أوروبا تودع الديزل الروسي رسميًا في فبراير.. والصين "قنطرة" للتكرير والتصدير
هبة مصطفى
أيام قليلة تفصل أوروبا عن استقبال آخر برميل من الديزل الروسي، مع بدء سريان الحظر المفروض على واردات المشتقات النفطية من موسكو، في 5 فبراير/شباط المقبل، في إطار أحدث حزمة للعقوبات منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.
ويبدو أن القارة العجوز تواصل التحايل على العقوبات بطرق غير مباشرة؛ إذ بدأت تكثيف واردات الديزل من الصين التي تعتمد عمليات التكرير في مصافيها بالأساس على الخام الروسي، وهو اتجاه يعيد للأذهان ما كشفت عنه البيانات من استيراد بريطانيا لمنتجات النفط الروسي المكررة في الهند، وفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
وأخذت الدول الأوروبية على عاتقها تكثيف الواردات من المشتقات النفطية الروسية، خلال الأسابيع الماضية، إلى أن بلغت أعلى مستوياتها منذ ما يزيد على 10 أشهر؛ خوفًا من دفع حظر المشتقات إلى رفع أسعار الوقود ونقص المعروض، بحسب تحليل أجرته رويترز ونُشر اليوم الإثنين 16 يناير/كانون الأول (2023).
زيادة الواردات
كعادة الأوروبيين قبيل تفعيل أي قرارات عقابية جديدة ضد موسكو أو وقوع تدهور أكبر في العلاقات، تزداد معدلات التخزين، مثلما تكرر مسبقًا خلال صيف 2022 مع الغاز، وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه مع النفط.
وفي إطار الاستعداد للحظر المفروض على المشتقات النفطية من موسكو، بداية من 5 فبراير/شباط المقبل، بدأت مرافق التخزين في أوروبا استقبال المزيد من تدفقات الديزل الروسي خوفًا من نقص الإمدادات أو ارتفاع أسعار الوقود.
وتتجه التوقعات إلى تغير خريطة شراء الديزل مع دخول الحظر موضع التنفيذ بما يغير النطاق الزمني لعمليات الشحن، وهو أمر قد تستغرق أوروبا وقتًا لتجاوزه؛ ما يدفعها للتخزين المسبق حتى تتمكن من تلبية الطلب.
وسجّلت الواردات الأوروبية من الديزل الروسي، منذ مطلع شهر يناير/كانون الثاني الجاري حتى الآن، نحو 770 ألف برميل يوميًا، وهو مستوى يُقَدر بأنه الأعلى منذ شهر مارس/آذار (2022) عقب اندلاع الحرب الأوكرانية، بحسب بيانات فورتيكسا.
الأسعار والاعتماد الأوروبي
تكشف معدلات الاستيراد عن حجم الاعتماد الأوروبي على الوقود الروسي؛ إذ ما زال عدد كبير من سيارات القارة يعمل بالديزل، بالتوازي مع عدم كفاية قدرات التكرير في القارة على تلبية الطلب.
ورغم الإجراءات القوية التي سعت أوروبا من خلالها إلى ردع روسيا عن غزو أوكرانيا سواء من الحكومات أو الشركات، كان الديزل الروسي يُشكّل نصف الواردات الأوروبية من الوقود، بحسب بيانات ريفينتيف.
وحتى يوم 12 يناير/كانون الثاني، بلغت مستويات تخزين الديزل الأوروبية أعلى مستوياتها منذ أكتوبر/تشرين الأول (2021)، وفق بيانات إنسايتس غلوبال الهولندية للاستشارات.
ويكشف الرسم البياني أدناه -الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة- حجم صادرات الديزل من مصافي الشرق الأوسط إلى أوروبا، خلال الأشهر الـ9 الأولى من العام الماضي (2022) بحسب بيانات بلومبرغ:
من جانبه، توقّع مسؤول الطاقة والموارد في مؤسسة "بي دبليو سي" في المملكة المتحدة، روب تيرنر، استمرار ارتفاع أسعار الديزل مع زيادة تكلفة الشحن والخدمات، ولا سيما أن مرافق التكرير الأوروبية لم تعد تملك القدرة على معالجة الخامات الغنية بالوقود.
ويأتي الحظر الأوروبي للمشتقات النفطية الروسية بوصفه خطوة لاحقة لحظر الخام في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، الذي تزامن مع دخول قرار السقف السعري الذي أقرته دول مجموعة الـ7 وأستراليا قبل أشهر موضع التنفيذ.
الصين.. نقطة التحايل
تعوّل أوروبا كثيرًا على الصين لتعويض غياب الديزل الروسي، ويبدو أن هذا الاتجاه لاقى ترحيبًا من بكين؛ إذ تجري الاستعدادات في مصافي التكرير فيها على قدم وساق لزيادة إنتاج الوقود.
وارتفعت الدفعة الأولى لصادرات الصين من المنتجات النفطية المكررة، خلال العام الجاري (2023)، إلى النصف، مقارنةً بالمدة ذاتها من العام الماضي (2022).
ورجّح مدير أبحاث النفط في وود ماكينزي، مارك وليامز، أن يمثل الديزل الصيني غالبية الواردات الأوروبية من الوقود عقب سريان الحظر، متوقعًا أن تتراوح تدفقاته خلال النصف الأول من العام الجاري (من يناير/كانون الثاني حتى يونيو/حزيران) بين 400 ألف و600 ألف برميل يوميًا.
ويصعب على أوروبا تعويض تدفقات الديزل الروسي التي يبلغ متوسطها نصف مليون برميل يوميًا دون الإمدادات الصينية، وفق محللين في إنرجي آسبكتس.
النفط الروسي والمصافي الصينية
مثلما تعكف مصافي التكرير الهندية على معالجة النفط الروسي وإعادة تصدير مشتقاته إلى دول أوروبية مثل بريطانيا، تتبع الصين النهج ذاته.
وزاد كل من الهند والصين من استقبال واردات النفط الروسي بوتيرة مكثفة مؤخرًا للاستفادة من انخفاض أسعاره وعزوف المشترين عنه خوفًا من العقوبات، ومن جانب آخر الاستفادة من فارق العائدات عقب تكريره وإعادة تصديره إلى أوروبا.
وكما واجهت الهند اتهامات بأداء دور الوسيط بين موسكو وأوروبا للتحايل على العقوبات؛ يبدو أن الصين ستواجه الاتهام ذاته مع زيادة تدفقاتها لأوروبا مع حظر الديزل الروسي.
وعززت بكين مصافي التكرير المستقلة فيها بدفعات إضافية من النفط الخام لزيادة قدرات التكرير والبراميل المعالجة، بعدما استقبلت المزيد من براميل النفط الروسي، ودعمت تطور ذلك باتفاق لتمديد نقل التدفقات عبر خط "أتاسو-ألاشانكو" عبر قازاخستان، بحسب بيانات نشرتها منصة الطاقة المتخصصة في وقت سابق.
وبموجب الاتفاق المُعلَن نهاية العام الماضي (2022)، يُنقَل 10 ملايين طن سنويًا من النفط الروسي إلى الصين حتى مطلع عام 2034.
الناقلات وتكلفة الشحن
مع تغير مسار الشحنات عقب حظر الديزل الروسي، تحتاج أوروبا إلى تقييم تكلفة نقل الشحنات الجديدة سواء من آسيا (الصين) أو مصافي الشرق الأوسط.
ويستغرق نقل شحنات الديزل الروسي من موسكو إلى شمال غرب أوروبا أسبوعًا واحدًا فقط، لكن على النقيض من ذلك، يؤدي تغيير نقاط التوريد من منافذ بديلة -مثل الشرق الأوسط- إلى زيادة مدة الشحن لتصل إلى 8 أسابيع، وهو أمر يتطلب رفع تكلفة الشحن وتغيير نوعية الناقلات.
ويرصد الرسم التالي -الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة- حجم الصادرات الروسية سواء من الخام والمشتقات إلى وجهات من بينها الاتحاد الأوروبي ودول أخرى في أوروبا، وفق بيانات الوكالة الدولية للطاقة:
ويقترن ذلك بزيادة الطلب على ناقلات المشتقات النفطية وسفن الرحلات طويلة الأجل، وتُشير التوقعات إلى زيادة الطلب على ناقلات المشتقات النفطية خلال العام الجاري (2023) بنسبة 7.2%، وفق محللي كبلر.
ومن جانب آخر، قد تواجه أسواق الطاقة العالمية 3 أشهر جديدة من التقلبات مع بدء سريان حظر الديزل الروسي والمشتقات النفطية الأخرى، الشهر المقبل، بحسب توقعات محللي وود ماكينزي.
اقرأ أيضًا..
- أشهر 6 حوادث لبطاريات الليثيوم أيون.. واحتراق 4 آلاف مركبة فاخرة (فيديو وصور)
- الطلب على النفط خلال 2023.. مفاجأة في الصين والشرق الأوسط (تقرير)
- الإعلان عن ثاني اكتشاف غاز في مصر خلال أقل من أسبوع
- حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2022.. أسواق الطاقة في 365 يومًا