نفطتقارير النفطرئيسيةروسيا وأوكرانيا

كيف اختلفت سياسة بي بي البريطانية بين الماضي والحاضر مع الأزمات الروسية؟

مي مجدي

بعد الاستثمار في قطاع النفط الروسي لأكثر من 30 عامًا، قررت شركة النفط البريطانية بي بي بيع حصتها في شركة الطاقة الروسية العملاقة روسنفط المملوكة للدولة، وقطع علاقتها مع روسيا، ردًا على غزو روسيا لأوكرانيا.

وفي غضون ساعات من بدء الحرب، استدعى الرئيس التنفيذي لشركة النفط البريطانية بي بي، برنارد لوني، فريقه لمناقشة الخيارات المتاحة التي باتت محدودة أمامه، إما بفصل حصة عملاق الطاقة البريطاني في روسنفط وإما بالانسحاب تمامًا.

وأوضح لوني -خلال اجتماع يوم 24 فبراير/شباط- أنه لا يمكن مواصلة الاستثمار في روسيا، لا سيما أنه كانت لديه بعض التحفظات إزاء حصة بي بي في روسنفط التي تقارب 20%، وهو ما جعل قرار الانسحاب سهلًا.

وفي اليوم التالي، ناقش اجتماع مجلس الإدارة الانسحاب من حصة روسنفط، إلى جانب تأثير هذه الخطوة في الشركة البريطانية، وموظفيها البالغ عددهم 190 موظفًا في روسيا، وأمن الطاقة.

وعلى عكس المدير التنفيذي السابق بوب دادلي، الذي فضّل البقاء في روسيا خلال أزمات مختلفة، مثل أزمة القرم.

الرهان على الطاقة النظيفة

راهن الرئيس التنفيذي برنارد لوني على أن شركة النفط البريطانية يمكنها الانتقال إلى الطاقة النظيفة أسرع بكثير من أقرانها، والاستغناء عن تاريخها الطويل في قطاع النفط الذي يمتد إلى 112 عامًا.

برنارد لوني
الرئيس التنفيذي لشركة النفط البريطانية بي بي، برنارد لوني- الصورة من وكالة رويترز

يأتي ذلك في مقابل إستراتيجية روسنفط، التي تدعو إلى الاستمرار في ضخ النفط ما دام هناك طلب على الوقود الأحفوري.

وقال أحد المديرين التنفيذيين لشركة بي بي إن إستراتيجية روسنفط تتعارض مع إستراتيجية شركة النفط البريطانية، وإسراع لوني للخروج من روسيا يبرز إصراره الواضح.

وفي ظل ذلك، أعرب لوني عن قلقه سرًا إزاء وضع روسنفط في إستراتيجية شركة بي بي لكبار المديرين التنفيذيين الآخرين، إذ أصبح الاستثمار في روسنفط عبئًا على الشركة البريطانية بسبب العزلة السياسية لروسيا منذ عام 2014.

وفي غضون 3 أيام من استدعاء لوني فريقه، أعلنت شركة بي بي أنها ستتخلى عن حصتها في روسنفط التي تبلغ قيمتها 25 مليار دولار، لتصبح أول شركة غربية عملاقة تنسحب من روسيا، حسب وكالة رويترز.

ويمثل الانسحاب السريع خروجًا مأساويًا لشركة النفط البريطانية، أحد أكبر المستثمرين الأجانب في روسيا، لأنه يقضي على نصف احتياطيات النفط والغاز للشركة، وثلث إنتاجها، وقرابة مليار دولار من الأرباح السنوية.

اضطراب أسواق الطاقة

شكلت هذه الخطوة ضغوطًا على شركات النفط العملاقة الأخرى، وحذت حذوها شركة شل ومقرها لندن، وشركة إكسون موبيل الأميركية، وتخلت الشركتان عن استثمارات بمليارات الدولارات في روسيا.

وربما سيكون تنفيذ القرار أكثر صعوبة لهما، فالشركتان تديران مشروعات ضخمة في روسيا، أما بي بي فهي مساهم سلبي في شركة روسنفط، رغم أن لديها مشروعًا نفطيًا مشتركًا مع الشركة الروسية.

ويضيف خروج الشركات الأجنبية العملاقة من الاضطرابات في أسواق الطاقة.

ومع وصول أسعار الغاز والنفط إلى مستويات قياسية، يتوقع المحللون تفاقم معدلات التضخم والركود الاقتصادي المحتمل في الغرب خلال الأشهر المقبلة، وكسادًا حادًا في روسيا.

ومنذ ذلك الحين، قالت الشركات الأجنبية الأخرى إنها ستنسحب من أنشطتها التجارية أو تعليقها نتيجة الغزو الروسي، الذي أطلقت عليه موسكو "عملية خاصة" لنزع السلاح من أوكرانيا، والقبض على قوميين خطرين.

ووفقًا لمصادر رويترز، كان هناك قرار واحد فقط أمام شركة النفط البريطانية لاتخاذه، وكان الخروج الحل الوحيد الناجع.

روسنفط
الرئيس التنفيذي لشركة روسنفط، إيغور سيتشين- الصورة من وكالة رويترز

الخروج من روسيا

في حديثه خلال مؤتمر للطاقة في هيوستن، أول أمس الثلاثاء (8 مارس/آذار)، قال برنارد لوني إن قرار مغادرة روسيا كان "القرار الصائب".

وسبق أن أوضح في بيان للشركة صادر أواخر الشهر الماضي أن الوضع في أوكرانيا جعل الشركة تعيد التفكير في علاقتها مع روسنفط.

