حرائق آبار النفط في الكويت.. ذكرى مؤلمة وخسائر مليارية (تحديث)
تم تحديث هذا التقرير بتاريخ 6 نوفمبر 2024
نوار صبح
ما تزال تأثيرات حرائق آبار النفط الكويتية، مستمرة على الصعيدين الاقتصادي والبيئي، إذ فجّرتها القوات العراقية في أثناء غزوها الكويت الذي امتد من أغسطس/آب 1990 إلى فبراير/شباط 1991 بعد تدخل قوات التحالف الدولي لتحريرها.
وأسفر حرق أكثر من 727 بئرًا نفطية عن انبعاث كمية كبيرة من الأدخنة والغازات السامة طوال مدة تقارب 8 أشهر، ووصل مدى السحب الدخانية المرئية إلى مسافة 2000 كم شرق الكويت، إذ وصلت إلى اليونان غربًا وإلى الهند والصين شرقًا.
وبعد مضيّ 3 عقود على هذه الأحداث المأساوية، تبذل الكويت قصارى جهدها للتعافي من الأضرار المدمرة لإحدى أسوأ الكوارث البيئية في العالم، وتنفق المليارات للتخلّص من تداعيات حرائق آبار النفط.
حرائق آبار النفط الكويتية
أشارت مجلة النفط الصادرة عن وزارة النفط الكويتية، في عددها رقم 54 لشهر يوليو/تموز 2019، إلى أن مهندسين عراقيين متخصصين لغّموا آبار النفط بوضع عبوات تفجيرية من مادة "تي إن تي"، إذ لا تسلم أي بئر من التفجير.
ووضع المهندسون شبكات موقوتة مرتبطة بكل 5 آبار مجتمعة ووقّتوا تفجيرها بعد تركيبها في غضون من 3 إلى 6 ساعات، لتسهيل تفجير أكبر عدد ممكن من الآبار، وتركّزَ التفجير في الصمامات الرئيسة في رأس البئر المتحكمة بالإنتاج.
وبحسب المجلة، بلغ عدد الآبار التي لغّمتها وفجّرتها القوات العراقية قبل انسحابها من دولة الكويت 1037 بئرًا موزعة على 11 حقلًا، واشتعلت 727 بئرًا وأطلقت أدخنتها وغازاتها السامة، في حين بلغ عدد الآبار التي كانت تسرّب النفط دون اشتعال 42 بئرًا، ونجت من التفجير 104 آبار.
- قطاع النفط الكويتي.. إنجازات وتحديات - مقال
- وزير النفط الكويتي: قرارات أوبك+ تستهدف استقرار إمدادات الخام عالميًا
وقد شكّلت الآبار التي تعرّضت للتخريب الكامل نحو 72% من إجمالي عدد الآبار التي حُفِرَت في حقول الكويت النفطية المختلفة حتى الأول من أغسطس/آب 1990، وقُدِّرت خسائر القطاع النفطي بـ75 مليار دولار.
وأفاد تقرير صادر عن شركة نفط الكويت بأن البلاد خسرت ما بين 1.5 وملياري برميل من النفط جرّاء حرق آبار النفط، وتعادل هذه الكمية نحو 2% من الاحتياطي النفطي لدولة الكويت.
إخماد حرائق آبار النفط
استغرق إخماد حرائق آبار النفط الكويتية وقتًا طويلًا، إذ استعانت الكويت بشركات عالمية متخصصة، وشارك نحو 10 آلاف رجل إطفاء من 37 دولة في إطفاء الحرائق، بالإضافة إلى فرق الإطفاء الكويتية، وأُخمِدَت النيران في آخر بئر بتاريخ 6 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1991.
وأسهمت 6 فرق إطفاء تابعة لـ3 شركات كندية في إطفاء 194 بئرًا، وشارك 12 فريق إطفاء متخصصًا من 5 شركات أميركية في إطفاء 428 بئرًا، أو نحو 58.5% من العدد الإجمالي للآبار المشتعلة، بحسب ما أورده موقع "إندبندنت عربية".
وأُنشئ فريق وطني كويتي لإطفاء حرائق آبار النفط بالتعاون مع الفرق المتخصصة، وبدأ العمل لإخماد تلك الحرائق في 3 مارس/آذار 1991، وتمت السيطرة على أول بئر محترقة (حقل الأحمدي بئر رقم 24) بتاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1991.
وأنجز الفريق الكويتي لإطفاء الآبار المحترقة مهمته في 7 أشهر، محطمًا كل التوقعات والدراسات التي ادعت أن الآبار لن تنطفئ قبل 3 سنوات، وفقًا لما نشره موقع "جماعة الخط الأخضر البيئية" الكويتية.
وطالت أكبر الأضرار الناجمة عن تفجير آبار النفط الكويتية حقول برقان النفطية جنوب الكويت، وهي منطقة صحراوية قاحلة تبلغ مساحتها نحو 500 كم مربع، وتحتوي أكثر من 100 بحيرة نفطية ملوثة، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
ونقلت الصحيفة عن المستشار البيئي في شركة نفط الكويت، مشاري المطيري قوله إنه عندما زار البحيرة النفطية رقم 105 شديدة التلوث لأول مرة في عام 2015، تمكّن من تجريف التربة للكشف عن تدرج اللون البني، بوصفه مؤشرًا على مستويات التلوث.
ووفقًا لمعهد الكويت للأبحاث العلمية، أُزيل نحو 2.3 مليون متر مكعب فقط من الرمال الملوثة -نحو 10%- اعتبارًا من يونيو/حزيران 2021، وتشمل 1.7 مليون متر مكعب في الشمال، و580 ألف متر مكعب في الجنوب الشرقي، وأن هنالك 19 مليون متر مكعب أخرى بحاجة إلى التنظيف.
الآثار الصحية والبيئية
ذكرت مجلة النفط الصادرة عن وزارة النفط الكويتية، في عددها رقم 54 لشهر يوليو/تموز 2019، أن نحو 6 آلاف برميل ضُخّت يوميًا في مياه الخليج العربي لزيادة حدة التلوث النفطي، وأن حرائق آبار النفط تسببت في انبعاث العديد من الغازات المضرة بصحة الإنسان والتربة والهواء.
وشملت الغازات المنبعثة أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت وكبريتيد الهيدروجين والعديد من المركّبات الهيدروكربونية.
وبحسب المجلة، أشارت إحصاءات وزارة الصحة الكويتية إلى ازدياد نسبة الأمراض التنفسية من 38.6% عام 1989 إلى 56.2% عام 1991 من مجموع المصابين الذين راجعوا المستشفيات الكويتية.
وتسبّب الأدخنة الكثيفة المحمّلة بالمواد الهيدروكربونية والسخام الأثر الكبير في الصحة العامة، وازدادت بلاغات حالات الولادة المبكرة والإجهاض والعيوب الخلقية لدى حديثي الولادة مقارنة بما كان قبل عام 1990، وارتفع عدد المصابين بأمراض الجهازين الهضمي والتنفسي.
وأشارت بعض الأبحاث إلى ارتباط الأمطار النفطية والمواد سريعة التبخر بعدد من الأمراض كالطفح الجلدي واضطرابات في الذاكرة والصداع والخمول وضعف المناعة.
تلوث المياه
ابتداءً من النصف الثاني يناير/كانون الثاني عام 1991، ضخت القوات العراقية محتويات 5 ناقلات نفطية كانت راسية قبالة ميناء الأحمدي ومن بعض الآبار القريبة من الخليج بما يُقدّر بـ6 ملايين برميل.
وفتحت القوات العراقية، في هذه المدة، صنابير ضخ النفط في ميناء الأحمدي لتزيد من حدة التلوث النفطي، وتشكّل نحو 128 بقعة زيتية قبالة السواحل الكويتية والسعودية لتصبح أكبر حادثة انسكاب نفطي في العالم.
ومما زاد من حدة المشكلة تسرّب كميات نفط كبيرة من الخنادق المليئة به التي اتخذتها القوات العراقية خطوطًا دفاعية، لذلك تضررت الكائنات البحرية إلى حد كبير، لأن انتشار النفط على السطح يشكّل طبقة تمنع وصول الضوء الكافي للنباتات والتبادل الغازي.
تلوث التربة
أدت انتشار مياه البحر المستخدمة في إطفاء آبار النفط المحترقة وتكوُّن البحيرات النفطية إلى أضرار كبير في التربة وزيادة ملوحتها وضررها على الحياة الحيوانية والنباتية.
وشكّل النفط المتسرب من الآبار المحترقة 246 بحيرة نفطية غطت مساحة تبلغ نحو 50 كيلومترًا مربعًا بكمية نفط تُقدر بنحو 24 مليون برميل، ومثلت هذه البحيرات حاجزًا بين حبيبات التربة والحيوانات والحشرات والنباتات وأدت إلى اضطراب في النظام البيئي.
إعادة تأهيل المناطق المتضررة
في حديثه مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، في أغسطس/آب 2022، قال وزير النفط ووزير التعليم العالي في دولة الكويت، الدكتور محمد الفارس إنه نتيجة لكارثة حرائق آبار النفط الكويتية تكوّنت أكثر من 300 بحيرة نفطية يُقدّر حجمها بـ5,22 مليون برميل من النفط.
وأوضح أنه يجري تنفيذ برنامج الكويت لإعادة تأهيل البيئة في مناطق العمليات النفطية، الذي يُعد من أكبر المشروعات البيئية لمعالجة التربة الملوثة بالنفط على مستوى العالم.
وأضاف أن الجهود متواصلة للانتهاء من تنفيذ مشروعات إعادة تأهيل المناطق المتضررة نتيجة البحيرات النفطية وأكوام الأتربة الملوثة بالنفط والتسريبات النفطية من المشروعات في نهاية 2024، وفقًا للالتزامات التي حددتها الأمم المتحدة.
وأشار إلى أنه انتُهي من تنفيذ مَرْدَميْن صُمِّما بأحدث الوسائل الهندسية والمعايير العالمية لمنع تسرب الملوثات الى التربة، ويوجد أحدهما في شمال الكويت ويتسع لمليون و700 ألف متر مكعب، والآخر في جنوب حقل برقان، إذ يتسع لـ580 ألف متر مكعب.
وصرّح بأن صيف عام 2022 سيشهد طرح مشروعات مكملة لخطة معالجة التربة المتعلقة بباقي المطالبات البيئية، إذ سيتسنى لنا معالجة المزيد من التربة الملوثة.
اقرأ أيضًا..
- منتجو الطاقة في الخليج العربي أمام تحديات الأزمات الجيوسياسية الجديدة
- صادرات النفط تنعش خزينة العراق بأكثر من 75 مليار دولار في 2021
- الاتحاد الأوروبي: روسيا مسؤولة جزئيًا عن تراجع مستويات تخزين الغاز