شركات الطاقة الكبرى تهجر حقول النفط الفنزويلية رغم الخسائر المليارية
أمل نبيل
تسبّبت العقوبات الأميركية على فنزويلا، في تخلي شركات الطاقة الكبرى عن مشروعاتها النفطية في واحدة من أكثر دول العالم ثراءً في النفط.
وفُرِضت العقوبات الأميركية على فنزويلا عام 2019، بسبب استيلاء الحزب الاشتراكي الموحّد على الحكومة، ومنع السياسيين المعارضين -في كثير من الحالات- من تولي مناصبهم.
وتسمح فنزويلا لشركات الطاقة الكبرى -التي لديها أسهم في مشروعات مشتركة مع شركة النفط الحكومية "بدفسا"- بالتخارج من هذه المشروعات عبر بيع أسهمها إلى الآخرين أو إعادتها، حال تنازلها عن الديون والأرباح المستحقة، وفقًا لرويترز، والتقارير التي رصدتها منصّة الطاقة المتخصصة.
وأدت العقوبات الإضافية لإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في عام 2020 إلى توقف كامل لتراخيص التصدير التي تغطي معظم شركات الطاقة الأجنبية التي تشترك في الإنتاج مع شركة النفط الفنزويلية.
شركات الطاقة الكبرى في فنزويلا
إن الإضطرار إلى تحمُّل خسائر مليارية أو التخلي عن الديون غير المسددة، لم يمنع شركات مثل توتال إنرجي الفرنسية، وإكوينور النرويجية وإنبكس اليابانية من مغادرة حقول النفط الفنزويلية.
ويعكس رحيل شركات الطاقة الكبرى من فنزويلا، كيف أدت العقوبات الأميركية على قطاع النفط إلى تحويل العمل في الدولة التي بها أكبر احتياطيات من الخام إلى أمر لا يُحتمل، ما أدى إلى تعطُّل الإنتاج في الكثير من الحقول.
وتمتلك فنزويلا ما يُقدَّر بنحو 303.65 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة، بعد أن بلغت ذروتها عند 303.8 مليار برميل عام 2020.
ونقلت 8 شركات أجنبية أو تخلت عن حصصها في 44 مشروعًا مشتركًا مع شركة بدفسا، منذ عام 2018، بالإضافة إلى تخارج 7 شركات أخرى أصغر من البلاد نهائيًا، وتوقف 15 مشروعًا عن العمل.
وتأمل الشركات -التي ما تزال تمتلك حصصًا في مشروعات مشتركة مع شركة النفط الفنزويلية- في استرداد الأرباح المعلّقة أو الديون التجارية.
وأدت أكثر من 3 سنوات من العقوبات الأميركية القاسية على شركة بدفسا، إلى تقييد الوصول إلى رأس المال والتدفقات النقدية، وتقليص عدد الأسواق التي تستقبل النفط الفنزويلي، ما أثر سلبًا في مصالح الشركاء الأجانب.
ومنذ أن خرجت توتال إنرجي وإكوينور من إحدى شركات النفط الرائدة في فنزويلا "بتروسيدينو" في عام 2021، حذت الشركات الأصغر حذوهما.
وأعلنت شركة الطاقة الفرنسية توتال إنرجي خسارة 1.38 مليار دولار، جرّاء نقل حصتها في الشركة البالغة 30% إلى بدفسا.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة باتريك بويانيه -في تصريحات له في ذلك الوقت- إن شركته تلقت "مبلغًا رمزيًا" مقابل تلك الأصول.
وحررت عملية بيع الأصول توتال إنرجي من التزاماتها السابقة والمستقبلية في المشروعات الفنزويلية، وأُلغيت توزيعات الأرباح والديون المستحقة على الشركة الفنزويلية لباقي الشركاء.
بيئة عمل محفوفة بالمخاطر
باعت إنبكس اليابانية، خلال العام الماضي (2021)، حصصًا في اثنين من الأصول الفنزويلية لشركة الأسهم الخاصة "سوكري إنرجي غروب"، وأعادت حصة في مشروع ثالث إلى بدفسا، وحُولت الأرباح المستحقة للشركة بمثابة جزء من الصفقة، ولكن بقيمة منخفضة للغاية.
وتتركّز أنشطة سوكري (وهي من شركات القطاع الخاص) في تطوير الحقول الناشئة في أميركا اللاتينية.
واشترت سوكري من إنبكس حصصًا بنسبة 70% و30% من مشروعي "غواريكو" للغاز الطبيعي و"بيتروغواريكو" للنفط على التوالي، وكلاهما مملوك بحصة أغلبية لشركة النفط الوطنية بدفسا.
وتسلّط عمليات مغادرة شركات الطاقة الكبرى لحقول النفط الفنزويلية الضوء على مخاطر الشراكة مع بدفسا التي تمر بضائقة مالية، والسبل القانونية القليلة المتاحة للشركات التي لها مستحقات نقدية.
واكتشفت عدد من الشركات -التي تفقد بعضًا من موظفيها في فنزويلا أو تواجه مطالب عمالية، بما في ذلك شركت- (سويلوبترول)، و(غي بي بي غلوبال ريسورسيسز) المحليتان- أن بدفسا عينت مديرين جددًا للمشروعات المشتركة أو تولت عملياتها.
ومُنعت "غي بي بي غلوبال ريسورسيسز" -التي تمتلك حصة أقلية في مشروع "بتروزامورا" المشترك، في سبتمبر/أيلول (2022)- من إمكان الوصول إلى حقولها دون إبداء تفسير رسمي من شركة النفط الفنرويلية المملوكة للدولة.
ومع مغادرة الشركات والعمال بصورة جماعية تقريبًا، أصبحت حقول النفط بالقرب من بحيرة "ماراكايبو"، التي تُعَد من أقدم مناطق الإنتاج في فنزويلا، شبه مهجورة، إذ يواصل إنتاج الخام في الانخفاض، وأصبح التوقف عن الإنتاج أمرًا روتينيًا، واقتراب بعض العمال من شبح المجاعة.
وقال رئيس اتحاد العمال في حقل "تيا جوانا"، دانييل ديلغادو، إن القوة العاملة في شركة بدفسا انخفضت من أكثر 110 آلاف عامل قبل عقدٍ من الزمن، إلى 60 ألف عامل في الوقت الحالي.
وأضاف ديلغادو: "نجازف بحياتنا من أجل إخراج برميل نفط من خلال العمل في ظروف غير آمنة، دون معدات مناسبة أو مساعدة طبية؛ إنه ثمن باهظ".
النفط مقابل الديون
بين عامي 2019 و2021، سلمت شركة بدفسا الحكومية، شحنات النفط إلى شركائها لتقليل الديون المستحقة.
وأدت العقوبات الأميركية إلى عدم حصول شركات كبرى -من بينها شيفرون وإيني وريبسول- على مستحقاتها المالية التي تتجاوز مليارات الدولارات من الأرباح التي سُوِّيَت فيما بعد مقابل شحنات نفط فنزويلية.
وتلقت شركتا إيني الإيطالية وريبسول الإسبانية، هذا الصيف 3.6 مليون برميل، في استئناف مؤقت لبرنامج النفط مقابل الديون، لكن ظلت المياه الراكدة منذ ذلك الحين.
وتحاول عملاقة النفط شيفرون الضغط على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، للحصول على تجديد من وزارة الخزانة الأميركية ودراسة تراخيصها في فنزويلا لتعويض استثماراتها العالقة.
وتضرّرت صناعة النفط الفنزويلية من مغادرة شركات الطاقة الكبرى بشدة، إذ فشلت الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية في تلبية مستهدفاتها الإنتاجية خلال العام الماضي (2021)، وتوقف الإنتاج هذا العام عند 725 ألف برميل يوميًا، وهو أقل بكثير من المستوى المستهدف في نهاية العام البالغ مليوني برميل يوميًا.
وقال رئيس غرفة النفط الفنزويلية -التي انخفض أعضاؤها من 500 إلى 300- إن زيادة الإنتاج تتطلب من شركة بدفسا الوفاء بديونها السابقة.
وأضاف إنريكي نوفا: "يجب أيضًا تخفيف العقوبات الأميركية، جزئيًا على الأقل".
وأسهمت العقوبات الأميركية على فنزويلا في تراجع صادراتها من النفط الخام إلى نحو 650 ألف برميل/يوميًا، خلال العام الماضي (2021)، مقابل 1.5 مليون برميل/يوميًا في 2018.
ويُشار إلى أن الصين أصبحت أكبر عميل للنفط الفنزويلي، إذ تستورد ما يصل إلى 70% من الشحنات الشهرية إلى مصافيها.
ويرصد الرسم البياني التالي -من وحدة أبحاث الطاقة- إنتاج النفط في فنزويلا منذ عام 1965 وحتى 2022:
موضوعات متعلقة..
- حريق يضرب أكبر مجمع لتكرير النفط في فنزويلا
- إنتاج النفط في غايانا يستعد للتفوق على فنزويلا والجزائر وأغلب دول أفريقيا (تقرير)
- أوبك: صناعة النفط والغاز "تحت الحصار".. ونحتاج نفط إيران وفنزويلا
اقرأ أيضًا..
- إنتاج النفط والغاز في الجزائر ينتعش بـ 5 عقود جديدة
- أرباح توتال إنرجي تصعد إلى 9.9 مليار دولار في 3 أشهر
- 6 معلومات عن صفقة السعودية.. أول شحنة تجارية من الأمونيا الزرقاء المعتمدة في العالم