عوامل تهدد أمن الطاقة في أوروبا الشتاء المقبل.. إمدادات الغاز بالمقدمة
وهذه السيناريوهات تنقذها من كارثة
نوار صبح
- عززت دول الاتحاد الأوروبي بصورة كبيرة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال
- استفادت أوروبا من انخفاض الطلب على الغاز في الأسواق الأخرى على مستوى العالم
- يتوقع المحللون ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي المسال في عام 2023
- في نهاية عام 2022 فقط بدأت روسيا في تقييد تدفق الغاز إلى أوروبا
في ظل الموثوقية المتفاوتة لمصادر الطاقة المتجددة، وانخفاض إمدادات الغاز الروسي أو انقطاعها، يبدي عدد من الخبراء والمحللين قلقهم بشأن أمن الطاقة في أوروبا خلال الشتاء المقبل.
ومع تقييد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، بدت الأمور قاتمة بالنسبة إلى الأوروبيين في الخريف الماضي، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وأدى انخفاض إنتاج الطاقة الكهرومائية في جنوب أوروبا وإغلاق فرنسا محطات الطاقة النووية إلى تفاقم أزمة الطاقة في القارة العجوز، حسب تقرير نشره مؤخرًا موقع إنرجي مونيتور (Energy Monitor).
خطط لمواجهة الأزمة
رغم ذلك، تمكّنت القارة من تجاوز هذا الشتاء وضمان أمن الطاقة في أوروبا بمزيج من الحظ والتخطيط الفعال، إذ اتفق قادة الاتحاد الأوروبي على خفض استهلاك الغاز بنسبة 15% بين 1 أغسطس/آب 2022 و31 مارس/آذار 2023، مقارنة بالمتوسط في المدة نفسها على مدى السنوات الـ5 السابقة.
وأدى ذلك إلى إعلان مجموعة من ضوابط الطلب في العواصم الوطنية، في فرنسا، على سبيل المثال، أطفأت السلطات الباريسية أضواء برج إيفل قبل ساعة من المعتاد وانخفضت حرارة أحواض السباحة البلدية بمقدار 1 درجة مئوية.
وجمّدت المدن الألمانية أحواضها، وحظرت البلاد اللوحات الإعلانية المضيئة، وأمرت بإغلاق أجهزة التدفئة في الممرات والردهات ومداخل المباني العامة.
وتلقى أمن الطاقة في أوروبا دعمًا بصورة كبيرة من واردات الغاز الطبيعي المسال التي استقبلتها دول التكتل، ما أدى إلى تجاوز أسعار الأسواق الأخرى لزيادة الواردات بنسبة 60% في عام 2022 مقارنة بالعام السابق.
كما تمكنت النرويج، ثالث أكبر مصدر للغاز في العالم، من زيادة شحنات الغاز بنحو 8% في عام 2022 مقارنة بعام 2021، إذ أصبحت بحلول نهاية العام أكبر مورد للغاز الطبيعي في أوروبا.
ويمكن ملاحظة عنصر "الحظ" في الطريقة التي انتهى بها المطاف في القارة لتعيش ثالث أدفأ فصل خريف مسجل، ما أدى إلى تأجيل تشغيل التدفئة والسماح بملء مرافق تخزين الغاز الخاصة بها إلى الحد الأقصى.
واستمرت الظروف المواتية في الشتاء، وحُطمت أرقام درجات الحرارة القياسية في جميع أنحاء أوروبا، في يناير/كانون الثاني.
ووصلت درجات الحرارة في العديد من المدن عبر أوروبا الوسطى والشرقية إلى ما يقرب من 20 درجة مئوية أو أكثر، على عكس درجات الحرارة النموذجية دون الصفر في هذا الوقت من العام.
الغاز المسال مصدر قلق
في بداية فبراير/شباط 2023، كان لدى الاتحاد الأوروبي مخزون من الغاز أكبر مما كان عليه في المدة نفسها من عام 2022.
وقد استفادت القارة من انخفاض الطلب في الأسواق الأخرى على مستوى العالم، فضلًا عن العمليات السلسة إلى حد كبير في مرافق نقل الغاز الطبيعي المسال، إذ يشير المحللون إلى خطر حقيقي من أن كلا هذين العاملين يمكن أن يتغيرا ويشكلا مصدر خطر لأمن الطاقة في أوروبا.
في يونيو/حزيران 2022، أدى حريق في محطة فريبورت لتسييل الغاز الطبيعي المسال في ولاية تكساس إلى خفض القدرة التصديرية الأميركية مؤقتًا بنحو السُّدْس.
وتسبب الحادث في زيادة أسعار الغاز المسال، وأدى ذلك إلى تشغيل منشآت الغاز الطبيعي المسال الـ7 الرئيسة الأخرى في الولايات المتحدة بكامل قدرتها.
وحصلت فريبورت للغاز الطبيعي المسال على الموافقة فقط لإعادة فتحها في فبراير/شباط 2023، ما يعني أن صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال كانت محدودة لمدة 8 أشهر.
الطلب على الغاز
من الناحية العملية، لم يكن هذا الأمر مهمًا لأوروبا، نظرًا إلى أن مرافق إعادة التغويز كانت تعمل بكامل قدرتها، ولكن تكرار الحوادث في المزيد من المنشآت خلال العام المقبل، فقد تتضرر إمدادات الغاز وتهدد أمن الطاقة في أوروبا.
وقد يزداد تأثير اضطراب الإمداد إذا كان الطلب على الغاز الطبيعي المسال أعلى في الشتاء المقبل مما كان عليه في عام 2022، مع انخفاض الركود في سلسلة التوريد العالمية، حسبما نشر موقع إنرجي مونيتور.
وفي ظل الوضع الحالي، يتوقع المحللون أن يكون هناك طلب أكبر على الغاز الطبيعي المسال في عام 2023.
وفي المقابل، تتوقع الصين نموًا يزيد على 5% في عام 2023، ويتوقع الاتحاد الأوروبي واليابان -هما سوقان رئيستان للغاز الطبيعي المسال- نمو اقتصاداتهما (بنسبة 0.8% و1.8% على التوالي).
ومن المقرر أن يشهد النمو الصيني تحولًا كبيرًا عن العام الماضي، عندما استفادت أوروبا من انخفاض الطلب على الطاقة أكثر من المعتاد في الصين، نتيجة للأداء الاقتصادي الصيني الضعيف الذي نشأ عن سياسة مكافحة انتشار فيروس كورونا في البلاد.
ونتيجة لزيادة واردات الصين من الغاز الروسي عبر خط أنابيب سيبيريا بنسبة 50%، انخفض الطلب الصيني على الغاز الطبيعي المسال بنسبة 20%، وتمكنت أوروبا من تحويل ناقلات الغاز الطبيعي المسال المتجهة إلى آسيا إلى شواطئها، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ويوضح استشاري سياسة الطاقة لدى مركز الأبحاث تشاتام هاوس، أنتوني فروغات: "قد يكون لدينا المزيد من الوقت للتخطيط، لكن الأمور الأخرى ليست في صالحنا كثيرًا هذا العام".
روسيا تقيّد إمدادات الغاز
في نهاية عام 2022 فقط، بدأت روسيا في تقييد تدفق الغاز إلى أوروبا، في حين وقعت الهجمات التي دمرت خط أنابيب نورد ستريم في نهاية سبتمبر/أيلول.
وقال محلل السياسات لدى مركز السياسة الأوروبية فيليب لوسبرغ: "كان الغاز الروسي ما يزال متاحًا لمعظم العام الماضي، وكانت الدول الأوروبية قادرة على شراء كميات كبيرة منه لملء مرافق التخزين لديها".
وتتمتع أوروبا، هذا العام 2023، بإمكان الوصول إلى إمدادات أقل بكثير من الغاز عبر خطوط الأنابيب المتاحة للحفاظ على مستويات الإمداد عالية، مع استمرار تشغيل خطّيْن فقط من 5 خطوط أنابيب: ترك ستريم، الذي يمتد من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود، وخط أنابيب آخر يمتد عبر أوكرانيا.
وفي حال أوقفت روسيا الغاز في هذين الطريقين المتبقيين، وواجهت أوروبا شتاءً باردًا، فقد تكون القارة في مأزق، حسبما نشر موقع إنرجي مونيتور (Energy Monitor) في 2 مارس/آذار الجاري.
من ناحيته، وضع مركز الأبحاث البلجيكي بروغل نموذجًا لتأثير السيناريوهات المختلفة لدرجات الحرارة في فصل الشتاء إذا كانت روسيا تقيد أو لا تقيد تدفقات الغاز، ويزيد الاتحاد الأوروبي واردات الغاز الطبيعي المسال إلى الحد الأقصى.
ويتمثل السيناريو الأسوأ في أن تضطر أوروبا إلى خفض الطلب على الغاز بنسبة كبيرة تصل إلى 26% مقارنة بمتوسط السنوات الـ5 السابقة، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
النبأ السار هو أن أوروبا أظهرت أنها قادرة جدًا على خفض الطلب على الغاز، وخفض التكتل استعمال الغاز الطبيعي بنسبة 19.3% من أغسطس/آب 2022 إلى يناير/كانون الثاني 2023 مقارنة بمتوسط استهلاك الغاز للأشهر نفسها في السنوات الـ5 السابقة، بحسب المفوضية الأوروبية.
تعزيز السياسات الخضراء
من المجالات التي حظيت بالثناء على نطاق واسع في استجابة السياسة الأوروبية للحرب في أوكرانيا التي ستستمر في تحقيق الأرباح خلال العام المقبل، تعزيز السياسات الخضراء.
ويقول كبير المحللين في مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، لاوري ميليفيرتا: "تُعدّ الزيادات في أهداف الطاقة النظيفة في العام والسنوات الماضية مثيرة للإعجاب وستؤدي إلى تحسين أمن الطاقة في أوروبا".
وأوضح المحلل لدى مركز الأبحاث إي 3 جي، بيتر دي بوس: "فصل الشتاء هذا، وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، أوضحت بشكل لا لبس فيه أن الوقود الأحفوري لا يوفر أمن الطاقة في أوروبا، إنهم يقوضونها.. إذ استجابت أوروبا بضرب المسرع في تحولها المحلي إلى الطاقة النظيفة".
وتهدف حزمة سياسة ريباور إي يو إلى توفير 45% من الطاقة المتجددة الأوروبية بحلول عام 2030. ومن الناحية العملية، يُترجم هذا الهدف إلى 69% من الكهرباء المتجددة، و32% من النقل المتجدد، و60% من الطاقة المتجددة في المباني.
ويرى المحللون أن هذا الطموح المتجدد يُؤتي ثماره حاليًا، ففي العام الماضي، أنتجت طاقة الرياح والطاقة الشمسية خُمْس كمية قياسية من الكهرباء في الاتحاد الأوروبي (22%)، متجاوزة الغاز الطبيعي لأول مرة (20%).
وتشير اتجاهات السوق إلى أن الرقم القياسي البالغ 2.2 مليون مضخة حرارية، التي تم تركيبها في عام 2021، سيجري تجاوزه كثيرًا في عام 2022، بحسب مركز الأبحاث البلجيكي بروغل.
ومع ذلك، ما تزال هناك مخاوف من أن المناظر الطبيعية ليست مواتية لمصادر الطاقة المتجددة كما قد تكون.
ويقول ميليفيرتا: "هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لترجمة هذه الأهداف إلى سياسات تنفيذية،" مشيرًا إلى "التحديات المتمثلة في عمليات الترخيص المرهقة للغاية، التي تعوق مشروعات نقل الكهرباء والرياح البرية على وجه الخصوص".
ويرى الأمين العام للتحالف الأوروبي لأبحاث الطاقة، عادل الجمّال، أنه في حين "لا يمكننا إلا الثناء على تحديد أهداف طموحة للغاية (فيريباور إي يو)، فإن الزيادة غير المسبوقة في معدلات الانتشار قد تعاني الاختناقات في سلاسل التوريد المعنية، التي يبدو من الصعب إزالة بعضها".
وأوضح مدير معهد السياسة البيئية الأوروبية، بن ألين، أن الحوافز الموجهة مثل ريباور إي يو يمكن أن تخاطر "بنتائج ضارة وغير مقصودة"، عندما حفز توجيه الطاقة المتجددة الأصلي للاتحاد الأوروبي إنتاجًا كبيرًا للوقود الحيوي القائم على المحاصيل.
وحذّر من إمكان ارتكاب أخطاء، إذ يجري تشجيع أنواع الوقود مثل الهيدروجين والميثان الحيوي، عندما تظل مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية هي الأولوية.
اقرأ أيضًا..
- عام على الغزو الروسي لأوكرانيا.. دبابات موسكو تقلب موازين الطاقة (تغطية خاصة)
- الطاقة المتجددة تنتظر استثمارات خليجية ضخمة.. الإمارات والسعودية في المقدمة (دراسة)
- كارول نخلة رئيسة كريستول إنرجي: عام مرعب لأسواق الطاقة.. وهذه توقعاتي لأسعار النفط (حوار)