ارتفاع الطلب على الغاز والتدفئة مع موجات باردة تضرب العالم
هبة مصطفى
يومًا بعد يوم، تتفاقم ذروة فصل الشتاء وتنخفض درجات الحرارة لمستويات قياسية، لتضع معها الطلب على الغاز والتدفئة أمام تحدٍ جديد في ظل غياب الغاز الروسي عن أسواق الطاقة للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.
ومع تنامي وتيرة فصل الشتاء وبلوغه ذروته وانخفاض درجات الحرارة لمستويات قياسية في أنحاء متفرقة من العالم، تتوجه الأنظار إلى مستويات تخزين الغاز والاحتياطيات لقياس قدرة تلبية الطلب، بحسب ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتُشير توقعات الطقس إلى أن الأسبوع الجاري يعدّ بداية ذروة انخفاض درجات الحرارة في آسيا وأوروبا، ومواصلةً للانخفاضات المتكررة التي شهدتها ولايات أميركية الشهر الماضي.
وتتباين قدرة تلبية الطلب من قارة لأخرى، فرغم وفرة إنتاج الغاز الأميركي، تسجّل أسعاره قفزات قياسية خلال الموجات الباردة مع انخفاض درجات الحرارة وتجمّد رؤوس الآبار ومرافق الحقول، بينما تخشى الدول الأوروبية نفاد مخزوناتها التي كافحت لبنائها في ظل غياب الغاز الروسي.
ولم يكن شمال القارة الآسيوية بعيد عن "المشهد المتجمد" الذي يهدد أسواق الطاقة العالمية في الآونة الحالية، إذ تعاني كل من (الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية) الأسبوع الجاري من انخفاض قياسي لدرجات الحرارة.
أميركا
ظروف الطقس
تواجه ولاية تكساس الأميركية أسبوعًا مليئًا بتوقعات انخفاض درجات الحرارة وهطول الأمطار بكميات كبيرة تستمر في مدينة دالاس حتى مساء الأربعاء 1 فبراير/شباط، وبدأت موجة الأمطار المتجمدة في تعطيل الحياة اليومية وإلغاء الرحلات وفرض قيود على السفر والانتظام في المدارس.
وتتعرض مدينة دالاس -واحدة من أكبر مدن ولاية تكساس الأميركية- لموجة شتوية محفوفة بالمخاطر تحمل معها توقعات بالأمطار المتواصلة وانخفاض شديد لدرجات الحرارة، حتى مساء الأربعاء 1 فبراير/شباط، بحسب صحيفة دالاس مورنينغ نيوز (The Dallas Morning News).
ERCOT is monitoring weather conditions and expects sufficient generation to meet forecasted demand. View real-time grid conditions: https://t.co/tWKun8VdLu
If experiencing a local power outage: https://t.co/QL6NOXWaB9
— ERCOT (@ERCOT_ISO) January 30, 2023
ورغم شدة تلك الموجة بحسب ما أُثير في بيانات الطقس، فإن مجلس موثوقية الكهرباء في تكساس "إيركوت" الذي يتولى مهمة تشغيل الشبكة بالولاية رجّح قدرة مرافق الولاية على تلبية الطلب على الغاز والتدفئة المتوقع تجاوزه للمستويات المعتادة مع تفاقم موجات الشتاء.
مستويات التخزين والطلب على الغاز
عادةً ما تقترن موجات الطقس البارد بزيادة الطلب على الغاز والتدفئة، وتواجه الولايات الأميركية هذه الموجات بسحب التدفقات من مرافق التخزين التي امتلأت عن بكرة أبيها قبيل طرق فصل الشتاء أبوابه.
واختلف المشهد العام الجاري (2023) عمّا اعتادت عليه الولايات، إذ شهد الأسبوع الأول من شهر يناير/كانون الثاني الجاري إعادة ضخ 11 مليار قدم مكعبة من الغاز الفائض إلى المرافق للمرة الأولى، بحسب صحيفة فاينانشيال تايمز (Financial Times).
وتعكس عملية إعادة تزويد مرافق التخزين الأميركية بالتدفقات، في ظل أزمة الطاقة العالمية، قدرة تلبية الطلب على الغاز والتدفئة.
