أمن الطاقة محور رئيس لتعزيز العلاقات بين أميركا ودول الخليج (مقال)
أومود شوكري* – ترجمة: نوار صبح
- الولايات المتحدة أصبحت واحدة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال في السنوات الأخيرة
- أصبحت أميركا إلى جانب قطر أكبر مصدرتين للغاز الطبيعي المسال في العالم
- يمكن لصناعة البتروكيماويات أن تؤدي دورًا مهمًا في التحوّل إلى مجتمع محايد كربونيًا
- ستصل قدرة قطر على إنتاج أنواع المنتجات البتروكيماوية إلى 15 مليون طن سنويًا
- الاستقرار والأمن الإقليميان يتطلبان مشاركة دول الخليج ودعم الولايات المتحدة
يُعد أمن الطاقة محورًا رئيسًا لتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، التي توترت منذ اندلاع أحداث "الربيع العربي"، وتأزّمت في السنوات الأخيرة، بسبب حرب اليمن والملف النووي الإيراني والحرب في أوكرانيا مؤخّرًا.
ويُعدّ التعاون في قطاع الطاقة، خصوصًا الاستثمار في البنية التحتية للطاقة، إحدى الأدوات الفعالة في تطوير العلاقات الثنائية، فضلًا عن أنه يُبْرِز تأثير الدول وحضورها في المناطق المنتجة للطاقة، وقد أصبحت الولايات المتحدة واحدة من أكبر منتجي الغاز المسال في السنوات الأخيرة، وزادت أزمة الطاقة دور أميركا في سوق الطاقة الأوروبية.
وأصبحت أميركا، إلى جانب قَطَر، أكبر مصدِّريْن للغاز الطبيعي المسال في العالم، إذ صدَّرت الدولتان 81.2 مليون طن من الغاز المسال، في العام الماضي.
ولولا حريق محطة فريبورت الأميركية للغاز الطبيعي المسال، في منتصف عام 2022، وإغلاقها حتى نهاية العام، لكانت الولايات المتحدة تفوّقت على قطر في الصادرات.
ومن المحتمل أن تصل صادرات الغاز الأميركية، بالإضافة إلى الصادرات من محطة فريبورت، إلى 86 مليون طن.
وأعلنت شركة أبحاث الطاقة، ريستاد إنرجي، أنه إذا اُستؤنفت الصادرات من محطة فريبورت هذا العام، فقد تشهد الولايات المتحدة زيادة بنسبة 11% في صادرات الغاز الطبيعي المسال، ما سيجعلها رسميًا أكبر مصدر للغاز في العالم.
المشروعات الأميركية القطرية المشتركة
على الرغم من المنافسة بين الولايات المتحدة وقطر في سوق الغاز الطبيعي المسال، استثمر البلدان في مشروعات مشتركة.
ففي أثناء زيارة أمير قطر للولايات المتحدة في مارس/آذار 2022، أولى الجانبان اهتمامًا خاصًا لدور الطاقة في العلاقات بين البلدين والدور المهم لدولة قطر في إمدادات الغاز، وطُرِحت حاجة أوروبا إلى استبدال الغاز القطري بالإمدادات الروسية في السوق الأوروبية.
وسيساعد مشروع توسعة حقل الشمال في قطر الدولة في أن تصبح لاعبًا رئيسًا في مجال الغاز الطبيعي المسال، وستشهد المرحلة الأولى من مشروع التوسعة زيادة بنسبة 43% في إنتاج الغاز الطبيعي المسال.
وسيؤدي هذا إلى زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال في البلاد إلى 110 ملايين طن من المعدل الحالي البالغ 77 مليون طن بحلول عام 2025. وستدفع مرحلة المشروع الثانية إنتاج الغاز الطبيعي المسال إلى 126 بحلول عام 2027.
في عام 2019، بدأت شركة قطر للطاقة التحقيق مع الشركاء في المرحلة الأولى من المشروع، حقل الشمال. وفي يوليو/تموز 2022، أعلنت قطر عن انضمام شركات شل وإكسون موبيل وكونوكو فيليبس وإيني وتوتال إنرجي بصفتها شريكة في هذه المرحلة.
من ناحيتها، تسعى شركة قطر للطاقة إلى تحقيق الاستدامة وتدرس طرقًا لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وقد وضعت شركة قطر للطاقة، المملوكة للدولة، بالشراكة مع شيفرون الأميركية وبافيليون إنرجي السنغافورية، خطة لتتبع انطلاق غازات الاحتباس الحراري من إنتاج الغاز الطبيعي المسال ونقله في البلاد.
تُجدر الإشارة إلى أنه في السنوات الأخيرة، وسّعت شركتا إكسون موبيل وقطر للطاقة تعاونهما في مجال الغاز الطبيعي بجميع أنحاء العالم، من الولايات المتحدة إلى موزمبيق.
وسيساعد صندوق الثروة السيادي "جهاز قطر للاستثمار" شركة آر دبليو إي، منتجة الطاقة الرئيسة في ألمانيا، في الاستحواذ على شركة أعمال الطاقة النظيفة التابعة لشركة "كون إديسون" الأميركية. وستوفر قطر 2.43 مليار دولار من إجمالي 6.8 مليار دولار المطلوبة.
وسيصدر جهاز الاستثمار سندات إلزامية قابلة للتحويل تمنحه حصة 9.1% من شركة آر دبليو إي. وسيسمح الاستحواذ لشركة آر دبليو إي بمضاعفة محفظتها المتجددة تقريبًا في الولايات المتحدة، ما يجعلها لاعبًا مهمًا في هذه الصناعة.
علاوة على ذلك، ستضيف عملية الشراء 7 غيغاواط إلى خط الأنابيب الإقليمي لشركة آر دبليو إي، ليصل إجماليها إلى أكثر من 24 غيغاواط.
دَور صناعة البتروكيماويات
يمكن لصناعة البتروكيماويات أن تؤدي دورًا مهمًا في التحوّل إلى مجتمع محايد كربونيًا، لأن هذه الصناعة توفر منتجات وتقنيات تستعمل لتوفير الطاقة واستعمال الطاقة المتجددة.
إلى جانب ذلك، ينبغي الاهتمام بتحسين التعاون العالمي والإقليمي بشأن تقليل استهلاك الطاقة وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ويُظهر استثمار دولة قطر في مشروع البتروكيماويات أن قطر تستعد لتحوّل الطاقة، بمواردها الهائلة من الغاز الطبيعي، وباستعمال التكنولوجيا المتقدمة للشركات الأميركية التي تنتج منتجات بتروكيماوية رخيصة السعر، ويمكن أن تصبح منافسًا للمملكة العربية السعودية وإيران.
وسيؤدي هذا المشروع -أيضًا- إلى توتر العلاقات بين قطر والولايات المتحدة.
ووقعت قطر مطلع يناير/كانون الثاني عقدًا لبناء مجمع بتروكيماويات ضخم بقيمة 6 مليارات دولار مع شركة شيفرون فيليبس الأميركية.
ومن المقرر أن يبدأ تشغيل مجمع راس لفان التابع لشركة قطر للطاقة، وهو أكبر مجمع للبتروكيماويات في الشرق الأوسط بسعة إنتاجية سنوية تبلغ 3.8 مليون طن، بحلول عام 2026، وستكون تغذية هذا المجمع من الغاز الطبيعي.
بموجب العقد الجديد، ستمتلك شركتا قطر للطاقة 30%، وشيفرون فيليبس الأميركية بنسبة 70% في بناء مجمع راس لفان الضخم للبتروكيماويات.
وسيعمل هذا المجمع على مضاعفة إنتاج قطر من الإيثيلين وزيادة إنتاج منتجات البوليمر في هذا البلد من 2.6 مليون طن سنويًا إلى أكثر من 4 ملايين طن. وستصل قدرة قطر على إنتاج جميع أنواع المنتجات البتروكيماوية إلى 15 مليون طن سنويًا.
وتوصلت قطر وشركة شيفرون فيليبس الأميركية -مؤخرًا- إلى اتفاق بشأن عقد بقيمة 8.5 مليار دولار، لبناء مجمع للبتروكيماويات في تكساس.
وأعلنت شركتا قطر إنرجي وشيفرون فيليبس عن استثمارهما في إنشاء مصنع غولدن تريانغل للبوليمرات في ولاية تكساس الأميركية، بتكلفة نحو 8.5 مليار دولار، وهو ثاني أكبر مشروع لها هناك والأكبر في مجال البتروكيماويات.
وبحسب وكالة الأنباء القطرية، فإن المصنع الجديد سيكون في ساحل الخليج بولاية تكساس، على بعد 180 كيلومترًا شرق مدينة هيوستن الأميركية.
وقال وزير الطاقة القطري الرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة، سعد الكعبي: "يشكل القرار المتخذ أكبر استثمار لشركة قطر للطاقة في قطاع البتروكيماويات، ويبرز مكانة الشركة بصفتها لاعبة رئيسة في قطاع الغاز الطبيعي المسال وقطاعات الاستكشاف الدولية، ومنتجة عالمية للبتروكيماويات".
ويُعدّ هذا المشروع ثاني أكبر استثمار لشركة قطر للطاقة في الولايات المتحدة بعد استثمار 11 مليار دولار في مشروع غولدن باس لإنتاج الغاز المسال وتصديره، الذي هو قيد الإنشاء حاليًا، ومن المتوقع أن يبدأ العمل في أواخر عام 2024.
إعادة تدوير الطاقة
ستمكن إعادة تدوير الطاقة عبر سلسلة قيمة دائرية المنتجين من الوصول إلى فرص جديدة. وقد عملت شركة نيستي الفنلندية مع منتجين في صناعة البتروكيماويات ونجحت في تزويدهم بالمواد الأولية الحيوية.
علاوة على ذلك، يمكن أن تستفيد المصافي من الفرص الكبيرة لإعادة تدوير النفايات البلاستيكية. ويُعدّ الإيثان وغاز النفط المسال والنافثا من المواد الأولية البتروكيماوية المشتقة من النفط، ويتمثّل الاستعمال الرئيس لها في تصنيع الألياف الاصطناعية والبوليمرات البلاستيكية والمواد البتروكيماوية الوسيطة الأخرى.
وتشهد هذه المنتجات -باستمرار- طلبًا متزايدًا وتحقق استثماراتها أرباحًا كبيرة على الصعيد العالمي. وتحتاج دول الخليج العربي إلى وقت من أجل التخفيض التدريجي لعائدات النفط. وبالنظر إلى الوضع الحالي وفي ظل تحول الطاقة، يمكن لدول الخليج والولايات المتحدة تطوير علاقاتهما.
ويمثّل أمن الطاقة وعدم استهداف البنية التحتية قضية تتوقع دول الخليج المزيد من التعاون بشأنها من الولايات المتحدة.
وأظهرت هجمات الحوثيين بطائرات مسيرة على منشآت نفط شركة أرامكو السعودية أن الاستقرار والأمن الإقليميين يتطلبان مشاركة دول الخليج ودعم الولايات المتحدة.
دون الاستقرار والأمن في دول الخليج العربي، سيواجه أمن الطاقة العالمي تحديًا خطيرًا، ويُعدّ النفط والغاز من العوامل الرئيسة للاستقرار في المنطقة، وفي الوقت نفسه يمكن أن يسبّبا الخلافات.
وسيحافظ النفط والغاز على أهميتهما في الاقتصاد العالمي، على الأقل خلال العقدين المقبلين، وهذا سيعني استمرار أهمية دول الخليج العربي في معادلات الطاقة العالمية.
* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصّة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- حيلة جديدة لتصدير النفط الروسي وتخزينه بإحدى الدول العربية
- أرامكو السعودية: الطلب على النفط سيستمر رغم انتشار السيارات الكهربائية
- بالأرقام.. حصة مصر في اكتشاف الغاز الضخم بحقل النرجس (خاص)
- انهيار أكبر مشروع للطاقة الشمسية وتخزين البطاريات في العالم