تأخر واردات الغاز الإيراني إلى تركيا في فبراير يهدد الصناعات (مقال)
محطات التوليد التركية تستخدم وقودًا بديلًا
أومود شوكري - ترجمة: نوار صبح
ينتهي العقد الحالي، الذي تستورد بموجبه تركيا نحو 9 إلى 10 مليارات متر مكعب من الغاز الإيراني سنويًا، في عام 2026، ولم تُعقَد مفاوضات لتمديده حتى الآن.
ولم تواجه تركيا أي مشكلات في توريد الطاقة، عندما انفجر خط أنابيب الغاز الإيراني إلى تركيا في مارس/آذار 2020، دون استيراد الغاز من إيران حتى يونيو/حزيران 2020، كما تزايد اعتماد تركيا على المصادر الخارجية لتلبية احتياجات استهلاك الطاقة الأولية سنويًا.
وارتفعت نسبة الاعتماد على المصادر الخارجية في مجال الطاقة من 67% في العقد الأول من القرن الـ21، إلى 74% في عام 2020، ولهذا السبب أدى اضطراب الواردات الخارجية إلى حدوث أزمة في تركيا.
تضرُّر قطاع الكهرباء في تركيا
لجأت محطات توليد الكهرباء الأهلية في تركيا إلى استخدام الوقود البديل عند انقطاع إمدادات الطاقة، في السنوات الماضية، وأصبح القطاع الخاص يتولى -مؤخرًا- إنتاج معظم الكهرباء في تركيا.
وفي حين أن حصة القطاع العام في توليد الكهرباء بلغت 87.2% في عام 1984، فقد انخفضت إلى 18.1% بحلول عام 2020.
وأدى توقف صادرات الغاز الطبيعي الإيراني إلى تركيا إلى توقف الإنتاج في عدد من المصانع التركية، ووجهت أنقرة انتقادات إلى طهران، وقالت إن إيران لم تلتزم بالأحكام الفنية لعقود تصدير الغاز بين البلدين.
وأدى انقطاع الغاز المستورد من إيران إلى انخفاض تدفق الغاز إلى الصناعات الكبيرة ومحطات الكهرباء بنسبة تصل إلى 40%، وأرجعت إيران سبب الانقطاع إلى مشكلات تقنية وتسرب غاز في خط أنابيب الغاز وإصلاحاته.
وقد توقفت آلاف المؤسسات الصناعية في مدينة إسكي شهر و81 مقاطعة عن العمل، منذ الأسبوع الماضي، ولم تعد قادرة على التصنيع، ما أسفر عن خسائر في الإنتاج والتصدير تقدّر بمليارات الدولارات.
تُجدر الإشارة إلى أن تركيا تعتمد -إلى حد كبير- على روسيا وجمهورية أذربيجان وإيران، لتوفير احتياجاتها من الغاز الطبيعي.
تأثُّر الاستهلاك
نتيجة لانقطاع واردات الغاز، ارتفع استهلاك الغاز في جميع أنحاء تركيا إلى مستوى قياسي في 19 يناير/كانون الثاني، بسبب ظروف الشتاء، وبلغ مستوى 290 مليون متر مكعب يوميًا.
ومع بدء شركة الطاقة الحكومية التركية "بوتاش" في تنفيذ قطع الغاز عن المنشآت الصناعية ومحطات الكهرباء، تراجع الاستهلاك اليومي إلى 225-226 مليون متر مكعب، وأُعلن تخفيض 60-65 مليون متر مكعب.
وحتى لو لم يكن قرار إيران بقطع الغاز موضع تساؤل، فستظل تركيا تواجه صعوبات في الحفاظ على توازن العرض والطلب من حيث تلبية احتياجات الصناعة وتوليد الكهرباء والاحتياجات المنزلية في ظروف الشتاء.
- انفجار خطّ أنابيب يوقف تدفّق الغاز الإيراني إلى تركيا
- أزمة الغاز الإيراني.. تركيا تفرض قيودًا على استهلاك المصانع للكهرباء
وستصبح إمدادات الغاز إلى تركيا مشكلة بالنسبة إلى إيران، خصوصًا مع استمرار ظروف الشتاء الحالية، ومن الضروري توضيح أنه رغم عودة الإمدادات فإن إيران قد تواجه أزمة.
فوفق توقعات تركيا، فإنها ستعاني للأسف هذه المشكلة بسبب غياب الغاز لملء المستودعات أو الوسائل الإضافية التي يمكن أن تلبي بالكامل 60 مليار متر مكعب من الغاز الذي تحتاجه تركيا هذا العام بصورة ضمن استقرار الإمدادات واستمرارها.
تُجدر الإشارة إلى أن شراء الغاز الطبيعي المسال الفوري لن يساعد في حل المشكلة نظرًا إلى نفاد السعة.
الردود الرسمية
نُقِل عن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، قوله في اجتماع مع ممثلي القطاع قبل الخفض المقرر في الصناعة، وبعد أن أوقفت إيران تدفق الغاز الطبيعي، إن تركيا أرادت ذلك بعد انقضاء أشهر الشتاء، لكن إيران قالت إن ذلك غير ممكن.