ورغم موجات الطقس شديدة البرودة التي تصفع بعض الولايات من حين لآخر، يتجه الطلب -بصورة عامة- على الغاز في أميركا إلى تسجيل أدنى مستوياته المعتادة لشهر يناير/كانون الثاني، وفق المحللة في ريستارد إنرجي "إميلي ماكلين"، مع احتساب كون السمت العام لفصل الشتاء في غالبية الولايات يتسم بالدفء خلال العام الجاري.
وفي منتصف الشهر الجاري، انخفضت أسعار العقود الآجلة القياسية في أميركا، مسجلةً أدنى مستوياتها منذ شهر يونيو/حزيران عام (2021) عند 3.42 دولار/مليون وحدة حرارية بريطانية، ويتزامن ذلك مع ارتفاع إنتاج الغاز من حقول النفط الصخري، الذي تُشير التوقعات إلى بلوغه 101 مليار قدم مكعبة يوميًا الشهر الجاري.
أوروبا
ظروف الطقس
يبدو أن الدول الأوروبية -أيضًا- على موعد مع منعطف الخطر الذي حاولت مرارًا تجنّبه منذ بدايات فصل الشتاء، إذ كان الاعتدال النسبي لدرجات الحرارة مسيطرًا على معدلات الطلب على الغاز ومستويات التخزين حتى وقت قريب، وفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتُشير توقعات الطقس إلى أن الأسبوع المقبل سيشهد انخفاض في درجات الحرارة بشمال ووسط أوروبا، لكنها ستدور في نطاق مستوياتها المعتادة لمثل هذه الأيام من العام، لا سيما في العواصم البريطانية والفرنسية والألمانية، بحسب بلومبرغ.
وجاءت البداية الدافئة لفصل الشتاء وانخفاض الطلب على الغاز لصالح أزمة الطاقة التي ضربت القارة العجوز في أعقاب الحرب الأوكرانية وتصاعد العقوبات، وعززت غالبية البلدان الأوروبية من مخزونات الغاز الطبيعي.
وتؤدي طاقة الرياح دورًا مهمًا لدعم أسواق الكهرباء لدى الدول الأوروبية -خاصة دول الشمال الغربي-، إذ تُشير التوقعات إلى مستويات إنتاج قياسية تصل إلى 20 غيغاواط في المملكة المتحدة، و50 غيغاواط في ألمانيا، الأربعاء المقبل (1 فبراير/شباط).
ويوضح الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- حجم تدفقات الغاز إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب حتى 12 يناير/كانون الثاني من العام الجاري (2023)، استنادًا إلى بيانات خبير الصناعات الغازية في "أوابك" المهندس وائل حامد عبدالمعطي:
مستويات التخزين والطلب على الغاز
مع توارد أنباء انخفاض درجات الحرارة الأوروبية الأسبوع المقبل، وتوقعات باستمرارها، سجل الطلب على الغاز قفزة في العقود الآجلة القياسية لشهر مارس/آذار بنسبة 11%.
ويصاحب انخفاض درجات الحرارة زيادة في استهلاك الغاز لأغراض الإنارة والتدفئة، ويتطلب ذلك إجراء عمليات سحب بمعدلات كبيرة من مرافق التخزين بمستويات تفوق الأسابيع الماضية، منذ بدء فصل الشتاء.
ورغم أن الشتاء الدافئ سيطر على الدول الأوروبية الأسابيع الماضية، فإن توقعات الطقس وانخفاض درجات الحرارة قد تشعل أزمة الطاقة من جديد.
أمّا أسعار الغاز الأوروبية، فتتجه إلى التراجع للشهر الثاني على التوالي في يناير/كانون الثاني، رغم يقظة الأسواق لتقلبات مستويات الاستهلاك وفق مؤشرات الطقس.
وأكد محللون أن توافر مستويات تخزين أوروبية عالية أسهم في خفض الطلب على الغاز، غير أن تلك التوقعات لم تستمر على وتيرة التفاؤل للنصف الثاني من العام الجاري (2023)، بحسب بلومبرغ.
ويكشف الرسم أدناه -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- الاستهلاك الأوروبي للغاز الطبيعي من عام 1965 حتى نهاية العام الماضي (2022)، وفق بيانات شركة النفط البريطانية بي بي:
وقالت مجموعة "آي إن جي" المصرفية -ومقرّها هولندا-، إنه بخلاف توقعات الطلب على الغاز، تدور الأسعار في نطاق يتراوح من 60 إلى 65 يورو في النصف الأول من العام، بينما تقفز إلى 80 يورو في النصف الثاني.
(اليورو = 1.09 دولارًا أميركيًا).
وترتفع تلك الأسعار عن المعدلات الحالية، إلّا أنها ما تزال أقلّ من المستويات القياسية التي سجلها الغاز العام الماضي (2022).
وحذّرت المجموعة الهولندية المصرفية من وجود مخاطر ما زالت تهدد معدلات الطلب بتوقف التدفقات نهائيًا عبر خطوط الأنابيب من روسيا، إلى جانب تزايد الطلب الصيني على الغاز المسال.
آسيا
لم تكن درجات الحرارة المنخفضة في شمال آسيا بمعزل عن توقعات الطلب على الغاز خلال ذروة فصل الشتاء، وتستعد المناطق الشمالية في الصين واليابان لموجة جليدية تتفاقم في كوريا.
ويرتفع الطلب على الغاز والتدفئة بما يدفع للسحب من المخزونات، إذ تُشير توقعات الطقس إلى أن الأسبوع المقبل سيكون الأكثر برودة في شمال آسيا، بعدما شهدت تلك المناطق أسابيع دافئة عززت مستويات التخزين، ووضعت أسعار الغاز المسال الفورية في إطار منضبط.
ظروف الطقس
توقّع مركز الأرصاد الجوية في الصين انخفاض درجات الحرارة أقلّ من مستوياتها الحالية بنحو يتراوح بين 4 و16 درجة، وشهدَ شمال مقاطعة هيلونغ جيانغ" -أحد أبرد المناطق الصينية- انخفاض درجات الحرارة إلى أدنى مستوياتها؛ لتحقق رقمًا قياسيًا جديدًا.
أمّا اليابان، فشهدت انخفاضًا في درجات الحرارة بغالبية المدن إلى أقلّ من مستوياتها المعتادة في مثل هذا الشهر من العام طوال الـ30 عامًا الماضية، وتساقطت الثلوج في مدينة "هوكايدو"، وامتدت لمدن أخرى.
وتستعد العاصمة الكورية الجنوبية "سول" إلى انخفاض في درجات الحرارة إلى (-17 درجة مئوية) الأسبوع المقبل.
مستويات تخزين الغاز
عكفت غالبية الدول الآسيوية خلال الأشهر الماضية على تعزيز مخزوناتها، حتى تتمكن من تلبية الطلب على الغاز، واتّسم معدل الطلب في تلك المناطق خلال الأسابيع الماضية بـ"التوازن" في ظل اعتدال درجات الحرارة.
وتملك اليابان كميات هائلة من مخزونات الغاز المسال بلغت حتى منتصف الشهر الجاري (15 يناير/كانون الثاني) 2.62 مليون طن متري، لتسجل حينها أعلى مستوياتها في غضون 5 أسابيع، بحسب بيانات وزارة الاقتصاد والتجارية والصناعة.
غير أن هذه المخزونات قد تتقلص بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة، بحسب بيانات ستاندر آند بورز غلوبال كومودتي إنسايتس (S&P Global Commodity Insights).
ونوّعت طوكيو من مصادر إمداداتها، حتى تتمكن من تلبية الطلب، فبجانب الغاز المسال، شهد الطلب على الكيروسين نموًا مؤخرًا.
اقرأ أيضًا..
- أسواق النفط تحبس أنفاسها بعد هجوم أصفهان.. هل تغلق إيران مضيق هرمز؟
- إنتاج النفط الأميركي يهبط 35 ألف برميل يوميًا خلال نوفمبر
- صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا تهبط لمستويات قياسية خلال يناير
- 4 خبراء: التنقيب عن النفط والغاز في لبنان لن يحقق نتائج على المدى القصير
- أسعار البنزين في مصر تُشعل خلافًا.. تثبيت أم زيادة؟