قراءة في سوق الطاقة الأوروبية عقب قرار مجموعة الـ7 وأوبك+.. كيف تنتهي الأزمة؟
إغلاق نورد ستريم 1 سبب اضطرابًا واسعًا.. وصفقات جديدة في ألمانيا
هبة مصطفى
تسعى دول القارة العجوز بكل ما أوتيت من قوة إلى إنقاذ سوق الطاقة الأوروبية من الوقوع في براثن أزمة إمدادات، بعدما حُوصرت بعوامل إضافية خلال الأيام الأخيرة أصابتها بالإنهاك.
وشهد الأسبوع الأخير أحداثًا عدّة قد تغير من معادلة الطاقة بالقارة والدول المحيطة خلال فصل الشتاء المقبل، تزامنًا مع زيادة معدل الطلب على الكهرباء والتدفئة، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وقبل أيام قليلة حددت دول مجموعة الـ7 سقفًا لسعر النفط الروسي في محاولة للضغط على موسكو وتقليص مكاسبها في ظل تطورات لحقت بخط نورد ستريم 1 (الخط الرئيس لنقل إمدادات الغاز إلى ألمانيا وأوروبا)، في حين ألقى قرار تحالف أوبك+ بخفض الإنتاج 100 ألف برمل يوميًا في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بظلاله على الأسواق.
وأثّرت تلك المجريات في سوق الطاقة الأوروبية، ودفعت أسعار الغاز أمس الإثنين نحو تسجيل قفزة تُقدَّر بـ35%، وتواصلت مقترحات قادة القارة العجوز للخروج من أزمة الطاقة المرتقبة، بحسب ما تطرّقت إليه نشرة الطاقة الواردة في بلومبرغ.
أسعار الطاقة في أوروبا
- أسعار الغاز:
يعكس ارتفاع أسعار الغاز تخوّف المتداولين في سوق الطاقة الأوروبية من تداعيات خط نورد ستريم 1، بعدما اتجهت موسكو بتدفقات الخط نحو الاضطراب والتقليص ثم التعليق، لينتهي الأمر بإعلان إغلاقه لأجل غير مسمى.
كما سجل اليورو "العملة الأوروبية" أدنى مستوياته في غضون عقدين، وسجلت الأسهم تراجعًا في ظل زيادة الطلب وتقلّب الأسواق.
(اليورو = 0.99 دولارًا أميركيًا)
وأغلقت عقود الغاز القياسي الآجلة في أوروبا مرتفعة 15%، انخفاضًا من 35% كانت قد سجلتها في وقت سابق أمس، بعدما أخذ التجّار بالحسبان بيانات ارتفاع مخزونات الغاز بالقارة ومحاولات الاتحاد الأوروبي للتدخل واحتواء الأزمة.
أسعار الغاز في أوروبا تقفز 35% وسط قلق من أزمة طاقة حادة
وتواصل دول القارة العجوز وسوق الطاقة الأوروبية تعزيز مستويات تخزين الغاز، مع تصاعد المخاوف من عدم القدرة على تعويض غياب الغاز الروسي.
- أسعار الكهرباء:
شهدت سوق الطاقة الأوروبية -أيضًا- ارتفاع أسعار الكهرباء في القارة بأسرها، بعدما أثّر غلق خط نورد ستريم 1 في تكلفة تشغيل محطات الكهرباء العاملة بالغاز.
وسجلت أسعار الكهرباء الألمانية لشهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل زيادة قدرها 16%، وقفزت أسعار العام المقبل (2023) إلى 675 يورو (670.38 دولارًا أميركيًا) لكل ميغاواط/ساعة.
- أسعار الفحم:
من جانب آخر، بلغت أسعار الفحم القياسي مستوىً مرتفعًا بنسبة 7.6%، مسجلة 345 دولارًا/للطن، وهو مستوى يعادل 3 أضعاف مستويات أسعار المدة ذاتها العام الماضي (2021).
ويُشير الرسم البياني أدناه إلى أسعار الطاقة في آسيا وأوروبا العام الماضي (2021)، طبقًا لبيانات صادرة عن البنك الدولي ووكالة بلومبرغ، بجانب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ألمانيا في خطر
- مستوى تخزين الغاز:
بخلاف سوق الطاقة الأوروبية بصورة عامة، تتجه الأنظار نحو أكبر اقتصادات القارة العجوز، بعدما أشارت الترجيحات إلى عدم قدرة ألمانيا على ملء مستويات تخزين الغاز حسب مستهدفها بنحو 95%، بحلول مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
ويغذّي خط نورد ستريم 1 ألمانيا بصورة رئيسة، ويسبب وقف تدفقاته اضطراب خطط التخزين والاستعداد للطلب الشتوي في برلين.
وتتمتع المرافق الخاصة ذات الاستهلاك أقلّ من 500 كيلوواط/ساعة واستهلاك 1500 ميغاواط/ساعة سنويًا بحماية خاصة ضمن خطة طوارئ الغاز، وهو غطاء حماية يشمل المرافق العامة بالبلاد.
واقتربت مستويات تخزين الغاز الألمانية من 86%، غير أن مسؤولًا بهيئة تنظيم الطاقة أكد أنه حتى مع بلوغ مستوى التخزين 95% بحسب المستهدف، فإن الإمدادات تكفي لتلبية الطلب لمدة تقارب شهرين ونصف.
- صفقة وودسايد:
لتأمين إمدادات الغاز المسال، وقّعت شركة الطاقة الألمانية "يونيبر" أمس الإثنين صفقة مع شركة "وودسايد" -ومقرّها أستراليا- تتلقى الدول الأوروبية بموجبها إمدادات تصل إلى مليار متر مكعب سنويًا.
ويمتد عمر الصفقة من مطلع العام المقبل (2023)، وتمتد حتى عام 2039، وتأتي بمثابة رد ألماني على موسكو إثر إعلان الأخيرة وقف تدفقات الغاز في خط نورد ستريم 1 وغلقه لأجل غير محدد.
بدوره، أكد الرئيس التنفيذي للشركة كلاوس ديتر موباتش أن الصفقة تنقل شركة وودسايد من مورّد غاز مسال لألمانيا إلى مورّد داعم لسوق الطاقة الأوروبية.
وأشار إلى أن الصفقة تزداد أهميتها في ظل المستجدات الأخيرة، وتعدّ "تأمين" مزيد من التدفقات نحو القارة العجوز.
وتعادل الإمدادات السنوية من "وودسايد" إلى أوروبا (المقدّرة بمليار متر مكعب) تدفقات شهر واحد من الغاز الروسي عبر نورد ستريم 1، حتى مع خفض سعته إلى الخُمس.
وأكد موباتش أن افتقار برلين لمحطات استيراد الغاز المسال يزيد حدّة أزمة الكهرباء بالبلاد، لافتًا إلى أن البنية التحتية عنصر قوي لتعزيز قدرة ألمانيا على تعويض غياب الغاز الروسي.
- تراجع نووي:
قررت ألمانيا الاحتفاظ بمحطتين نوويتين على سبيل الاحتياط؛ للجوء إليها حال نقص معدل توليد الكهرباء خلال فصل الشتاء، بخلاف الخطط المعلنة مسبقًا حول نوايا الإغلاق.
وأرجع وزير الاقتصاد روبرت هابيك موقف برلين من التراجع النووي إلى محاولة تجنّب سيناريو أكثر سوءًا بالإمدادات نفسها، مشددًا على التزام حكومته بالتخارج النووي في مرحلة لاحقة.
الإدارة الأوروبية لأزمة الطاقة
- خطة طارئة:
قالت رئيسة المفوضية الأوروبية -الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي- أورسولا فون دير لاين، إن الاتحاد يعكف على تطوير خطة الطاقة الطارئة، ما يسمح له بتقديم الدعم لمنتجي الكهرباء في سوق الطاقة الأوروبية لمواجهة تقلبات الأسواق.
وأضافت أنها تعتزم طرح الخطة الطارئة الأسبوع المقبل أمام البرلمان، كاشفةً أن جانبًا من المقترحات يتضمن تحديد سعر الغاز الروسي المتدفق عبر خط نورد ستريم 1، وتقديم الدعم للمستهلكين والشركات، حسبما أوضحت بتغريدة لها في "تويتر".
The @EU_Commission proposal will aim to:
• Reduce electricity demand (peaks)
• Price cap on 🇷🇺 pipeline gas
• Help vulnerable consumers & businesses with revenue from the energy sector
• Enable support to electricity producers facing liquidity challenges linked to volatility— Ursula von der Leyen (@vonderleyen) September 5, 2022
- أدوات بديلة:
يجتمع وزراء الطاقة في القارة العجوز الجمعة المقبلة، لبحث إجراء مشترك لخفض الطلب على الكهرباء، ولمطالبة المفوضية بتحديد أدوات للتدخل بحلول منتصف سبتمبر/أيلول.
وينظر وزراء الطاقة أيضًا اللجوء لأرصدة الانبعاثات الكربونية لخفض أسعار الكهرباء وإنعاش سوق الطاقة الأوروبية.
- سقف أسعار الغاز
يتجه الاتحاد الأوروبي لتحديد سقف لأسعار الغاز للحدّ من الارتفاعات الحالية وإنقاذ سوق الطاقة الأوروبية، كما يدرس ربط أسعار الغاز والعقود الأوروبية الآجلة بمؤشر "جيه كيه إم" الآسيوي بدلًا من المعيار الهولندي.
- الدعم الأوروبي:
قد يدفع عدم القدرة على توفير إمدادات الغاز في دول القارة العجوز بمعدلات متساوية، ما يسبب ارتباكًا في سوق الطاقة الأوروبية.
وحذّرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك من مواجهة الدول الأوروبية تحديًا يختبر تضامنها في ظل انخفاض وتناقص الإمدادات بفصل الشتاء، مشيرةً إلى أن أيّ اضطراب وخلل في العلاقات الأوروبية التي تشهد تضامنًا فيما بينها يعدّ انتصارًا مباشرًا لروسيا.
ويوضح الرسم البياني التالي مستوى تخزين الغاز في بريطانيا ودول أوروبية عدّة، طبقًا للبيانات التي رُصِدَت حتى نهاية شهر أغسطس/آب الماضي.
الضرائب المفاجئة.. هل تكون حلًا؟
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انحيازه لفرض ضريبة أرباح مفاجئة (تُفرض لمرة واحدة فقط) على شركات الطاقة، ودعا لتعميم المقترح بين دول الاتحاد الأوروبي، بجانب فرض قيود على أسعار الطاقة.
وبإعلان تلك الخطوة، تصبح باريس أحدث الدول الأوروبية الداعمة لفرض إجراءات استثنائية من شأنها الحدّ من آثار الأزمة الحالية، وتدعم سوق الطاقة الأوروبية.
وأكد ماكرون أن بلاده تتجه لتحديد سقف سعر الغاز الروسي، متوافقًا في ذلك مع مقترح المفوضية الأوروبية.
وبالإضافة إلى فرنسا، انضمت هولندا إلى المسار ذاته، وأقرّت خطة دعم لاحتواء تأثّر المواطنين بارتفاع أسعار الطاقة، وخصصت لها 16 مليار يورو.
(اليورو = 0.99 دولارًا أميركيًا)
وقالت الحكومة الهولندية، إنها ستوفر حزمة الدعم عبر مصادر تمويل تشمل عائدات الضريبة المفاجئة على شركات النفط والغاز، بجانب عائدات حقل "غرونينغن" للغاز، وكذلك زيادة ضريبة الأرباح المفروضة على الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وتتسع سوق الطاقة الأوروبية لتشمل بريطانيا -المنفصلة قبل سنوات عن الاتحاد الأوروبي-، التي كانت قد اتخذت خطوة مماثلة قبل أشهر، وأعلنت خلال عهد حكومة بوريس جونسون فرض تلك الضريبة على شركات النفط والغاز العاملة في بحر الشمال لتمويل حزمة الدعم.
اقرأ أيضًا..
- الغاز النرويجي يستعد لإنقاذ أوروبا بكميات قياسية في الشتاء
- وزير الطاقة السعودي يكشف تفاصيل خفض إنتاج أوبك+.. والبيت الأبيض يرد (تحديث)
- توقعات بتراجع استهلاك الغاز في أوروبا مع ارتفاع الأسعار (تقرير)
- حصص إنتاج النفط لدول أوبك+ في أكتوبر 2022
- عجز الكهرباء في كاليفورنيا يهدد بإغراق ثالث أكبر ولاية أميركية في الظلام
المستشار الالماني يتخبط