رئيسيةطاقة متجددةغازكهرباءمقالات الطاقة المتجددةمقالات الغازمقالات الكهرباء

مقال - أزمة كهرباء تكساس: أسئلة وأجوبة!

تشجيع طاقة الرياح على حساب المصادر الأخرى فاقَم الأزمة

-

أنس الحجي*

لو كانت تكساس دولة مستقلة بالإمكانات الموجودة حاليًا، لكانت الدولة الأولى في العالم بتجارة النفط، وضمن أوائل الدول في إنتاج النفط والمكثفات والسوائل الغازيّة وعمليات التكرير، ولتحوّلت إلى قبلة لكبار الشركات والمصارف وشركات التأمين، وقررت عدّة شركات كبرى الانتقال من كاليفورنيا إلى تكساس، بما في ذلك تويوتا وتيسلا.

ما حصل في تكساس هو انهيار نظام كامل، في مختلف الصناعات، وفي كل المجالات، ومن ثم، فإن الخلاف عن سبب انقطاع الكهرباء والمصدر الذي سبّب ذلك، هو خلاف صغير في جزئية بسيطة، مقارنةً بالخلل الكبير في النظام نفسه.

السبب المباشر للانهيار هو عاصفة ثلجية صاحَبها انخفاض كبير في درجات الحرارة وصقيع، لم تشهده تكساس منذ 126 عامًا، ورغم توقّع العاصفة والاستعداد لها، إلّا أن الاستعداد لم يكن كافيًا، ونتج عن ذلك توقّف التكنولوجيا والمواصلات والاتصالات.

أزمة كهرباء تكساس

بدايةً، لابد من توضيح أن مشكلات الكهرباء وإدارة سوق الكهرباء في تكساس قديمة ومتكررة، وأن المشكلة الأساسية هي مشكلة أنظمة، وأنه لو اتُّبِعَت توصيات التقرير الذي صدر في عام 2011 لما حدث ما حدث، إلّا أن توصيات التقرير نفسها تتناقض مع النظام نفسه، ومن ثم فإن تطبيقها يعني تغيير النظام، لذلك لم تطبَّق.

ارتفع الطلب على الكهرباء إلى مستويات تاريخية بسبب الموجة الثلجية مع الصقيع والانخفاض الكبير في درجة الحرارة. وفي الوقت نفسه، تجمّد عدد كبير من العنفات الهوائية، وغطت الثلوج والجليد الألواح الشمسية، ابتداءً من يوم 9 فبراير/شباط الجاري، ومعه انخفض توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة بشكل ملحوظ، وبأقلّ مما توقعته الهيئة المنظّمة للكهرباء، والتي تسمّى اختصارًا "إركوت".

مشكلات الكهرباء وإدارة سوق الكهرباء في تكساس قديمة ومتكررة

نتج عن ذلك انخفاض كبير في كمية احتياطي الكهرباء، وهي الفرق بين إجمالي الطاقة الإنتاجية المتوافرة في وقت ما، والإنتاج الحالي (تشبه الطاقة الإنتاجية النفطية الفائضة لدى بعض دول أوبك). وحسب تنظيم سوق الكهرباء في تكساس، يجري شراء الكهرباء من السوق الحرّة للتعويض عن النقص، لذلك ارتفعت أسعار الكهرباء بأكثر من 90 ضعفًا لأعلى أسعار فترة الصيف!

كهرباء تكساس
شبكة كهرباء في تكساس

تزامنًا مع ذلك، ارتفعت أسعار الغاز بشكل كبير، ليس فقط بسبب طلب محطات الكهرباء، ولكن لأن الغاز يُستخدم في التدفئة أيضًا. فقد أرتفعت اسعار الكهرباء من حوالي 20 دولار للميغاواط/ساعة، إلى 9 آلاف دولار، وهو الحد الأقضى الذي تسمح به إركوت في هذه الحالات.

هذا يعني أن ارتفاع أسعار الكهرباء لا يعني بالضرورة تحقيق محطة الغاز أرباحًا مجزية بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الغاز أيضًا، ولا يمكن للمحطة الدخول في عقود تحوّط مسبقًا، لأن إدارتها لا تعرف إذا ما سيكون هناك طلب على الكهرباء المنتجة منها، أم لا، لهذا اقترح بعضهم أن بعض محطات الغاز التي توقّفت لعدم وجود حافز، وليس بسبب التجمّد.

