الاتحاد الأوروبي يحتاج للتفكير مجددًا في حظر النفط الروسي (مقال)
فاندانا هاري* - ترجمة: نوار صبح
- • اجتنب الاتحاد الأوروبي -المكون من 27 دولة- العبث بواردات النفط والغاز الروسيين.
- • اقتراح الرئيس الفرنسي حظر النفط الروسي فشل في حشد الإجماع داخل الاتحاد الأوروبي.
- • الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي سيحرم السوق من المزيد من النفط الروسي.
- • قد يجد بعض النفط الروسي الذي رفضه الغرب سوقًا له في الصين والهند.
- • قد تكون لتحالف أوبك+ قدرة محدودة على زيادة الإمدادات.
رغم حِزَم العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على موسكو، بسبب استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا؛ فما زال حظر النفط الروسي بحاجة إلى التفكير مجددًا من جانب الاتحاد الأوروبي، بعدما أثارت القرارات اضطرابات جديدة في أسواق الطاقة.
ويمكن أن تأتي مثل هذه الخطوة بنتائج ضارة، ليس فقط على اقتصاد أوروبا، ولكن في جميع أنحاء العالم؛ فقد وافق الاتحاد الأوروبي، في وقت سابق من هذا الشهر، على الاستغناء التدريجي عن مشتريات الفحم الروسي بحلول منتصف أغسطس/آب.
وقد اجتنب الاتحاد الأوروبي -المكون من 27 دولة- العبث بواردات الغاز والنفط الروسيين حتى الآن؛ نظرًا لاعتماده الشديد على التدفقات الوافدة وإدراكًا لحقيقة أن استبدال إمدادات بديلة بها سيكون عملية طويلة وشاقة.
فشل اتخاذ موقف جماعي
على الرغم من الإعلان الروتيني للحظر النفطي في المناقشات، فشل اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علنًا مؤخرًا استخدام الحظر باعتباره وسيلة لإلحاق أقصى قدر من الألم بموسكو، في حشد الدعم بالإجماع داخل الاتحاد الأوروبي.
وبرزت ألمانيا والمجر والنمسا وإيطاليا باعتبارها معارضة رئيسة لهذه الإجراءات، بينما دعمت بولندا ودول البلطيق مثل هذا الحظر.
وتقتضي الحكمة أن يواصل الاتحاد الأوروبي تقليص اعتماده الشديد على إمدادات الطاقة الروسية من أجل الاحتفاظ بنفوذ كبير في النزاعات الحالية أو المستقبلية مع موسكو.
ويتعين على قادة الاتحاد الأوروبي أن يفهموا أن اتخاذ قرار متسرع بشأن إمدادات الطاقة دون بذل العناية الواجبة بشأن العواقب والتعويضات المحتملة سيؤدي بالتأكيد إلى نتائج عكسية على اقتصاداتهم، وقد لا يردع الرئيس فلاديمير بوتين عن مواصلة السعي لتحقيق هدفه في أوكرانيا.
تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتمد النفط الروسي لتلبية ما يقرب من 30% من النفط الذي يستهلكه و40% من الغاز الطبيعي الذي يستخدمه.
استخدام الطاقة سلاحًا
لا يمكن للمستهلك الذي يعتمد على الاستيراد استخدام الطاقة سلاحًا من خلال الحظر دون المخاطرة بالتعرض لإجراءات انتقامية مماثلة من جانب المورد.
لقد وضع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، علامة استفهام بشأن أمن إمدادات الغاز في أوروبا من خلال الإصرار على تبديل الدفع من اليورو إلى الروبل؛ وقد ينطوي تقليص التدفقات إلى أوروبا على مخاطر كبيرة.
علاوة على ذلك، تسبب قرار الاتحاد الأوروبي بالاستغناء التدريجي عن واردات الفحم الروسي في ارتفاع أسعار هذه السلعة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في الأيام الأخيرة.
وتستعد اقتصادات الأسواق الناشئة ذات العتبات المنخفضة للأسعار لنقص الطاقة في الصيف المقبل.
وتعمل مقاطعة الشركات الكبرى والشركات الغربية لواردات النفط الروسي على إبقاء أسعار النفط مرتفعة على الرغم من وجود 180 مليون برميل من احتياطيات النفط الطارئة التي تعهدت الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية بسحبها بين شهريْ مايو/أيار وأكتوبر/تشرين الأول.
واستعادت العقود الآجلة لمؤشر برنت، التي تخلت عما يقرب من 27 دولارًا للبرميل أو ثلثي علاوة الخوف من الحرب في أوكرانيا بدءًا من 11 أبريل/نيسان بعد إعلانات سحب مخزونات النفط من جانب وكالة الطاقة الدولية.
وسيُسحَب نصف هذه المخزونات بحلول 14 أبريل/نيسان على خلفية أنباء تفيد بأن الاتحاد الأوروبي كان يتطلع مرة أخرى إلى فرض حظر على النفط الروسي.
أسواق بديلة للنفط الروسي
قد يجد بعض النفط الروسي الذي رفضه الغرب موطنًا له في الصين والهند، لكن اقتصادات الشحن والتأمين لن تعمل دائمًا لصالح تغيير مسار التدفقات؛ ما يعني أن الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي سيحرم السوق من المزيد من النفط الروسي.
وستولد المخاوف من رد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتقييد استخدام الغاز اضطرابًا متزايدًا في أسواق الطاقة.
وحتى إذا وافق الاتحاد الأوروبي على إطار زمني يمتد لأشهر للاستغناء التدريجي عن واردات النفط الروسية بدلًا من فرض حظر فوري؛ فمن المحتمل أن يؤدي إلى اندفاع فوري بين مستوردي المنطقة لتأمين إمدادات بديلة؛ ما يؤدي إلى تفاقم الفوضى وارتفاع الأسعار.
وستعود الأسعار للاستقرار بعد مدة طويلة، إذا تمكنت روسيا من العثور على مشترين آخرين لكل نفطها المهجور.
مغالطات خطيرة حول البدائل
أخيرًا، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى الحذر من بعض المغالطات الخطيرة التي تدعم الحجج السياسية الحماسية للاتحاد لإغلاق الباب أمام الغاز والنفط الروسيين؛ ما يشير إلى أن البدائل ستنشأ بسرعة وسهولة.
وقد تتمكن الولايات المتحدة، التي تُسهم بثلثي احتياطيات الطوارئ لدى وكالة الطاقة الدولية، من سحب المزيد من النفط الخام ولا تقلق بشأن شرائه مرة أخرى، لكونها مُصدِّرًا صافيًا للنفط.
قد تكون لتحالف منظمة أوبك، والأعضاء خارج أوبك، قدرة محدودة على زيادة الإمدادات، لكنه ببساطة لا يستطيع مواكبة كل انقطاع إضافي في إمدادات الفحم والنفط والغاز قد يكون ناجمًا عن أي عقوبات وحظر إضافي من الاتحاد الأوروبي.
إضافة لذلك؛ فإن حدوث عثرة في العرض أكبر مما تديره أوبك+ حاليًا سيحتاج إلى إعادة تنظيم حصص الأعضاء وعزل روسيا؛ ما يهدد تماسك التحالف.
ويمكن لألمانيا أن تخفض احتياجاتها من الغاز من خلال وقف الاستغناء التدريجي عن محطات الطاقة النووية المتبقية، لكن المرافق تعارض إغلاق المحطات قائلة إن ذلك سيكون مخاطرة كبيرة ولم يؤمنوا المواد الأولية اللازمة.
بدورها، تعمل فرنسا على تعزيز قدراتها في مجال الطاقة النووية، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت، ومن غير المرجح أن يتخلى أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرون عن محطات الطاقة النووية.
وتلجأ بعض الدول الأوروبية حاليًا إلى زيادة استخدام الفحم، وإن زيادة استخدام الفحم إذا لزم الأمر ليست فقط سيئة للبيئة وسعر الكربون في فواتير الطاقة، ولكنها تخاطر أيضًا بتعطيل السياسات، بصرف النظر عن جهود إزالة الكربون المربكة والمعوقة.
من جهة ثانية، تتجه أوروبا إلى الولايات المتحدة وقطر والجزائر ومصدري الغاز الطبيعي المسال الآخرين؛ بحثًا عن المزيد من الغاز.
الحاجة إلى الوقت والاستثمارات
لكن الدول المنتجة للغاز ستحتاج إلى الوقت والاستثمار لرفع قدرات الإنتاج والتصدير، وسوف تحتاج أوروبا إلى الشيء نفسه لتعزيز بنيتها التحتية للاستيراد وإعادة التوزيع.
ويُعد اقتراح إمكانية أن تبدأ أوروبا في رفض الغاز الروسي بسبب الوعد بتقديم خيارات أخرى بكميات غير محددة في وقت ما في المستقبل أمرًا ساذجًا ومثيرًا للضحك.
أما بالنسبة لمصادر الطاقة المتجددة؛ فهي جزء مهم من تحول الطاقة الخضراء، ولكنها محدودة للغاية في قابلية التوسع، خصوصًا لسد فجوة كبيرة نتيجة فقدان إمدادات الفحم والغاز والنفط الروسي إلى أوروبا.
ويُعَد طرح مجموعة البدائل دون أي أرقام محددة حول مقدار استخدام الغاز أو الفحم الذي يمكن أن تستَبدل به الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمدة التي سيستغرقها ذلك، تبسيطًا غير مسؤول للوقائع.
وفي حين أن أوروبا متحمسة لاتخاذ إجراءات سريعة وقاسية ضد بوتين بسبب أوكرانيا، لا ينبغي أن تتحول تجارة الطاقة إلى ساحة معركة، ومن شبه المؤكد أن الدمار سيلقي بظلاله القاتمة على أي انتصارات.
فاندانا هاري، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة "فاندا إنسايتس" لتحليل أسواق الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- إستراتيجية الطاقة في بريطانيا.. 20 شركة عالمية تدعم خطوات لندن (تقرير)
- الطاقة الشمسية في مصر.. تقنية جديدة لتنظيف وتبريد الألواح
- بعد غرق سفينة محملة بالوقود.. جهود تونسية لمنع كارثة بيئية (فيديو)