الهند.. منافسة بين القطاعين العام والخاص للاستثمار في الطاقة النظيفة
وشكوك حول صعوبة اعتماد الفحم وقودًا أساسيًا لتوليد الكهرباء
مي مجدي
يكتسب التحول إلى الطاقة النظيفة زخمًا في جميع أنحاء العالم، والهند ليست استثناءً من ذلك.
ففي الشهور الأخيرة، اعتمدت أكبر شركات القطاع الخاص في الهند التزامات طموحة لسرعة التحول إلى الطاقة النظيفة وتخصيص استثمارات بمليارات الدولارات في مصادر الطاقة المتجددة.
ومن بين هذه الشركات، أعلنت ريلاينس العملاقة عن استثمارات بقيمة 750 مليار روبية هندية (10 مليارات و117 مليون و635 ألف دولار أميركي) في التكنولوجيا الخضراء، أمّا عملاق الحديد والصلب أرسيلور ميتال، فتعهّد باستثمار مبلغ 190 مليار روبية هندية في مشروعات الطاقة الشمسية.
(1 روبية هندية = 0.013 دولار أميركي).
في الوقت نفسه، تخطط شركة أداني الهندية لتصبح أكبر شركة للطاقة النظيفة في العالم بحلول عام 2030.
ويبشّر هذا التنافس بين أغنى رجال الأعمال في الهند للسيطرة على الطاقة النظيفة بفصل جديد في ازدهار الطاقة المستمّدة من الموارد الطبيعية، لكن ما تزال تعهدات القطاع العامّ (بي إس يو) تحجم عن المشاركة والمخاطرة في الطاقة الخضراء.
وتعهُّد القطاع العامّ يُطلَق على المؤسسات المملوكة كليًا أو جزئيًا لحكومة الهند، وكانت تضم 5 شركات فقط منذ 1951، لكن في مارس/آذار 2019، ارتفع عدد الشركات إلى 348.
القطاع العامّ
منذ استقلال الهند -ثالث أكبر اقتصاد في آسيا- تؤدي مؤسسات القطاع العام دورًا حيويًا في الاقتصاد الهندي، وخاصة قطاع الطاقة، إذ خلقت ملايين فرص العمل وتدرّ إيرادات للحكومة.
فأكثر من 50% من توليد الكهرباء في البلاد يملكه القطاع العامّ، في حين تستحوذ شركتان تابعتان للدولة على نحو 90% من إنتاج الفحم في البلاد.
أمّا شركات النفط المملوكة للقطاع العامّ مسؤولة عن 57% من عمليات التكرير والتوزيع.
ورغم اتجاه شركات القطاع الخاص للاستثمار في الطاقة المتجددة، فإن القطاع العامّ يواصل الإنفاق على تعدين الفحم واستكشاف وتكرير النفط والغاز وتوليد الكهرباء الحرارية.
استثناءات
مع استمرار الضغوط للتحول إلى الطاقة النظيفة، أدركت بعض شركات القطاع العامّ ضرورة التكيف مع الوضع الجديد، وأبرز مثال على ذلك هو تحديد شركة (إن تي بي سي) هدفًا للوصول بقدرات الطاقة المتجددة إلى 60 غيغاواط بحلول عام 2032.
كما تتهيأ شركة غايل الهندية لخفض غازات الاحتباس الحراري، في الوقت الذي تتجه فيه شركة فحم الهند المحدودة، المسؤولة عن غالبية إنتاج الفحم في البلاد، لتصنيع الرقاقات الشمسية.
علاوة على ذلك، جذب الهيدروجين الأخضر اهتمام الكثير من شركات تسويق النفط الهندية، وأعلنت مؤسسة النفط الهندية (آي أو سي إل) عن خطط لبناء مصنع للهيدروجين الأخضر في البلاد داخل مصفاة ماثورا التابعة لها.
ورغم هذه الاستثمارات، لم تتمكن مؤسسات القطاع العامّ من تجاوز منافسيها في القطاع الخاص وتخاطر بالتخلف عن الركب.
ويرى خبراء أن تعهدات القطاع العامّ يجب أن تتدخل بالتزامات مالية ضخمة في الطاقة النظيفة لضمان تحقيق أهداف الهند لإزالة الكربون وخفض الانبعاثات.
ولن يحدث ذلك إلّا بالاستفادة من الميزانية العمومية لمؤسسات القطاع العامّ، والتوقف عن تمويل مشروعات الوقود الأحفوري كما فعلت بريطانيا والولايات المتحدة.
وفي حال فشل هذه المؤسسات في تصفية أصول الوقود الأحفوري، فإنها ستشهد ارتفاعًا في تكاليف رأس المال، وتراجع العائدات.
وتؤدي الحكومة المركزية دورًا رئيسًا في إقناع مؤسسات القطاع العامّ بزيادة الاستثمارات في الطاقة النظيفة، وسمحت لها بزيادة الانفاق الرأسمالي لدعم الانتعاش الاقتصادي في الهند بعد جائحة كوفيد-19، مع التركيز على كبح الاعتماد على الوقود الأحفوري، واستبدال الهيدروجين الأخضر والرياح البحرية به.
هل يمكن استبدال الفحم؟
الهند هي ثالث أكبر مصدر للغازات المسبّبة للاحتباس الحراري في العالم، وثاني أكبر مستورد للفحم، على الرغم من امتلاكها رابع أكبر احتياطي في العالم.
ويعمل أكثر من 4 ملايين شخص في صناعة الفحم في البلاد، إذ تُعدّ شريان الحياة للاقتصاد الهندي والمجتمعات المحلية الفقيرة.
وفي العقد الماضي، تضاعف استهلاك الفحم في الهند تقريبًا، وتواصل الدولة استيراده بكميات كبيرة، مع التخطيط لفتح عشرات المناجم الجديدة في السنوات المقبلة.
وحثّت الهند المرافق على استيراد الفحم، مع زيادة توليد الكهرباء المعتمدة على الفحم بعد تخفيف القيود المتعلقة بفيروس كورونا.
لذا لدى بعضهم شكوك من أن الهند قادرة على استبدال أيّ مصادر أخرى بالفحم، خاصة أن تركيب مصادر الطاقة المتجددة كان أبطأ مما كان متوقعًا في وقت زاد فيه الطلب على الكهرباء أكثر من 13%.
وأدى ارتفاع تكلفة استيراد الفحم والغاز الطبيعي المسال مع انخفاض توليد طاقة الرياح إلى زيادة أسعار الكهرباء.
ويرى المحللون أن توليد الطاقة من الفحم يمكن أن ينخفض مع تحوّل كبرى الشركات إلى الطاقة النظيفة، ومن المتوقع انخفاض حصة توليد الفحم في الهند إلى 50% في أوائل العقد الثالث من القرن الحالي، مقابل أكثر من 70% في الوقت الحالي.
تحوّل الطاقة
تسعى الهند لتحقيق هدفها الطموح لزياد قدرة الطاقة المتجددة إلى 450 غيغاواط بحلول عام 2030، وسيساعدها ذلك في تحقيق أهدافها المناخية.
وبحلول ذلك الوقت، ستمثّل مصادر الطاقة منخفضة الكربون أكثر من 60% من إجمالي قدرة الطاقة في الهند، وهي نسبة أعلى بكثير مما التزمت به بموجب اتفاقية باريس.
وسيؤدي تعزيز استثمارات الطاقة النظيفة إلى مكاسب سريعة، منها خلق فرص عمل وفرص اقتصادية جديدة.
ووفقًا لمجلس الطاقة والبيئة والمياه الهندي، فإن تحقيق 450 غيغاواط من مصادر الطاقة المتجددة سيوفر فرص عمل لأكثر من نصف مليون عامل.
وبالنسبة إلى بلد يسكنه سدس سكان العالم، يجب عليها استغلال ذلك لإيجاد وظائف جديدة لعمال مناجم الفحم بمجرد غلق محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالوقود الأحفوري.
اقرأ أيضًا..
- إيران تبدي استعداداتها لتمديد اتفاقية توريد الغاز إلى العراق
- السعودية.. عروض بـ4 مليارات دولار لتمويل مشروع بتروكيماويات في الجبيل