إنتاج الكهرباء في تكساس حسب المصدر في فبراير 2021
إنتاج الكهرباء في تكساس حسب المصدر في فبراير 2021

جاء أغلب التعويض من مولّدات الكهرباء التي تعمل على الغاز الطبيعي، كما هو مبيّن في الشكل البياني أعلاه، وارتفع توليد الكهرباء من الغاز بنحو 3 أضعاف المعتاد حتى الساعات الأولى من صباح يوم الإثنين، 14 فبراير/شباط، عيد الحب! كان أبرد يوم في تاريخ تكساس منذ نحو 126 عامًا، وتجمّدت فيه أشياء كثيرة، بما فيها أنابيب الغاز الواصلة إلى مولّدات الكهرباء، وعلى سطح آبار الغاز.

عندها انخفض إنتاج الكهرباء من الغاز بشكل كبير، غالباً بسبب انقطاع الكهرباء التي أوقفت محطات الضغط التي تدفع الغاز في الأنابيب، تبعه مشكلات في بعض محطات الفحم ومحطة نووية في جنوب شرق تكساس، الأمر الذي أجبر إركوت على تبنّي الانقطاع المبرمج للكهرباء، إلّا أن تراكم الجليد على بعض الخطوط أدّى إلى توقّف الكهرباء عن عدّة مناطق بشكل طارئ. فقد بلغت الطاقة الإنتاجية المتوقفة 46 ألف ميغا واط، منها 28 ألف ميغاواط من الغاز، و 18600من الرياح والشمسية.

كان قطع الكهرباء المبرمج لا بد منه لتلافي انقطاع كامل في الولاية، ولفترة زمنية طويلة، حتى في أكثر سيناريوهات إركوت تطرّفًا، توقعت أن ينخفض توليد الكهرباء 23500 ميغاواط، إلّا أن الانخفاض كان 46 ألف ميغاواط. وهنا تكمن العديد من الأسئلة.

لماذا ارتفع الطلب بهذا الشكل الشديد؟

طالبت الحكومة السكان بترشيد استهلاك الكهرباء، ولكن لم يقوموا بذلك، ليس بسبب الانخفاض الشديد في درجات الحرارة التي لم يشهدها أيّ من سكان تكساس الحاليين في حياتهم، ولكن هناك أسباب أخرى تتعلق بالأنظمة الكهربائية الحالية وإدارتها على مستوى الولاية، وطريقة بناء البيوت وتجهيزاتها.

فالأنظمة وإدارتها مصمّمة لمقابلة ذروة الطلب على الكهرباء صيفًا، كما هي الحال في دول الخليج، ولم تكن مستعدة لذروة أخرى في الشتاء.

أمّا البيوت، فهي مصممة للتبريد لأغلب السنة، وبشكل طارد للحرارة بدلًا من الاحتفاظ بها، وكل عمليات بناء البيوت مصممة لتبريد البيوت، وليس لحمايتها من البرد.

وبشكل عامّ، فإن الأنظمة والبيوت والمباني مصممة على أن يكون الفرق في متوسط درجات الحرارة بين الشتاء والصيف نحو 30 درجة فهرنهايت ( 17 درجة مئوية)، إلّا أن موجة الصقيع في الأسبوع الماضي جعلت الفرق أكثر من 60 درجة فهرنهايت، وفي الاتجاه المعاكس!

أضف إلى ذلك الاتجاه العامّ لبناء بيوت تعتمد على الكهرباء بشكل كامل، حيث إن نحو 60% من البيوت تستخدم نظم تدفئة كهربائية. ومشكلة هذه النظم أنها تتأثّر بدرجات الحرارة بشكل كبير، الأمر الذي يعني زيادة استهلاك الكهرباء مع انخفاض درجات الحرارة.

أنظمة تكساس وإدارتها مصمّمة لمقابلة ذروة الطلب على الكهرباء صيفًا.. بينما لم تكن مستعدة لذروة الشتاء

المشكلة هنا أن استهلاك الكهرباء في هذه الأجهزة مع انخفاض درجات الحرارة، أكبر من استهلاك الكهرباء عند تشغيل المكيّفات في فصل الصيف، وهنا تكمن مشكلة الاتجاه العالمي الحالي لكهربة كل شيء والاعتماد المتزايد على الكهرباء.

في المقابل، نجد أن البيوت التي تعتمد على الكهرباء والغاز معًا لم تتأثّر كما تأثّرت البيوت التي تعتمد على الكهرباء فقط، فمع انقطاع الكهرباء، جرى تشغيل مدافئ الغاز، والطبخ على مواقد الغاز.

لهذا كان من الطبيعي أن يرتفع الطلب على الكهرباء والغاز الطبيعي، ولهذا كانت أكبر مشكلة في تكساس خلال الأسبوع الماضي هي تجمّد أنابيب المياه داخل الجدران وانفجارها، ويتضح الآن أن أغلب الخسائر مرتبطة بالأضرار الناتجة عن انفجار الأنابيب.

ودليل آخر على عدم ملاءمة تصميم البيوت للأجواء الباردة، أن أسطح البيوت ليست مصممة كي تتحمّل أوزانًا فوقها، ونتج عن ذلك انهيار أسقف بعض البيوت بسبب تراكم الثلوج عليها.

وما جعل الأسبوع الماضي يختلف عمّا حصل في عام 2011 مثلًا، عندما انخفضت درجات الحرارة وانقطعت الكهرباء وقتها، أن السنوات العشر الأخيرة شهدت زيادة كبيرة في الهجرة إلى تكساس من الولايات الأخرى، والتي صاحبها زيادة كبيرة في بناء البيوت.

وتشير البيانات إلى أن عدد سكان تكساس ارتفع بنحو 2.5 مليون نسمة، نتيجة الزيادة الطبيعية والهجرة.

لماذا تجمّدت عنفات الرياح؟

تبلغ الطاقة الإنتاجية الموصولة بالشبكة نحو 25 غيغاواط، ما يجعل تكساس الأكبر في أميركا الشمالية، وخامس أكبر مالك لطاقة إنتاجية للكهرباء من الرياح في العالم.

هطول الثلوج، أو هطول المطر مع وجود صقيع، يعني تراكم الجليد على شفرات العنفة، وهذا يؤثّر في وزنها وكيفية دورانها، لهذا تحتاج إلى عملية إزالة الجليد، تمامًا مثلما يحصل مع الطائرات في فصل الشتاء قبل إقلاعها، عندما ترشّ بمواد معينة لإزالة الجليد، ولمنع تكوّنه وقت الإقلاع.

تجمد عنفات الرياح. الصورة قديمة من السويد
صورة توضيحية لتجمد عنفات الرياح. الصورة قديمة من السويد

تجمّدت العنفات في تكساس، بينما لم تتجمّد حتى في دول باردة جدًّا مثل النرويج والسويد وكندا، والسبب هو أن أغلب عنفات الرياح في المناطق الباردة مجهزة لتحمّل الصقيع عبر 3 تجهيزات: الطلاء، وجهاز تسخين، وزيوت وشحوم لا تتجمّد في حالات الصقيع المألوفة في المنطقة.

العنفات في تكساس غير مجهزة بهذه الأمور، فتجمّدت، وعدم التجهيز يعود إلى أمرين، الأول، أن ما حدث في الأسبوع الماضي أمر لم يكن في الحسيان، خاصةً أن تكساس تعدّ من الولايات الحارّة، والثاني أن كل ما يتعلق بطاقة الرياح في تكساس يحوم حول رخص الكهرباء التي تنتجها، فإذا أضيفت التجهيزات التي تمنع التجمّد، فإن التكاليف سترتفع، وهذا أمر لا يريده المالك، ولا يريده السياسيون، ولكن نعرف الآن أنهم سيدفعون الثمن غاليًا.

من ناحية أخرى، في حالة تراكم الجليد على الشفرات، فإنه إمّا يتمّ إيقاف العنفة، أو استخدام طائرات مسيرة صغيرة (درون) موصولة بخزّان على الأرض مليء بالمادة المزيلة للجليد عبر خرطوم، وتقوم برشّ الشفرات والعنفة.

هذا الخيار لم يكن متاحًا أيضًا في تكساس، لسبب لم يخطر على البال: فالطرقات كلها مغلقة لعدم وجود جرّافات ثلوج في الولاية، ولعدم وجود ملح أيضًا لرشّه على الطرقات!

