أهم المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةمقالات النفطنفط

الخيال الزائف ومعاناة الأميركيين من ارتفاع أسعار الوقود (مقال)

مارك ماثيس - ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • النخب الثقافية تتحدث عن حلول بسيطة جذرية لتحديات مجتمعية معقّدة منفصلة عن الواقع
  • جميع الحلول تعتمد اعتمادًا كليًا على الوقود الأحفوري للتعدين والتصنيع والنقل والصيانة
  • تحوّل الطاقة قد لا يحدث أبدًا؛ لأن الوقود الأحفوري هو أساس العالم الحديث
  • الوعود الخادعة أحدثت حالة يعاني فيها الأميركيون من أعلى أسعار للوقود في التاريخ

مع ارتفاع أسعار الوقود، وتسجيل البنزين والديزل مستويات قياسية في أميركا، يتساءل العديد عن الدور الذي أدته النُّخب الثقافية في الترويج لسياسات طاقة بديلة، بعيدًا عن الوقود الأحفوري، دون مراعاة أمن الطاقة.

تعاني الولايات المتحدة ومعظم دول العالم الغربي مما أسمّيه "التصورات الزائفة" (Phonacy)، وهو دمج لكلمتَي "زائف" (Phony) و"خيال" (Fantasy).

ويصف المفهوم حقيقة أن النخب الثقافية تتحدث عن حلول بسيطة -ولكنها جذرية- لتحديات مجتمعية معقّدة منفصلة تمامًا عن الواقع -وهي خيالية-.

النخب الثقافية تتحدث باقتناع واضح عن وصفات سياستهم كما لو أن كل شخص عاقل يعرف أن حلولهم الجذرية ستنجح -وهي زائفة-.

ويتمثل أكبر وأخطر الخيال الزائف اليوم في فكرة أن العالم الحديث يستغني عن استخدام النفط والغاز الطبيعي والفحم.

ومن المفترض استبدال هذه الموارد بتوربينات الرياح، والألواح الشمسية، والوقود الحيوي، والمركبات الكهربائية، وغيرها من الابتكارات التكنولوجية غير المسماة.

بالطبع، هذا التحول لا يحدث -وقد لا يحدث أبدًا-؛ لأن الوقود الأحفوري هو أساس العالم الحديث، وتُعدّ جميع "الحلول" لاعتمادنا على الوقود الأحفوري، ليست فقط غير كافية بشكل مؤسف، بل إنها تعتمد اعتمادًا كليًا على الوقود الأحفوري في قطاعات التعدين والتصنيع والنقل والصيانة.

عندما تتحدث النخب السياسية والإعلامية وشركات التكنولوجيا الكبرى والمؤسسات المالية بشكل واقعي عن تقنيات الطاقة التكميلية (الرياح، والطاقة الشمسية، والمركبات الكهربائية)، فإنهم سيشيرون إليها على أنها أشياء نضيفها إلى مزيج الطاقة لتخفيف اعتمادنا على الوقود الأحفوري.

وهذا هو الحديث الذي قد يدلي به العقلاء، فبدلًا من ذلك، نجد أن حديثًا مفعمًا بالخيال الزائف يقول: "إننا سنزيل الكربون عن الشبكات الكهربائية بحلول عام 2035!" أو، "ستحلّ المركبات الكهربائية محلّ محرك الاحتراق الداخلي قريبًا!"، وهذه التصريحات ليست مفرطة في الطموح فحسب، إنها مستحيلة.

تداعيات انتشار الخيال الزائف

خلق الخيال الزائف حالة يعاني فيها الأميركيون من أسعار الوقود التي سجلت مستويات هي الأعلى في التاريخ، والأسوأ من ذلك، أننا نواجه حاليًا احتمال حدوث نقص في البنزين ووقود الديزل.

كُشِف عن معلومات تقول، بأن الولايات المتحدة قد تغلق خطوط الأنابيب وعقود إيجار الحفر والمصافي، بينما تقطع رأس المال عن صناعة النفط والغاز الطبيعي بسياسة سيئة تستند إلى التفكير السحري.

في المقابل، تتعرض الشبكات الكهربائية التي تخدم ولايات كاليفورنيا وتكساس والغرب الأوسط ونيويورك ونيو إنجلاند لخطر انقطاع التيار الكهربائي هذا الصيف وما بعده.

ويعود ذلك إلى أن صنّاع السياسة نشروا الخيال الذي يقول، إن إضافة كميات هائلة من الرياح والطاقة الشمسية مع فقدان توليد الطاقة الحرارية ستحقق نجاحًا على أرض الواقع.

وكانت النتيجة أن الشبكات ضعفت بشكل كبير، إضافة إلى ارتفاع فواتير الكهرباء بسرعة.

كيف وصلنا إلى هنا؟

لقد قام ناشرو الخيال الزائف بتنويمنا ببطء؛ لأن معظم الناس لا يعرفون شيئًا عن موارد الطاقة التي يقوم عليها وجودهم، ويُعدّ هذا فشلًا واضحًا في سياسة الحكومة والتعليم العامّ.

وبدلًا من عناء معرفة كيفية عمل الطاقة، وثّقنا في الوصفات السياسية للنخب.

وبسبب جهلنا، لم نأخذ الوقت الكافي للتفكير في جميع التداعيات العملية لما يحدث، عندما يحاول صانعو السياسات إجراء تغييرات سريعة على أنظمة الطاقة الهائلة والمعقدة للغاية، والتي طُوِّرَت على مدى أكثر من قرن.

علاوة على ذلك، ينشغل معظم الناس بمخاوفهم الخاصة؛ بحيث لا ينتبهون كثيرًا للتغييرات العملاقة التي تهدد بقلب حياتهم المريحة رأسًا على عقب، وهذا هو ثمن العيش في الخيال الزائف.

تجدر الإشارة إلى أن هذا المقال يدور حول الطاقة، لكن الطاقة لا توجد في الفراغ، إنها جزء من المجتمع، ومن ثم فإن القوى التي تخلق مشكلات في قطاع الطاقة تمتد إلى أجزاء أخرى من المجتمع أيضًا.

ارتفاع أسعار البنزين في أميركا - الطلب على البنزين
إحدى محطات الوقود في أميركا - الصورة من بلومبرغ

قناعات الخيال الزائف

يشعر مواطنو الولايات المتحدة بالحزن على الخسائر في الأرواح بسلسلة من عمليات إطلاق النار الجماعية الأخيرة، وخصوصًا تلك التي حدثت في أوفالدي، بولاية تكساس، وفقدَ فيها 19 طفلًا وإثنان من البالغين حياتهم بعمل شرير يتحدى الوصف.

وفي غضون ساعات من الحادث، كانت نخب الخيال الزائف تصرخ بشأن الحاجة إلى المزيد من قوانين مراقبة الأسلحة، فلقد تجاهلوا كل المنطق والبيانات، بينما كانوا يدفعون من أجل "الحل".

بالطبع، تكمن المشكلة الحقيقية في انهيار الأسرة الأميركية، وفقدان الاتصال المجتمعي، وتدهور العقيدة الدينية، وفشل الأشخاص الذين يعرفون مطلق النار في الإبلاغ عن سلوكه العنيف والمختلّ.

وبينما يُعدّ التعامل مع هذه القضايا الجوهرية أمرًا صعبًا، ويتحدى الحلول السهلة، يصبح من الأسهل بكثير أن تعيش الحلول الزائفة التي تقول، إن قانونًا آخر للسلاح سيُحدث أيّ فرق.

إضافة لذلك، عندما ظهر وباء كوفيد-19، كان بإمكان الحكومات قبول حقيقة أنه لن يحدث احتواء الفيروس، وكانت أفضل إستراتيجية هي حماية الضعفاء، وأن يتوخّى أيّ شخص آخر الحذر خلال مواصلة حياته.

الحلول الخادعة

بدلًا من ذلك، قبلَ الناس الحلول الخادعة لعمليات الإغلاق الواسعة النطاق، التي دمرت اقتصاداتهم، وخلقت عددًا كبيرًا من المشكلات الاجتماعية الأخرى (مثل عزل الشباب المضطربين المعرّضين لارتكاب أفعال شريرة).

وخلال عمليات إغلاق لاحتواء تفشّي وباء كوفيد-19، أغرقت الحكومة الأميركية البلاد بالعملة، وخلق الاحتياطي الفيدرالي "أموالًا" من فراغ.

وتسبّبت هذه الوصفة من الخيال الزائف، التي من الواضح أنها تخفيض متعمّد لقيمة العملة، وفي تفاقم التضخم الجامح، لهذا السبب، فإن أسعار البنزين والديزل باهظة الثمن.

ويتجاهل ناشرو الخيال الزائف هذه الحقيقة، ويلقون باللوم على شركات النفط الجشعة، وبالطبع منظمة أوبك.

وتمثّل الحلول الخادعة رواية خطيرة ومدمرة، تقول، إن هناك حلولاً سهلة لمشكلات معقدة فقط إذا سمحنا للنخب بإجراء تغييرات جذرية.

ولهذا أصبح الخيال الزائف منتشرًا في كل مكان، وما عليك سوى مشاهدة الأخبار، أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أو الاستماع إلى معظم السياسيين، وستجد أن التصديق بالخيال الزائف أكثر شيوعًا من الاعتراف بالواقع.

* مارك ماثيس، مؤلف وصانع أفلام وثائقية متخصص في شؤون الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق