خبراء: تحلية المياه بالطاقة الشمسية تحقق جدواها الاقتصادية في هذه الظروف
داليا الهمشري
- تقرير يرى تحلية المياه بالطاقة الشمسية الحل الأنجح لحل أزمة شح المياه في المنطقة العربية
- هناك طريقتان لتحلية المياه إما باستخدام المجمعات الحرارية وإما بالخلايا الكهروضوئية
- تقييم الجدوى الاقتصادية لمحطات تحلية المياه بالطاقة الشمسية معقد إلى حد ما
- توقعات بتوسع الدول العربية في تحلية المياه بالطاقة الشمسية
تمثّل تحلية المياه بالطاقة الشمسية بصيصًا من الأمل للدول العربية في مواجهة شح المياه الذي تعانيه، لا سيما مع إمكاناتها من الموارد الشمسية الهائلة التي يمكنها الاستعانة بها للتوسع في هذا المجال.
وبينما يبلغ المعدل العالمي -وفقًا للأمم المتحدة- ألف متر مكعب سنويًا لكل فرد، لا يحصل المواطن العربي سوى على نحو 500 متر مكعب سنويًا، أي نصف القدر المطلوب.
ويرى تقرير -صادر عن منظمة "كونراد أديناور شتيفتونغ" الألمانية، تحت عنوان "التحلية بديل لاحتواء أزمة ندرة المياه ومواجهة التغيرات المناخية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"- أن تحلية مياه البحر هي الحل الواقعي الوحيد للأزمة.
وشدد التقرير على أن التحلية تحتاج إلى تمويلات ضخمة، لذا لم ينتشر هذا الاتجاه سوى في عدد من دول الخليج مثل السعودية والإمارات والكويت وعمان وقطر.
ويراهن التقرير -الصادر في يناير/كانون الثاني الماضي 2022- على تشغيل محطات تحلية المياه بمصادر الطاقة المتجددة كونها البدائل الأرخص والأنظف على البيئة.
الطاقة الحرارية
قال أستاذ الطاقة والحراريات، معاون العميد للشؤون العلمية في كلية الهندسة بجامعة ذي قار العراقية، الدكتور مشتاق إسماعيل الإبراهيمي، إن الطاقة الشمسية لها تطبيقان رئيسان: الأول يتمثّل في تحويل أشعة الشمس إلى كهرباء من خلال الخلايا الكهروضوئية.
وبحسب الإبراهيمي، يتمثّل الجانب الثاني في التطبيقات الحرارية التي تستخدم حرارة الشمس في بعض العمليات مثل التدفئة المنزلية وما إلى ذلك، مضيفًا أن من أبرز هذه التطبيقات الحرارية تحلية المياه بالطاقة الشمسية، وهذه الطريقة تعتمد على استخدام المجمعات الشمسية التي تجمع حرارة الشمس وتسلطها على مائع معين لتسخينه.
وتابع: "عند تسليط الحرارة على الماء المالح المراد تحليته مثل ماء البحر، فإنه يصل إلى مرحلة الغليان ويتبخر ليُكثف بعد ذلك على سطح بارد، أو يُقطر للحصول على المياه المقطرة، وهي مياه عذبة خالية من الأملاح والشوائب التي تم التخلص منها خلال العملية".
وأوضح الإبراهيمي أن أنظمة تحلية المياه بالطاقة الشمسية يمكن أن تستخدم المجمعات الشمسية بأنواعها المختلفة، ومن بينها المجمع المسطح والمركز وغيرها بغرض تجميع أشعة الشمس، وتركيزها للحصول على أقوى طاقة حرارية ممكنة لتسخين المياه للحصول على المياه العذبة.
طرق التحلية
أفاد أستاذ الطاقة والحراريات في جامعة ذي قار العراقية الدكتور مشتاق إسماعيل الإبراهيمي، بأنه يمكن استخدام هذه الآلية في التطبيقات المنزلية أو التطبيقات الأخرى التي تتطلب الحصول على المياه العذبة من المياه المالحة مثل ماء البحر وغيرها، وتُستخدم في التطبيقات التي تحتاج إلى كميات محدودة من المياه، لأن إنتاجيتها قليلة.
وأوضح الدكتور مشتاق الإبراهيمي أنه كلما زادت كمية المياه المُحلاة زادت المساحة المطلوبة لوضع المجمعات الشمسية، ما يزيد التكلفة ويجعلها غير مُجدية اقتصاديًا، لذا تُستخدم في المناطق النائية التي لا تتوافر فيها منظومات تحلية مياه أو مصدر كهرباء مباشر.
ولفت إلى أن هذا هو التطبيق الرئيس لتحلية المياه بالطاقة الشمسية، بجانب استخدام تطبيق أو خيار آخر باستخدام منظومة تحلية المياه بالطاقة الكهربائية المُولدة من محطات الطاقة الشمسية، مشيرًا إلى أن هذا الاختيار قادر على توليد كميات كبيرة من المياه، لأن هذه المنظومات عادة ما تكون كبيرة وسعتها الإنتاجية ضخمة.
وأكد الإبراهيمي أن الخيار الثاني يستخدم -حاليًا- في بعض القرى والمناطق النائية البعيدة عن شبكة الكهرباء، ونجح في تحقيق الجدوى الاقتصادية المطلوبة.
حل مشكلة شح المياه
بدوره، قال المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، الدكتور جواد الخراز، إن تحلية المياه -حاليًا- هي خيار مطلوب لحل مشكلة شح المياه بجانب خيارات أخرى، مثل إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المُعالجة، ورفع كفاءة استخدام المياه في الزراعة.
وذكر الخراز -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن هناك توجهًا -حاليًا- في الدول العربية كافّة لاستخدام الطاقة المتجددة، لا سيما الطاقة الشمسية في تحلية مياه البحر.
ولفت إلى أن هذا التوجه منتشر في عدد من الدول العربية مثل المغرب والجزائر ومصر والأردن وفلسطين، وهناك تجارب رائدة في دول الخليج مثل السعودية والإمارات وسلطنة عمان.
وأوضح أن تونس لديها محطات لتحلية المياه بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهي محطات ساحلية صغيرة ما تزال قدراتها الإنتاجية أقل من 10 آلاف متر مكعب يوميًا.
وأشار إلى اعتماد مزارعي منطقة ديا في تونس على محطة تحلية مركزية تعمل بالطاقة الشمسية تغذّيها بالمياه المُحلاة للزراعة.
وسلّط الخراز الضوء على محطة الخفجي لتحلية المياه بالطاقة الشمسية في السعودية، مشيرًا إلى أنها محطة كبيرة تنتج نحو 60 ألف متر مكعب من المياه يوميًا.
وفي مصر، أعلن وزيرا الكهرباء والري عن نية مصر إنشاء محطات تحلية جديدة باستخدام الطاقة المتجددة، وفقًا للدكتور جواد الخراز.
الوفاء بالتعهدات المناخية
توقع المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة الدكتور جواد الخراز، أن يزيد التوجه نحو التوسع في تحلية المياه بالطاقة الشمسية في الدول العربية، لتلبية احتياجات المناطق الساحلية والقرى والمناطق النائية، وفقًا للسعة الإنتاجية والاحتياجات.
وأوضح الخراز أن التحلية باستخدام الطاقة الشمسية تواجه عددًا من التحديات، أبرزها غياب الشمس خلال ساعات الليل، ما يحتّم اللجوء إلى البطاريات أو إنتاج كمية كافية من الكهرباء خلال اليوم، تُستخدم بعدها في الليل.
وأضاف: "يمكن أيضًا عمل نظام هجين، إذ يُعتمد على الطاقة الشمسية لتشغيل وحدات تحلية المياه في أثناء ساعات النهار، في حين تتولى الشبكة الكهربائية التشغيل في أثناء ساعات الليل".
ولفت الخراز إلى أن هناك أنظمة مختلفة للتشغيل، منها الأنظمة الهجينة والمعتمدة بصورة كلية على الطاقة الشمسية، وتلك التي تعتمد على البطاريات بعد غياب الشمس خلال ساعات الليل.
وأكد أن تحلية المياه بالطاقة الشمسية تحقق عددًا من الفوائد، أبرزها خفض البصمة الكربونية، وهو مكسب مهم في ضوء مواجهة التغيرات المناخية، والتزام الدول العربية بتعهداتها، لا سيما في ظل استضافة مصر قمة المناخ كوب 27 هذا العام، والإمارات العام المقبل 2023.
تشجيع الدولة
أوضح الدكتور جواد الخراز أن تقييم الجدوى الاقتصادية لمحطات تحلية المياه بالطاقة الشمسية معقد إلى حد ما، إذ يتطلب تحديد القدرة الإنتاجية وإن كانت محطات تحلية مياه صغيرة أو كبيرة.
ولفت الخراز إلى أن هناك ما يسمى "اقتصاد السلم"، موضحًا أن محطات التحلية الكبيرة -حتى التي لا تعتمد على الطاقة المتجددة- تحقق أرقامًا قياسية -حاليًا- مثل محطة حصيان في الإمارات، إذ تبلغ تكلفة المتر المكعب 0.27 دولارًا، مشيرًا إلى أنها محطة كبيرة بقدرة إنتاجية نحو 500 ألف متر مكعب يوميًا من المياه المُحلاة.
وأشار الخراز إلى أن مثل هذه المحطات لا تعمل بالطاقة المتجددة، لكن المحطات الكبيرة العاملة بالطاقة الشمسية ما تزال محدودة للغاية حتى الآن.
وتتراوح تكلفة تحلية المتر المكعب في الوحدات الصغيرة بين 2 و5 دولارات، وفقًا لحجم الإنتاجية وعوامل أخرى، مثل دعم الدول المزارعين لاستخدام أنظمة تحلية المياه، مثلما حدث في دول الخليج على سبيل المثال.
وأكد الخراز أنه كلما زاد تشجيع دول المنطقة على استخدام الطاقة المتجددة أصبحت الأسعار أكثر تنافسية.
تجربة إسبانيا
قال المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، الدكتور جواد الخراز، إن أسعار الألواح الشمسية شهدت انخفاضًا كبيرًا قبل الأزمة الحالية، ما جعل أسعار تحلية المياه بالطاقة الشمسية أكثر تنافسية.
وأضاف الخراز أن الأزمة الحالية تسببت في رفع أسعار الألواح الشمسية، متوقعًا انخفاضها مرة أخرى إلى ما كانت عليه قبل الحرب الروسية على أوكرانيا والأزمة الاقتصادية العالمية.
وتابع: "هناك بعض الخبراء في دول الخليج العربي يعتقدون أن تحلية المياه بالطاقة الشمسية لا يمكن أن تحقق جدوى اقتصادية، إلا أن تجربة إسبانيا رائدة في هذا المجال".
وتعوّل إسبانيا على مشروع "إغوا+إس" لتحلية المياه بالطاقة الشمسية العائمة على تحسين إمدادات المياه في جنوب البلاد.
ويجمع المشروع بين 3 مرافق للمرة الأولى، وهي محطة تحلية مياه وشبكة محطات ضخ ومحطة للطاقة الكهروضوئية البرية العائمة.
وسلّط الخراز الضوء على التجربة العمانية، لافتًا إلى أنه في البداية كان هناك دعم من الدولة للمزارعين للتوسع في التحلية بالطاقة الشمسية، ولكن بعد رفع الدعم الحكومي فقدت هذه العملية التنافسية الاقتصادية، وأصبحت التكلفة باهظة للغاية.
ودعا الخراز الدول إلى التدخل لدعم تحلية المياه بالطاقة المتجددة، من خلال تقديم الحوافز والتشريعات التي يمكن أن تجعل لهذه الحلول جدوى اقتصادية وبيئية.
انتشار المحطات في اليمن
أكد رئيس شركة بيورلايف لتكنولوجيا المياه اليمنية، المهندس بليغ الحمادي، أن محطات تحلية المياه بالطاقة الشمسية منتشرة بصورة كبيرة في اليمن، نظرًا إلى وفرة الموارد الشمسية، لا سيما في المناطق الصناعية مثل عدن والحديدة وتهامة.
وأشار الحمادي -خلال تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- إلى أن تحلية المياه بالطاقة الشمسية، خاصة مياه البحر، يمكن أن تحقق جدوى اقتصادية كبيرة، نظرًا إلى كونها أقل تكلفة من استخدام الماكينات والمشتقات النفطية، ما يجعلها تعود بالنفع على الدولة والمواطن.
وسلّط الحمادي الضوء على ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في اليمن بصفة غير مسبوقة، نتيجة الحروب والصراعات الداخلية، وإغلاق المنافذ من بعض القوى التخريبية، لافتًا إلى أنه من أبرز مميزات التحلية بالطاقة الشمسية -بجانب تقليل الطلب على المشتقات النفطية- عدم حاجتها إلى عمالة لإدارتها أو صيانتها.
موضوعات متعلقة..
- التناضح العكسي لتحلية المياه بالطاقة الشمسية.. تقنية رخيصة وموفرة للكهرباء
- هل تنقذ تحلية المياه بالطاقة المتجددة المغرب من أزمة الجفاف؟
- تحلية المياه بالطاقة الشمسية.. أبرز التقنيات والأسعار
اقرأ أيضًا..
- ردًا على سقف أسعار النفط الروسي.. موسكو تدرس 3 خيارات أبرزها حظر البيع
- إيرادات النفط تنعش خزينة السعودية بمكاسب قوية خلال 9 أشهر (إنفوغرافيك)
- وزير البترول المصري: غاز شرق المتوسط يهدف إلى تأمين مصادر الطاقة بأسعار مناسبة
- 5 عوامل تشجع تبني النفط المحايد للكربون عالميًا (تقرير)