لماذا توقفت محطات الغاز؟

بداية، لابد من توضيح أن محطات الغاز التي توقفت هي محطات مستقلة مملوكة من القطاع الخاص، متعاقدة مع الهيئة المنظمة إركوت بعقود متقطعة ومتغيّرة، ما يرفع مستويات المخاطرة، وهذه المحطات إمّا تُستخدم في وقت الصيف فقط، عندما يرتفع الطلب على الكهرباء، أو بمثابة احتياط لعنفات الرياح أو الألواح الشمسية.

ولابد من التوضيح أيضًا أن هذه المحطات لا تحصل على أيّ عائد إلّا إذا أنتجت الكهرباء، وبعبارة أخرى، وجودها بمثابة احتياط للطاقة الهوائية والشمسية لا يدرّ عائدًا على المستثمرين، كما إن تكاليفها لا تضاف إلى تكاليف الطاقة المتجددة، رغم أنها موجودة للتعويض عنها.

توقّفت محطات الغاز بسبب وجود الماء في أنابيب الغاز، ما يُستَخرَج من آبار النفط والغاز هو مزيد من عدّة أشياء، تتضمن الماء، فإذا انخفضت درجة الحرارة بشكل كبير، فإن الماء في الأنبوب عند فوهة البئر يتجمّد، فيوقف ضخّ الغاز.

كما يمكن أن تتجمّد الأنابيب في أيّ مكان بين فوهة البئر، حتى تصل إلى محطة الكهرباء، إمّا في أماكن فصل الغاز عن النفط، أو فصل الشوائب من الغاز، أو عند الوصول إلى محطات الكهرباء وداخلها.

ونتيجة للسحب من مخزون الغاز بشكل كبير وسريع، انخفض الضغط في بعض الأماكن مما أسهم في بطئ تدفق الغاز ونقص الإمدادات. إلا أن انقطاع الكهرباء أوقف محطات الضغط التي تدفع الغاز في الأنابيب، فأسهم ذلك في انقطاع إمدادات الغاز من جهة، وانخفاض الضغط الذي أسهم في تجمد بعض الأنابيب الواصلة لمحطات الكهرباء.

تجمّدت عنفات الرياح في تكساس جراء موجة الصقيع بينما لم تتجمّد حتى في دول باردة جدًّا مثل النرويج والسويد وكندا

عندما انقطعت الكهرباء في عام 2011 في تكساس نتيجة البرد الشديد، شُكِّلَت لجنة للتحقيق، وبعد الانتهاء من ذلك كتبت اللجنة تقريرًا طويلًا، وصفت فيه المشكلات وحلولها.

وكان من ضمن التوصيات تجهيز سلسلة إمدادات الغاز ومحطات الغاز بأجهزة وتكنولوجيا تمنع التجمّد، إلّا أن هذا لم يحصل لسببين، الأول، أنه ليس لدى الهيئة المنظمة لسوق الكهرباء، إركوت، أيّ صفة قانونية تجعلها تجبر الملّاك على تنفيذ التوصية، والثاني، أنه لا يوجد أيّ حافز للملّاك لإنفاق أموال طائلة.

لماذا لا يوجد حافز لملّاك محطات الغاز للاستثمار؟

صُمِّمَت سوق الكهرباء في تكساس بطريقة تُظهر أنها حرّة، ولكنها تدعم طاقة الرياح بشكل كبير، فمحطات الاحتياط لا تحصل على أيّ عائد إلّا إذا أنتجت، وهذا العائد مبني على سعر السوق، وقد يكون منخفضًا، وقد يكون مرتفعًا جدًا، كما حصل في الأسبوع الماضي.

ولكن لو نظرنا إلى باقي أسواق الطاقة في الولايات المتحدة، أو حول العالم، نجد أن محطات الاحتياط تحصل على عائد، حتى تكون مستعدة للعمل في حالة الطوارئ، أو عندما يكون هناك حاجة لها.

تجمد داخل إحدى محطات الكهرباء
تجمد داخل إحدى محطات الكهرباء

وسوق الكهرباء مصممة بطريقة يجري فيها مناقصات لإمداد الكهرباء طيلة الوقت، حسب أوقات محددة من إركوت. وإركوت تأخذ الأرخص، وبما أن الطاقة المتجددة تحصل على إعانات من الحكومة الفيدرالية، وهذه الإعانات مربوطة بكمية الإنتاج، وبما أنها تحصل على تسهيلات من الولاية لا تحصل عليها مصادر الطاقة الأخرى، ونظرًا لأن إركوت تقوم بتوقّع مستويات متدنية من طاقة الرياح، فإن هذا يعني أن طاقة الرياح ستحصل على أغلب العقود لرخصها، في الوقت الذي لن تعاقَب فيه إذا لم تفِ بالتزاماتها، لأن المتوقع منها في الأصل منخفض، ومن ثمّ تأخذ من حصة الآخرين دائمًا، والآخرون لا يحصلون على عائد إلّا إذا أنتجوا.

وحسب محفظة الطاقة المتجددة، استطاع لوبي الرياح والطاقة الشمسية إقناع الولاية بالحصول على مزايا، بناءً على الطاقة الإنتاجية الإجمالية، وليس كمية الإنتاج، ومن ثمّ، فإن المستثمرين، بعد إنشاء مزارع الرياح، يحصلون على كل أرباح الكربون، بناءً على الطاقة الإنتاجية، سواء أنتجت المزرعة أم لا، ومن ثم فليس لديهم أيّ حافز لإضافة التجهيزات اللازمة لفصل الشتاء.

وبناء على تقرير 2011، كان من المفروض أن تستجيب الولاية لمطالب شركات التوليد من الغاز والفحم للحصول على سعر أعلى لإنتاجها، حتى تتمكّن من التوسع من جهة، والإنفاق على الصيانة من جهة أخرى، إلّا أن الولاية رفضت.

هنا، علينا أن نتذكّر أن عنفات الرياح تستطيع أن تنتج في بعض الأوقات قرابة 45% من الطلب على الكهرباء بأسعار منخفضة جدًّا، وأحيانًا سالبة، ولا يمكن لمحطات الغاز والفحم والطاقة النووية أن تجاري هذه الأسعار، لهذا تحتاج إلى أسعار أعلى، ولكن الحكومة منعت ذلك.

ماذا يعني وجود أسعار كهرباء سالبة؟

تعني قيام شركات الطاقة الهوائية ببيع الكهرباء، ثم إعطاء مبلغ للمشتري فوق ذلك، لا يمكن لأيّ مصدر آخر للطاقة أن ينافس الكهرباء في هذه الحالة.

ولكن، لماذا تقوم شركات الطاقة المتجددة بذلك؟

لأنها تحصل على دعم حكومي بناءً على الكمية المنتجة، فما دام السعر السالب أقلّ من الدعم الحكومي، فإن هذه الشركات تحقق أرباحًا!.. نعم، تبيع بسعر سالب وتحقق أرباحًا، وهذا هو جنون سياسات التغيّر المناخي!

المشكلة هنا أن هذه السياسات الحكومية تقتل محطات توليد الكهرباء من مصادر أخرى، وتوقف الاستثمار فيها، إلّا أن ما حدث في تكساس يدلّ على أن ثمن هذه السياسات مرتفع جدًا، لعدم قدرة المصادر الأخرى على تلبية الطلب على الكهرباء.

وللتوضيح، يحصل هذا في أسواق الجملة فقط في الولايات المتحدة، ومن ثمّ، فإن المستهلك النهائي لا يرى الأسعار السالبة كما في بعض البلاد الأوروبية.

لماذا لم تستطع تكساس شراء الكهرباء من الولايات الأخرى؟

أيّ أزمة كهرباء في أيّ ولاية يجري حلّها عن طريق استيراد الكهرباء من ولايات أخرى، هذا الأمر ينطبق على الدول أيضًا بسبب الربط الكهربائي بينها، وهذا يحصل في أوروبا يوميًا.

مشكلة تكساس أنها كهربائيًا عبارة عن جزيرة مقطوعة عن العالم

مشكلة تكساس أنها كهربائيًا عبارة عن جزيرة مقطوعة عن العالم، فقد رفض سياسيّو تكساس ربطها بالولايات الأخرى، لأن أيّ شيء عابر للحدود يخضع للحكومة الفيدرالية، وهم لا يريدون إخضاع قطاع الكهرباء للحكومة الفيدرالية، وهناك تاريخ صراع طويل بين تكساس والحكومة الفيدرالية، وهو الأمر الذي ظهر من فترة لفترة بشكل احتمال استقلال تكساس عن الولايات المتحدة.

هل كان يمكن تفادي الأزمة لو لم يكن هناك طاقة متجددة؟

رغم أن التوقّف المفاجئ للطاقة الشمسية والرياح سبّب انخفاضًا في احتياطي الكهرباء ورفع الأسعار بشكل هائل، وأدّى إلى ضغط على محطات الكهرباء العاملة بالغاز، إلّا أن العجز في الكهرباء كان سيحصل في كل الحالات، بسبب توقّف بعض محطات الغاز الاحتياطية، وهذا الأمر حصل سابقًا، ويمكن أن يحدث مستقبلًا.

إلّا أن بعضهم يقول، إن طاقة الرياح سحبت الاستثمارات من قطاع الغاز، ومن ثم فإن عدم وجودها يعني زيادة الاستثمار فيه وفي المصادر الأخرى، الأمر الذي يخفّف من حدّة الأزمة.

عامل أمام شفرة قبل تركيب عنفة رياح
عامل أمام شفرة قبل تركيب عنفة رياح

والسؤال هنا: ماذا لو استُبدِلَت عنفات الرياح والألواح الشمسية بكل محطات الغاز الاحتياطية؟ لو حصل ذلك لتحوّلت الأزمة في تكساس إلى كارثة عالمية!

أخطاء في المقالات والإعلام

تحوّل موضوع انقطاع الكهرباء في تكساس إلى حرب سياسية داخل الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديمقراطيين، نظرًا لأن أول من سقط ضحية التجمّد هو طاقة الرياح، حيث قام الجمهوريون بلوم طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والتي هي أحد محاور إدارة بايدن الرئيسة، فردّ الديمقراطيون بقوة، ولاموا الغاز، وجرى توظيف شركات علاقات عامّة، والتي قامت بدورها بتوظيف أكاديميين وكتّاب وصحفيين ومؤثّرين في وسائل الاتصال الاجتماعي للدفاع عن طاقة الرياح.

الحقيقة أنه لا يمكن لوم مصدر طاقة واحد على انقطاع الكهرباء في تكساس، فكل المصادر أسهمت في هذا الانقطاع، فالحقيقة أنّ توقّف محطات الغاز لم يكن مفاجئًا، لأنه حصل من قبل، والمفاجئ فيما حدث في تكساس هو توقّف أغلب عنفات الرياح والألواح الشمسية عن إنتاج الكهرباء.

أول خطأ، حتى من قبل الأكاديميين، هو بدء التحليل من يوم الإثنين الموافق 14 فبراير/شباط، والبدء من ذلك اليوم يعني الحديث عن توقّف محطات الغاز والفحم والطاقة النووية، وتجاهل الطاقة المتجددة. ويوضح الشكل البياني أعلاه أهمية هذا الفرق.

لكن العاصفة بدأت من يوم 9 فبراير/شباط، وسقطت الطاقة المتجددة من يوم 9 فبراير/شباط! والسقوط المفاجئ لها رفَع أسعار الكهرباء بشكل هائل، حتى مع عدم توقّف أيٍّ من محطات الغاز.

سياسيًا، الديمقراطي يبدأ من يوم 14، والجمهوري يبدأ من يوم 9، ولكن بغضّ النظر عن الخلاف السياسي، البدء من يوم 14 خطأ كبير.

وهناك خطأ يتعلق بهذا الموضوع، وهو أنّ توقّف جزء كبير من الطاقة المتجددة كان فنيًا، فرغم الدعم الحكومي الهائل، إلّا أن سبب هذا الخطأ الفني هو السياسة الحكومية التي تستهدف جعل أسعار الكهرباء من طاقة الرياح هي الأرخص دائمُا، ولو جرى تجهيزها بحيث تتحمّل الصقيع، لارتفعت التكاليف، وارتفع سعر الكهرباء المولّدة من الرياح، ومن ثم ستجد صعوبة في المنافسة حسب قوانين السوق المفتوحة في تكساس.

وفي الوقت نفسه، جرى بشكل مقصود إهمال محطات الغاز الاحتياطية عن طريق عدم الدفع لها عندما لا تعمل، بهدف رفع تكاليفها، فكان الثمن غاليًا عندما توقّفت هذه المحطات.

