اتفاق لتوريد الغاز المسال من تركيا إلى بلغاريا.. وخبير: بإذن روسي
هبة مصطفى
تتحول تركيا -تدريجيًا- إلى مصدر لتزويد الدول الأوروبية بإمدادات الغاز المسال، فيما يبدو وكأن القارة العجوز تواصل استقلالها عن واردات الطاقة الروسية التي شهدت تقلبًا عقب الحرب الأوكرانية والعقوبات التي أدت إلى انقطاع كامل للتدفقات قبيل فصل الشتاء.
وأُعلن -اليوم الثلاثاء 3 يناير/كانون الثاني- وبصورة رسمية توقيع اتفاق طويل الأجل يُتيح لبلغاريا تلقّي واردات الغاز من محطات أنقرة وشبكاتها، في محاولة لتعويض غياب الغاز الروسي، بحسب ما نقلته بلومبرغ.
وتنظر بلغاريا الواقعة جنوب شرق أوروبا إلى الاتفاق بصفته "بوابة" لشرائها الغاز من أنحاء العالم كافّة، إذ تعتزم تركيا بناء مركزها العالمي للغاز المُعلن في وقت سابق بمنطقة "تراقيا" قرب حدود صوفيا.
وللوهلة الأولى قد يبدو الاتفاق بين الطرفين محاولة لتعويض غياب تدفقات الغاز من موسكو، غير أنه بالنظر إلى قواعد إعادة التصدير وإذن البائع واعتماد سعة المحطات التركية على واردات الغاز الروسي، نجد أننا أمام محاولة جديدة للالتفاف على العقوبات، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
تفاصيل الاتفاق
بموجب الاتفاق، الموقع اليوم الثلاثاء في العاصمة البلغارية صوفيا، تستورد بلغاريا -ممثلة في شركة "بلغار غاز" المملوكة للدولة- ما يقرب من 1.5 مليار متر مكعب سنويًا لمدة 13 عامًا من محطات التصدير والمرافق التركية.
وبالنظر إلى حجم واردات صوفيا المرتقب من أنقرة، يمكن لتلك الواردات تلبية نصف الطلب المحلي على الوقود اللازم لتوليد الكهرباء والحصول على التدفئة.
وكان وزير الطاقة التركي، فاتح دونماز، قد أكد -في تصريحات سابقة- أن شركة الغاز الوطنية في بلاده "بوتاش" بصدد توقيع اتفاق يسمح لبلغاريا بالاستفادة طويلة الأجل من إمدادات الغاز المسال بمحطات التصدير في أنقرة.
وذهب وزير الطاقة البلغاري روزين خريستوف إلى أبعد من ذلك، إذ رأى أن الاتفاق لا يكتسب أهمية لبلاده فقط، لكن أهميته تمتد إلى أنحاء قارة أوروبا بالكامل، إذ إنه يُتيح شراء إمدادات الغاز من المنتجين في أنحاء العالم كافة ونقله إلى بلغاريا عبر محطات التصدير التركية.
مركز غاز عالمي
يأتي الاتفاق بين تركيا وبلغاريا عقب أشهر قليلة من إعلان أنقرة عزمها التحول إلى مركز غاز عالمي، ولاقى ذلك تأييدًا من روسيا التي تواجه قيودًا على صادرات الغاز إلى أوروبا بموجب العقوبات المفروضة عليها منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.
ووقع اختيار تركيا على منطقة "تراقيا" الواقعة على حدودها مع بلغاريا لبناء مركز الغاز العالمي، ما يعني أن الاتفاق يمثّل لصوفيا نافذة يمكن من خلالها الحصول على إمدادات الغاز المسال عبر المنتجين العالميين.
ولم تكن بلغاريا الدولة الأوروبية الوحيدة التي لجأت إلى تركيا -بصفتها وسيطًا لتلقي واردات الغاز- عقب توقف تدفقات الغاز الروسي إلى القارة العجوز، إذ سبقتها رومانيا بإعلان استيرادها الغاز الأذربيجاني عبر أنقرة.
وبموجب تعاقد طويل الأجل، يوفر الغاز الأذربيجاني -أيضًا- ثلث الاحتياج السنوي لبلغاريا.
وكانت صوفيا تتخذ من اليونان موقعًا للحصول على إمدادات الغاز المسال، بعدما امتنعت روسيا عن إرسال تدفقاتها إلى الدول الأوروبية ردًا على العقوبات، لكن أثينا لم تكن الخيار الأفضل بالنسبة إلى بلغاريا لخضوعها لقواعد المنافسة التي أقرها الاتحاد الأوروبي.
قدرات المحطات التركية
نظرًا إلى أن تلك القواعد التي أقرها الاتحاد الأوروبي حول مواقع رسو السفن تعد غير ملزمة لتركيا بالنظر إلى كونها دولة غير عضوة، باتت أنقرة الخيار الأنسب لبلغاريا لشراء إمدادات الغاز المسال.
ويعد اتصال تركيا ببعض دول الاتحاد عبر خطوط الأنابيب، مع عدم التزامها بقواعده، مصدرًا أكثر سهولة للدول الأوروبية الراغبة في استيراد الغاز الطبيعي المسال.
وتملك تركيا 4 محطات تستورد من خلالها الغاز المسال، وتعمل بمثابة مرافق للتخزين والتفريغ ويمكن استعمال بعضها في أغراض الإسالة.
والمحطات الـ4 هي: محطة عاليا غاز التابعة لشركة "إيغي غاز" وتصل سعتها إلى 4.4 مليون طن سنويًا، ومحطة دورتيول التابعة لشركة بوتاش بسعة 4.1 مليون طن سنويًا، ومحطة مرمرة إريغليسي التابعة لشركة بوتاش أيضًا بسعة 5.9 مليون طن سنويًا، ومحطة إتكي ليمان وتصل سعتها إلى 7.5 مليون طن سنويًا.
موافقة روسية
تسعى تركيا إلى تطوير قدراتها بما يتناسب مع طموحاتها في قطاع الطاقة، وتمهيدًا لتحولها إلى مركز عالمي للغاز، وتخطو أنقرة خطوات جيدة لبناء سعة إمدادات جديدة عبر مفاوضات مع كل روسيا وتركمانستان، حتى تتمكن من توفير الإمدادات اللازمة لتلبية الطلب الأوروبي.
واستفادت أنقرة من قرار موسكو وقف تدفقات الغاز إلى بلغاريا في أبريل/نيسان من العام الماضي (2022)، بعد امتناع الأخيرة عن سداد مستحقات الشحنات بالروبل الروسي، ومحاولات صوفيا إيجاد بدائل لتلك التدفقات بأسعار ملائمة.
وبحسب كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة في واشنطن الدكتور أومود شوكري، فإن أزمة بلغاريا ليست شراء واردات الغاز المسال، لكنها تتمثّل في مواقع تفريغ الشحنات، وهو ما وفّرته سعة محطات التصدير التركية وفق الاتفاق المبرم اليوم.
وأضاف -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أن تركيا دولة غير منتجة للغاز الطبيعي في الآونة الحالية، بخلاف محاولات الضخ من حقل صقاريا بحلول مارس/آذار، ما دفعها إلى الاعتماد على سعتها من الغاز الذي سبق أن استوردته في تزويد بلغاريا باحتياجاتها.
وقال: "يبدو أن روسيا سمحت لتركيا بتصدير غازها، إذ إنه دون إذن البائع (موسكو) فلن تتمكن أنقرة من إعادة تصدير الغاز المسال سواء إلى بلغاريا أو غيرها".
تحايل على العقوبات
تستفيد أنقرة من الموافقة الروسية على إعادة تصدير تدفقاتها بتصدير الغاز المسال إلى بلغاريا، بما يقلّص حدة تأثير العقوبات وتداعياتها على الدول الأوروبية.
ويرى الدكتور أومود شوكري أنه في ظل العقوبات المفروضة على صادرات الطاقة الروسية تتجه موسكو إلى بيع النفط والغاز عبر دولة ثالثة وسيطة مع منحها امتيازات وتخفيضات، عن طريق "إعادة الشراء"، مثلما تفعل إيران الواقعة تحت نطاق العقوبات الأميركية أيضًا.
وأضاف أنه يتعيّن على أسواق الطاقة رصد ردة الفعل الأوروبية على وصول الغاز الروسي إلى بلغاريا عبر تركيا، مشيرًا إلى أن مدى استفادة أنقرة اقتصاديًا وجيوسياسيًا من بيع الغاز المسال بهذه الطريقة.
ويبدو أن روسيا تحاول احتواء تداعيات العقوبات على اقتصادها، إذ لفت شوكري إلى اقتراح موسكو المطروح على تركيا قبل أشهر من قبل الرئيس فلاديمير بوتين بالتحول إلى مركز عالمي لتجارة الغاز، وتلقى هذا المقترح دعمًا من موقع أنقرة الجغرافي وبنية الطاقة التحتية الجيدة لديها وطموحاتها لتشكل جزءًا من الأمن الإقليمي للطاقة.
اقرأ أيضًا..
- أبرز تغيّرات سوق النفط العالمية في 2022 (إنفوغرافيك)
- الغاز المسال العماني يتدفق إلى تركيا قريبًا.. ومصادر تكشف ملامح الاتفاق
- توقعات أسعار النفط في 2023 وأعلى مستوى قد يصل إليه البرميل.. 10 خبراء يتحدثون
- ابتكار مصري لإنتاج الكهرباء من مياه الصرف الصحي