بينما اكتفت روسنفط بقولها إنها "تأسف لرحيل شركة بي بي، وإن الأخيرة تعرضت لضغوطات سياسية غير مسبوقة من المنظمين والمساهمين للانسحاب من الشراكة"، دون توضيح تفاصيل.

وفي 28 فبراير/شباط، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الرئيس التنفيذي لشركة روسنفط، إيغور سيتشين، الذي سبق له أن اتهم الدول الغربية باستخدام الطاقة سلاحًا سياسيًا.

وفي اليوم التالي لاجتماع فريق لوني، أعرب وزير الأعمال والطاقة البريطاني كواسي كوارتنغ عن قلقه للرئيس التنفيذي للشركة بشأن المصالح الضخمة لبي بي في روسيا.

ونفت الشركة البريطانية تعرضها لأي ضغوطات سياسية أسهمت في اتخاذ قرارها.

سياسات سابقة مختلفة

على عكس برنارد لوني، لم يتخل سلفه بوب دادلي عن حصة بي بي عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، وسعى ليكون جسرًا للتواصل بين موسكو والغرب.

بوب دادلي
المدير التنفيذي السابق لشركة بي بي بوب دادلي- الصورة من موقع ذا تايمز

وأمضى دادلي عدة سنوات من حياته المهنية في روسيا، وحاول جاهدًا منع العقوبات الغربية المفروضة آنذاك من التأثير في شركة بي بي، واستغل علاقاته الشخصية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس شركة روسنفط سيتشين، وعمل وسيطًا في محادثات دبلوماسية بين القادة الغربيين والروس.

وكانت شركة بي بي قد بدأت إنتاج النفط الروسي بعد وقت قصير من انهيار الاتحاد السوفيتي.

وفي عام 1998، اشترت حصة في شركة روسية منتجة صغيرة، ومن خلال سلسلة من الصفقات حصلت على 19.75% من الشركة الروسية في عام 2013.

وبفضل هذه الشراكة، استطاعت روسنفط الوصول إلى الأسواق المالية العالمية، وشكلت رابطًا مهمًا للكرملين مع الغرب.

لكن برنارد لوني أظهر تردده بشأن حصة بي بي في روسنفط مبكرًا، فمنذ توليه منصب الرئيس التنفيذي للشركة البريطانية في فبراير/شباط 2020، لم يشغل مقعدًا في مجلس إدارة روسنفط إلا بعد 4 أشهر.

في الوقت نفسه، بقي بوب دادلي في مجلس إدارة روسنفط حتى الشهر الماضي.

وقالت المصادر إن برنارد لوني لم يكن يربطه شيء بروسيا، ولم يعمل قط في موسكو، ولم تكن له علاقات مع الرئيس التنفيذي لروسنفط، على عكس بوب دادلي.

توتر العلاقات

ووفقًا للمصادر، توترت علاقة برنارد لوني مع الرئيس التنفيذي لروسنفط سيتشين في بعض الأحيان.

وعندما أعلن لوني خططه لخفض إنتاج شركة بي بي للنفط بحلول عام 2030 ضمن مساعيها لانتقالها إلى الطاقة النظيفة، عقب سيتشين خلال اجتماع خاص مع مديرين تنفيذيين آخرين أن لوني سيدمر كل شيء بناه دادلي.

وعلى مدار العامين الماضيين، حاولت بي بي حث شركة روسنفط على وضع إستراتيجية لتقليل انبعاثات الكربون الخاصة بها، وساعد ذلك في إعلان الشركة الروسية العام الماضي هدفها لخفض الانبعاثات من عملياتها وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

روسنفط
مقر شركة روسنفط في روسيا- الصورة من وكالة رويترز

ومع ذلك، كانت الأهداف أقل بكثير من طموحات بي بي المناخية، إذ ركزت أهداف روسنفط على الانبعاثات الناتجة عن استخراج النفط والغاز، ولم تتضمن أكبر الانبعاثات الناجمة عن بيع الوقود إلى العملاء.

ورغم هذه الاضطرابات، حققت الشركة الروسية أرباحًا للشركة البريطانية، وأشار لوني إلى أن بي بي تلقت 4 مليارات دولار من الأرباح منذ عام 2013.

تأثير القرار

تواجه بي بي عملية شطب ضخمة، وستفقد تدفقًا كبيرًا من الإيرادات، إذ تلقت أرباحًا بقيمة 640 مليون دولار العام الماضي من روسنفط.

وعلى النقيض، تحقق كل من شل وإكسون موبيل مليارات من النفط والغاز سنويًا، بدلاً من أرباح الأسهم، من مشروعاتها الروسية.

وقال رئيس قسم الأسهم في شركة أبردن الاستثمارية البريطانية، أندرو ميلينغتون، الذي يمتلك 0.2% في شركة بي بي، إنه ربما ستكون هناك تداعيات مالية ضخمة من خروج بي بي من روسنفط، لكنه دون شك القرار الصائب.

لكن لا يدعم جميع المساهمين القرار، ويرى أحد مديري الصناديق الذي لديه حصة في الشركة البريطانية أنها تسرعت في اتخاذ هذا القرار الخطير، وقال: "روسنفط تمثل شطرًا مهمًا من نشاط أعمالها".

وعلى صعيد آخر، ارتفعت أسهم شركة بي بي بنسبة 4% منذ بداية الغزو، مدعومة بارتفاع أسعار النفط والغاز.

وحتى أول أمس الثلاثاء، لم يكن لدى الشركة البريطانية مشترٍ لحصتها في روسنفط.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق