عام على الغزو الروسي لأوكرانيا.. غياب غاز موسكو يزيد اعتماد أوروبا على الطاقة المتجددة
نوار صبح
- الحكومات الأوروبية أنفقت المليارات لدعم فواتير التدفئة مع جني شركات الغاز أرباحًا قياسية
- أوروبا أنتجت كهرباء من مصادر متجددة أكثر مما أنتجت من الغاز العام الماضي
- الصفقة الخضراء الجديدة للاتحاد الأوروبي تماسكت خلال صدمة أوكرانيا
- أسعار الغاز الأوروبية تراجعت بنسبة تصل إلى 85% منذ أن بلغت ذروتها الصيف الماضي
- استمرار تقلّب الأسعار في أسواق الغاز يُعدّ مصدر قلق كبيرًا للحكومات الأوروبية
بعد مرور عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، ازدادت نسبة اعتماد الدول الأوروبية على مصادر الطاقة المتجددة لسدّ فجوة الإمدادات الناجمة عن استبعاد الغاز الروسي، وسط تحديات اقتصادية وسياسية متفرقة.
وواجهت الدول الأوروبية، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، مجموعة تحديات في سعيها للاستغناء عن واردات الغاز الروسية، التي توفر 40% من احتياجات الطاقة لديها، وتوفّر الدفء للعائلات في الشتاء، وفقًا لتقرير حديث نشرته منصة كونتكست الإعلامية (Context).
وتَوسَّع استعمال الوقود الأحفوري الملوِّث مثل الفحم للمساعدة في سدّ الفجوة، وأنفقت الحكومات الأوروبية مليارات الدولارات في دعم فواتير التدفئة مع جَنْي شركات الغاز أرباحًا قياسية، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
إزاء ذلك، تتنافس الدول الأوروبية على بناء محطات لاستيراد الغاز من مورّدين جدد، على سبيل المثال: الولايات المتحدة وقطر ونيجيريا.
تجدر الإشارة إلى أن أوروبا أنتجت كهرباء من مصادر متجددة أكثر مما أنتجت من الغاز، العام الماضي، وذلك للمرة الأولى، وفقًا لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين.
وقد صمدت الصفقة الخضراء الجديدة للاتحاد الأوروبي الهادفة إلى جعل التكتل محايدًا كربونيًا بحلول عام 2050، خلال الصدمة المترتبة عن غزو أوكرانيا.
وتشهد الخطط الجديدة لخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027، باستعمال مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، تقدمًا ملحوظًا.
وقال رئيس معهد الموارد العالمية -ومقرّه الولايات المتحدة- آني داسغوبتا: "النبأ السارّ من هذه الأزمة، هو أنها قرّبت القادة الأوروبيين من بعضهم، وأصبحت سياسة الطاقة الأوروبية أكثر تماسكًا وطموحًا من أيّ وقت مضى."
على صعيد آخر، تسبَّب الصراع في أوكرانيا في حدوث موجات صدمة في أسواق الطاقة العالمية، إذ أثار ارتفاع الأسعار تساؤلات في المناطق التي تخطط لاستعمال المزيد من الغاز، بما في ذلك آسيا، بشأن ما إذا كانت هذه هي الإجابة الصحيحة للمستقبل، كما يقول خبراء الطاقة.
ويعتقد المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول أن حرب أوكرانيا قد تمثّل تحولًا جوهريًا في الطريقة التي تحكم بها الدول في أوروبا وخارجها على أمن الطاقة لديها، ويمكن أن تحفّز تسريعًا جديدًا في استعمال مصادر الطاقة المتجددة.
وأوضح بيرول في توقعات الطاقة السنوية لوكالته، التي نُشرت في أكتوبر/تشرين الأول، أن "أسواق وسياسات الطاقة تغيرت نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، ليس فقط في الوقت الحالي، ولكن لعقود مقبلة".
وأضاف أن "استجابات الحكومات في جميع أنحاء العالم تَعِدُ بجعل هذه الأزمة نقطة تحول تاريخية ونهائية نحو نظام طاقة أنظف وأكثر أمانًا وبأسعار معقولة."
الغاز الروسي والاعتبارات السياسية
بعد مرور عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، يرى الباحث في شؤون الطاقة لدى معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، جوناثان ستيرن، أن أحد التغييرات الرئيسة نتيجة للغزو الروسي هو أن المخاوف المتعلقة بالطاقة قد انتقلت بشكل كبير إلى جدول الأعمال السياسي الأوروبي.
وأوضح أن "الطاقة أصبحت تعني الناخبين مباشرة، على عكس تغير المناخ".
وأضاف: "يتعين على الناخبين دفع المزيد من الأموال، ويخشون ما إذا كانوا سيحصلون على طاقتهم، ويعلم السياسيون أنه لا يفصلهم عن الانتخابات أكثر من عامين."
وساعد ارتفاع أسعار الغاز في دفع متوسط معدل التضخم في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي إلى مستوى قياسي بلغ 11.5% في أكتوبر/تشرين الأول 2022، حسب تقرير اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وأدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة القائمة على الوقود الأحفوري إلى زيادة تكلفة المعيشة وزيادة المخاوف بشأن الأمن الغذائي.
رغم ذلك، تراجعت أسعار الغاز الأوروبية بنسبة تصل إلى 85%، منذ أن بلغت ذروتها الصيف الماضي، ما خفَّف بعض الضغط.
وقال مستشار السياسات بشأن سياسات الغاز للمناخ والطاقة في مركز الأبحاث إي 3 جي، رافائيل هانوتو، إن أزمة الطاقة وضعت قضايا مثل طريقة تكثيف مصادر الطاقة المتجددة وزيادة كفاءة الطاقة، مع تقليل استعمال الوقود الأحفوري، لا يتعلق فقط بالمناخ، بل بالاعتبارات الأمنية".
وأضاف أنه يُعدّ استمرار تقلّب الأسعار في أسواق الغاز -مع استمرار الصراع في أوكرانيا وإعادة توجيه روسيا لصادراتها نحو آسيا- مصدر قلق كبيرًا للحكومات الأوروبية التي أنفقت نحو 853 مليار دولار في دعم فواتير الطاقة المنزلية والتجارية، وتساءل، إلى متى يمكنهم مواكبة ذلك.
وأكّد هانوتو أنه دون الغاز الروسي "يصبح بناء طاقة الرياح والطاقة الشمسية أكثر ربحًا من التدافع إلى قطر أو أذربيجان لتأمين الوقود الأحفوري".
في مواجهة الخيارات الصعبة بعد عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، تبحث كل من هولندا وألمانيا وفرنسا في اتخاذ تغييرات مثل التقليل التدريجي لمصادر التدفئة التي تعمل بالغاز في المباني وتعزيز تركيب مصادر الطاقة المتجددة، وفقًا لما نشرت منصة كونتكست الإعلامية (Context) في 21 فبراير/شباط الجاري.
يأتي ذلك على الرغم من أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ما تزالان تُستَعملان على نطاق واسع لإنتاج الكهرباء أكثر من التدفئة.
وناقش مفوّضو الاتحاد الأوروبي التخفيضات الإلزامية في استعمال الغاز والكهرباء. وأشار هانوتو إلى "إننا نناقش الآن أشياء كانت مستحيلة منذ شهور".
رغم ذلك، لا تتفق جميع الدول الأوروبية مع هذه السياسة، فقد أعلنت المجر، على سبيل المثال، أنها تتوقع أن يظل الغاز الروسي مهمًا لإمدادات الطاقة لديها، مشيرةً إلى أنها ستكون سعيدة بتوقيع اتفاقيات جديدة طويلة الأجل مع موسكو.
قدرة الخزائن الحكومية
يتمثل أحد الأسئلة الكبيرة في طريقة الدفع مقابل الزيادة التي تشتد الحاجة إليها في مصادر الطاقة المتجددة، في وقت تنضب فيه خزائن الحكومية وقدرة الاقتراض بعد جائحة كوفيد-19 والإنفاق المكثف على الإعانات، للحفاظ على تدفئة المنازل هذا الشتاء.
وأكّدت العديد من الحكومات الأوروبية أنها تفتقر إلى الحيز المالي لتكثيف الطاقة الخضراء بسرعة للتعامل مع تغير المناخ - ومع ذلك، في أوروبا، وجدت كميات ضخمة بين عشية وضحاها تقريبًا لدعم فواتير الطاقة والتصدي للوباء.
ويرى المحللون أن الاستثمار المطلوب بين عامي 2021 و 2050 للانتقال الكامل إلى الطاقة المتجددة في أوروبا يُقدَّر بنحو 3.8 مليار دولار.
الاندفاع نحو الغاز
على الرغم من النقص النقدي، سارعت العديد من الدول الأوروبية لبناء محطات لاستيراد الغاز لتعزيز الإمدادات، ويعني الافتقار إلى التنسيق أن سعة الاستيراد الزائدة أصبحت قيد الإعداد الآن، حسبما قال المحلل لدى غلوبال إنرجي مونيتور، غريغ أيتكين.
وأوضح غريغ أيتكين "لقد تمّ القيام بالكثير في حالة من الذعر"، مضيفًا أن "الإجماع العام هو أن ما يُخَطَّط له مبالغ فيه وغير مناسب للغاية".
وأشار إلى أن بعض الحكومات الأوروبية تدرس تقصير عمليات تحديد المواقع الطويلة في كثير من الأحيان لوضع طاقة نظيفة جديدة في المكان، ما قد يجذب المزيد من الاستثمار الخاص، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
في سياق متصل، تتحدث بعض الدول الأوربية عن تعزيز قدرة الطاقة النووية، وهي خطوة عدّها الباحث في شؤون الطاقة لدى معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، جوناثان ستيرن: "غريبة"؛ بالنظر إلى أن المشروعات تتطلب دعمًا حكوميًا "ضخمًا".
وحذّر محللون من أن الجهود المبذولة لإضافة قدرات الطاقة المتجددة بسرعة تتراجع بسبب نقص إمدادات السوق من المعادن الرئيسة اللازمة لأشياء، مثل أنظمة تخزين البطاريات.
وبوجه عام، تخلّفت جميع الدول الأوروبية تقريبًا عن الموعد المحدد لتعهداتها بخفض الانبعاثات والوصول إلى الحياد الكربوني، لكن أحداث العام الماضي أقنعت معظمها بأنها "بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد"، حسبما قال جوناثان ستيرن.
اقرأ أيضًا..
- قيمة صادرات النفط السعودي تسجل أعلى مستوى في 10 سنوات (إنفوغرافيك)
- أزمة الطاقة.. أعلى 10 دول أوروبية إنفاقًا على دعم المواطنين والشركات
- أنس الحجي: استثمارات النفط الروسي تتراجع.. وموسكو لا تثق في الهند (صوت)