الغاز المسال الأميركي يؤمّن صفقات عالمية طويلة الأمد.. ما دور قطر؟ (تقرير)
تمكّن واشنطن من الصدارة العالمية حتى 2030
رجب عز الدين
يستعد قطاع الغاز المسال الأميركي للمنافسة على الصدارة العالمية، خلال السنوات المقبلة، بعد عقد بعض المشروعات الجديدة في القطاع صفقات شراء طويلة الأجل مع كبرى شركات النفط والغاز في العالم.
وحصلت 3 مصانع جديدة مقترحة في القطاع على عدد كافٍ من العملاء الراغبين في شراء إنتاجها المستقبلي؛ ما قد يمكّنها من إنهاء إجراءات الموافقات الائتمانية مع الجهات الممولة هذا العام، وفقًا لوكالة رويترز.
ومن شأن هذه التطورات أن ترفع القدرة التنافسية للولايات المتحدة لتصبح أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم خلال السنوات المقبلة.
ونافست الولايات المتحدة كلًا من قطر وأستراليا على الصدارة العالمية، خلال العام الماضي (2022)، وكادت أن تخطف المقعد الأول، لكن أستراليا سبقتها بفارق بسيط، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
تحول إستراتيجي في أوروبا
انهمرت عروض الشراء طويلة الأجل على الغاز المسال الأميركي بمليارات الدولارات خلال الأشهر الماضية، مقارنة بضعف إقبالها خلال العقد الماضي، وفق معلومات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
ويرجع السبب الرئيس في هذا التحول الضخم إلى زيادة الطلب الأوروبي على الغاز المسال الأميركي، بعد انقطاع الغاز الروسي، الذي كانت دول القارة العجوز تعتمد عليه؛ حيث شكّل نحو 40% من وارداتها.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، مسار خطوط أنابيب نقل الغاز الروسي إلى أوروبا:
واتخذت أغلب الدول الأوروبية قرارًا إستراتيجيًا بالبحث عن بدائل طويلة الأمد لإمدادات الطاقة من موسكو، في إطار رغبتها في إنهاء حالة الاعتماد على مشتريات النفط والغاز الروسيين في أسرع وقت ممكن.
وخفّضت موسكو إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا بقرار سياسي ردًا على العقوبات الأوروبية في الأشهر الـ6 الأولى للحرب المندلعة في فبراير/شباط 2022، إلى أن توقفت الإمدادات بصورة شبه كاملة منذ تعرّض خطوط نورد ستريم لانفجارات مجهولة المصدر نهاية سبتمبر/أيلول 2022.
الغاز الأميركي يعوّض الحلفاء
سارعت الولايات المتحدة إلى تعويض أوروبا عن جزء من إمدادات الغاز الروسي، في إطار تعهدات علنية من الرئيس جو بايدن بدعم الحلفاء الأوروبيين في مواجهة عدوان موسكو، لكن قدرتها على التعويض ما زالت في حدود أقل من توقع قادة الاتحاد المرتبكين.
وتسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز صادراتها من الغاز المسال عالميًا، في إطار التحولات الكبرى لإستراتيجيات أمن الطاقة في أوروبا على وجه الخصوص، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ويشير الرسم البياني التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، إلى حجم صادرات الغاز المسال الأميركي، خلال عام 2021، والربع الأول من العام الماضي 2022:
واستحوذت فرنسا على أغلب صادرات الغاز المسال الأميركي إلى أوروبا خلال النصف الثاني من العام المنصرم 2022، كما بدأت ألمانيا شراء كميات من الغاز الأميركي لأول مرة منذ شهر يناير/كانون الثاني 2023.
وتشمل خطة واشنطن لتعزيز قدراتها، بناء مصانع جديدة لتسييل الغاز الطبيعي وإعادة تصديره للخارج، مع الدخول في شراكات مع بعض الدول الرائدة في القطاع، ولا سيما قطر.
الخطوة المقبلة مع البنوك
حصل مطورو مشروعات الإسالة الجديدة على عشرات العقود طويلة الأجل لشراء إنتاج المصانع المقترحة في قطاع الغاز المسال الأميركي؛ ما أدى إلى تسريع وتيرة الحصول على الموافقات الائتمانية مع الجهات المانحة في الولايات المتحدة وخارجها.
وتأخّرت الموافقات الائتمانية لبعض المشروعات المقترحة عدة مرات خلال الأعوام الماضية؛ لأسباب عديدة، ومن المتوقع أن يتخذ المطورون قراراتهم الاستثمار النهائية للمشروعات الجديدة خلال هذا العام، بعد أن نجحوا في تأمين صفقات شراء طويلة الأجل لإنتاجهم المستقبلي، وفقًا لوكالة رويترز.
ولم تظهر الولايات المتحدة على سطح المنافسة العالمية في تصدير الغاز المسال الأميركي إلا منذ عام 2016، إذا كانت قبل ذلك من المستوردين بكميات كبيرة، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ثورة الغاز الصخري قلبت الموازين
قلبت ثورة الغاز الصخري المستخرَج بطريقة التكسير المائي (الهيدروليكي) موازين البلاد رأسًا على عقب، لتحولها من مستورد إلى مصدر كبير ينافس على المراكز الأولى عالميًا منذ عام 2016.
يشار إلى أن مشروعات التكسير الهيدروليكي محظورة في أغلب البلدان الأوروبية لأسباب بيئية، كما تشهد هذه المشروعات جدلًا في أستراليا المنافسة للولايات المتحدة.
وأدى التوسع في قطاع محطات إعادة تسييل الغاز، خلال العقد الماضي، إلى زيادة صادرات الغاز المسال الأميركي تدريجيًا لتصل إلى 10.6 مليار قدم مكعبة يوميًا في عام 2022.
ولدى الولايات المتحدة في الوقت الحالي 7 محطات عاملة في تسييل الغاز الطبيعي، إضافة إلى محطتين قيد الإنشاء، وما يقرب من 20 محطة أخرى قيد الدراسة.
شركات بولندية وألمانية
حصلت 3 محطات مقترحة -اثنتان في ولاية تكساس وواحدة في لويزيانا- على عقود شراء مستقبلية كافية لتسهيل مهمتها في إقناع البنوك بالجدوى الاقتصادية لمشروعاتها وجدارتها بالحصول على التمويل.
وتتبع إحدى هذه المحطات شركة سيمبرا إنرجي، بينما تتبع الثانية شركة إنرجي ترانسفير، أما الثالثة فتتبع شركة نكست ديكاد، وكلها شركات أميركية المنشأ.
وأعلنت شركة سيمبرا إنرجي، في يناير/كانون الثاني 2023، الاتفاق مع شركات بولندية وأميركية وألمانية على شراء حصص من إنتاج الغاز المسال الأميركي في المرحلة الأولى لمحطة بورت آرثر المقترحة بولاية تكساس.
وتضم هذه الشركات كلا من بولسكي كونسرن نفطواي أورلن البولندية، وكونوكو فيليبس الأميركية، و"آر دبليو إي جي" الألمانية، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
شركات هولندية ويابانية
وقّعت شركة نكست ديكاد صفقات لبيع 64% من إنتاج المرحلة الأولى بمشروع محطة "ريو غراندي" المقترح في ولاية لويزيانا، مع توقعها ارتفاع هذه النسبة باتفاقيات جديدة إلى 87% قريبًا، وفقًا لتوقعات مورغان ستانلي.
ويشمل العملاء الموقعون مع نكست ديكاد، كلًا من إكسون موبيل الأميركية، وشل الأنغلوهولندية، وإنرجي غالب البرتغالية، وإتوتشو اليابانية، وفق المعلومات التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ويتوقع بنك مورجان ستانلي أن تسهم هذه الصفقات في تسهيل مهمة نكست ديكاد في الحصول على التمويلات اللازمة للمشروع من الجهات الائتمانية خلال النصف الثاني من العام الجاري 2023.
وتوقّعت نكست ديكاد، في وقت سابق، تمرير قرار الاستثمار النهائي في المرحلة الأولى لمشروع محطة التسييل "ريو غراندي" خلال الربع الأول من 2023، لكن يبدو أن المنافسة المحتدمة على مشروعها من قِبل مشتري الغاز المسال، ربما تؤخرها قليلًا.
وترتبط نكست ديكاد بصفقات لبيع الغاز المسال الأميركي مع عدد من الشركات الآسيوية والأوروبية، مثل مجموعة إي إن إن الصينية، وشركة تجارة السلع العالمية السويسرية "غانفور".
المحطات تستغرق 4 سنوات
تشير خطط الشركات الأميركية إلى أن بناء هذه المحطات العملاقة ربما يستغرق 4 سنوات -تقريبًا- ما يعني أن إنتاجها من الغاز المسال لن يصل إلى الأسواق العالمية قبل عام 2027 على الأقل.
ورغم ذلك؛ فإن الولايات المتحدة تمتلك في الوقت الحالي أحجام إنتاج تمكنها من البقاء في المنافسة العالمية متقدمة على أستراليا وقطر خلال 2023 على الأقل.
وكادت الولايات المتحدة أن تتخطى المنافسين بالفعل في عام 2022؛ لامتلاكها القدرة الإنتاجية على ذلك، إلا أن حريق محطة فريبورت في تكساس يونيو/حزيران 2022، عاقها عن التقدم قليلًا، لتحتل المركز الثاني في هذا العام.
واشنطن تتصدر حتى 2030
يتوقع محللون أن يدفع الغاز المسال الأميركي الولايات المتحدة إلى قائمة أكبر المصدرين عالميًا حتى عام 2030 على الأقل، تليها قطر وموزمبيق وكندا، وفقًا لتقديرات شركة استشارات الطاقة "تيودور بيكرينغ هولت".
وتقدر شركة الاستشارات -ومقرها هيوستن- حجم ما يجب على الولايات المتحدة تصديره لتحافظ على الصادرات قرابة 11.8 مليار قدم مكعبة يوميًا خلال 2023، تزيد إلى 12.6 مليار قدم مكعبة خلال 2024.
وتستطيع محطات الإسالة الـ7 العاملة حاليًا في البلاد -بما في ذلك فريبورت- تحويل 13.8 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي إلى غاز مسال يوميًا، وفقًا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
وتتجه الأنظار إلى محطة "غولدن باس" المشتركة بين قطر للطاقة وإكسون موبيل بولاية تكساس، والتي يتوقع انضمامها إلى أسطول التسييل الأميركي أواخر عام 2024.
كما أنه من المتوقع انضمام المرحلة الأولى من مشروع شركة فينشر غلوبال في ولاية لويزيانا خلال المدة بين 2024 و2026، وكذلك محطة شركة شينير إنرجي في تكساس عام 2025.
موضوعات متعلقة..
- الغاز المسال الأميركي يواصل سيطرته على واردات أوروبا في 2023 (تقرير)
- الغاز المسال الأميركي ينقذ تايلاند في صفقة ضخمة لمدة 20 عامًا
- أكبر مستوردي الغاز المسال الأميركي.. كوريا الجنوبية في الصدارة (إنفوغرافيك)
- قطر للطاقة وإكسون موبيل تحرزان تقدمًا في مشروع غولدن باس الأميركي
اقرأ أيضًا..
- هل يستطيع العراق الاستقلال عن الغاز الإيراني بمساعدة أميركا؟
- إيرادات النفط ومساعدات السعودية ودول الخليج تدعم الدول النامية (مقال)
- واردات بريطانيا من الوقود الأحفوري الروسي تتجاوز 2.5 مليار دولار في 2022