هل ترتفع أسعار النفط إلى 150 دولارًا بعد أزمة روسيا وأوكرانيا؟
ومخاوف من ارتفاع أسعار الغاز والذهب وتأثر المعادن بالعقوبات
هبة مصطفى
سرعان ما تتأثر أسعار الطاقة بصورة عامة، وأسعار النفط بصورة خاصة، بالأزمات العالمية والصراعات الجيوسياسية التي قد ينتج عنها قطع الإمدادات أو تحويل مسارها، أو نقص معدلاتها، ما يزيد الطلب عليها ويدفع أسعارها نحو مستويات قياسية.
وقفزت أسعار النفط، في تعاملات اليوم الأربعاء، اذ يقترب برميل خام برنت من 99 دولارًا، في أعلى مستوياته منذ 7 سنوات، تأثرًا بتطورات الأزمة الروسية الأوكرانية.
جاء ذلك بعدما أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اعتراف موسكو رسميًا بانفصال "جمهوريتي" دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا، وأمر بنشر قوّات حفظ السلام فيهما؛ ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على 27 فردًا ومؤسسة روسية تتضمن بنوكًا عدّة.
كما فُرِضت قيود على الوصول لأسواق رأس المال وقيود تجارية بين الاتحاد والمناطق الانفصالية، وطالت العقوبات -أيضًا- 351 عضوًا بالدوما "البرلمان الروسي".
أمّا الولايات المتحدة الأميركية، فقد حظرت التعاون التجاري مع المناطق الانفصالية، مهددة بفرض عقوبات أشدّ بالتشاور مع الجانب الأوروبي، ما يثير التساؤلات حول مصير أسعار النفط والغاز في أسواق الطاقة المدة المقبلة.
توقعات أسعار النفط
اختبر محلّلو جيه بي مورغان، ارتفاع أسعار الخام عند 150 دولارًا للبرميل، وسط مخاوف من اضطرابات إمدادات النفط الروسي وانخفاض المخزونات والإنتاج الفائض، وفق ذي إيدج ماركتس.
وتوقّعت كابيتال إيكونوميكس للاستشارات الاقتصادية -ومقرّها المملكة المتحدة- تعرُّض أسعار النفط إلى سيناريو سيّئ تتراوح بين 120 إلى 140 دولارًا للبرميل.
ويخشى المحللون من تأثير العقوبات التي فُرضت على روسيا، والعقوبات الأخرى المتوقع فرضها من قبل أميركا والاتحاد الأوروبي على الصناعة في موسكو؛ ما يؤدي بصورة كبيرة إلى ارتفاع أسعار النفط.
ويخشى متعاملون من تعرّض أسواق وأسعار النفط إلى "فوضى" نتيجة تغير مسار الإمدادات المتوقع بعد التطورات الأخيرة، إذ تستقبل الدول الأوروبية ما يقرب من نصف صادرات النفط والمكثفات الروسية.
في غضون ذلك، حذّرت بلومبرغ إنتيلغينس من تأثير العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على روسيا في أسعار الطاقة العالمية، وكذلك المعادن والغذاء.
- سهم غازبروم يقلص خسائره.. هل ينجو من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية؟
- أسعار النفط ترتفع 1.5%.. وخام برنت قرب 97 دولارًا - (تحديث)
سيناريوهات الأسعار
بعدما شهدت أسعار النفط دفعة قوية العام الماضي -خاصة في النصف الثاني- تسابق محللون في ختام عام 2021 لطرح توقعاتهم لسيناريو أسعار النفط في ظل توترات جيوسياسية كانت قد بلغت أشدّها نهاية العام الماضي وبداية العام الجاري، وما زالت متواصلة.
وتوقّع رئيس إستراتيجيات الأسهم في مصرف جيفريز الأميركي، كريستوفر وود، وصول أسعار النفط لمستويات 150 دولارًا للبرميل، في ظل الاعتماد العالمي على الوقود الأحفوري.
وأوضح أنه رغم التحرر بصورة كبيرة من الإغلاقات التي فرضتها جائحة كورونا، فإن استمرار الطلب على الوقود الأحفوري في ظل غياب الاستثمارات قد يرفع الأسعار إلى 150 دولارًا، حسبما صرّح في برنامج ستريت ساينز آسيا على قناة سي إن بي سي، مطلع ديسمبر/كانون الأول العام الماضي.
ولفت رئيس صندوق السلع التجارية، دوغ كينغ، إلى أنه بحصد أسعار النفط مكاسب قياسية بلغت 74% عام 2021 محطمة مكاسب عام 2014 المُقدّرة بـ59%، تواصل أسعار الخام الارتفاع إلى مستويات 200 دولارًا للبرميل في غضون 5 سنوات، وفق ما نقلت أويل برايس عن مقابلة له في بلومبرغ الشهر الماضي.
وتوقّع جيه بي مورغان بلوغ أسعار النفط مستويات 125 دولارًا للبرميل خلال العام الجاري، وارتفاعها إلى 150 دولارًا للبرميل العام المقبل، حسبما نقلت عنه رويترز قبل أشهر.
نفط السعودية
بتسجيل أسعار النفط ارتفاعات قياسية، وتوقعات تجاوزها 140 دولارًا للبرميل، تتجه الأنظار لتدفقات النفط من السعودية؛ لكبح جماح ارتفاع الأسعار والحدّ من تأثير فرض العقوبات على الإمدادات الروسية.
لكن المملكة سبق أن أعلنت التزامها بقرار تحالف أوبك+ ومستويات الزيادة المقررة في اجتماعه الأخير.
وكان تقرير أوبك الأخير قد اتّسق مع القرار السعودي برفض زيادة الإنتاج دون المتفق عليه (400 ألف برميل يوميًا حتى أبريل/نيسان)، إذ أشار إلى وجود فائض بالأسواق العالمية يصل إلى 1.4 مليون برميل يوميًا، خلال الربع الأول من العام الجاري؛ ما يؤكد عدم الحاجة إلى زيادة الإنتاج الذي قد يترتب عليه زيادة المعروض، وفق سي إن بي سي.
وكان مسؤولون سعوديون قد أكدوا افتقار أسواق النفط إلى الاستثمارات، إذ رأى الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، أمين الناصر، أن انخفاض الاستثمارات بالقطاع لمستويات غير كافية يؤثر في الطلب العالمي.
وأوضح، خلال مشاركته في فعاليات المؤتمر الدولي لتقنيات البترول لعام 2022، الذي انعقد خلال الأيام الماضية في المملكة، أن هناك سياسات تقوّض استثمارات الطاقة، مشيرًا إلى أنه رغم سير استثمارات أرامكو في المسار الصحيح فإنها لا تعدّ كافية وحدها.
اتفق معه وزير الطاقة، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، مشددًا في تصريحات له على أهمية التوازن في أسواق الطاقة، وإعادة النظر في مطالبات وقف استثمارات القطاع، وأكد أن التحالف يواجه دعوات بزيادة الإنتاج، رغم معوقات الاستثمار.
مصير الغاز
لم تتأثر أسعار النفط وحدها بالتصعيد الذي شهده الصراع الروسي-الأوكراني، الثلاثاء، إذ طال التأثير أسعار الطاقة، وأبرزها "الغاز" الذي أدى دورًا مهمًا في انحيازات عناصر الصراع، وسط تخوّف من تأثير العقوبات على انتظام إمدادات الغاز الروسية التي تعتمد عليها أوروبا بصورة كبيرة.
وتصاعدت المخاوف من ارتفاع أسعار الغاز بالأسواق العالمية، بعدما قررت ألمانيا تجميد مشروع نورد ستريم 2 للغاز الروسي الذي بلغت تكلفته 11 مليار دولار، وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتس أن الموقف الألماني جاء ردًا على اعتراف بوتين بانفصال دونيتسك ولوهانسك الأوكرانيتين.
تأتي تلك العوامل المؤثرة على أسعار الغاز في الوقت الذي تنحسر فيه إمدادات الغاز الروسية، وتواجه المخزونات الأوروبية النفاد، في ظل ارتفاع الأسعار 4 أضعاف خلال العام الماضي.
ويشير التصعيد الروسي الأوكراني والعقوبات التي تواجهها موسكو إلى أن محاولات أوروبا لتعويض نقص مخزون الغاز خلال الصيف تواجه خطرًا ينذر باستمرار أزمة الطاقة حتى الشتاء المقبل.
الذهب والمعادن
لم تنجُ أسعار الذهب من التأثر بالتوتر الروسي الأوكراني، إذ سجلت ارتفاعًا لأعلى مستوياتها في 9 أشهر، بختام تعاملات أمس الثلاثاء.
وارتفعت أسعار العقود الآجلة -تسليم أبريل/نيسان- إلى 1907 دولارات للأوقية، وسجلت العقود الفورية 1902.07 دولارًا للأوقية، وسجلت الأسعار الآجلة والفورية أعلى مستوياتها منذ منتصف العام الماضي.
ويخشى المحللون من تعرّض أسواق المعادن (الألومنيوم والنيكل والبلاديوم والحديد) -أيضًا- لاضطرابات، متأثرة بتوقّف الإمدادات الروسية والعقوبات المتوقع اتّساعها من الجانب الأميركي والأوروبي.
واستشهدوا بالخلل الذي أصاب سوق الألومنيوم عام 2018، بعد فرض عقوبات أميركية على شركة يونايتد روسال "بي جيه إس سي" الروسية للألومنيوم، وهو السيناريو الذي قد يتكرر في تلك الآونة، خاصة بعدما انخفضت أسهم "روسال" في بورصة هونغ كونغ الأيام القليلة الماضية.
وامتدت المخاوف من تطرّق العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا إلى فصلها عن نظام الدفع الدولي "سويفت"؛ ما يشكّل ضربة للصادرات الروسية، خاصة المعادن.
ويواجه منتجو المعادن في أوروبا نقصًا في إمدادات الألومنيوم والزنك، وكذلك البلاديوم الذي تُسهم روسيا بـ40% من إمداداته العالمية.
ويُقدّر محللون أن روسيا تسهم بما يتراوح بين 4 و6% من إنتاج النحاس والألومنيوم والنيكل العالمي.
اقرأ أيضًا..
- وكالة الطاقة الدولية تراقب التأثير المحتمل للأزمة الأوكرانية في أسواق الطاقة
- الغاز المسال.. أميركا توفر 26% من احتياجات أوروبا خلال 2021 (تقرير)
- بخلاف برنت وغرب تكساس الوسيط.. ما أبرز أنواع النفوط عالميًا وعربيًا؟