الخطأ الثاني، هو النظر إلى نسبة طاقة الرياح مقابل نسبة توليد المصادر الأخرى، فبعضهم يقول، إن لوم تجمّد عنفات الرياح خاطئ، لأن إسهامها ضعيف لا يتجاوز 20%.

هذا الكلام يعبّر عن جهل شديد في الاقتصاد والإدارة والاستثمار، فمن أهمّ مبادئ الاقتصاد أن الأمور تُحسب على الهامش، لذلك يجري الحديث عن التكلفة الحدية والإيرادات الحدية، والوحدة الحدية، والمنفعة الحدية، وسواء كانت نسبة طاقة الرياح 10% أو 70%، فإن هذا لا معنى له، عندما يكون هناك نقص في المعروض، مهما كان صغيرًا، فإن ذلك يؤثّر في الأسعار ويرفعها.

الخطأ الثالث، والمقصود، هو الحديث عن الطاقة الإنتاجية الإجمالية لمحطات الغاز، وكيف إن نسبة التوقّف كانت كبيرة جدًا، وأنها هي السبب، بينما جرى تجاهل الطاقة الإنتاجية الإجمالية لطاقة الرياح تمامًا، والتركيز على ما تتوقعه إركوت من طاقة الرياح.

العاصفة بدأت 9 فبراير/شباط وسقطت الطاقة المتجددة 9 فبراير/شباط! والسقوط المفاجئ لها رفَع أسعار الكهرباء بشكل هائل

صحيح أنه حصلت خسارة نحو 35% من طاقة الغاز، ولكن الحديث هنا عن محطات تعمل احتياطًا، أو في أوقات الذروة فقط، والمقارنة تتمّ بإجمالي طاقة الرياح، وليس بما تخطط له إركوت.

من هذا المنطلق، كانت طاقة الرياح تعمل بطاقة 3% إلى 5% ليلًا فقط، ثم ترتفع إلى نحو 25% في بعض ساعات الصباح، وهذا يعني أن الانخفاض من 75% إلى 97%! لنقارن ذلك بانخفاض الطاقة الإنتاجية للغاز بمقدار 35%!

حفارات نفط في تكساس
حفارات نفط في تكساس

وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على أنه لولا زيادة توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي، رغم توقّف بعض المحطات، ولولا توافر الغاز، رغم تجمّد الأنابيب، لكانت الكارثة في تكساس كارثة عالمية، وما ساعد تكساس هو ثورة الغاز الصخري، رغم انخفاض الإنتاج بشكل كبير، بسبب تجمّد الأنابيب عند فوهة الآبار، فتلاشي إنتاج الطاقة المتجددة بين يوم 9 فبراير/شباط وبداية يوم 14 فبراير/شباط تمّت تغطيتها بتوليد الكهرباء من الغاز، وكذلك الزيادة التاريخية في الطلب وقتها، حتى بعد توقّف محطات الغاز منذ يوم 14 فبراير/شباط، استمر استخدام الغاز بمستويات عالية.

والذين قالوا، إنّ توقّف الغاز هو المشكلة، لا يستطيعون تفسير ما يلي: انخفض سعر الكهرباء خلال لحظات صباح يوم الجمعة من 3200 دولار للكيلوواط/ساعة، إلى 7 سنتات، بعد أن أعلنت إركوت انتهاء الأزمة، رغم أن 20 غيغاواط من طاقة المحطات العاملة بالغاز ما زالت معطلة، ولم ترتفع إنتاجية الطاقة الهوائية ولا الشمسية!

ولو نظرنا إلى البيانات، نجد أن توليد الكهرباء من الغاز كان نحو 35% من إجمالي توليد الكهرباء في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وهذه النسبة ارتفعت إلى 64% في الأسبوع الماضي، أمّا نسبة توليد الكهرباء من الرياح فكانت 25% في شهر يناير/كانون الثاني، ولكنها انخفضت إلى متوسط قدره 9% في الأسبوع الماضي.

هذا يعني أن من يدافع عن طاقة الرياح ويتّهم الغاز لم يخالف العقل والمنطق والأرقام فقط، ولكنه يحاكم الغاز على عدم القدرة على تقديم المزيد، وهذا يقع ضمن "التناقض البيئي" و"النفاق البيئي.

الخطأ الرابع سياسي بحت، الجمهوريون يهاجمون طاقة الرياح، والديمقراطيون يدافعون عنها، ومعهم حُماة البيئة كافّةً من أنحاء العالم، والمشكلة هنا أن من خطّط وطوّر واستثمر في طاقة الرياح في تكساس هم الجمهوريون، ونمت طاقة الرياح وترعرعت في ظل الحكومات الجمهورية المتعاقبة.

ويعدّ أبو الطاقة الهوائية في تكساس هو الرئيس جورج دبليو بوش، عندما كان حاكما لتكساس، وهو الذي وقّع مشروع القانون الذي يشجع على تطوير طاقة الرياح، وإعطائها أرباح الكربون بناءً على الطاقة الإنتاجية وليس على الإنتاج، والذي نمّاها بشكل كبير هو وزير الطاقة الأميركي السابق في عهد ترمب، ريك بيري، والذي كان حاكمًا لتكساس بعد بوش.

الواقع أن صناعة طاقة الرياح في تكساس صناعة جمهورية بحتة، سحبت أموالًا طائلة من الحكومة الفيدرالية على شكل إعانات، وحققت أرباحا كبيرة، بسبب "تركيبة السوق" التي وضعها الجمهوريون.

لهذا فإن أيّ ديمقراطي يدافع عن طاقة الرياح، يدافع عن بوش وبيري وبقية الجمهوريين، ولكنهم لا يدركون ذلك.

وسينتج عن هذا الخلاف السياسي الذي أجّجه الجمهوريون، ووقع في فخّه الديمقراطيون، قيام حكومة بايدن بضخّ المزيد من الإعانات لدعم طاقة الرياح في تكساس، والتي من المفروض أن تنتهي هذا العام! هل تمّ فهم الخلاف الآن؟

الخطأ الخامس، هو تجاهل المحللين للقوانين الفدرالية المتحكّمة بكمية الانبعاثات من عملية تشغيل المحطات، حيث كان هناك محطات ووحدات يمكن تشغيلها لتوليد كميات إضافية من الكهرباء، وكان يمكن زيادة نسبة تشغيل بعض المحطات، ولكن ذلك سيجعلها تتجاوز مستويات الانبعاثات التي حددتها الحكومة الفيدرالية، ويجعلها عرضة لعقوبات صارمة تتضمن دفع مبالغ مالية ضخمة، وربما إغلاق دائم.

وعندما قدّمت إركوت طلبًا طارئًا إلى وزارة الطاقة الأميركية بالسماح بتشغيل هذه المحطات، والسماح لها بتجاوز حدّ الانبعاثات حتى تنتهي الأزمة الإنسانية في تكساس، كان ردّ وزارة الطاقة قانونيًا بحتًا من صفحتين يركّز أغلبه على ضرورة الالتزام بالانبعاثات على نمط "الموافقة حسب النظام."

هذا يعني أن القوانين البيئية الفيدرالية أخافت ملّاك هذه المحطات من تشغيلها، خاصةً بوجود حكومة بايدن التي تريد وضع المزيد من القيود حتى على المحطات التي لا تتناسب انبعاثاتها مع الشروط الحالية، ومن ثم لم تتمكن إركوت من تشغيل وحدات إضافية.

ستستمر تكساس في المعاناة مع الارتفاع الشديد في الحرارة أو انخفاضها في ظل النظام الحالي

خلاصة الأمر، إن ما حدث هو انهيار في كل المجالات، وأزمة الكهرباء نتجت عن أخطاء عدّة في الإطار التنظيمي لها، وتشجيع طاقة الرياح على حساب المصادر الأخرى دون وضع الطاقة المتجددة ضمن سياسة موحّدة للطاقة تتّصف بالموثوقية والاستدامة.

وستستمر تكساس في المعاناة مع الارتفاع الشديد في الحرارة أو انخفاضها في ظل النظام الحالي، ولن تتحسّن الأمور إلّا إذا وُضِعَت كل مصادر الطاقة على قدم المساواة، بحيث يحصل المستثمرون على عوائد مجزية، سواء في محطات الطاقة، أو الشبكة الكهربائية، أو أنابيب الغاز، وعندها ستقوم الشركات بوضع التجهيزات الكافية لمنع تأثير الصقيع في إنتاجية محطات الكهرباء العاملة بالغاز.

*مستشار التحرير في منصة الطاقة

للتواصل مع الدكتور أنس الحجي (هنا)

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق