أسعار النفطالنشرة الاسبوعيةتقارير الغازرئيسيةسلايدر الرئيسيةغازنفط

أسعار الوقود في الجزائر.. تحذيرات من زيادة مرتقبة وخبراء يطرحون حلولًا (خاص)

عماد الدين شريف - الجزائر

تؤكد الحكومة في كل مناسبة أنّ أسعار الوقود في الجزائر -حاليًا- لا تعكس نفقات وتكاليف إنتاجها، وتلوّح بمراجعتها ضمن برنامجها لرفع يدها تدريجيًا عن الدعم الاجتماعي.

في مقابل ذلك، ترتفع أصوات المواطنين، لكون أي زيادة محتملة في أسعار الطاقة وعلى رأسها الوقود، ستكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير، في ظل الانهيار المتواصل للقدرة الشرائية، واستمرار المنحنى التصاعدي لأسعار مختلف المنتجات الأساسية الواسعة الاستهلاك.

وتفوق التكلفة السنوية لدعم الوقود بالنسبة إلى الجزائر 145 مليار دينار (1.03 مليار دولار أميركي)، وقد كلّف دعم الوقود في الجزائر -طبقًا لتصريح وزير الطاقة السابق عبدالمجيد عطار في أثناء عرضه قانون المالية لسنة 2021- نحو 897 مليار دينار جزائري في 5 سنوات (6.38 مليار دولار أميركي).

كما بلغت الديون المخصصة لدعم أسعار الوقود المستورد خلال المدة بين 2015 و2020 نحو 897 مليار دينار جزائري (6.38 مليار دولار) منها 145 مليار دينار جزائري في 2020.

وهي الأرقام التي تستند إليها الحكومة في مسعاها لتأكيد ضرورة إعادة النظر في سعر الوقود الحالي، ضمن خطتها الإجمالية القائمة على مراجعة سياسة الدعم أو ما يُعرف بالتحويلات الاجتماعية، والتخلي عن الدعم المعمم للسعر، وتخصيصه للشرائح المستحقة له من المواطنين من ذوي الدخل الضعيف، بناء على بطاقية وطنية لصب هذا الدعم في شكل منح شهرية، يجري حاليًا الإعداد لها.

أسعار الوقود في الجزائر
وزير الطاقة الجزائري السابق عبدالمجيد عطار

عطار لـ"الطاقة": أسعار الوقود متدنية

قال وزير الطاقة الجزائري السابق عبدالمجيد عطار: إنّ سعر الوقود -بنوعيه البنزين والمازوت- في الجزائر يُعد الأقل ثمنًا في منطقة الشرق أوسط وشمال أفريقيا، من منطلق أنّ هذه المواد مدعمة بصورة واسعة من قبل الدولة، و"هي العملية التي تمس كلًا من الكميات المنتجة من قبل مصانع التكرير المحلية أو تلك المستوردة على السواء".

وأوضح الوزير -في تصريح إلى "الطاقة"- أنّ الملاحظة الأساسية في هذا المجال أنّ أسعار الوقود في الجزائر هي أسعار "إدارية" مقررة من طرف الدولة، وهو الأمر الذي يمكن تحقيقه بفضل كون سعر النفط الموزع على وحدات التكرير الوطنية لإنتاج الوقود بأنواعه المختلفة يخضع هو الآخر لتحديد إداري، يسمح بصفة متوازنة بالحفاظ على سعر الوقود الجزائري في هذا المستوى دون أن يتعرّض نشاط هذه الوحدات من الناحية الاقتصادية أو التجارية للاختلال، لا سيما أن الحكومة لا تهدف من وراء هذه العملية إلى تحقيق أرباح، وإنما إلى تغطية تكاليف إنتاج برميل النفط ونقله نحو محطات التكرير فحسب.

ومن الجهة المقابلة، فإنّ سوناطراك التي تعود لها هذه المحطات -بحسب عطار- تعوّض الضائع في عملية التكرير من خلال النشاطات الأخرى على غرار التصدير، وبالتالي فإنّ تطبيق القواعد الحقيقية للسوق وسعر النفط كونه المادة الأولية في السوق الدولية سيرفع ثمن لتر الوقود بصفة محسوسة، في حين تتدخل الخزينة العمومية من صعيد آخر لتتحمل فارق السعر بالنسبة إلى كميات الوقود المستوردة من الخارج، إذ إنّ الجزائر توقفت خلال سنة 2021، حسب التصريحات الرسمية، من استيراد البنزين، غير أنّ واردات المازوت مستمرة لتغطية الاحتياجات المحلية منه.

في الجزائر.. خامس أرخص وقود عالميًا

على الرغم من الزيادات الأخيرة والمتتالية لأسعار الوقود في الجزائر، فإنّ هذا السعر يظل من بين الأرخص في العالم، إذ تحتل الجزائر المرتبة الخامسة بسعر 0.335 دولارًا للتر، متقدمة على الكويت بـ0.348 دولارًا، ونيجيريا بـ0.401 دولارًا، وتركمانستان 0.428 دولارًا، وكازاخستان بسعر 0.461 دولارًا، وعاشرًا تأتي إثيوبيا بسعر 0.463 دولارًا للتر.

بينما تشير التقارير الدولية في هذا الشأن إلى أنّ فنزويلا تقدم أرخص سعر للتر البنزين الممتاز بقيمة 0.04 دولارًا، ثم إيران 0.06 دولارًا، وسوريا 0.231 دولارًا، وأنجولا 0.267 دولارًا.

وبعد إلغاء تسويق البنزين الممتاز لم يبقَ في السوق الجزائرية سوى نوعين من الوقود هما البنزين الخالي من الرصاص، والمازوت، يُضاف إليهما غاز البترول المميع الذي يُعرف اختصارًا باسم "سيرغاز" أو "جي بي إل"، ويُعد البنزين الخالي من الرصاص الأغلى بسعر يُقدر بـ45.62 دينارًا (0.32 دولارًا أميركيًا)، ثم يأتي سعر لتر المازوت في المرتبة الثانية بـ29 دينارًا جزائريًا (0.21 دولارًا)، وأخيرًا سعر الـ"سيرغاز" الذي يُعد الأرخص على الإطلاق بـ9 دينارات فقط (أي ما يُعادل 0.046 دولارًا).

أحد مشروعات الغاز الجزائري
أحد مشروعات الغاز الجزائري

اللجوء إلى خزانات "جي بي إل"

تبعًا للفرق الكبير بين أسعار الوقود -سواء البنزين الخالي من الرصاص أو المازوت من جهة وسعر غاز النفط المسال "جي بي إل" من الجهة المقابلة- فإنّ العديد من المواطنين استنجدوا بالتزامن مع زيادات أسعار الوقود في الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية بتركيب خزانات جديدة لوقود الـ"سيرغاز" الأقل ثمنًا، للاستفادة من الامتيازات التي يمنحها السعر المنخفض على جيب شريحة واسعة من المواطنين أنهكتهم القدرة الشرائية المتردية.

ويأتي هذا رغم جملة الانتقادات التي يتعرّض لها استعمال هذا النوع من الوقود من حيث سلامته، وتأثيرات استخدامه على المدى الطويل في المحرك والتجهيزات المتعلقة به، بالإضافة إلى إشكالية عدم توافر هذا النوع من الوقود في كل محطات الخدمات المنتشرة عبر التراب الوطني.

ومن هذا المنطلق، ترتفع في المدة الأخيرة طلبات تركيب خزانات غاز البترول المميع في سيارات المواطنين، ناهيك بالناقلين وأصحاب سيارات الأجرة، المعنيين مباشرة بسعر الوقود.

ويكشف عامل في إحدى محطات شركة "نفطال" العمومية، ويدعى محمد، عن أنّ طلبات الانتقال إلى خزانات من نوع "سيرغاز" ارتفعت بشكل ملموس خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ كانت محطة "خروبة" بالعاصمة تُحوّل في مدة سابقة ما معدله 10 سيارات في الشهر، لينتقل العدد حاليًا إلى ما يزيد على 50 سيارة شهريًا.

"الطاقة" التقت على مستوى محطة الخدمات المذكورة مع إسماعيل، وهو سائق سيارة أجرة، الذي أكد أنّ الانتقال إلى هذا الحل أصبح ضرورة تحت طائل التوقف عن النشاط نهائيًا.

وذكر أنّ مردودية النشاط تقلصت في المدة الأخيرة بفعل ارتفاع أسعار الوقود، إذ كشف عن أن التزود بالوقود يكلفه في الشهر الواحد ما يعادل 20 ألف دينار جزائري (142.28 دولارًا)، وهو يرجو تقليص هذه التكلفة إلى ما يعادل 6 آلاف دينار جزائري (42,69 دولارًا) من خلال اللجوء إلى وقود غاز النفط المسال على الرغم من أنّ تركيب هذا النوع من الخزانات يكلف ما يتراوح بين 50 ألف دينار (355.64 دولارًا) و80 ألف دينار (569.02 دولارًا أميركيًا) حسب سعة الخزان.

مسؤول جزائري - جانب من مظاهرات الجزائريين عام 2019 رفضًا لقانون المحروقات - أرشيفية
جانب من مظاهرات الجزائريين عام 2019 رفضًا لقانون المحروقات - أرشيفية

جمعية المستهلك: تحرير الأسعار كارثة

حذّر رئيس جمعية حماية المستهلك وإرشاده في الجزائر، مصطفى زبدي، من تغيير أسعار الوقود في الجزائر بطريقة غير مدروسة، من منطلق أنّ فتح هذا الباب بهذه الطريقة من شأنه التأثير في عموم الأنشطة الاقتصادية، إذ إنّ "المواد الطاقوية والوقود -على وجه التحديد- تدخل في مسار العمل الاقتصادي، فضلًا عن الاستعمال العادي للوقود في مجال النقل في بلد بحجم قارة كالجزائر".

وعلى الرغم من أنّ زبدي قال إنّ سعر الوقود تضاعف وفقًا لقوانين المالية السابقة، فإنّه أشار في المقابل إلى أنّ سعر هذه المادة الطاقوية الأساسية بعيد كل البعد عن سعره الحقيقي، وبالتالي فهو يبقى مدعمًا.

ومن هذا المنطلق أوضح المتحدث أنّ أسعار الكثير من المنتجات الحالية المتداولة على مستوى السوق الوطنية، الصناعية والغذائية منها على السواء، لا تعكس السعر الحقيقي، على اعتبار أنّ تكاليف إنتاجها ونقلها وغير ذلك تستند إلى السعر الراهن للوقود، وعلى هذا الأساس فإنّ أي خطوة تحرير سعر الوقود والتخلي عن الدعم سينعكس جليًا في شكل "التهاب" في أسعار المنتجات محليًا، وهو ما يترجم بصفة كارثية على القدرة الشرائية للمواطنين.

وأردف مصطفى زبدي قائلًا إنّ سعر الوقود الحالي -على الرغم من الزيادات الأخيرة- لا يمثّل سوى ثلث سعره الحقيقي، داعيًا إلى ضرورة معالجة هذا الملف في إطار ما عبّر عنه بـ"سلة" ضمن إستراتيجية للتفكير في حلول عملية للدعم الذي تخصصه الخزينة العمومية وتضخه في كل سنة، لتتحمل هامش الفارق بين السعر الحقيقي وسعر السوق محافظة على الطابع الاجتماعي للجزائر، والمنصوص عليه من بين المبادئ الأساسية في الدستور.

الجزائر - مقر سوناطراك
مقر شركة سوناطراك للمحروقات في الجزائر

تقليص واردات الوقود الوطنية

أكد نائب الرئيس المدير العام المكلف بنشاطات التكرير والبتروكيمياء على مستوى مجمع سوناطراك، بطوش بوطوبة، أنّ الواردات الوطنية من المواد المكررة -لا سيما مادتا البنزين والمازوت- تراجعت خلال السنة الماضية، من منطلق أن الفاتورة انتقلت من مليار دولار إلى نحو 300 مليون دولار فقط، لا تمثّل واردات الوقود وإنّما الإضافات التي تدخل في مسار إنتاج البنزين ونشاطات البتروكيمياء.

وأشار المتحدث، في هذا الشأن، إلى أنّ الهدف المحقق في مجال تقليص الواردات الوطنية من مادة الوقود يرجع في المقام الأول إلى برنامج إعادة تأهيل محطات التكرير الموجودة على مستوى شمال الجزائر، وهو المسار الذي انطلق منذ سنة 2009 بالنسبة إلى محطة أرزيو، التي تبعتها محطة سكيكدة، ثم محطة الجزائر العاصمة التي انتهت سنة 2019 ودخلت مرحلة الإنتاج في شهر يونيو/حزيران 2020، الأمر الذي كان وراء تحسين القدرات الإنتاجية الوطنية لتغطية الطلب المحلي من الوقود.

وتندرج هذه الإستراتيجية في إطار عدم التوجه إلى السوق الخارجية لتغطية الاحتياجات الوطنية من الوقود بأنواعه، لا سيما أنّ الجزائر تنتج المادة الأولية التي تصدرها في شكلها الخام، وبالتالي فإنّ الإستراتيجية الحالية للسلطات العمومية التي تمثلها كل من وزارة الطاقة ومجمع سوناطراك تهدف إلى التركيز على نشاط التكرير ومجال البيتروكيمياء لتغطية هذا العجز، وبالتالي الحفاظ على العملة الصعبة الوطنية وتقليص فاتورة الواردات.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق