صادرات الوقود الأحفوري الروسي تواصل أرباحها بعد حرب أوكرانيا.. من المسؤول؟
هبة مصطفى
تعدّ صادرات الوقود الأحفوري الروسي الشريان المغذّي لخزائن الكرملين حتى الآن، رغم ما شهده عام كامل منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير/شباط (2022) من عقوبات خانقة، تدفع نحو تقييد عائدات تلك الصادرات.
وبدا الأمر لافتًا للنظر بعض الشيء، إذ رغم تراجع عائدات الصادرات مدفوعة بالقيود والعقوبات الأخيرة -خاصة من الاتحاد الأوروبي-، فإن موسكو ما زالت تتلقى أرقامًا ضخمة من عائدات تصدير موارد الطاقة المختلفة، تستعملها للإنفاق على الحرب.
ورغم أن تفسيرات هذا اللغز كانت تُشير من قبل إلى الصادرات للدول الآسيوية، والشراهة الصينية والهندية لخصومات الأسعار، فإنه بالنظر إلى عدم استيعاب تلك الأسواق لكميات الصادرات التي كانت تمتصها الدول الأوروبية، ما زال مثيرًا للجدل.
وقُدِّرت عائدات صادرات الوقود الأحفوري الروسي خلال الشهرين الماضيين وحدهما (يناير/كانون الثاني، وفبراير/شباط)- بنحو 30 مليار يورو، حسب بيانات تقرير صادر عن مركز "سيرا" لأبحاث الطاقة والهواء النظيف (CERA) الذي يتخذ من العاصمة الفنلندية "هلسنكي" مقرًا له.
يأتي هذا رغم أن الشهرين محل الرصد كانا ضمن الشهور الأولى في أعقاب بدء تطبيق قرار السقف السعري، مطلع ديسمبر/كانون الأول نهاية العام الماضي (2022)، وحزمة العقوبات الجديدة.
وفي التقرير التالي، تستعرض منصة الطاقة المتخصصة: (أبرز الأرقام حول صادرات الطاقة الروسية، والجهات المتهمة بالوقوف وراء تعزيز عائدات تلك الصادرات، ومقترحات تحجيمها الآونة المقبلة).
أولًا: بيانات الصادرات
- العائدات
قُدِّرت عائدات الوقود الأحفوري الروسي الإجمالية بنحو 560 مليون يورو يوميًا خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، بما يقارب قيمة إجمالية في نطاق 30 مليار يورو.
(اليورو = 1.06 دولارًا أميركيًا).
وبالنظر إلى بيانات شهر يناير/كانون الثاني وحده -الشهر الأول عقب تطبيق السقف السعري-، نجد أن روسيا حصدت (280 مليون يورو من صادرات النفط الخام، و120 مليون يورو من صادرات المشتقات النفطية، بجانب 60 مليون يورو لصادرات الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب، و40 مليون يورو لصادرات الغاز المسال، و60 مليون يورو لصادرات الفحم).
ورغم أن هذه العائدات انخفضت عن ذروة الصادرات، المسجلة خلال شهر مارس/آذار العام الماضي (2022)، والبالغة مليارًا و130 مليون يورو يوميًا- بنحو 50%، فإنها ما زالت مرتفعة.
وفيما يتعلق بصادرات الوقود الأحفوري الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي، ما زالت هذه الدول تنعش خزائن الكرملين بنحو 100 مليون يورو يوميًا خلال الآونة الأخيرة، رغم العقوبات.
وتقسم عائدات صادرات الوقود الأحفوري الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي كالتالي: (30 مليون يورو من صادرات النفط الخام، و30 مليون يورو من المشتقات النفطية، و30 مليون يورو من صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب، و10 ملايين يورو مقابل صادرات الغاز المسال).
وتأتي هذه البيانات رغم تسجيل صادرات الطاقة الروسية إلى دول الاتحاد الأوروبي تراجعًا بنسبة 86% -خلال الأيام الـ30 الأخيرة-، مقارنة بمستويات ذروة مارس/آذار العام الماضي، البالغة 700 مليون يورو يوميًا.
- الوجهات
احتلّت الصين الوجهة الأولى لمستقبلي صادرات الوقود الأحفوري الروسي بعد مرحلة عقوبات ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ تُشير البيانات الجمركية إلى أنها تقدّم لموسكو أعلى سعر مطروح لبرميل النفط ضمن نطاق أسعاره المخفضة المطروحة.
وتلقّت هذه الصادرات دعمًا من عدم شمول مواني الشرق الأقصى الروسي -الوجهة الأقرب لانطلاق الشحنات نحو بكين- ضمن قرار السقف السعري.
وتحلّ دول الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية لأبرز الوجهات المتلقية لصادرات الطاقة من موسكو، حتى خلال مرحلة ما بعد حظر المشتقات النفطية والسقف السعري، لا سيما إذا استمرت على أحدث معدل لها (بقيمة 100 مليون يورو يوميًا).
وجاءت الهند في المرتبة الثالثة لأكبر مشتري النفط الروسي، بعد بكين ودول الاتحاد الأوروبي، غير أن الخصومات التي تقدّمها موسكو إلى نيودلهي بصورة خاصة حدّت من عائداتها.
ويرصد الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حجم صادرات النفط الروسي، من مطلع العام الماضي (2022) حتى يناير/كانون الثاني العام الجاري (2023)، بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة:
كما شملت وجهات صادرات الوقود الأحفوري الروسي اليابان، التي استوردت منذ مطلع العام الجاري (2023) حتى الآن بما تصل قيمته إلى 14 مليون يورو يوميًا.
بالإضافة إلى منافذ آسيوية أخرى، منها كوريا الجنوبية بعائدات لصالح موسكو تصل إلى 10 ملايين يورو يوميًا، وتايوان 1.6 مليون يورو يوميًا.
ومنذ مطلع العام الجاري (2023)، جاءت تركيا والإمارات والمغرب على رأس مستوردي المشتقات النفطية من روسيا، بجانب تصدير موسكو لشحنات -غير ضخمة- إلى كل من (تونس، والبرازيل، ومصر، والجزائر)، بحسب بيانات تقرير "سيرا".
وتوقفت كل من أميركا والمملكة المتحدة عن استقبال صادرات الوقود الأحفوري الروسي، منذ مطلع العام الجاري (2023).
ثانيًا: أوروبا في مرمى الاتهام
اتّهم تقرير مركز مركز "سيرا" لأبحاث الطاقة والهواء النظيف أوروبا بالوقوف وراء تمويل الحرب على أوكرانيا، بإنعاش خزائن الكرملين وزيادة عائدات صادرات الوقود الأحفوري الروسي.
واستند التقرير في اتهامه إلى 3 عوامل رئيسة: حجم صادرات الطاقة من موسكو إلى دول الاتحاد الأوروبي المقدَّر بقيمة 100 مليون يورو يوميًا، وفق ما سبق توضيحه، إلى جانب الدور القوي لصناعة الشحن الأوروبية، وثغرات قرار السقف السعري ونطاقه.
ففي الوقت الذي تنطلق فيه صادرات المشتقات النفطية الروسية من مواني بحر البلطيق والبحر الأسود إلى الوجهات المختلفة، تعمل صناعة الشحن الأوروبية على تغذية هذه المواني.
ويكشف الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- استمرار روسيا في المرتبة الثالثة لمصدري الغاز إلى أوروبا حتى 12 يناير/كانون الثاني من العام الجاري (2023)، وفق بيانات خبير الصناعات الغازية لدى "أوابك" وائل عبدالمعطي:
وقدَّر التقرير أن السفن -الخاضعة لملكية الاتحاد الأوروبي أو المشمولة في نطاق شركات التأمين لديه- تحمل صادرات من الوقود الأحفوري الروسي بما يعادل 310 مليون يورو يوميًا، بما يشكّل 65% من القيمة الإجمالية للصادرات المنقولة بحرًا.
ومن جانب آخر، رأى التقرير أن السقف السعري للنفط الروسي الخام (عند 60 دولارًا للبرميل) والمشتقات النفطية (عند 100 دولار للبرميل من المنتجات عالية الجودة، و45 دولارًا للبرميل الأقلّ جودة) جاء مرتفعًا بالقدر الكافي لضمان حصد الكرملين مكاسب قوية.
وبحسب تقرير سيرا، يمنح الكرملين منتجي النفط في روسيا 15 دولارًا مقابل كل برميل يُصَدَّر، ويضخّ بقية العائدات في خزائنه، وبالنظر إلى نطاق السقف السعري المحدد بنحو 60 دولارًا للبرميل، فإن خزينة موسكو تستقبل 45 دولارًا لكل برميل بعد خصم مكاسب المنتجين.
ورغم أن سعر برميل النفط الروسي قد يصل إلى 70 و75 دولارًا للبرميل خلال نقل بعض الشحنات من المواني، فإن الناقلات المدعومة بالتأمين الأوروبي على الشحن تواصل نقلها.
ثالثًا: خنق خزائن الكرملين
يكشف حجم اعتماد موسكو على صناعة الشحن الأوروبية لنقل صادرات الوقود الأحفوري الروسي تورّط أوروبا في إنفاق خزائن الكرملين بسخاء على الحرب الأوكرانية، لكن من جانب آخر يعكس قدرة دول القارة العجوز على تقييد هذه الخزائن أيضًا.
وفيما يتعلق الأمر بزاوية فرض المزيد من القيود على روسيا، لا يقتصر الأمر على أوروبا وحدها، بل يتعلق بدول تحالف السقف السعري (دول الاتحاد الأوروبي، ودول مجموعة الـ7، وأستراليا).
ويمكن للتحالف الاستفادة من اعتماد موسكو على تأمين ناقلات الشحن البحري، لخفض عائدات صادرات الوقود الأحفوري الروسي.
ويعدّ انخفاض عائدات صادرات الطاقة الروسية إلى 560 مليون يورو يوميًا، خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، منذ تطبيق حزمة العقوبات الأخيرة، خير دليل على إمكان فرض المزيد من العقوبات على موسكو حال الرغبة في خفض عوائدها.
وفيما يلي أبرز الآليات التي اقترحها "سيرا" لفرض المزيد من القيود على عائدات صادرات الوقود الأحفوري الروسي:
- مراجعة مارس:
قال مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف "سيرا" -في تقريره-، إن المراجعة المرتقبة لمستوى السقف السعري لبرميل النفط المنقول من موسكو، في مارس/آذار الجاري، تعدّ فرصة سانحة لفرض قيود جديدة على عائدات صادرات الوقود الأحفوري الروسي.
وأوصى التقرير بخفض سقف سعر برميل النفط الروسي -خلال المراجعة المقبلة- إلى ما يتراوح بين 25 و35 دولارًا، وزيادة هذا المستوى بنحو 5 دولارات إضافية لبرميل المشتقات المكررة عالية الجودة، بما يضمن خفض عائدات الكرملين وإبقاء خام موسكو متداولًا في الأسواق.
- المراقبة:
دعت توصيات التقرير إلى فرض حظر على ناقلات الشحنات غير الملتزمة بالسقف السعري، ومنعها من الرسو بمواني دول مجموعة الـ7 والاتحاد الأوروبي، ومنح جهات المراقبة صلاحية الاطّلاع على العقود الأساسية.
وطالب التقرير روسيا بإنشاء هيئة تختص بمراقبة تطبيق العقوبات، مع إلزامها بإجراء متابعة شهرية للعقود ووثائق الشحن.
- عقوبات إضافية:
قال مركز سيرا، إنه يتعين على الدول الأعضاء في ائتلاف السقف السعري التركيز على "الناقلات"، مع فرض عقوبات وقيود إضافية من شأنها وقف عمليات "التحايل" ونقل الشحنات من سفينة لأخرى، مع حظر مرور الناقلات المحملة بشحنات روسية للمياه الإقليمية الخاصة بدول التحالف.
وبجانب ذلك، شددت توصيات التقرير على ضرورة توسعة نطاق العقوبات على صادرات الوقود الأحفوري الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي، وضمّها إلى السقف السعري، بما يشمل النفط والغاز المنقولين عبر خطوط الأنابيب والغاز المسال، وعدم قصرها على الخام المنقول بحرًا فقط.
ونصح سيرا بضرورة إجراء معالجة لمزيج النفط المتداول على متن بعض الناقلات؛ للتيقن من عدم مزج الخام الروسي ضمن مكوناته.
اقرأ أيضًا..
- ثاني أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في العالم تبنيها هذه الدولة
- إنتاج النفط الأميركي يهبط 276 ألف برميل يوميًا في ديسمبر 2022
- قائمة أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا تشهد إنجازًا تاريخيًا للجزائر
- قيمة تجارة الغاز المسال العالمية تتضاعف إلى 450 مليار دولار في 2022