ويرى بعض السياسيين أن انقطاع إمدادات الغاز الطبيعي الإيراني عن تركيا ينطوي على مضامين ورسائل.
ويذكر أن الوزير فاتح دونماز قال إن توقف إمدادات الغاز الطبيعي من إيران يؤثر في نصف عمليات الإنتاج، وأنهم يحاولون إدارة المشكلة من خلال الصناعة على أساس عدم قطع الغاز عن المدن.
وبعد أن أوقفت إيران تدفق الغاز الطبيعي إلى تركيا لمدة 10 أيام على أساس "عطل تقني"، قررت وزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية تقنين استهلاك الغاز الطبيعي بنسبة 40% في الصناعة ومحطات الكهرباء.
واتصل الرئيس رجب طيب أردوغان هاتفيًا مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 23 يناير/كانون الثاني. وبسبب موارد الغاز المحدودة، توقفت خطوط إنتاج المصانع حتى إشعار آخر.
وقد حذّر منتجو المواد الغذائية من أن انقطاع التيار الكهربائي لمدة 72 ساعة، الذي أعلنته الحكومة، يهدد الأمن الغذائي وكذلك سلامة المواد المخزنة في المستودعات، وبدأت تركيا في استخدام خزان طوز غولو بدلًا من واردات الغاز الطبيعي بعد توقف التدفق.
ووفقًا لخبراء الطاقة، فإن خزان في طوز غولو يحتوي كميات من الغاز تكفي للاستخدام لما يقرب من 6-7 أيام، وأن "غاز الحقن"، الذي يسمح بالحصول على كمية كافية من الغاز.
ويُعدّ هذا الإجراء خطأ كبيرًا وخطيرًا من الناحية التقنية، وإذا استمر الوضع الحالي، بعد 6-7 أيام، فسينفد الغاز في الخزان وسيتوقف نظام التشغيل. لذلك تكمن أسباب الأزمة في قصور الرؤية وانعدام الكفاءة.
تفاقم الأزمة
بالإضافة إلى مشكلات التخزين، لا تُستخدَم اتفاقيات خطوط الأنابيب الحالية وقدرات خطوط الأنابيب بشكل صحيح، إذ يجب التأكيد على أن الاتفاقات التي جرى التوصل إليها، خاصة في أذربيجان، لا يمكن تجديدها بطريقة صحيحة.
وفي حين أن حصة الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء كانت 22% في عام 2020، فقد ارتفع هذا المعدل إلى 32% في عام 2021، ومن الممكن أن تنتقل الانقطاعات في الصناعة إلى المساكن أيضًا.
ويُعتقد أنه إذا تعطلت عمليات الشراء الفورية من أذربيجان بسبب الظروف الجوية، فقد تتفاقم الأزمة. ويُعتقد أن إلغاء مشروع شرق المتوسط "إيست ميد" يقف وراء خطوة إيران بوقف تدفق الغاز إلى تركيا، واستخدام الأعطال التقنية بمثابة ذريعة.
وفي إشارة إلى المكالمة الهاتفية بين الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في نهاية الأسبوع، أشار المحرر الصحفي لدى صحيفة صباح التركية، ديليك غونغور، إلى أن عودة إمدادات الغاز الطبيعي من إيران قد بدأت جزئيًا.
وأضاف ديليك غونغور أن وفدًا برئاسة نائب وزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار عقد محادثات في طهران مع وزارة الطاقة وشركة الغاز الوطنية (إن آي جي سي) في إيران.
تضرُّر القطاعات الصناعية
سيؤثر انقطاع التيار الكهربائي في جميع قطاعات الصناعة الثقيل، خصوصًا إنتاج الغذاء الأساسي، وكذلك السيارات والمنسوجات، والحديد والصلب، إذ يجب ضمان استمرارية الإنتاج.
وسوف يقع المزارعون ضحايا انقطاع الإمدادات والكهرباء مرة أخرى، ولن تتمكن مصانع الألبان، التي تعتمد على شراء الحليب يوميًا من المزارع، من معالجة الحليب.
وأظهرت مشكلات الاقتصاد والصناعة، بعد توقف صادرات الغاز من إيران، أن سياسة تنويع مصادر الطاقة لم تنجح حتى الآن، إذ وضعت مشكلة إيران خط أنابيب الغاز الطبيعي - تركيا في موقف صعب بحجة إجراءات الإصلاحات.
وقد وفّر هذا الإجراء شروطًا لتمديد عقد تصدير الغاز الإيراني إلى تركيا، لكن إذا فشلت تركيا في استيراد الغاز الطبيعي من إيران في فبراير/شباط واستمر الطقس البارد، فستواجه أزمة طاقة كبيرة.
*الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
اقرأ أيضًا..
- محطات الفحم.. أزمة الطاقة تدفع أوروبا لغض الطرف عن التحديات المناخية
- حقول النفط الرقمية.. حلول لزيادة الإيرادات وتحقيق الاستدامة في أفريقيا
- الكهرباء في تنزانيا.. قطع التيار لمدة 10 أيام لإعادة تأهيل محطات الإنتاج