهيدروجين.
وبحسب التقرير، يعتمد حجم الائتمان الضريبي الذي ستحصل عليه شركات الهيدروجين على كمية الانبعاثات الناتجة في أثناء الإنتاج.
وإلى الآن، ما زال الخلاف دائرًا حول طريقة حساب كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن عمليات إنتاج الهيدروجين.
شهادات الطاقة المتجددة
أشار التقرير إلى شهادات الطاقة المتجددة، وهي وثيقة رسمية تثبت أن شركة ما أنتجت كمية محددة من الطاقة المتجددة.
إلا أن كل شهادة منها لا تشبه الأخرى، فبعض تلك الشهادات ترتكز على حساب مدد زمنية قصيرة، والأخرى تُحتسب مرة في العام، بحسب التقرير الذي اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
فعلى سبيل المثال، طلبت شركة بي بي أميركا التابعة لشركة النفط البريطانية بي بي، في تقريرها لدائرة الإيرادات الداخلية، منحها شهادة الطاقة المتجددة على أساس المحاسبة السنوية.
وقالت بي بي إن الشهادات السنوية أكثر الطرق ملاءمة لتطبيق قانون الضرائب، الذي سيساعد في دعم الاستثمارات الضرورية للقطاع.
كما أن شهادات المحاسبة السنوية حاسمة لشركة بي بي، التي تعتزم استثمار ما بين 27.5 مليار دولار و32.5 مليار دولار بين عامي 2023 و2030، في مجموعة مصادر للطاقة تصفها الشركة البريطانية بأنها محركات لنمو تحول الطاقة مثل إنتاج الطاقة المتجددة والهيدروجين.
وقالت شركة بي بي: "يجب أن تكون قواعد منح شهادة الطاقة المتجددة مرنة، لتساعد قطاع الهيدروجين الناشئ في الانطلاق بوتيرة أسرع. ستتوفر المرونة القصوى عبر القدرة على المواءمة بين الطلب السنوي لإنتاج الهيدروجين وتوليد الطاقة المتجددة".
بدورها، ترى شركة نكست إيرا أن اللجوء إلى المحاسبة بالساعة سيجعل من الصعب اقتصاديًا إنتاج الهيدروجين الأخضر، فضلًا عن أنه يمنح أفضلية للهيدروجين الأزرق الذي يُنتج من خلال حرق الغاز الطبيعي والوقود الأحفوري.
وقال رئيس الاتصالات في شركة نكست إيرا، ديفيد رويتر، لشبكة سي إن بي سي: "إن اشتراط المطابقة الزمنية الدقيقة (مثل المحاسبة بالساعة) من شأنه أن يدمر اقتصاد الهيدروجين الأخضر، لأنه يمنح ميزة كبيرة للهيدروجين الأزرق والاعتماد على الوقود الأحفوري، ولا يتماشى مع الاتجاه التشريعي الرامي إلى تسريع إحراز تقدم في اقتصاد الهيدروجين النظيف".
واستشهد رويتر ببحث أجرته شركة الاستشارات وود ماكنزي، الذي أثبت أن آلية المحاسبة بالساعة ستؤدي إلى رفع تكلفة إنتاج الهيدروجين، فينما ستسمح المحاسبات على أساس سنوي لتقنيات التحليل الكهربائي المنتجة للهيدروجين، بالعمل باستمرار.
وستكون آلية المحاسبة بالساعة مُقيدة، وستضمن "مقتل" قطاع الهيدروجين الوليد قبل نهوضه على قدميه، بحسب وكالة رويترز.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- متطلبات إنتاج الهيدروجين باستعمال جهاز التحليل الكهربائي:
تبني تشريعات متساهلة
على الجانب الآخر من الجدل، تقول الجماعات المعنية بتغير المناخ مثل شركة "إلكتريك هيدروجين" ومؤسسة فرقة العمل المعنية بالهواء النظيف، إن تبني تشريعات أكثر تساهلًا سيقضي على أهداف المناخ المنصوص عليها في قانون الحد من التضخم.
كما تدافع تلك المنظمات البيئية عن اعتماد المحاسبة بالساعة في شهادات الطاقة المتجددة، فضلًا عما يُسمى "السمة الإضافية وإمكان التسليم"، التي تساعد في ضمان أن الكهرباء المستهلكة لتشغيل أجهزة التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين، طاقة نظيفة بالفعل.
وتشير "السمة الإضافية" إلى عدم القدرة على احتساب أرصدة الطاقة المتجددة التي كان من الممكن إنتاجها على أي حال.
كما يشير إمكان التسليم إلى عدم منح الائتمان الضريبي إلا للطاقة النظيفة فقط، التي تُنتج بصورة أصيلة في موقع مرتبط بأجهزة التحليل الكهربائي المُنتجة للهيدروجين عبر خط ليس مزدحمًا بالفعل.
وترى المنظمات البيئية أن طريقة استخدام الغاز الطبيعي في الإصلاح البخاري للميثان اليوم، أفضل للمناخ من استعمال الوقود الأحفوري لتشغيل خلايا التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين.
اقرأ أيضًا..
- إعادة إحياء مصفاة سامير قد تضع حلًا لأزمة المحروقات في المغرب (تقرير)
- صادرات الغاز المسال العربية تسجل أعلى مستوى في 9 سنوات بقيادة مصر وعُمان
- صادرات الغاز المسال في 2022 تسجل أعلى مستوى خلال 50 عامًا (4 رسوم بيانية)
- توقعات سهم أرامكو في 2023 وهل يصبح فرصة للاستثمار؟