طاقة متجددةتقارير الطاقة المتجددةرئيسية

الألواح الشمسية تفتح جبهة جديدة في الحرب التجارية بين الصين وأميركا

محمد عبد السند

تمارس الصين هيمنة كاملة على صناعة الألواح الشمسية في العالم؛ ما يثير قلق صنّاع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا، اللتين تسعيان -أيضًا- لتعزيز حصص الطاقة الشمسية في مزيج الطاقة المُستعمَلة لديهما.

وفتحت الطاقة الشمسية جبهة جديدة في الحرب التجارية الدائرة منذ سنوات طويلة بين الصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، في ظل اهتمام البلدين صاحبَي أكبر اقتصادين في العالم، بإنتاج الطاقة النظيفة؛ رغبة منهما في الوصول إلى أهداف الحياد الكربوني.

وفي هذا السياق، تتحرك الصين نحو تعزيز واستغلال وضعها رائدًا عالميًا في صناعة الألواح الشمسية، عبر فرض قيود على صادراتها من المكونات الرئيسة في تلك التقنية، حسبما أورد موقع مجلة "ذا سبيكتيتور" The Spectator.

ومن الممكن أن توجّه تلك الخطوة ضربة قاصمة لصناعة الألواح الشمسية في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، كما أنها تمثّل تحذيرًا شديد اللهجة من مخاطر الاعتماد المفرط على بكين في التقنيات الحساسة في المستقبل، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

ويُسلّط هذا الإجراء الصيني –أيضًا- الضوء على التأثير الناجم عن ممارسة السرقة الإلكترونية على الصناعة في البلد الأكثر عددًا للسكان في العالم.

ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- القوى العاملة بقطاع الطاقة الشمسية في أميركا حسب الفئة في عام 2020:

وظائف الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة

توسيع دائرة القيود

تتطلع الصين لإضافة مواد جديدة وعناصر حيوية أخرى مُستعملة في تصنيع الألواح الشمسية إلى قائمة البنود التي يُمكن حظرها، أو حتى فرض قيود عليها، بُغية المساعدة على حماية الأمن القومي، والحصول على تراخيص بالنسبة للصادرات.

ولا تشتمل القائمة على الألواح الشمسية ذاتها التي تهيمن بكين على إمداداتها العالمية، إذ تُحكم بكين قبضتها على السوق العالمية للألواح الشمسية.

كما يجيء قرار الصين فرض قيود على المكونات الرئيسة لصناعة الألواح الشمسية، في أعقاب 9 سنوات تقريبًا من حُكم قضائي أصدره قاضٍ أميركي غيابيًا على 5 عملاء تابعين لجيش التحرير الشعبي الصيني؛ لاختراقهم أجهزة حواسيب شركة "سولار وولد" الأميركية العاملة في مجال تصنيع وتسويق المنتجات الكهروضوئية في جميع أنحاء العالم، التي كانت آنذاك أكبر شركة من نوعها في عموم الولايات المتحدة الأميركية.

وسرق القراصنة آلاف الملفات التي تشتمل، من بين أشياء أخرى عديدة، على معلومات تخصّ التدفقات النقدية، ومعايير التصنيع، ومعلومات خطوط الإنتاج، والتكاليف، وفق ما أظهرته لائحة الاتهامات الموجهة للقراصنة، التي كُشف عنها في شهر مايو/أيار (2014).

وما إن علمت الشركات الصينية المنافسة بتلك التفاصيل السرية، حتى غمرت الألواح الشمسية المُدعمة بسخاء التي تشتمل على تقنيات شركة "سولار وورلد"، الأسواق العالمية، بحسب معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وتُنتَج الألواح الشمسية عبر استخلاص السيليكون عالي الجودة من الكوارتز ثم تحويله إلى سبائك أسطوانية، تُقطع إلى شرائح رقيقة وتُعالج كيميائيًا بهدف تصنيع خلايا تتّسم بالقدرة على تحويل ضوء الشمس الساطع إلى كهرباء.

قلق أميركي

في عام 2017، تقدمت الشركة الألمانية الأم لـ"سولار وورلد" بطلب لإعلان إفلاسها؛ إذ لم تعد قادرة على المنافسة في الأسواق.

وما تزال تلك القضية تثير بواعث القلق في الولايات المتحدة الأميركية، في حين تمضي الصين قُدمًا صوب تعزيز مكانتها الرائدة المهيمنة على صناعة الألواح الشمسية، على خلفية التقنية المسروقة.

وتُنتج الصين الآن ما نسبته 97% من إجمالي مربعات السليكون الرقيقة جدًا في العالم، والتي تُستَعمَل في الألواح الشمسية.

ليس هذا فحسب، بل تتحكم الصين في ثلاثة أرباع سلسلة إمدادات الطاقة الشمسية، والمكونات والمواد الخام الضرورية التي تحتاجها صناعة الألواح الشمسية.

وعلى وجه التحديد، تهيمن الشركات الصينية على ما نسبته 80% من سلسلة الإمدادات العالمية لتصنيع الطاقة الشمسية، حسبما أظهرت تقديرات وكالة الطاقة الدولية، ومقرّها العاصمة الفرنسية باريس.

وعلاوة على ذلك، تبرز الشركات الصينية وحدها القادرةّ على إنتاج رقائق أكبر من قياس 182 و210 مليمترات، والتي تُتيح فرصة تصنيع ألواح شمسية أرخص وأعلى كفاءة، بحسب بيانات أُفرجت عنها شركة أبحاث السوق ترند فورس في العاصمة التايوانية تايبيه.

ويرى بعضهم أن تقييد الصين صادراتها من التقنيات المُستعمَلة في صناعة الألواح الشمسية يأتي في إطار الحرب التكنولوجية بين الصين وأميركا، كما أنها تأتي ضمن ردّ بكين على جهود واشنطن الرامية لتقييد الوصول الصيني إلى الرقائق المتقدمة والمكونات المتطورة، والأجهزة والمعدّات الضرورية لتصنيعها.

 

الألواح الشمسية وسيلة ضغط

في المقابل يرى بعض المحللين أنه ينبغي النظر إلى الإجراء الصيني على أنه صفحة أخرى في تاريخ الصين الطويل من استعمال التجارة والاستثمار والوصول إلى السوق، وسيلة فاعلة للضغط على الخصوم لتحقيق مكاسب سياسية.

الألواح الشمسية
إحدى مزارع الطاقة الشمسية - أرشيفية

وقبل عامين، سعت الصين لإضافة معادن أرضية نادرة إلى قائمة الحظر، وبالفعل، تشاورت مع المسؤولين التنفيذيين في الصناعة بشأن الكيفية التي يمكن أن يؤثّر من خلالها هذا الحظر في صناعة الدفاع الأميركية.

وتشتمل المعادن الأرضية على 14 عنصرًا مبهمًا توجد في الطبيعة، وتتّسم بخصائص مغناطيسية، وأخرى موصلة للكهرباء؛ ما يتيح استعمالها بكفاءة بتطبيقات عدّة في الحياة الرقمية.

وتتمتع تلك المعادن بأهمية بالغة في الإلكترونيات الحديثة، إذ تُستَعمَل بنسب صغيرة في كل شيء تقريبًا، بدءًا من الرقائق الدقيقة والشاشات، ومرورًا بالأجهزة الطبية والبطاريات القابلة للشحن، والمواد المغناطيسية، وصولًا إلى أنظمة الصواريخ الموجهة.

وتُنتج الصين الآن ما نسبته 80% من المعادن الأرضية النادرة في العالم، كما تتكفل بمعالجة نحو 90% من عملية معالجة تلك المعادن، ما يعدّ مكلفًا جدًا.

وفي عام 2010، حدّت الصين من صادرات المعادن الأرضية النادرة إلى اليابان بعد اصطدام زورق صيد صيني بسفينة تابعة لخفر السواحل اليابانية قبالة الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي.

صناعة السيارات الأوروبية مأزومة

ليست تلك التقنيات أو المواد الأساسية الوحيدة التي تهيمن الصين على سوقها العالمية، فعلى سبيل المثال، تفرض بكين سطوتها على ما يُطلق عليه "سباق الأسلحة التي تعمل بالبطاريات"، إذ تُسيطر على المكونات والمواد الرئيسة اللازمة لإنتاج المركبات الكهربائية.

وتُنتج الشركات الصينية التي تحصل على دعم حكومي سخي، وأشكال دعم أخرى، قرابة ثلثي الليثيوم، كما تزوّد المصافي الصينية، بقرابة 85% من الكوبالت المُستعمَل في تصنيع البطاريات.

وقبل أكثر من عام بقليل، تلقّت صناعة السيارات الأوروبية ضربة موجعة، حينما قيّدت الصين إمدادات المغنيسيوم، الذي تحتكره بكين تقريبًا.

في غضون ذلك، حذّرت صناعة السيارات الأوروبية من غلق وشيك بمصانع تصنيع السيارات في القارة العجوز، بالنظر إلى أن المغنيسيوم مادة خام لا غنى عنها لإنتاج سبائك الألمنيوم المُستعمَلة في تصنيع علب التروس، وإعادة التوجيه وأغطية خزانات الوقود، بل وحتى إطارات المقاعد.

ولم يتضح السبب في تقييد بكين إمدادات المغنيسيوم، بيد أنه ربما يكون نتاج نقص الكهرباء الحالي في الصين التي تمنح أولوية إمداداتها إلى الصناعات المحلية.

وأضحت قارة أوروبا عُرضة للمخاطر على وجه الخصوص، إذ إنها أغلقت جميع خطوط إنتاجها من المغنيسيوم؛ نتيجة عجزها عن منافسة الواردات الصينية الرخيصة.

الصين تُغرق الأسواق

اتهم الأوروبيون الصين بممارسة إغراق السوق على نطاق واسع، والبيع بأقل من سعر التكلفة؛ لقهر المنافسين وإبعادهم عن السوق.

وعلى مدار ما يزيد على عقدين من الزمان، يمارس المنتجون الصينيون سياستهم الاحتكارية التجارية المعروفة عنهم.

الألواح الشمسية
عاملة في مصنع لإنتاج الألواح الشمسية في الصين – الصورة من صحيفة "إيجا تايمز"

وفي حالة المنتجات الشمسية، يبرز بُعد أخلاقي مُضاف، بالنظر إلى أن مركز الصناعة يقع في مقاطعة شينغيانغ الأويغورية ذاتية الحكم في شمال غرب الصين، حيث يواجه الحزب الشيوعي الصيني اتهامات باعتقال ما يزيد عن مليون شخص من الأويغور وغيرهم من الأقليات المسلمة في معسكرات "إعادة التعلم"، واستخدامهم في العمالة القسرية، في خُطوة وصفها البرلمان البريطاني بأنها ترقى إلى "حرب إبادة جماعية".

ووفقًا لخبراء، يدعو هذا إلى توخّي الحذر بشأن اعتماد لندن المتزايد على الصين، رغم السياسة الغامضة التي يتبنّاها رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، والتي ينتهج بموجبها أسلوبًا براغماتيًا في ممارسة التجارة مع الصين.

ولطالما غضَّ سوناك الطرف عن مطالبات له بوصف العلاقات بين بريطانيا والصين بأنها "تهديد" لبلاده.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق