احتجاز الكربون بين مؤيد ومعارض.. هل يُسهم في معالجة أزمة المناخ؟
أرامكو السعودية تعمل على تطوير واحدة من أكبر منشآت احتجاز الكربون
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي
- دور احتجاز الكربون وتخزينه في مواجهة أزمة المناخ محل شك.
- انتقادات لالتقاط الكربون كونه يدعم استمرار الوقود الأحفوري.
- دعم احتجاز الكربون يأتي من دوره في خفض انبعاثات الصناعات الثقيلة.
- قدرة التقاط الكربون تبلغ 40 مليون طن سنويًا بقيادة الولايات المتحدة.
- هناك 300 مشروع لاحتجاز الكربون في مراحل التطوير المختلفة حول العالم.
- التقاط الكربون يمكن أن يخفض الانبعاثات العالمية بنحو 18% بحلول 2050.
لا شك في أن مستقبل تقنية احتجاز الكربون وتخزينه بات واعدًا أكثر من أي وقت مضى، لكن فاعليتها في أن تكون عنصرًا رئيسًا يُعتمد عليه في تحقيق الحياد الكربوني ما زالت بين مؤيد ومعارض.
البعض يرى أن دعم التقاط الكربون وتخزينه يوفر بيئة خصبة لإطلاق المزيد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ويؤجل مواجهة أزمة المناخ إلى الأجيال القادمة، في حين يؤكد البعض الآخر أنها -وإن كانت ليست الحل الأمثل لتحقيق الحياد الكربوني- تُسهم في خفض الانبعاثات من قطاعات حيوية يعتمد عليها الاقتصاد العالمي ويصعب إزالة الكربون منها بأيّ طريقة أخرى حتى الآن.
إذن؛ هل من الأفضل أن يحشد العالم استثماراته من أجل التقنيات النظيفة مثل الهيدروجين والطاقة المتجددة وغيرها أم بغرض دعم احتجاز الكربون، الذي يُنظر إليه على أنه الطريقة العملية الوحيدة المتاحة حاليًا لتحقيق إزالة الكربون في القطاع الصناعي؟
وفي محاولة للإجابة عن هذا التساؤل، تستعرض وحدة أبحاث الطاقة، في السطور التالية، ما وصلت إليه تقنية التقاط الكربون وتخزينه عالميًا مع توضيح المزايا والعيوب للاعتماد عليها.
زخم احتجاز الكربون وتخزينه عالميًا
نظرًا لكونه المسار الواقعي أو المتاح تجاريًا لإزالة الكربون، تتبنى الصناعات الثقيلة التقاط الكربون مؤخرًا مع إعلان أكثر من 100 منشأة جديدة في عام 2021 فقط.
وارتفع عدد المشروعات المخططة لاحتجاز الكربون وتخزينه إلى 196 مشروعًا خلال الـ12 شهرًا المنتهية في سبتمبر/أيلول 2022، بزيادة 61 مشروعًا جديدًا على أساس سنوي، وهو ما رفع السعة المخططة إلى 244 مليون طن سنويًا، وفق التقرير السنوي للمعهد العالمي لالتقاط الكربون.
وحتى سبتمبر/أيلول 2022، يوجد ما يقرب من 300 مشروع في مراحل مختلفة من التطوير عبر سلسلة القيمة؛ منها 35 منشأة تعمل بكامل طاقتها في العمليات الصناعية وتحويل الوقود وتوليد الكهرباء، وفق ما نقلته وحدة أبحاث الطاقة عن وكالة الطاقة.
وأعلن المطورون أهدافهم لتشغيل أكثر من 200 منشأة جديدة لاحتجاز الكربون وتخزينه بحلول عام 2030، من أجل تعزيز قدرة الالتقاط من 42 مليون طن سنويًا من الكربون إلى أكثر من 220 مليونًا.
ويوضح الرسم البياني التالي، الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة، تطور مشروعات احتجاز الكربون وتخزينه حول العالم بين عامي 2010 و2022..
وتقود أميركا الشمالية هذا الزخم بقيادة الولايات المتحدة، التي تشهد خططًا لتشغيل 80 مشروعًا بحلول 2030، وكندا التي لديها 15 مشروعًا قيد التطوير، مع واقع أن هاتين الدولتين تستحوذان معًا على 65% من قدرة احتجاز الكربون العاملة حاليًا.
كما تقدم أوروبا المزيد من الدعم لتطوير ما يقرب من 50 مشروعًا جديدًا بنهاية العقد، بينما لا تزال آسيا تبحث عن الزخم في التقاط الكربون؛ حيث شهدت منطقة جنوب شرق إعلان أكثر من 10 مشروعات جديدة منذ يناير/كانون الثاني 2020.
وفي الصين، انتهى بناء مشروع لشركة سينوبك في يناير/كانون الثاني 2022، إلى اكتمال أول مشروع بحري لاحتجاز الكربون وتخزينه في يونيو/حزيران 2022، بعد 9 أشهر فقط من الإعلان عنه.
أما في الشرق الأوسط؛ فهناك 4 مشروعات على الأقل قيد التطوير في المنطقة، بالإضافة إلى العدد نفسه من المشروعات قيد التشغيل بالفعل؛ إذ تعمل أرامكو السعودية على تطوير واحدة من أكبر منشآت احتجاز الكربون من نوعها لدعم إنتاج الهيدروجين.
وفي وقت سابق من 2022، أعلنت البحرين خططًا لمشروع جديد لهذه التقنية في مصنع للألومنيوم، هو الأول من نوعه.
ويرصد الإنفوغرافيك التالي أبرز 3 منشآت لالتقاط الكربون وتخزينه في المنطقة العربية حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2021..
الدعم الحكومي
يأتي زخم مشروعات احتجاز الكربون وتخزينه، خاصة في 2021 و2022، مع تزايد الدعم الحكومي لهذه التقنية؛ إيمانًا بدورها في إزالة الكربون من القطاعات التي يصعب خفض انبعاثاتها.
وكانت السياسات الحكومية فعّالة للغاية في جعل الولايات المتحدة رائدة في التقاط الكربون عالميًا، كان آخرها قانون خفض التضخم لعام 2022، الذي يزيد من ائتمانات ضريبة احتجاز الكربون بنسبة 70%.
وتقدم الولايات المتحدة إعفاءات ضريبية تصل إلى 50 دولارًا للطن المحتجز من الكربون، ونحو 35 دولارًا للطن من الكربون الذي يُستخدم بعد التقاطه.
وفضلًا عن ذلك، يخصص قانون الطاقة لعام 2020، أكثر من 6 مليارات دولار للبحث والتطوير والنشر في مجال احتجاز الكربون وتخزينه بين عامي 2021 و2025، إلى جانب تقديم دعم بقيمة 11 مليار دولار بموجب قانون البنية التحتية -الذي أُقر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021-.
بينما تعمل كندا على تقديم منح لتعزيز جدوى تقنيات احتجاز الكربون، باعتبارها جزءًا من استثمار قيمته 319 مليون دولار، كما أطلقت حكومات مثل أستراليا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حوافز مماثلة، سواءً عن طريق الاستثمارات أو تفعيل برامج مثل تسعير الكربون وأنظمة تداول الانبعاثات.
وعلى سبيل المثال، تقدم حكومة المملكة المتحدة استثمارات بقيمة مليار جنيه إسترليني (1.11 مليار دولار)، لدعم ما لا يقل عن 4 مجموعات صناعية تعمل في التقاط الكربون.
في المقابل، ما زالت هذه التقنية تحتاج إلى المزيد من الدعم في آسيا والمحيط الهادئ، رغم أن المشروعات بدأت في الظهور خلال العامين الماضيين.
- احتجاز الكربون وتخزينه.. كيف تُحفّز الحكومات استثمارات الشركات؟
- 3 عوامل تدعم احتجاز الكربون وتخزينه حول العالم (تقرير)
مزايا التقاط الكربون في تحول الطاقة
تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يشكل التقاط الكربون نحو 18% من تخفيضات الانبعاثات المطلوبة بين عامي 2030 و2050، لتحقيق أهداف الحياد الكربوني، التي تتطلب زيادة السعة إلى 1.7 مليار طن سنويًا بحلول عام 2030، مقارنة بـ42 مليون طن فقط في الوقت الحالي.
كما يرى منتدى الطاقة الدولي أن سعة التقاط الكربون وتخزينه يجب أن تصل إلى 5.6 مليار طن سنويًا بحلول عام 2050، من أجل تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ.
وفي أحدث التقديرات السابقة عن شركة الأبحاث وود ماكنزي، بلغت سعة المشروعات المخططة لالتقاط الكربون وتخزينه 905 ملايين طن سنويًا بنهاية الربع الثاني من 2022، وفق ما نقلته وحدة أبحاث الطاقة.
ومن خلال تعزيز السعة، يمكن لهذه التقنية المساهمة في التقاط أكثر 90% من انبعاثات الصناعات الثقيلة -مثل الكهرباء والصلب والأسمنت والنفط والغاز والمواد الكيميائية- بحسب مركز حلول المناخ والطاقة.
وحال تحقيق ذلك؛ فإن هذه الصناعات ستؤدي دورًا رئيسًا في تحول الطاقة؛ ليس فقط لأنها ستصبح مستدامة وتدعم الاقتصاد الأخضر، لكن كذلك لأن خفض الانبعاثات من صناعة مثل الصلب يمكن أن يوفّر منتجات منخفضة الكربون لتوربينات الرياح والألواح الشمسية وغيرهما.
ووجد تقرير لوكالة الطاقة الدولية لعام 2019 أنه وفقًا لسيناريوهات تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، من المتوقع أن يسهم احتجاز الكربون بنسبة 27% من التخفيضات اللازمة للانبعاثات في صناعات الأسمنت والحديد والصلب والكيماويات.
وفضلًا عن ذلك؛ فإنه حتى مع زخم الطاقة المتجددة؛ فإن غالبية التوقعات -إن لم يكن جميعها- تشير إلى أن الوقود الأحفوري سيظل يلبي الحصة الكبرى من الطلب العالمي على الطاقة لعدة عقود؛ لذا فإن تسريع نشر تقنية احتجاز الكربون أمر ضروري لتقليل الانبعاثات من الصناعات التي تعتمد على المصادر الأحفورية.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي، الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة، مزيج الطاقة العالمي في عام 2019 مقابل توقعات عام 2045، بحسب منظمة أوبك..
وحتى حال التحول إلى الوقود النظيف على المدى الطويل، مثل الهيدروجين في الصناعات الثقيلة والنقل؛ فإن التقاط الكربون سيكون له دور مهم في عزل الانبعاثات من الغاز الطبيعي اللازم لإنتاج الهيدروجين الأزرق؛ كونه خيارًا أقل تكلفة، بحسب ما يرى مركز حلول المناخ والطاقة.
وبمناسبة الحديث عن التكلفة، يوضح بنك الاستثماري الهولندي آي إن جي أن استخدام احتجاز الكربون وتخزينه في إنتاج الأمونيا والإيثانول -الذي يعتمد على الغاز الطبيعي- سيؤدي إلى زيادة التكلفة بنسبة تتراوح بين 20% و40%، مقارنة بـ50% إلى 115% حال استخدام الهيدروجين المُنتج بالتحليل الكهربائي.
ومع ذلك، هناك مخاوف من أن يؤدي تزايد استخدام هذه التقنية إلى استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري بشكل دائم، وهو ما يقودنا للحديث عن الانتقادات والمخاطر التي تنطوي على تعزيز التقاط الكربون.
مخاطر الاعتماد على احتجاز الكربون
في البداية، الخطر الأكبر والأكثر بروزًا هو أن يكون دعم احتجاز الكربون وتخزينه بمثابة رخصة للشركات للاستمرار في الاعتماد على الفحم والنفط والغاز ما دامت تخفض الانبعاثات من خلال هذه التقنية، وهو ما يخاطر بعدم تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ؛ كون الانبعاثات ستستمر في الارتفاع ولكن بوتيرة أبطأ.
وفي الغالب؛ فإن هذه المخاوف في محلها؛ إذ تُستخدم أكثر من 70% من مشروعات التقاط الكربون عالميًا في عملية تحسين استخراج النفط، بحسب معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي، الذي يرى أنه حتى في ظل الدعم الحكومي الهائل والسياسات التنظيمية المُشجعة، سيظل الوقود الأحفوري يطلق انبعاثات أكثر مما تلتقطه هذه التقنية.
وفي تقرير آخر لشركة وود ماكنزي؛ فإن شركات النفط والغاز الغربية -حفاظًا على استمرارها- هي التي تقود مشروعات احتجاز الكربون وتخزينه في أميركا الشمالية، التي تمثل أكثر من ثلثي السعة العالمية، في حين كان من الأفضل أن تكون الأولوية لمحطات توليد الكهرباء.
وفي أستراليا، التي تشهد زخمًا في مشروعات التقاط الكربون، يتصدر منتجو الغاز الطبيعي المسال هذا المجال، بينما تخطط مؤسسة النفط الوطنية الصينية (سي إن بي سي) لإنشاء أول مركز لتجميع الكربون وتخزينه في الصين في حوض جونغار (Junggar).
وردًا على الوعود بأن التقنية قادرة على التقاط أكثر من 90% من الانبعاثات في الصناعات الثقيلة، وجدت دراسة لمعهد اقتصاديات الطاقة أن غالبية مشروعات احتجاز الكربون الحالية تقدم أداءً ضعيفًا للغاية لا يرقى لهذه التوقعات.
وأوضح معهد اقتصاديات الطاقة أن مشروعين فقط -في معالجة الغاز بالنرويج- من إجمالي 13 مشروعًا تُمثل 55% من القدرة التشغيلية الحالية، أظهرا ما يمكن تسميته بالنجاح.
ووجدت الدراسة أن مشروع شوت كريك (Shute Creek) لاحتجاز الكربون في الولايات المتحدة يعمل بأقل من قدرته بنحو 36% خلال مدّة تشغيله، كما كان مشروعا سد باونداري في كندا وغورغون في أستراليا الغربية أقل بنحو 50% من قدرتهما خلال أول 5 سنوات من التشغيل.
الأكثر من ذلك، أن قطاع الكهرباء، الذي يعد بتعزيز التقاط الكربون في المحطات، شهد أسوأ النتائج، مع عدم نجاح أيّ مشروع حتى الآن، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة، اعتمادًا على الدراسة.
وفضلًا عن ذلك، فإن التجارب السابقة أثبتت أن مشروعات احتجاز الكربون وتخزينه تنطوي على مخاطر مالية وتكنولوجية كبيرة؛ إذ فشل نحو 90% من السعة المقترحة لهذه التقنية في قطاع الكهرباء خلال مرحلة التنفيذ، أو تعرضت للإغلاق مبكرًا.
وحتى إن نجحت تقنية احتجاز الكربون في محطات الكهرباء؛ فإن انبعاثات الميثان التي تتسرب من مناجم الفحم وحقول الغاز، التي تزود المحطات بالوقود، تجعل من الصعب تحقيق معدل التقاط يتجاوز 90% كما تعد الصناعة.
ويوضح الرسم البياني أدناه أكبر 10 دول مصدرة لانبعاثات الميثان من مناجم الفحم..
من جانبه، يرى المحلل لدى معهد اقتصاديات الطاقة، بوترا أديغونا، أن تكلفة استخدام التقاط الكربون في محطات الكهرباء ما زالت تمثل عائقًا، مشيرًا إلى عدم صحة الادّعاءات بشأن الانخفاض المستمر في التكاليف.
ودليل على صحة هذا القول، أشار أديغونا إلى أن إغلاق المشروع الوحيد لالتقاط الكربون وتخزينه في محطة لتوليد الكهرباء في الولايات المتحدة عام 2021، لأسباب اقتصادية، بعد 3 سنوات فقط من التشغيل.
وبصفة عامة، تتراوح تكاليف احتجاز الكربون وتخزينه واستخدامه على نطاق واسع بين 50 دولارًا وأكثر من 100 دولار للطن، بحسب المعلومات التي نقلتها وحدة أبحاث الطاقة.
وفضلًا عن كل ذلك، وحتى إن نجحت تقنية احتجاز الكربون في تحقيق الأهداف المرجوة، يظل العثور على مواقع تخزين مناسبة للكربون المحتجز بمثابة تحدٍّ كبير؛ إذ يحتاج الكربون المُخزن تحت الأرض إلى المراقبة لعدّة قرون؛ لضمان عدم عودته إلى الغلاف الجوي.
في النهاية، لا ينكر أحد حقيقة أن احتجاز الكربون وتخزينه يُسهمان في خفض الانبعاثات، لكن يجب التأكيد من قِبل الحكومات على أنه عنصر مساعد فقط في جهود مواجهة المناخ وليس حلًا للأزمة.
اقرأ أيضًا..
- 6 دول في أوبك+ تكشف حقيقة ضغوط السعودية للموافقة على خفض الإنتاج
- أول فيديو من داخل منشأة تخزين النفط في الفجيرة.. جولة لـ"الطاقة"
- أنس الحجي: هذه حقيقة علاقة أوبك والخليج بأزمة البنزين في كاليفورنيا