فواتير الطاقة المنزلية تضاعفت عالميًا بسبب الحرب الأوكرانية (دراسة)
وتُسهم في زيادة إنفاق الأسر بين 2.7% و 4.8%
محمد عبد السند
لم يسلم العالم بعد من ويلات الحرب الروسية الأوكرانية التي على وشك إتمام عامها الأول، إذ بدأت معاناة معظم سكان الكوكب بسبب ارتفاع فواتير الطاقة المنزلية، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وتضاعفت تكاليف الطاقة في عشرات الدول حول العالم، ما أرهق موازنات الحكومات، إذ سارع العديد منها إلى إلى تقديم حزم الدعم لتخفيف حدة تلك التداعيات، ناهيك بتضاعف الأعباء المعيشية التي لم تعد تتحملها موازنات الأسر المضغوطة في الأصل.
وفي هذا السيناريو الباعث على الكآبة، خلصت نتائج دراسة بحثية حديثة إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية ضاعفت فواتير الطاقة المنزلية، وأثرت مباشرة في التكاليف المرتبطة بالتدفئة والتبريد والإضاءة وكذلك النقل، حسبما أورد موقع ذا كونفرزيشن (The Conversation) الأسترالي.
وذكرت الدراسة أن تلك الحرب التي تديرها روسيا دون هوادة رفعت -بصورة غير مباشرة- تكاليف السلع والخدمات الأخرى عبر سلاسل التوريد العالمية، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وأوضحت الدراسة أنه وبينما تتأثر جميع الأسر سلبًا، فإنها تضررت بُطرق شتى اعتمادًا على دخولها، وأوجه إنفاقها، وأماكن إنتاج السلع التي تشتريها وآليات إنتاجها.
واستكشفت الدراسة -التي نُشرت نتائجها في مجلة "نيتشر إنرجي"- التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لفواتير الطاقة المنزلية في 116 دولة، تغطي ما نسبته 87.4% من إجمالي عدد سكان العالم، مع التركيز بوجه خاص على الدول النامية.
ارتفاع غير متكافئ في أعباء الأسر
أوضحت الدراسة أنه ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير/شباط (2022) شهدت فواتير الطاقة المنزلية ارتفاعًا جنونيًا، لكن بنسب متفاوتة، تعتمد على نوع الوقود المستعمل.
وأشارت الدراسة إلى أن المساعدات التي خصّصتها حكومات الدول لقطاعات الطاقة المأزومة لديها، من الممكن أن تعين الأسر المتضررة إبان تلك الأزمة.
وعلى أساس مجموعة من سيناريوهات الطاقة، أفادت الدراسة بأن إجمالي أسعار الطاقة (المباشرة وغير المباشرة) بالنسبة إلى الأسر قد ارتفع بنسبة 63% على الأقل، وربما يرتفع إلى 113%، وفق الدراسة.
ويُسهم هذا في زيادة إنفاق الأسر عالميًا في نطاق يتراوح بين 2.7% و 4.8%.
ويُعد هذا تحولًا كبيرًا يرقى إلى صدمة اقتصادية هائلة، إذ صارت الأسر حول العالم مُلزمة فجأة بالبحث عن دخول إضافية للمحافطة على مستويات معيشتها قبل عام 2022، بحسب الدراسة التي تثبتت من نتائجها منصة الطاقة المتخصصة.
وتُعزى تلك الحالة المتنامية من عدم اليقين إلى أن جزءًا كبيرًا من الزيادة في إنفاق الأسر يُوجه إلى استهلاك الطاقة غير المباشر، المستعملة لإنتاج الأغذية أو الأشياء التي نستهلكها.
فعلى سبيل المثال، إذا كان شخص في جنوب أفريقيا يتناول اللحم البقري المستورد فإن سعره ربما يكون قد تأثر بتكلفة الطاقة المستعملة في إنتاج الأسمدة العضوية الضرورية لإنتاج محصول فول الصويا في البرازيل، الذي يستعمل غذاء للأبقار، جنبًا إلى جنب مع التكاليف المرتبطة بالوقود المستعمل للنقل.
ومن الأهمية هنا الإشارة إلى أن الشركات الغنية تتكبّد على الأرجح تكاليف طاقة أعلى في إنتاج السلع والخدمات، في حين تنفق الأسر الفقيرة مزيدًا من الأموال على سد احتياجاتها اليومية من الغذاء والطاقة.
ولفتت الدراسة إلى أنه في بعض الدول الواقعة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى -أو ما يُطلق عليها أفريقيا السوداء- صعدت فواتير الطاقة المنزلية بواقع يصل إلى 3 مرات، مقارنة بالمتوسط العالمي.
فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار الطاقة في رواندا، البلد الواقع في شرق القارة الأفريقية، بنسبة 11%.
ولا يعتمد استعمال الطاقة في تلك الدول كثيرًا على الوقود الأحفوري (اعتمد 99.6% من الأسر في رواندا على الأخشاب والكتل الحيوية الأخرى في طهي الطعام خلال عام 2018، على سبيل المثال)، غير أن هناك تكاليف غير مباشرة أخرى ضخمة عبر سلسلة الإمدادات، لا سيما بالنسبة إلى الطعام.
أزمة الطاقة تفاقم الفقر
تجعل فواتير الطاقة المنزلية المرتفعة الأسر أكثر عُرضة لمخاطر شُح الطاقة، لا سيما إبان أشهر الشتاء، ما يحول بينها وبين الحصول على وسائل التدفئة والتبريد والإضاءة، بل والكهرباء اللازمة لتشغيل الأجهزة المنزلية.
وقالت الدراسة إن ارتفاع أسعار الطاقة سيرفع بدوره عدد الأسر التي تعاني شُح الطاقة، أي أن تكاليف الطاقة تربو على 10% من إجمالي إنفاقها، وقدّرته بين 166 مليونًا و538 مليون شخص، وهو ما يعادل نطاقًا يتراوح بين 2.4% و7.9% من إجمالي سكان العالم.
ولفتت الدراسة إلى أنه وتحت وطأة ضغوطات تكاليف المعيشة قد يقع ما يتراوح بين 87 مليونًا و141 مليون شخص حول العالم تحت مستوى خط الفقر المدقع المحدد من قبل البنك الدولي.
فرص ضائعة
أكدت الدراسة أن مثل تلك التداعيات الجسيمة الناجمة عن الزيادات الحادة في أسعار الطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ما كان لها أن تحدث إذا ما اُتخذت القرارات المناسبة في هذا الخصوص.
واستشهدت الدراسة بمثال على أزمة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" التي منحت فرصة عظيمة لإعادة توجيه الاستثمارات صوب تحول الطاقة، وتقليص الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري بفضل الأموال السخية التي اُستعملت في تمويل خطط التعافي الاقتصادي.
إلا أن حصصًا كبيرة من الأموال العامة خُصصت للاستثمار في البنية التحتية للوقود الأحفوري، وفق بيانات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وفي السياق ذاته، توسعت الحكومات حول العالم في أنشطة استخراج الفحم البني "الليغنيت"، مثل ألمانيا، وتطور بنية تحتية جديدة للفحم، على سبيل المثال في المملكة المتحدة والعديد من الدول النامية مثل باكستان، أو حتى تستثمر في محطات الغاز الطبيعي المسال، وكلها مصادر وقود تحتوي على نسب مكثقة من الكربون الملوث للبيئة.
في المقابل، هذه الحلول تتطلب إنشاء بنية تحتية باهظة التكاليف، وهي العقبة التي كان من الممكن تجنبها، حال أخذت الدول أزمة التغيرات المناخية على محمل الجد.
ورغم الاتفاقيات العالمية المتعددة الرامية لخفض الانبعاثات الكربونية، ينعكس التقدم البطيء على مسار تحول الطاقة في الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري، ناهيك بأنه عاظم من شدة أزمة تكاليف المعيشة.
وقادت هذه الأزمة عددًا من الاقتصادات إلى السقوط في بئر الركود، وأدت إلى مستويات تضخم صاروخية، بل ووضعت ضغوطات التكاليف المعيشية المؤلمة على كاهل الأسر حول العالم.
وفي النهاية، أوصت الدراسة بأنه ينبغي أن تذكّر أزمة الطاقة العالمية غير المسبوقة صناع القرار حول العالم بأن نظام الطاقة الذي يعوّل بصورة كبيرة على الوقود الأحفوري يديم مخاطر أمن الطاقة، ويسرّع حدوث التغيرات المناخية.
موضوعات متعلقة..
- أسعار الكهرباء بالجملة في أميركا تشهد تقلبات قوية في 2022 (تقرير)
- أسعار الغاز الطبيعي في 2022.. تقلبات حادة وسط أزمة الإمدادات
- أسعار الكهرباء في كوريا الجنوبية ترتفع 10% مطلع 2023
اقرأ أيضًا..
- الإمارات تقترب من شراء شركة الوقود التابعة للجيش المصري (خاص)
- 3 دول خليجية تنافس للفوز بالتنقيب عن النفط والغاز في غايانا
- 5 دول تستحوذ على نصف إنتاج الغاز في أفريقيا بحلول 2038.. المغرب وموريتانيا بالقائمة