حرب الغاز بين روسيا وأوروبا.. من يربح في أسوأ شتاء متوقع؟
هبة مصطفى
تترقّب الأسواق العالمية بشغف نتائج حرب الغاز الدائرة بين الفريقين الروسي والأوروبي وأيهما سينتصر في أزمة الطاقة الوشيكة خلال فصل الشتاء المرتقب.
وهدأت حدة التوتر في القارة العجوز نسبيًا بعدما بلغت مستويات التخزين الحد الملائم لتلبية الطلب في فصل شتاء خالٍ من الأزمات المفاجئة، بينما تراهن موسكو على عدم صمود الطلب الأوروبي على الكهرباء والتدفئة أمام موجات البرد الشديدة، ولا سيما مع غياب الغاز الروسي عن تلك الدول للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.
ومن زاوية تنظر إلى مرحلة أبعد من تداعيات الطلب على الطاقة الأشهر المقبلة وتحديد الرابح في تلك المعركة، اتفق خبراء ومسؤولون على أن المعيار الأكثر دقة في تحديد الفائز بالحرب هو شتاء العالم المقبل (2023) وليس الشتاء المرتقب، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
الغرب يتفوّق على روسيا
أكد المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، نجاح الغرب في معركة الطاقة التي تخوضها روسيا ضده، مشيرًا إلى أن موسكو بإجراءاتها ضد السوق الأوروبية فقدت أكبر عملائها بعدما كانت دول القارة العجوز منفذًا لنحو 65% من صادرات الغاز الروسي و55% من صادرات النفط.
وأضاف أن موسكو لن تتمكن من تعويض السوق الأوروبية وإيجاد منافذ بديلة ولا سيما أن البنية التحتية الروسية لنقل تدفقات الغاز غالبيتها في صورة خطوط أنابيب باتجاه أوروبا.
وأوضح أن روسيا تحتاج إلى ما يقرب من 10 سنوات لبناء خطوط وشبكات جديدة تنقل تدفقاتها إلى أسواق آسيوية مثل الهند والصين.
وقال إن أوروبا ارتكبت خطأً فادحًا باعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية منذ عقود؛ ما جعلها طرفًا في حرب الغاز المتصاعدة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا قبل 8 أشهر، حسبما أوضح في مقابلة له مع يورونيوز (euronews).
مستويات التخزين
رحّب المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، بمقترح المفوضية الأوروبية بوضع حد أقصى لسعر الغاز الروسي، لكنه في الوقت ذاته ربط نجاح المقترح بمدى مرونة السعر وقدرته على جذب منتجي الغاز المسال.
ومن جانب آخر، يرى بيرول أنه إذا تمكنت دول الاتحاد الأوروبي من تطبيق مقترح "الشراء المشترك"؛ فإنها يمكنها ضمان مساحة أكبر من الفوز في حرب الغاز بما يسمح لها بالمزايدة على مشتري الغاز المسال في العالم بأسره.
ونجحت دول القارة العجوز في الوصول بمستويات التخزين بالمنشآت والمرافق إلى ما يزيد على 93%، خلال الأشهر القليلة الماضية، لكن تلك المستويات تطلبت تحمل تلك الدول المزيد من الأعباء المالية لارتفاع أسعار الغاز المسال بالسوق الفورية التي كانت من أبرز مصادر إعادة التخزين في ظل اضطراب التدفقات الروسية.
ورغم أن إصدار مستويات التخزين دليل على فوز أوروبا في حرب الغاز وعدم نجاح "التسليح" الروسي للإمدادات؛ فإن توافر التدفقات على المدى القريب لا يشير إلى أن القارة العجوز عبرت أزمة الطاقة بأمان.
ويرصد الرسم البياني التالي مستويات الطلب العالمي على الغاز الطبيعي حتى نهاية العام الماضي (2021)، وفق بيانات شركة النفط البريطانية "بي بي" وما رصدته منصة الطاقة المتخصصة:
شتاء 2023.. الأسوأ لم يأتِ بعد
رغم أن مستويات التخزين الأوروبي تضمن لبلدان القارة العجوز الفوز في حرب الغاز، خلال فصل الشتاء؛ فإن فاتح بيرول اعتبر تلك الدول "مركز العاصفة" التي قد تتعرض لها الأسواق في وقت وشيك.
وبالنظر إلى مؤشرات قدرة أوروبا على تخطي حرب الغاز بنجاح "دون أضرار جسيمة" حال إذا كان فصل الشتاء المقبل لا يحمل مفاجآت ومفاجآت شديدة البرودة، نبّه بيرول إلى أن شتاء العام المقبل (2023) سيكون أسوأ حالًا من الشتاء المرتقب.
وأرجع بيرول ذلك إلى 3 عوامل رئيسة تتمثل في: غياب الغاز الروسي عن أوروبا بصورة كاملة بحلول تلك المدة، وكذا وصول الصين إلى مرحلة التعافي الاقتصادي، وما يلحق بأسواق الغاز المسال العالمية ومستوى الطلب.
وأضاف أنه في تقلبات أسعار الطاقة وارتفاعها لمستويات قياسية السنوات المقبلة يمكن التوقع بأن الشتاء المقبل "صعب" لكن شتاء العام المقبل (2023-2024) سيكون أكثر صعوبة.
"معركة شاقة".. هكذا يُنظر إلى شتاء العام المقبل ولا سيما في ظل غياب كامل لتدفقات الغاز الروسي بخلاف اضطرابها خلال الأشهر الـ6 الأولى من العام الجاري (2022) قبل الإغلاق الكامل لخط نورد ستريم، حسبما ورد في صحيفة فاينانشيال تايمز (Financial Times).
الطقس ومستويات الأسعار
تُعَد مستويات الأسعار جزءًا رئيسًا ضمن أركان حرب الغاز الدائرة بين روسيا وأوروبا؛ فمنذ حرب أوكرانيا ارتفعت أسعار الغاز مسجلة مستويات قياسية، وبلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق في أحيان أخرى، غير أنه حاليًا انخفضت الأسعار بمعدل 65% عن مستويات الذروة في شهر أغسطس/آب الماضي.
وفي ظل انخفاض الأسعار واستعداد مرافق التخزين لتزويد المنازل والشركات والصناعات بالإمدادات اللازمة خلال فصل الشتاء المقبل، سادت حالة من الطمأنينة بين الأوروبيين خاصة مع إظهار الطقس دفئًا غير متوقع لتلك المدة من العام؛ ما أسهم في تأخير السحب من مخزونات الغاز وآمال أكبر لشتاء خالٍ من الأزمات.
ويوضح الرسم البياني أدناه حجم صادرات الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية والآسيوية، خلال العام الماضي (2021)، وفق بيانات أصدرتها إدارة معلومات الطاقة الأميركية وما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة:
وقال كبير الاقتصاديين في "سي آر يو غروب"، أليكس توكيت، إن الطقس لا يزال المتغير الأكبر في حرب الغاز، ولا سيما أنه لا توجد حتى الآن أي تنبؤات مزودة بمعلومات دقيقة حول مدى برودة الشتاء الوشيك.
وبالنظر إلى علاقة الطقس الوثيقة بأسواق الغاز والطلب على الكهرباء والتدفئة تثير الشكوك في اليقين بعدم مواجهة أوروبا أزمة طاقة خانقة خلال أشهر قليلة.
وتفسيرًا لذلك قد تحافظ ألمانيا -أكبر الاقتصادات الأوروبية- على نصف مستويات الغاز المخزنة لديها حاليًا إذا ما واجهت شتاءً معتدل البرودة، غير أنها قد تواجه سيناريو أكثر سوءًا بنضوب مخزوناتها بحلول مارس/آذار المقبل حال مواجهة القارة العجوز شتاءً شديد البرودة.
من الفائز؟
أكد كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة في واشنطن، الدكتور أومود شوكري، أن روسيا تفوّقت على أوروبا في حرب الغاز على المدى القصير، غير أن هناك بارقة أمل أمام القارة العجوز لتفوز على المدى المتوسط عبر إجرائها مراجعة لسياسات الطاقة وزيادة الاستثمارات.
وأوضح -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أن أوروبا أمامها مهمة شاقة بوقف اعتمادها على الغاز الروسي، مشيرًا إلى أن نجاحها في تلك الخطوة يعمل على تقليص نفوذ موسكو بين دول القارة.
وقال شوكري إن روسيا اعتادت استخدام صادرات الطاقة باعتبارها أداة لحصد مكاسب جيوسياسية، مشيرًا إلى أن أوروبا بذلت جهدًا في تنويع مصادر الطاقة لديها باعتبارها بديلة لإمدادات الطاقة من موسكو.
ورغم تلك الجهود؛ فقد توقع شوكري مواجهة القارة العجوز شتاءً قاسيًا حال استهلاك احتياطيات الغاز التي نجحت في تخزينها رغم اضطراب تدفقات خط نورد ستريم 1.
ولم تقتصر الصعوبات التي ستواجهها أوروبا على الشتاء المقبل فقط، بل امتدت التوقعات إلى اتساع أزمة الطاقة بالقارة العجوز بحلول فصل الربيع؛ إذ تبدأ المرحلة الثانية من حرب الغاز والاستعدادات لملء مرافق التخزين مرة أخرى مع اقتراب فصل الصيف، حسبما أكد في تصريحاته إلى منصة الطاقة.
أسعار الغاز وحجم الطلب
تطرّق كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة في واشنطن، الدكتور أومود شوكري، إلى أن أسعار الغاز الأوروبية أخذت في الانخفاض عقب وقف تدفقات نورد ستريم 1 قبل شهرين، بخلاف التوقعات حول ارتفاع الأسعار.
وقال إنه رغم انخفاض الأسعار واليقين من عدم تفاقم أزمة الطاقة خلال الشتاء الوشيك للعام الجاري (2022)؛ فإن هناك جرس إنذار يتعين إطلاقه حول شتاء العام المقبل (2023) الذي يتطلب القلق حياله، ولا سيما أن هناك صعوبة في ملء مرافق التخزين صيفًا في ظل غياب الغاز الروسي.
وأكد شوكري، في تصريحاته إلى منصة الطاقة، أن أزمات أوروبا الاقتصادية لا تقتصر على حرب الغاز خلال فصل الشتاء المقبل فقط، وإنما تمتد إلى شبح الركود الذي سيكون الاختبار الحقيقي لتضامن دول الاتحاد الأوروبي فيما بينها.
وقد ينعكس فشل التضامن بين دول الاتحاد على العقوبات الأوروبية ضد روسيا وسياسات الضغط عليها، وفق ما أكده شوكري في تصريحاته إلى منصة الطاقة.
هل انتهت أزمة الطاقة؟
حتى وإن تمكّنت أوروبا من الفوز في حرب الغاز واجتازت الشتاء الوشيك بسلام وتمكنت مستويات التخزين من تلبية الطلب على الكهرباء والتدفئة؛ فإن أزمة الطاقة ما زالت تشكّل شبحًا يلاحق دول القارة مع تسجيل أسعار الغاز الحالية مستوى 115 يورو/ميغاواط ساعة بما يعادل 180 دولارًا لبرميل النفط إذا سُعِّرَ بالربط بالخام.
وتُشير التوقعات إلى أن العقود الموقعة في شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني سوف تسجل أسعارًا للغاز في نطاق يعادل 230 دولارًا للبرميل.
ومع اشتداد سباق التخزين لفصل الشتاء بالعام المقبل (2023) منذ بداية الربيع وبلوغه ذروته خلال الصيف تذهب التوقعات إلى ارتفاع الأسعار لمستويات أكبر؛ ما يزيد حالة عدم اليقين من فوز أوروبا في حرب الغاز على المدى الطويل.
ويتعين على دول أوروبا طرق كل المنافذ المتاحة لضمان توافر واستمرارية الإمدادات وتحقيق فوز على المدى الطويل في حرب الغاز ولا سيما أنها اتخذت، خلال الأشهر الماضي، بالفعل سبلًا عدة في هذا الإطار؛ منها زيادة واردات الغاز المسال ومضاعفة وارداتها من الغاز النرويجي ومطالبة أوسلو بزيادة إنتاجها.
وتكشف الخطط المستقبلية عن الاتجاه لتعزيز القدرات الأوروبية على استقبال المزيد من تدفقات الغاز المسال عبر مواصلة تأهيل المحطات العائمة في ألمانيا وهولندا لذلك.
وعزز ذلك من توقعات بلوغ عقود الغاز المسال الآجلة في الربع الأول من عام 2024 (ذروة شتاء العام المقبل) ما يعادل 200 دولار أميركي للبرميل.
اقرأ أيضًا..
- تركيا على بُعد خطوات من اقتناص موارد النفط والغاز في القطب الشمالي (تقرير)
- أشهر حقول النفط والغاز تقع في 3 دول عربية.. وثروات ضخمة بالخليج العربي
- مزارع الطاقة الشمسية في بريطانيا.. هل تتحطم التوسعات على صخرة ريشي سوناك؟
- لماذا يرتفع شراء النفط في الصين؟.. الطلب وخطط التصدير كلمة السر