وزن السيارات الكهربائية يفاقم الوفيات الأميركية.. ومفاجأة من شركة أوروبية
هبة مصطفى
يشكّل وزن السيارات الكهربائية شبحًا يطارد خطط انتشارها على الطرق، وفق المستهدفات المناخية لقطاع النقل لدى العديد من الدول، إذ تفوق وزن مثيلاتها من سيارات محرك الاحتراق الداخلي.
ولم تعد المخاوف تقتصر على تهديد تلك السيارات لسلامة الطرق فقط، وإنما امتد الأمر في بعض البلدان إلى تهديد سلامة الأشخاص -أيضًا- في ظل تزايد معدلات الوفاة نتيجة الحوادث.
وتزداد معدلات تسبب السيارات الكهربائية بالوفيات المرورية في أميركا لأسباب تتعلق بوزن السيارة وسرعتها، لكن على الجانب الآخر، تبنّت شركة أوروبية مبادرة للتغلب على معضلة الوزن التي تهدد انتشار وسائل النقل النظيف.
وفي التقرير التالي، تستعرض منصة الطاقة المتخصصة التهديدات التي يشكلها وزن السيارات الكهربائية على السلامة العامة للأشخاص وليس الطرق فقط، وسبل تحجيم ذلك قبل أن يفتك بطموحات انتشارها.
البطاريات عبء ضخم
بالنظر إلى الاعتبارات التقنية، نجد أن السيارات الكهربائية بالكامل تعتمد في تشغيلها على "البطارية" بصفتها مكونًا رئيسًا يُزيد بدوره الوزن الإجمالي للوحدات، لتتحول من وسيلة نقل نظيف صديقة للبيئة ومُخفضة للانبعاثات إلى عامل يهدد سلامة الأشخاص والطرق.
ومع تنامي إصدار المُصنعين طرازات تتنافس تصميماتها فيما بينها على "الأكثر سرعة"، يضاف إلى المخاوف من نشر السيارات الكهربائية عامل جديد، إذ تُشكل السرعة وثقل الوزن عاملين مجتمعين قد ينسفان جهود تعزيز الصناعة نسفًا.
وإن كان وزن سيارات محرك الاحتراق الداخلي كبيرًا، فهو مُضاعف لدى الكهربائية، وينظر إليها في هذه الآونة كونها "أكثر خطورة"، إذ تضيف إليها البطاريات وزنًا فوق وزنها.
ويبلغ وزن طراز "إف 150 لايتننغ" من إنتاج شركة فورد الأميركية ما يُقدر بنحو 6 آلاف و500 رطل، بما يزيد بمقدار الـثلث على وزن طراز الشركة العامل بالغاز.
ويفوق طراز "هامر" الكهربائي من إنتاج شركة "جي إم سي" -التابعة لجنرال موتورز الأميركية- وزن طراز فورد بمراحل، إذ يتجاوز وزنه الإجمالي 9 آلاف رطل ومزود ببطارية تفوق وزن سيارة "هوندا سيفيك".
عوامل الخطورة
يشكّل ثقل وزن السيارات الكهربائية عامل خطورة إضافي في حالات حوداث الاصطدام، ويوسع ذلك من نطاق تداعيات الحادثة، بما يهدد حياة قائد السيارة ومحيطه من المشاة وقائدي السيارات الصغيرة وأصحاب الدراجات.
وربما يهدد وزن السيارات الكهربائية وسرعتها الأميركيين بصورة خاصة، لا سيما في ظل إقبالهم الشديد على شراء سيارات الدفع الرباعي والشاحنات الطويلة والثقيلة، ويعكس ذلك أعداد الوفيات المرورية الآخذة في الارتفاع بخلاف المعدلات المتضائلة لبقية الدول.
وبخلاف الوزن وثقل البطارية، فإن محركات السيارة -أيضًا- تعمل على زيادة سرعتها إلى مستويات جنونية، إذ تسابقت الشركات فيما بينها على تزويد طرازاتها بتقنيات سرعة، ظنًا منها أن ذلك يجذب الانتباه ويزيد المبيعات بمعدل أكبر.
ومؤخرًا، زوّدت شركة شيفروليه الأميركية طراز الدفع الرباعي الكهربائي الرياضي "بليزر" بتقنيات تسمح له بالاستفادة الكاملة من قدرة السيارة، لتزيد سرعتها من "صفر" إلى 60 ميلًا/ساعة في غضون 4 ثوانٍ أو أقل من ذلك.
وينافسها في ذلك طراز "إكس بلايد" من إنتاج تيسلا، الذي تصل سرعته إلى 60 ميلًا/ساعة خلال ثانيتين ونصف الثانية، ليتصدر سيارات الدفع الرباعي الأكثر سرعة في الأسواق، بحسب ما نشرته صحيفة سليت (Slate).
وفيات مرورية
في أميركا التي تشهد سباقًا بين شركات تصنيع السيارات العملاقة، حملت المدة اللاحقة لإقرار الرئيس جو بايدن قانون خفض التضخم، في أغسطس/آب العام الماضي (2022)، طموحات واسعة النطاق لتعزيز صناعة السيارات الكهربائية ودعم مبيعاتها بحوافز مغرية.
وقبل أن تحلق تلك الطموحات في سماء أهداف بايدن المناخية، ظهرت بيانات إدارة سلامة المرور على الطرق السريعة، معلنة ارتفاعًا في معدل الوفيات بنسبة 7% خلال الربع الأول من العام الماضي (2022).
وسجل معدل الوفيات المرورية حينها 9 آلاف و560 وفاة، وهو أعلى مستوى "فصلي" لها منذ عام 2002.
وشهد عام 2021 أعلى معدل لوفيات المرور في أميركا منذ 16 عامًا، إذ قُدرت بنحو 42 ألفًا و915 شخصًا فقدوا حياتهم خلال حوادث الطرق، بارتفاع 10.5% عن بيانات العام السابق له (2020).
وغردت أميركا -مدفوعة بتلك البيانات- خارج سرب الدول الكبرى التي تشهد تراجعًا في معدلات الوفيات المرورية جراء الحوادث على مدار العقد الماضي، إذ مقابل الانخفاض العالمي زاد معدل الوفيات الأميركية عن 30% خلال المدة ذاتها.
ووفق التقديرات، تبلغ مخاطر تعرض المواطن الأميركي للوفاة إثر الحوداث المرورية ضعف معدلها لدى المواطنين في فرنسا أو كندا.
هل السيارات الكهربائية مميتة؟
قد تتساءل حول علاقة الوفيات المرورية في أميركا بوزن السيارات الكهربائية، ويفسر ذلك سلوك المواطن الذي يميل إلى تفضيل "القيادة" عن رحلات الانتقال الأكثر أمانًا.
وفي ظل الإقبال على سيارات الدفع الرباعي والشاحنات ثقيلة الوزن والطويلة في الوقت ذاته، قد تتحول القيادة على الطرق في ظل التحول للسيارات الكهربائية إلى "مذبحة".
ولن تقتصر التداعيات -حينها- على قائدي السيارات فقط، وإنما تهدد محيط السيارة والشاحنة بالكامل، ومع الأخذ في الحسبان ارتفاع السيارات الكهربائية ووزنها، يصبح معدل الإصابات أوسع نطاقًا وليس الوفيات فقط.
ودفع التحول نحو التوسع في استعمال سيارات الدفع الرباعي طوال السنوات الـ20 الماضية إلى زيادة معدل الخسائر في الأرواح من المشاة بنحو 1000 شخص، إذ إن ارتفاع السيارات يعيق رؤية الأقل حجمًا.
وبرهنت دراسات السلامة على أن زيادة وزن السيارات الكهربائية وكبر حجمها يوفران عنصر أمان للأفراد داخل السيارة بمعدل أكبر من الأشخاص خارجها.
وزاد من حدة الأمر ما أثارته دراسة بريطانية حول تسبب وزن السيارات الكهربائية في إطلاق الإطارات للمزيد من الانبعاثات، بحسب صحيفة غرين كار ريبورتس (Green Car Reports).
ورغم أن الدراسات الأولية اهتمت بتأثير وزن السيارات الكهربائية على الطرق والمرافق فإن تهديدها لسلامة الأفراد وزيادة معدلات الوفاة أصبحا ناقوس خطر يجب الالتفات إليه.
حلول مقترحة
يمكن لأميركا السيطرة على تداعيات وزن السيارات الكهربائية وشهية قيادة السيارات فائقة السرعة ذات الوزن الثقيل بتكرار خطة مقاطعة كولومبيا، إذ فرضت رسومًا قدرها 500 دولار سنويًا على مالكي السيارات التي يفوق وزنها 6 آلاف رطل.
وقد يشكّل هذا المقترح منفعة مزدوجة، إذ يحجم الإقبال على شراء هذه السيارات من جهة، ويدفع الشركات المنتجة إلى إعادة النظر في وزن تقنيات بطارياتها مرة أخرى.
ومن المفضل أن تقترن تطورات تصنيع السيارات الكهربائية وتوسعات نشرها على الطرق في أميركا بزيادة مستويات الأمان وتطوير الطرازات بما يلائم ذلك، واختبار تلك التقنيات ضمن تقييمات السيارات الجديدة.
وقد يبدو إدراج مدى قدرة المركبة على حماية الركاب في أثناء الحوادث ضمن تصنيفات الحوادث الفيدرالية حلًا ملائمًا لتحجيم أعداد الوفيات المرورية في أميركا، ورغم ذلك لم يُطرح هذا المقترح حتى الآن رغم إقراره في أوروبا وأستراليا واليابان.
ورغم أن إدارة سلامة المرور على الطرق السريعة والكونغرس يسعيان إلى تطبيق خطة بايدن لنشر السيارات الكهربائية وخفض انبعاثات قطاع النقل، فإنهما لم يعززا ذلك بضمانات تتعلق بالسلامة والأمان.
مبادرة أوروبية
تبنّت شركة تصنيع سيارات أوروبية -هي الأكبر من نوعها في رومانيا- مبادرة لتقليص وزن السيارات الكهربائية، بعدما نجحت في إصدار طراز كهربائي ذي ثقل ملائم، وفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
ودعا النائب الأول لرئيس المبيعات والتسويق والتشغيل في شركة "داسيا" الرومانية لتصنيع السيارات -التابعة لمجموعة رينو الفرنسية- زافييه مارتينت، إلى التركيز على كفاءة السيارات الكهربائية بدلًا من ثقل وزنها.
وأوضح أن "داسيا" تُصنع طرازاتها اعتمادًا على المكونات التي لا غنى عنها فقط لتجنب الوزن الزائد، مشيرًا إلى أن الاتجاه العالمي لخفض الانبعاثات يكتسب جديته من السعي لتقليص الثقل الزائد للسيارات، بحسب صحيفة أوتوكار (AUTOCAR).
واستشهد بطراز "سبرينغ" الكهربائي من إنتاج "داسيا"، إذ يبلغ وزنه 975 كيلوغرامًا وتصل سرعته إلى 25 ميلًا يوميًا بمتوسط سرعة 18 ميلًا/ساعة، ما يشير إلى عدم حاجته إلى بطارية كبيرة الحجم أو ذات وزن ثقيل.
ووصف مارتينت التنافس بين الشركات المنُتجة حول إنتاج طرازات يصل وزنها إلى طنين أو 3 أطنان، مثل سيارات الدفع الرباعي وغيرها، بأنه "جنون" وغير منطقي.
ويزن طراز "آي 7" من "بي إم دبليو" 2715 كيلوغرامًا، وطراز "إي كيو إس" من شركة مرسيدس بنز 2810 كيلوغرامات.
وقد يقارب وزن طراز "سبيكتر" من إنتاج رولز رويس البريطانية 3 آلاف كيلوغرام لدى إطلاقه.
اقرأ أيضًا..
- هل يحوز الطرح العام لأسهم أدنوك للغاز على لقب الأكبر خليجيًا؟.. 4 خبراء يجيبون
- احتياطيات الجزائر من الغاز.. كلمة السر في صفقات التصدير الجديدة (إنفوغرافيك)
- المغرب يخسر إيرادات نقل الغاز.. وإسبانيا تجمع 2.1 مليون دولار سنويًا
- انبعاثات الميثان من قطاع الطاقة ترتفع للعام الثاني على التوالي