تقرير رسمي ينتقد منظومة الإنارة العامة في الجزائر.. ويحذر من مخاطر كبيرة
دينا قدري
تعمل الجزائر على الوفاء بتعهداتها فيما يتعلق بكفاءة الطاقة، في ظل التوجه العالمي نحو تحوّل الطاقة لتبني مواجهة فاعلة لتغير المناخ.
وفي هذا الصدد، أصدرت محافظة الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية تقريرًا باللغة الفرنسية بعنوان "الإنارة العامة في الجزائر - المرجع الوطني لإنارة ذات جودة وموفرة للطاقة"، لاستكشاف طرق تحسين قطاع الإنارة في البلاد، والمشكلات التي تواجهه.
وكانت الجزائر قد أصدرت -في وقتٍ سابق- قرارًا باستخدام إنارة عامة أقل استهلاكًا للطاقة بوصفها أولوية، لتقليص فاتورة الكهرباء للسلطات المحلية.
وأكدت أن هذا القطاع وحده يحشد 2839 غيغاواط/ساعة، أي نحو 60% من إجمالي استهلاك الكهرباء في البلديات، بميزانية سنوية تقارب 15 مليار دينار جزائري (106.9 مليون دولار أميركي).
كفاءة الطاقة في الجزائر
أكد التقرير أن مفهوم تحول الطاقة -الذي يتشكل اليوم في جميع أنحاء العالم- فرض نفسه بوضوح بوصفه العنصر الوحيد الموثوق به للاستجابة إلى المخاوف المرتبطة بالندرة المتوقعة لموارد الطاقة التقليدية، وتأثيراتها الواضحة بشكل متزايد في البيئة.
وعلى الرغم من أن الإستراتيجيات التي جرى تطويرها في هذا الاتجاه محددة بوضوح، فإنه يمكن تلخيصها جميعًا في خطتي عمل أساسيتين: تعزيز كفاءة الطاقة وزيادة استخدام موارد الطاقة النظيفة، مثل موارد الطاقة المتجددة.
ويُعدّ قطاع الإنارة -الذي انخفضت فاتورة طاقته إلى أقل من 15% من إنتاج الكهرباء العالمي في عام 2015، انخفاضًا من 19% في عام 2009- مثالًا جيدًا للتقدم المحرز.
في الواقع، على الرغم من أن احتياجات الإنارة قد تطورت بصفة واضحة مع التوسعات الحضرية المتأصلة، فإن استهلاك الطاقة الإجمالي للقطاع انخفض بشكل كبير مع اعتماد مصابيح جديدة أكثر كفاءة، مثل تلك القائمة على الصمامات الثنائية الباعثة للضوء أو مصابيح "ليد"، بحسب التقرير.
وفتحت هذه المكونات -أيضًا- آفاقًا جديدة في هذا المجال، بقدر ما سمحت بتوسيع ملحوظ لتطبيقات الإنارة المستقلة القائمة على الكهرباء الشمسية الكهروضوئية.
نقص الخبرة واللوائح
على الرغم من أن السلطات العامة في الجزائر قد أصدرت توجيهات واضحة تشجع على استخدام الطاقات المتجددة وزيادة الاعتدال في استهلاك الطاقة، فإنه لا بد من القول إن التقدم على أرض الواقع ما يزال غير واضح.
وغالبًا ما يرجع ذلك إلى الافتقار لإتقان صارم للتقنيات الجديدة، إذ تظل معرفة أصغر التفاصيل عنصرًا أساسيًا لتحسين الخيارات وفقًا للإمكانات المحلية.
علاوةً على ذلك، فإن عدم وجود لوائح وطنية دقيقة في مجال الإنارة بشكل عام، والإنارة العامة بشكل خاص، يترك مجالًا كبيرًا للارتجال من جانب الإدارات المسؤولة عن وضع المواصفات للاستجابة إلى الطلب.
وتستخدم الإضاءة العامة -التي تهدف أساسًا إلى تجهيز المساحات المفتوحة (الطرق والساحات العامة وأماكن الترفيه وما إلى ذلك)- وحدات إنارة تلبي معايير محددة جيدًا، سواء من حيث المتانة مقابل المخاطر المختلفة الكامنة في انتشارها بالخارج، أو أداء الإضاءة الداخلي (كفاءة الإضاءة وجودة الضوء وما إلى ذلك).
مجمع الإنارة العامة في الجزائر
أصدرت المصالح العامة المختصة في وزارة الداخلية والسلطات المحلية والتخطيط نتائج الإحصاء الأخير لجميع نقاط الإنارة المكونة لمجمع الإنارة العامة في الجزائر وطبيعة مصادر الإنارة المستخدمة، نحو عام 2018.
الملاحظة الأولى التي أوردها التقرير هي أن حصة مصابيح الزئبق كبيرة جدًا، وأن استبدالها التدريجي وفقًا للتعميم الوزاري الصادر في 5 فبراير/شباط 2018، قد يستغرق وقتًا طويلًا، دون معرفة مدة تشغيل تلك التي تعمل، وكذلك حالة المخزونات الموردة قبل التعميم.
على أي حال، سيستمر استخدام جزء كبير من الـ3 ملايين مصباح تفريغ (الزئبق والصوديوم) لعدة سنوات مقبلة، لأن استبدال مصابيح "ليد" بها قبل الأوان سيكون مكلفًا للغاية وغير منطقي اقتصاديًا.
في مواجهة هذا الواقع، ما يزال يتعيّن معالجة الموجود لمحاولة جعله أكثر كفاءة في استخدام الطاقة خلال دورة الحياة المتبقية له، وتحقيق مكاسب كبيرة للطاقة في نهاية المطاف يُمكن أن تبرر بشكل كبير تكلفة العملية.
وحول استبدال المصابيح القديمة القائمة على الزئبق والصوديوم، التي وصلت إلى نهاية دورتها وحتى نفاد المخزون الاحتياطي القياسي، يُوصى بالتبديل إلى مصابيح "ليد" ولكن بعد دراسة متأنية لاختيار الطراز الذي سيجري تبنيه.
تقييم وتوصيات
شدد التقرير على أن استهلاك الكهرباء في الإنارة العامة في الجزائر أدى إلى عدد قليل جدًا من التحليلات الموضوعية، من أجل الكشف عن الأسباب الحقيقية للزيادة غير المتناسبة، واتخاذ الإجراءات اللازمة.
وفي الواقع، لا يبدو أنه قد جرى وضع أي خطة ملموسة لمراقبة أداء الطاقة للأنظمة المنتجة، حتى في الحالة التي كان فيها ذلك موضوع إرشادات واضحة، ما أدى إلى إنجازات مكلفة نتيجة لذلك.
وهذا الوضع، بالتزامن مع الغياب المزمن للوائح دقيقة في هذا المجال، التي يمكن أن تكون على الأقل بمثابة حصن نظري بحت ضد التجاوزات الأولية، لا يترك في الواقع مجالًا كبيرًا لأي تقدم تكون فيه إستراتيجية كفاءة الطاقة صادقة ويُمكن الاعتماد.
ولذلك، هناك ضرورة لترتيب الأولويات بشكل صحيح وتحسين وضع القطاع، بدءًا من توضيح الصلاحيات المخصصة للخدمات المختصة مع السلطات المحلية، مع تزويدها بكل الوسائل التي تمكنها من العمل محليًا، أو إشراك بعض القدرات الإقليمية أو حتى الوطنية.
مع أخذ ذلك في الحسبان، وفي انتظار إنشاء مختبرات معتمدة قانونًا لإصدار شهادات ضمان الجودة لأي منتج يُطرح في السوق الوطنية، لا شيء يمنع في كثير من الأحيان إجراء اختبارات بسيطة محليًا، من أجل اتخاذ قرار مسبق بشأن قدرة جهاز معين على أداء الوظائف المطلوبة بشكل صحيح.
العجز في التنظيم والصيانة
من الواضح أن هناك حاجة ملحة للخروج من هذا الوضع في أسرع وقت ممكن، لأنه من المرجح أن يكون للإجراء المنفذ في ظل الظروف الحالية تأثير سلبي ودائم في التقدم المتوقع من حيث الجودة والإضاءة العامة الموفرة للطاقة.
ونظرًا إلى نشرها في الأماكن المفتوحة، من الواضح أن مصابيح الشوارع المخصصة للإنارة العامة معرضة للمخاطر المناخية وغيرها، فضلًا عن عمليات الصيانة المعروفة.
إذ تبدو عمليات الصيانة الفعلية لتركيبات الإنارة العامة نادرة جدًا، بصرف النظر عن التدخلات المطلوبة لاستبدال المصباح أو الجزء المعيب.
كما تظهر العديد من الملاحظات الحقيقية أن عمليات الصيانة لم يجر التخطيط لها، إذ تكون عمليات التنظيف الدورية على الأقل ضرورية للغاية، كما يتضح من مصابيح الشوارع الشمسية التي لم تتلق وحداتها الكهروضوئية عملية تنظيف واحدة منذ تركيبها.
وبالتالي، من الواضح أن هناك فجوة كبيرة بين الاهتمام المشروع بتوفير الكهرباء في الإنارة العامة من ناحية، ثم دفع ثمن باهظ للتركيبات التي يمكنها أن تظل تعمل وتوفر إضاءة مفيدة بشكل مستقل لمدة طويلة.
معايير اختيار المصابيح البديلة
منطقيًا ومثل أي مكان آخر، كان اعتماد مصابيح اللّيد بوصفها مصدرًا رئيسًا للضوء في الإنارة العامة في الجزائر، يحركه أساسًا الاهتمام بكفاءة الطاقة في هذا المجال.
وبالتالي، تتمثّل ترجمة ذلك في الممارسة العملية في استبدال المخزون الحالي بمصابيح اللّيد، التي تتكون أساسًا من مصابيح الصوديوم (62%) والزئبق (36%)، وفقًا للإحصاءات المتاحة لعام 2018.
ومع ذلك، فإن العملية التي بدأت قبل بضع سنوات ووصلت عمليًا إلى سرعة عالية، لا سيما في بعض المدن الرئيسة في البلاد، تجري بطريقة غير منظمة، إذ لا يوجد معيار يسمح بالاختيار الصحيح لمصابيح اللّيد البديلة.
وهكذا، مع الأخذ في الحسبان حالة ولاية الجزائر، فقد جرى تحديد المواصفات القياسية في عام 2019، إذ حُددت 5 مستويات للطاقة لمصابيح اللّيد (من 50 إلى 250 واط) مع فاعلية إضاءة لا تقل عن 120 لومن/واط.
الطاقة الشمسية ومشكلة الحرارة
توضح المعايير الفنية -الضرورية لتوجيه الاختيار النهائي لبطاريات التخزين، وفقًا للمتطلبات المحددة للإنارة بالطاقة الشمسية- أنه من المستحيل تجنُّب اللجوء إلى حلول وسط معينة، التي يمكن أن يكون لنتائجها تأثير دائم في جودة الخدمة العامة المتوقعة.
ويُعدّ هذا أمرًا بالغ الأهمية، نظرًا إلى وجود غياب تام للمعايير المطبقة في مجال البطاريات على المستوى الوطني، لا سيما حول جودة التشغيل في الطقس الحار.
إذ غالبًا ما تتعارض درجات الحرارة المحيطة المحلية مع الحدود التي أشار إليها المصنعون من المحتمل أن تكون ضارة للغاية.
وفي الواقع، جميع البطاريات المعروضة في السوق -بما في ذلك تلك التي تُعد ذات أهمية قصوى لتطبيق الإضاءة الشمسية- تعمل عمومًا في درجة حرارة محيطة تبلغ 20 درجة مئوية.
ومن المعروف أن درجة الحرارة لها تأثير قوي في الكيمياء الكهربية للبطارية التي تخضع بالتالي للشيخوخة التي تزداد تسارعًا، نظرًا إلى ارتفاع درجة حرارة التشغيل المفروضة، ما أدى إلى انخفاض كبير في عمرها الافتراضي.
ويُمكن أن ينخفض عمر البطارية الافتراضي إلى نصف ذلك المعروض في البداية لكل ارتفاع بمقدار 10 درجات مئوية، أي لدرجة حرارة محيطة تبلغ 30 درجة مئوية فقط.
ومن ناحية أخرى، مع العلم بالمناخ الحار النموذجي للجزائر والتأثير المتضخم للتعرض المباشر لأشعة الشمس، فإن السؤال ذي الصلة يبرز فيما يتعلق باستخدام وضع الإنارة دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
ومن بين هذه الاحتياطات، لا يمكن إهمال الظروف المناسبة للتشغيل السليم للبطارية، دون تجاوز الحدود المشار إليها بإصرار من قبل الشركات المصنعة نفسها، لا سيما ظروف درجة الحرارة بالنظر إلى المناخ والبيئة المحلية.
وفي هذه الحالة ووفقًا للتقديرات المستخلصة بدقة من ظروف تشغيل مصباح الشارع بالطاقة الشمسية، أشار التقرير إلى أنه لم يعد من الممكن استبعاد حل وضع البطاريات في فتحة مجاورة لمصباح الشارع.
اقرأ أيضًا..
- مؤتمر إيجبس 2022.. رسائل باركيندو من القاهرة حول المناخ وسوق النفط
- خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي.. تطورات المشروع وعقبات قد تعرقل إنجازه
- بطاريات السيارات الكهربائية.. الشركات الصينية تتفوق على الكورية الجنوبية في 2021