قمة المناخ كوب 27 ودبلوماسية تحول الطاقة في مصر (مقال)
بقلم: مايكل تنخوم - ترجمة: هبة مصطفى
- مصر نجحت في الدمج بين تطوير الغاز والطاقة المتجددة
- ريادة مصرية في الجهود الدبلوماسية بين أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط
- إستراتيجية الطاقة في مصر سدّت الفجوة بين الغاز والطاقة المتجددة
- مصر انتقلت من عجز الكهرباء إلى الفائض المحلي والتصدير
- مصر ركيزة الربط الكهربائي بين أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط
- مشروعات الهيدروجين والأمونيا نقلة نوعية للطاقة في مصر
- يمكن أن تلجأ مصر للهيدروجين الأزرق وسيطًا لانتقال الطاقة
تُسهم سياسة الطاقة في مصر بتغيير معايير الحوار العالمي حول تغير المناخ (قبل قمة المناخ كوب 27) بإظهار مدى التوافق بين تطوير الموارد المحلية للغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة.
وتدحض مصر العقيدة التي تشير إلى أن الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة في منافسة صفرية، إذ تمضي قُدمًا في تطوير الطاقة المتجددة، في الوقت الذي تعكف خلاله -أيضًا- على زيادة إنتاجها البحري من الغاز الطبيعي.
وللتوصل إلى أوجه التوافق بين تطوير الغاز الطبيعي والانتقال الأخضر للطاقة، سوف تستفيد مصر على الأرجح من مكانتها بصفتها دولة مُضيفة لقمّة الأمم المتحدة للتغير المناخي كوب 27، المقرر عقدها بمدينة شرم الشيخ في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لطرح الفكرة على الدول المشاركة، خاصة الدول الرئيسة في أفريقيا التي تتطلع إلى دور أكبر للغاز الطبيعي خلال عملية انتقال الطاقة.
وتدعم تلك الخطوة أداء مصر دورًا قياديًا مهمًا في الوساطة والتوفيق بين أفريقا وأوروبا، إذ إنه حتى وقت قريب كان تطوّر استثمارات الغاز الطبيعي بينهما لا يحظى بتشجيع.
دبلوماسية الطاقة في مصر
أحرزت مصر إنجازًا دبلوماسيًا مهمًا في إطار الاستعدادات لقمّة المناخ كوب 27 بتعزيز تزامن تطور الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة، من خلال توقيع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في 10 أبريل/نيسان الماضي، لترسيخ التعاون بينهما في كل من الغاز الطبيعي المسال وإمدادات الهيدروجين الأخضر المُنتَج عبر مصادر الطاقة المتجددة بين أوروبا وأفريقيا.
وأُعلِنت الاتفاقية بصورة مشتركة -في القاهرة- بين وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونائب رئيس المفوضية الأوروبية المسؤول عن الصفقة الأوروبية الخضراء وقانون المناخ الأوروبي ومفاوضات تغير المناخ الدولية فرانس تيميرمانز.
وتعكس مشاركة بروكسل بالقاهرة الريادةَ المصرية للتأسيس لمنظور جديد حول دور تطوير الغاز الطبيعي في جهود مكافحة تغير المناخ.
وفي ظل الدعم الأوروبي للبرنامج المصري، لتغدو القاهرة رائدة عالميًا في إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، كالأمونيا الخضراء، تُواصل مصر تأثيرها المركزي في توجيه وتيرة انتقال الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأبعد من ذلك.
سدّ الفجوة بين الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة
اتّسع التباين بين وجهات النظر الأوروبية ودول الأسواق الناشئة حول كيفية مكافحة تغير المناخ، خلال قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي كوب 26، التي عُقدت في غلاسكو بالمملكة المتحدة، العام الماضي.
ويعدّ كوب 26 أكثر مؤتمرات تغير المناخ أهمية منذ انعقاد كوب 21 في باريس، ونتج عنه "اتفاقية باريس" واتفاق الأطراف المشاركة على تنفيذ إجراءات لخفض الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة.
وعارضت أفريقيا -بصورة خاصة- التوجه نحو تثبيط استثمارات الغاز الطبيعي بقيادة أوروبا، إذ اقتصرت حصة الفرد من استهلاك الكهرباء في أفريقيا جنوب الصحراء -عدا جنوب أفريقيا- على 180 كيلوواط/ساعة، مقارنة بما يصل إلى 6 آلاف و500 كيلوواط/ساعة في أوروبا.
وتنظر أفريقيا إلى الغاز الطبيعي بوصفه ضروريًا للكهرباء التي تشتد الحاجة إليها بالنسبة للتنمية، والتي سبّبت قلقًا للصفقة الأوروبية الخضراء (مبادرة الاتحاد الأوروبي بتكلفة تريليون يورو "1.08 تريليون دولار") لإزالة الكربون من أوروبا وتعزيز انتقال الطاقة بالخارج لاعتبارات هدفها الرامي إلى خفض استثمارات الغاز الطبيعي بأنحاء العالم كافة.
الغاز في أفريقيا
انخفض تمويل مشروعات توليد الكهرباء بالغاز في الأسواق الناشئة، بنسبة 10% عام 2020، مقارنة بالعام السابق له، وفق بيانات بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس.
وتعدّ السنغال أحد لاعبي أفريقيا الجدد الطامحين في قطاع الغاز الطبيعي، باحتياطيات تصل إلى 1.13 تريليون قدم مكعبة وتطوير مواردها من الغاز البحري لتلبية الطلب المحلي على الطاقة، وتصدير الغاز المسال على الصعيد الدولي.
وفي إشارة قوية موجهة للاتحاد الأوروبي، أعلن رئيس السنغال -الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الأفريقي- ماكي سال، أن خفض تمويلات استكشافات الغاز الجديدة يعدّ بمثابة "ضربة قاتلة" للبلدان الأفريقية الناشئة.
وعقب ما يقرب الشهرين، في 2 فبراير/شباط 2022، أعلن الاتحاد الأوروبي إعادة تصنيفه للغاز الطبيعي وعَدِّه متوافقًا مع الأهداف المناخية والبيئية للاتحاد، وأنه سوف يسهم في تسريع التحول عن الوقود الأحفوري الصلب أو السائل، ومن ضمنه الفحم، باتجاه مستقبل محايد مناخيًا.
ورغم أن الغاز بعيد كل البعد عن القبول العالمي وسط مؤيدي الصفقة الأوروبية الخضراء، فإن تحوّل بروكسل لم يكن إقرارًا بالمخاوف الأفريقية، لكنه جاء نتيجةً لزيادة أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 400% خلال عام 2021 في أوروبا.
قبول أوروبا للغاز.. وإنجازات مصر
أدت جهود الاتحاد الأوروبي لإنهاء اعتماده على روسيا لتوفير ما يزيد عن 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، إلى شعور أكبر بضرورة إعادة رسم السياسات الأوروبية حول تطوير الغاز الطبيعي.
وتحرّك الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء للتحرك لإيجاد إمدادات غاز بديلة، يُرجّح أن تأتي في صورة غاز طبيعي مسال.
وتأتي اتفاقية مصر والاتحاد الأوروبي، الموقعة في 10 أبريل/نيسان الماضي، فيما يتعلق بالغاز الطبيعي المسال والهيدروجين الأخضر نتيجةً لتلك الملابسات.
وبهدف التوصل إلى توازن جديد بين تعزيز تطوير الطاقة المتجددة وبين توفير إمدادات موثوقة للغاز الطبيعي المسال بأسعار ملائمة، لجأ الاتحاد الأوروبي إلى مصر التي كان لها الريادة في التوافق بين الغاز المسال وتطوير الطاقة المتجددة.
ويعدّ نهوض مصر بصفتها دولة إقليمية للطاقة إنجازًا رئيسًا لأكبر دولة بالشرق الأوسط من حيث عدد السكان، والتي غرقت منذ مدة طويلة في محن اقتصادية، واعتادت تخفيضات وانقطاعات للتيار الكهرباء بصورة منتظمة.
ولم تُثبت مصر مدى التوافق بين تطوير موارد كل من الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة بالتوازي فقط، بل برهنت -أيضًا- على أن تطوير الغاز الطبيعي يمكنه تحفيز التطوير المتسارع للطاقة المتجددة.
وفي عام 2019، وبفضل الترسبات الضخمة للغاز الطبيعي البحري، حققت مصر اكتفاءها ذاتيًا من الغاز الطبيعي، وأصبحت مُصدّرًا صافيًا للطاقة في صورة غاز مسال.
فائض كهربائي
دفعت توقعات الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي نحو تطور القاهرة المتزامن لتطوير مصادر الطاقة المتجددة، وحققت تلك المصادر والغاز الطبيعي -معًا- فائضًا كهربائيًا قابلًا للتسويق، ويُتوقع له تسجيل نمو كبير في المستقبل القريب، مع دخول المشروعات الإضافية من الطاقة المتجددة والكهرباء النووية حيز العمل.
وبدوره، عزّز فائض الكهرباء في مصر من تطوير الربط الكهربائي مع أوروبا، والشرق الأوسط، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وبينما يعود توليد غالبية الصادرات المبيعة عبر الربط الكهربائي إلى الغاز الطبيعي، والذي عادةً ما يُشار إليه بـ"الغاز عبر الأسلاك"، فإن خطوط الربط من شأنها الدفع نحو المزيد من استثمارات تطوير الطاقة المتجددة بالتأسيس للبنية التحتية للنقل الخاصة بسوق تصدير الكهرباء.
وبالنظر إلى موقعها الإستيراتيجي شرق البحر المتوسط، تحتلّ مصر موقعًا متميزًا على المدى الطويل لأداء دور مهم في خدمة أسواق الكهرباء في 3 قارّات.
مؤهلات مصرية
إنّ تحول مصر إلى دولة طاقة إقليمية جاء نتيجة التقاء 4 عوامل رئيسة خلال مدة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، البالغة 8 سنوات:
- الاكتشافات البحرية الجديدة للغاز الطبيعي.
- الإصلاح المالي.
- تطوير مصادر الطاقة المتجددة.
- تشييد خطوط الربط الكهربائي.
وكانت الواقعة المُغيّرة لقواعد اللعبة، والتي جعلت تلك العوامل في موضع التنفيذ، اكتشاف حقل ظهر المصري الضخم للغاز الطبيعي، في أغسطس/آب عام 2015، من قبل عملاق الطاقة الإيطالية إيني.
ويعدّ حقل ظهر أكبر اكتشافات الغاز بشرق البحر الأبيض المتوسط، التي ضمّت 850 مليار متر مكعب من الغاز، ويعني تطويره اكتفاء مصر ذاتيًا من الطاقة، وأن منطقة الشرق الأوسط مجتمعة لديها كميات من الغاز الطبيعي قابلة للتسويق والتصدير عبر محطات الإسالة المصرية القائمة.
وبحلول عام 2020، شكّل حقل ظهر 40% من إجمالي الإنتاج المصري اليومي للغاز.
وخلال المدة بين عامي 2016 و2018، أنشأت شركة سيمنس الألمانية 3 محطات كهرباء عاملة بالغاز، وتقوم على نظام الدورة المركبة، بسعة إجمالية تصل إلى 14.4 غيغاواط، وهو معدّل كافٍ لإمداد 40 مليون مصريًا بالكهرباء الموثوقة.
تطور الطاقة الشمسية وطاقة الرياح
خلال الإطار الزمني ذاته الذي طورت مصر به حقل ظهر ورُكبت محطات الكهرباء العاملة بالغاز، بنَت مصر -أيضًا- محطة بنبان للطاقة الشمسية في أسوان، والتي تعدّ أكبر الحدائق الشمسية الكهروضوئية التشغيلية في العالم.
وبسعة مركبة تصل إلى 1.8 غيغاواط، يضم مجمع الطاقة الشمسية -والذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار أميركي- ما يقارب من 49 محطة شمسية عكفت على تطويرها ما يزيد عن 30 شركة أجنبية من 12 دولة، ومن المقرر أن تُسهم في منع ما يُقدَّر بنحو 2 مليون طن من الانبعاثات السنوية لثاني أكسيد الكربون.
وفي يونيو/حزيران من عام 2019، ومع دخول فقط ما يقرب نصف سعة مجمع بنبان حيز التشغيل، بلغت القدرة المركبة الإجمالية في مصر 58.4 غيغاواط، طبقًا للشركة المصرية القابضة للكهرباء.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته، دخل -أيضًا- أكبر المجمعات المصرية لتوليد طاقة الرياح (مزرعة رأس غارب لطاقة الرياح) حيز التشغيل قرب خليج السويس، بسعة تصل إلى 262.5 ميغاواط، ما يكفي لتزويد 500 ألف أسرة بالكهرباء.
وتوازي الكهرباء المُنتَجة عبر مجمع بنبان الشمسي ومزرعة الرياح في رأس غارب ما يقارب من 16% من سعة مصر الفائضة.
- هشام العسكري: الطاقة الشمسية وسيلة مصر للإسهام في خفض انبعاثات أوروبا قبل قمة المناخ كوب 27 (مقابلة)
من عجز الكهرباء إلى فائض
بحلول عام 2020، عكست مصر مسار عجز سعة الكهرباء المُقدَّر حينها بنحو 6 غيغاواط، وحوّلته إلى فائض مُقدَّر بنحو 13 غيغاواط.
وعقب ذلك، استحثّت تلك القدرة الفائضة لدى مصر استثمارات الربط الكهربائي، خاصة مشروع الربط الأوروبي الأفريقي بقدرة 2 غيغاواط، لنقل الكهرباء من مصر إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، بالإضافة إلى إدخال مصر ترقيات ملحوظة على الربط الكهربائي مع أفريقيا.
وفي ديسمبر/كانون الأول من عام 2019، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي استعداد بلاده لتصدير 20% من فائض الكهرباء لديها إلى الدول الأفريقية، وتملك السودان -جارة مصر الجنوبية- معدل وصول إلى الكهرباء يبلغ 60%.
وبدأ تشغيل ربط الشبكة بين مصر والسودان في أبريل/نيسان عام 2020، ومن المتوقع أن يصل إلى 300 ميغاواط لدى اكتماله.
ومن الناحية النظرية، يمكن لمصر -عبر ليبيا والسودان- تصدير الكهرباء إلى دول الجوار، مثل تشاد، التي بلغ معدل وصول الكهرباء بهام عام 2018 ما يُقدَّر بنحو 12% فقط.
الربط الكهربائي.. واستثمارات الطاقة المتجددة
أدى الربط الكهربائي المتزايد بين مصر وأوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط إلى زيادة استثمارات توليد الكهرباء من المصادر المتجددة.
وفي يونيو/حزيران من عام 2019، شكّلت مصادر الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) 3.8% من القدرة المركبة في مصر، بما يعادل 2.23 غيغاواط، كما شكّلت الطاقة الكهرومائية 4.8% ما يعادل 2.38 غيغاواط.
وتهدف إستراتيجية مصر للطاقة المستدامة المتكاملة بحلول عام 2035 إلى تعزيز إنتاج الكهرباء عبر المصادر المتجددة بنحو 10 أضعاف المستويات الحالية، لتشكّل 42% من قدرة مصر المركبة بحلول 2035.
ويتطلب تحقيق سياسة القاهرة الطموحة للطاقة سعةً مركبةً عبر مصادر الطاقة المتجددة تصل إلى 61 غيغاواط (32 غيغاواط منها عبر الطاقة الشمسية الكهروضوئية، و12 غيغاواط من الطاقة الشمسية المركّزة، و18 غيغاواط من طاقة الرياح).
وبأبعد ما يكون عن المنافسة الصفرية، أثبتت السياسات المصرية الأخيرة أن الغاز الطبيعي يشجع على التوسع في مصادر الطاقة المتجددة.
وتهدف مصر في الآونة الحالية إلى الارتكاز على زخم قطاع الطاقة المتجددة المتزايد للتحقيق الريادة العالمية في إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته.
توسعات آفاق الهيدروجين الأخضر في مصر
يُتوقع أن تعلن مصر، على الصعيد الرسمي، الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون، بين شهر يونيو/حزيران المقبل وقمة المناخ كوب 27 التي تستضيفها القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بمدينة شرم الشيخ.
وفي مطلع مارس/آذار من عام 2022، وُقِّعت مذكرة تفاهم بين البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ومصر، لطرح الإرشادات حول الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون؛ بهدف تعزيز إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر بتكلفة ملائمة.
وخلال عام 2021، وضعت القاهرة مشروعات أولية للهيدروجين الأخضر في موضع التنفيذ بأعداد قليلة، ومن المقرر أن يُجري البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية تقييمًا لتلك المشروعات ولإنتاج الهيدروجين المحتمل، وكذلك تقدير تخزين ونقل الهيدروجين ومشتقاته.
وقبل نحو عام، وتحديدًا في مارس/آذار 2021، وقّعت الحكومة المصرية اتفاقية مع التكتل البلجيكي "دي إي إم إي" الذي يعمل على توسعة سعة ميناء الإسكندرية على البحر المتوسط.
ويهدف الاتفاق إلى إجراء دراسات جدوى حول إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر في إطار التزامات مصر، ويعمل التكتل -بخبرته في إنتاج النفط والغاز البحريين، وإنتاج طاقة الرياح البحرية- على تحديد أفضل مواقع مراكز إنتاج الهيدروجين.
إمدادات المياه تحدِّد مواقع الهيدروجين
يشكّل تحديد مواقع مراكز الهيدروجين الأخضر في مصر أهمية كبرى، إذ إنه رغم تشكيل استهلاك المياه حصة ضئيلة من تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر الإجمالية، فإن إمدادات المياه في مصر بصفتها مُدخلًا تعدّ قضية حيوية لاعتبارات ندرة المياه بصفتها موردًا.
وتعتمد مصر على نهر النيل لتوفير 90% من استهلاك المياه الصالحة للشرب بما يعادل 65 مليار متر مكعب، تحتاج الزراعة إلى 80% منها.
ولا يمكن لمصر بسهولة إتاحة كميات كبيرة من الموارد المائية الصالحة للشرب -الضئيلة بالفعل- لإنتاج الهيدروجين الأخضر، فعملية التحليل الكهربائي المستخدَمة لإنتاجه بفصل جزيئاته (الأوكسجين والهيدروجين) تتطلب 9 كيلوغرامات من الماء/كيلوغرام من الهيدروجين.
وسجل إنتاج الهيدروجين الرمادي (المُنتَج عبر الغاز الطبيعي) في مصر، عام 2019، ما يقرب من 1.82 مليون طن، وإنتاج كميات مماثلة لتلك الكميات من الهيدروجين الأخضر يحتاج توافر 16.22 مليون متر مكعب من الماء.
ويتطلب استخدام مياه البحر بديلًا إجراء عملية تحلية لها، حتى لا تتضرر المحللات الكهربائية المستخدمة في إنتاج الهيدروجين الأخضر، وإنتاج الكلور منتجًا ثانويًا.
ويتطلب استخدام مياه البحر -عقب تحليتها- في إنتاج الهيدروجين الأخضر اقتراب المنشآت الجديدة من الساحل، وهو ما تعمل عليه مجموعة "دي إي إم إي" بخبرتها العالمية في أعمال التجريف والبنية التحتية الساحلية والبحرية.
نماذج لمشروعات الهيدروجين في مصر
من المقرر بناء أحد المشروعات الواعدة للهيدروجين الأخضر في مصر بالساحل الغربي لقناة السويس.
وعُقِدت شراكة بين كل من: شركة "سكاتك: النرويجية للطاقة المتجددة، والشركة الهولندية الإماراتية لإنتاج الأسمدة "فيرتيغلوب" وبين الصندوق السيادي المصري وشركة "أوراسكوم" المصرية.
تهدف الشراكة إلى بناء منشأة بالمنطقة الصناعية في ميناء العين السخنة بالبحر الأحمر؛ لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالقرب من شركة مصر للصناعات الأساسية التابعة لشركة فيرتيغلوب.
وتقوم شركة "سكاتك"، بصفتها ممثلةً لغالبية أصحاب المصالح، على بناء وتشغيل محطة العين السخنة، مع شركة "فيرتيغلوب"، وفق اتفاق شراء طويل الأجل لإنتاج المحطة من الهيدروجين الأخضر، بصفة مادة أولية وسيطة، لصالح شركة مصر للصناعات الأساسية لإنتاج الأمونيا الخضراء.
الأمونيا الخضراء
تأتي مصر في المرتبة السابعة ضمن أكبر منتجي الأمونيا بالعالم -عقب السعودية-، وتُعدّ أكبر مُنتجي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفيما يتعلق بالتخزين، يعدّ تخزين الهيدروجين الأخضر في صورة الأمونيا الخضراء الأقلّ تكلفة ضمن خيارات التخزين.
وتعدّ مصر مُنتجًا رئيسًا للأمونيا، ويمكن الاعتماد على جزء من البنية التحتية الحالية المستخدَمة في تخزين الأمونيا، وتحويلها إلى تخزين الأمونيا الخضراء.
وتُستخدم الأمونيا ضمن عمليات صناعية عدّة، من ضمنها البلاستيك والمنسوجات والأصباغ، لكن الاستخدام الشائع لها يأتي بوصفها ضمن المكونات التي لا غنى عنها في صناعة الأسمدة.
وبالنظر إلى تلك الاعتبارات، يغلب الظن أن تصبح الأمونيا الخضراء جزءًا محوريًا ضمن الاستراتيجية المصرية للهيدروجين منخفض الكربون، سواء للاستخدام المحلي أو التصدير.
مشروع سيمنس
لتعميق الطموح المصري في أن تكون محورًا للهيدروجين الأخضر، وقّعت شركة كهرباء مصر القابضة -في أغسطس/آب عام 2021- مذكرة تفاهم مع شركة سيمنز، التي تولّت بناء محطات الدورة المركبة لتوليد الكهرباء بالاعتماد على الغاز.
تهدف المذكرة إلى التطوير المشترك لصناعة قائمة على الهيدروجين، في ظل إمكانات تصدير تهدف إلى زيادة إنتاج الهيدروجين المعتمد على مصادر الطاقة المتجددة حتى أقصى الحدود الممكنة.
وتتطلب مرحلة تطوير المشروع الأولية مشروعًا تجريبيًا لجهاز المُحلّل الكهربائي بسعة تتراوح بين 100 و200 ميغاواط، ترى سيمنز أنه سيسهم في نشر التقنية بصورة مبكّرة، وإعداد صورة عامة شريكة، وبناء واختبار البيئة التنظيمية واستصدار التراخيص وتجهيز اتفاقيات الشراء.
التحول من الهيدروجين الرمادي إلى الأخضر
رغم الجهود، يعدّ استبدال مصر إنتاجها الكامل من الهيدروجين الرمادى بالهيدروجين الأخضر المُنتَج محليًا هدفًا صعب المنال في وقت قريب، فلتحقيق ذلك تحتاج القاهرة إلى 21 غيغاواط من قدرة التحليل الكهربائي، ما يعادل 100 ضعف للسعة قيد الإنشاء في الوقت الحالي.
وفي ظل مواصلة القاهرة بناء سعتها من إنتاج الهيدروجين الأخضر، يُرجّح اختيارها لدمج الهيدروجين الأخضر والأزرق (يُنتج من الغاز الطبيعي كالهيدروجين الرمادي، لكنه يخضع لعمليات احتجاز الكربون لخفض ثاني أكسيد الكربون المُنتَج) .
ووقّعت شركة إيني الإيطالية -أحد الشركاء الرائدين للغاز الطبيعي في مصر- اتفاقية مع شركة كهرباء مصر القابضة في يوليو/تموز عام 2021، لتقدير جدوى إنتاج كل من الهيدروجين الأخضر والأزرق، تقنيًا وتجاريًا.
فيما يتعلق بالهيدروجين الأزرق، تتطلع إيني إلى إمكان استخدام حقول الغاز الطبيعي الناضبة بمصر لتخزين ثاني أكسيد الكربون المُنتَج عبر احتجاز الكربون.
يمكن لمصر -التي تعدّ سادس أكبر مُنتجي اليوريا المستخدمة بالأسمدة المعتمدة النيتروجين عالميًا- استخدام ثاني أكسيد الكربون الذي التُقِط في تصنيع اليوريا.
الغاز.. قنطرة انتقال الطاقة
يتحمل إنتاج الهيدروجين الرمادي في مصر مسؤولية إدخال 20 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا بالغلاف الجوي، وخفض البصمة الكربونية عبر استبدال الهيدروجين الأخضر به يدعم مكافحة تغير المناخ.
وخلال مسيرتها، يُرجَّح تطوير مصر لقدرتها على إنتاج الهيدروجين الأزرق تدبيرًا إنتقاليًا مؤقتًا، ما يشير إلى أن استخدام موارد الغاز الطبيعي بصفة "قنطرة" للوقود خلال رحلة الانتقال إلى الطاقة الخضراء يعدّ أحد توجهاتها العامة.
وتُظهر التزامات مصر حيال الهيدروجين الأخضر أن احتمالات انتقال الطاقة واقعية، مثلما برهنت على أن تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي البحري واستخدامه محليًا وتصديره في صورة غاز مسال لم يُعِق التطوير المتزامن لمشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع.
إن ضمان تحقيق مصر اكتفاءها الذاتي من الغاز الطبيعي لتوفير إمدادات الكهرباء المحلية مع وجود فائض يحفز الدولة بصورة أكبر على تطوير الربط الكهربائي مع أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وإنشاء بنية تحتية للنقل لسوق تصدير الكهرباء، ما حفّز -بدوره أيضًا- التطوير المتسارع للموارد المتجددة.
وتخطط القاهرة في الآونة الحالية إلى إنتاج 61 غيغاواط من السعة المركبة عبر مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2035، ما يفوق إجمالي قدرتها الحالية على توليد الكهرباء اعتمادًا على الغاز.
الطاقة في مصر.. دبلوماسية وتطوير
يحمل اتفاق الاتحاد الأوروبي الموقّع في 10 أبريل/نيسان من العام الجاري -لدعم تطوير مصر لكل من الغاز الطبيعي المسال والهيدروجين الأخضر- برهانًا على مدى تأثير برنامج القاهرة حول تزامن تطوير موارد الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة.
وتمثّل رئاسة مصر لقمّة المناخ كوب 27 -المرتقب عقدها في شرم الشيخ- دورًا أكبر من كونها البلد المُضيف، إذ تعدّ مدافعًا رئيسًا عن أكبر أدوار الغاز الطبيعي ضمن عملية انتقال الطاقة بصفته وسيطًا في علاقة الطاقة الجديدة بين أوروبا والدول الأفريقية والشرق الأوسط.
فسواء من خلال دبلوماسية مصر في مجال الطاقة، أو مواصلتها تطوير الطاقة المتجددة وقدرات إنتاج الهيدروجين الأخضر، تصبح مصر أحد الأطراف الفاعلة الرئيسة خلال العقد المقبل، الذي يؤثّر في طبيعة ووتيرة انتقال الطاقة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالتبعية يشمل التأثير في مسار انتقال الطاقة بأوروبا وأفريقيا.
* أعادت "الطاقة" نشر المقال وترجمته بموافقة الكاتب والناشر.
** تعريف بالكاتب:
- زميل غير مقيم ضمن برنامج معهد الشرق الأوسط للاقتصاد والطاقة.
- يُدرّس بجامعة نبرة الأسبانية، شارك بالبرنامج الأفريقي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
- أحد كبار الباحثين بالمعهد النمساوي للسياسة الأوروبية والأمنية.
* نُشر المقال بالموقع الإلكتروني لمعهد الشرق الأوسط، ومقرّه واشنطن.
اقرأ أيضًا..
- حظر النفط الروسي.. تداعيات الخطة الأوروبية على الأسواق والأسعار (مقال)
- المغرب والسعودية يتعاونان في الطاقة الذرية والطاقة المتجددة
- تغير المناخ.. تحقيق يثبت انتهاك الشركات لحقوق الإنسان بتلويث البيئة