اتهام أرامكو السعودية وسوناطراك الجزائرية بزيادة انبعاثات الميثان.. من يموّل التلاعب بالحقائق؟
هبة مصطفى
في توقيت قد يحمل العديد من علامات الاستفهام، صدر تحليل يتهم شركتي أرامكو السعودية وسوناطراك الجزائرية، إلى جانب 28 شركة أخرى، بالتسبب في زيادة انبعاثات الميثان من قطاع الطاقة عالميًا، بحسب وكالة بلومبرغ.
المثير للجدل أن هذه الدراسة ظهرت للنور قبيل ساعات من انطلاق قمة المناخ كوب 27 في مصر؛ ما يوحي بأن هناك رسائل محددة تحملها النتيجة التي خرجت بها للعالم، في سياق ضغط دولي على الدول المنتجة للنفط والغاز، بالتحول إلى الطاقة النظيفة.
وبحسب ما توصلت إليه منصة الطاقة المتخصصة؛ فإن هذه الدراسة هي الثانية في أقل من 5 أشهر، والتي موّلتها أيضًا في السابق بلومبرغ وتحدثت بشكل محدد عن حقل غاز حاسي مسعود في الجزائر، متجاهلة حينها كبار الدول المصدرة للانبعاثات.
والغريب في ذلك أيضًا أن التحليل ذاته أقر بأن هناك مسببات عدة وراء إطلاق انبعاثات غاز الميثان؛ أبرزها القطاع الزراعي؛ ما يثير التساؤلات حول أسباب التركيز على شركات الوقود الأحفوري في توقيت تعاني الأسواق العالمية خلاله أزمة طاقة.
وفي موقف يعكس تناقض توجهات الدول الكبرى -خاصة الصناعية منها- طالبت أميركا مرارًا وتكرارًا بزيادة إنتاج النفط والوقود الأحفوري (لصيق الصلة بإطلاق غازات الميثان)، ووجهت نداءً خاصًا إلى السعودية بالسعي لذلك، منتقدة موقف تحالف أوبك+ بخفض الإنتاج.
غض الطرف عن الشركات الأميركية
من بين 30 شركة عالمية في قطاع الوقود الأحفوري والطاقة تُسهم بما يقرب من نصف انبعاثات غاز الميثان على الصعيد العالمي؛ احتلت إيران وروسيا والصين المراكز الـ3 الأولى.
وتصدرت القائمة، شركة النفط الوطنية الإيرانية، تلتها عملاق الغاز الروسي شركة غازبروم، بينما حلّت في المرتبة الثالثة شركة تشاينا إنرجي إنفستمنتس الصينية.
ولم تعترف شركة غازبروم الروسية بما توصل إليه تحليل غلوبال إنرجي من نتائج؛ إذ أكدت أنها تمتلك معدلًا ضئيلًا من انبعاثات غاز الميثان في سلسلة الإنتاج، بجانب عملها المتواصل على خفض التأثير البيئي لأنشطتها.
ورغم توسعات الحفر والاستكشاف التي خاضتها شركة إكسون موبيل الأميركية وخطط زيادة الإنتاج؛ فإنها حلّت في المرتبة رقم 13 بقائمة الشركات الـ30 المعززة لمستويات انبعاثات الميثان بقطاع الطاقة.
واللافت للنظر أن الشركات الـ12 التي سبقت الشركة الأميركية تضمّنت شركة أرامكو السعودية (رقم 7 بالقائمة) وشركة سوناطراك الجزائرية (رقم 8) وشركة النفط الوطنية العراقية (رقم 10).
وبالنظر إلى الشكوك حول الهدف من إطلاق قائمة وكالة بلومبرغ ومنظمة غلوبال إنرجي مونيتور البحثية، الأميركيتين في الآونة الحالية، نجد أن شركتي رأس القائمة تنتميان إلى دولتين خاضعتين لعقوبات تزعّمتها الولايات المتحدة.
واقعة مشابهة
في مطلع شهر يونيو/حزيران وبينما كانت القارة الأوروبية غارقة بحثًا عن مصادر بديلة للغاز الروسي لملء مرافق التخزين استعدادًا لفصل الشتاء، خرجت وكالة بلومبرغ الأميركية -أيضًا- بدراسة تتهم أكبر حقول الغاز الجزائرية والعالمية "حقل حاسي الرمل" بإطلاق كميات من انبعاثات غاز الميثان.
والغريب أيضًا أن الدراسة ظهرت حينها، بينما تجري اتفاقيات زيادة شحنات الغاز الجزائري إلى أوروبا على قدم وساق باعتباره ثالث أكثر المُصدرين إلى القارة العجوز، لتتهم أكبر الحقول العالمية بإطلاق انبعاثات غاز الميثان لما يزيد على 40 عامًا.
ولم تتطرق الدراسة السابقة أو قائمة الشركات المُصدرة مؤخرًا، إلى بيانات انبعاثات الميثان للدول الصناعية الكبرى وشركاتها التي أخذت على عاتقها زيادة وتيرة الحفر والتنقيب لاستكشاف النفط والغاز.
واستعانت منصة الطاقة المتخصصة بصور الأقمار الصناعية في تحقيق موسع لكشف المزيد من التفاصيل حول حقل الغاز الجزائري.
ولم تكَد وتيرة تلك الدراسة تهدأ إلا ولحقتها دراسة جديدة صادرة عن شركة التحليلات الجغرافية "كايروس"، غير أن دراسة كايروس نفت بيانات وكالة بلومبرغ ومنظمة "غرينبيس" التي زعمت تسبب حقل الغاز الجزائري في إطلاق كميات كبيرة ومتواصلة من انبعاثات غاز الميثان.
ويكشف الرسم البياني أدناه عن حجم انبعاثات غاز الميثان لعدد من الدول المنتجة للوقود الأحفوري، وفق تقديرات العام الماضي (2021)، ويُظهر الرسم تصدر أميركا المرتبة الثانية، بينما كانت السعودية في المرتبة السادسة والجزائر في المرتبة السابعة، وفق بيانات الوكالة الدولية للطاقة وما رصدته منصة الطاقة المتخصصة:
انبعاثات القطاع ومقترح للحل
مع تصاعد وتيرة نبرة الأهداف البيئية والمناخية في الآونة الحالية، تدعو حكومات ومؤسسات -من ضمنها وكالة الطاقة الدولية- منتجي الوقود الأحفوري للتوقف عن إطلاق انبعاثات الميثان، بعدما عكفوا، طوال عقود طويلة، على التسبب فيها، ولا سيما في ظل الافتقار للبنية التحتية اللازمة للتخلص منه، بحسب ما ورد في التحليل.
ويُعَد غاز الميثان أحد المكونات الرئيسة للغاز الطبيعي، غير أن معدل إطلاقه يزداد لدى عمليات إنتاج النفط والفحم، وباعتبار أن الشركات الـ30 مسؤولة عن نصف حجم انبعاثات الميثان بقطاع الطاقة؛ فإن تعاملها مع تلك الانبعاثات يجنّب الغلاف الجوي تلك الحصة الضخمة.
وتوصل معدو التحليل إلى إمكان تجنب تلك الشركات لغاز الميثان دون تحملها تكلفة إضافية، بالاستفادة من انبعاثاته في إنتاج المزيد من الغاز الطبيعي وتحقيق مكاسب ببيعه.
ودلل أحد معدي التحليل، ماسون إنمان، على إمكان تحقيق ذلك بما رصده من تباين في حجم انبعاثات الميثان بين وحدات النفط والغاز المستخرجة في كل بلد على حدة.
ويوضح الرسم البياني التالي أن أميركا احتلت المرتبة الثانية ضمن قائمة أكثر 10 دول مُصدرة لانبعاثات الميثان عبر مناجم الفحم طوال 20 عامًا، بينما لم يكن للسعودية أو الجزائر أي ترتيب في هذه القائمة، وفق البيانات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة:
تعهّدات عالمية
أسهمت صناعة النفط والغاز والفحم بنحو 126 مليون طن متري من انبعاثات الميثان، خلال العام الماضي (2021)، ووفق تحليل غلوبال إنرجي مونيتور؛ فإن 19 شركة للنفط والغاز و11 منجم فحم تسببت في 54 مليون طن من الانبعاثات المقدرة للعام ذاته.
ورغم أن هناك مسببات عدة وراء انبعاثات الميثان -يتصدرها القطاع الزراعي- فإن قطاع الطاقة يُعَد مسؤولًا عن 35% منها فقط، وفق التحليل؛ ما يثير الجدل حول التركيز المتواصل على شركات الوقود الأحفوري، بينما تتعطش الأسواق إلى تدفقات الطاقة.
وتوالت التعهدات الدولية المُنظمة لخفض انبعاثاته إلى أن ضمت 120 دولة بقيادة أميركا والاتحاد الأوروبي، وتستهدف تلك التعهدات خفض حجم الانبعاثات بنسبة 30% بحلول نهاية العقد الجاري (2030)، بما يتواءم مع مسار منع مستويات الاحترار العالمي إلى ما يفوق 1.5 درجة مئوية.
ويُعَد مقترح خفض شركات الوقود الأحفوري الـ30 الواردة في تحليل غلوبال إنرجي مونيتور لمستوياتها من انبعاثات الميثان إلى "صفر" إحدى الأدوات لتحقيق الهدف المرحلي للتعهدات.
اقرأ أيضًا..
- مبادلة الغاز الروسي لن تحوّل إيران إلى مركز للطاقة (مقال)
- قمة كوب 27: بعض الدول تعطل السياسات المناخية.. ورقم صادم بشأن الخطط الوطنية
- إيرادات النفط والغاز في الجزائر تنتظر قفزة تاريخية بـ50 مليار دولار
- من هي وضحة الخطيب رئيس شركة البترول الوطنية الكويتية؟
- رغم ارتفاع أسعار الغاز.. بورياليس تستهدف إنتاج 600 ألف طن بتروكيماويات
- كيف يفلت قطاع الطاقة في صربيا من تداعيات الحظر الأوروبي والعقوبات الروسية؟