التقاريرتقارير الغازسلايدر الرئيسيةغاز

صناعة الغاز المسال الأميركية.. 6 مؤثرات وراء خسائر تتجاوز 10 مليارات دولار

تضخ أكثر من 67 مليون طن من غازات الاحتباس الحراري سنوياً

ترجمة - كريم الدسوقي

غادرت ناقلة تابعة لمشروع كاميرون للغاز الطبيعي المسال، يوم الإثنين الماضي، بأول شحنة تصدير منذ إغلاق مصنعها جراء عاصفة لورا القوية، التي وصلت في 27 أغسطس/آب الماضي قرب 15 ميلاً جنوب المحطة الواقعة بالقرب من المدينة التي يحمل المشروع اسمها في ولاية لويزيانا الأميركية.

وبعدما ضرب إعصار دلتا المنطقة ذاتها، أمس الخميس، أخبرت السلطات في كاميرون قناة الطقس الأميركية (Weather Channel) بأنها لم تصدر أمر إخلاء إلزامي جديد، ولم تخطط لذلك؛ "لأن المدينة ماتزال تحت أمر الإخلاء الإلزامي منذ إعصار لورا".

وبالنسبة لداعمي صناعة الغاز الطبيعي المسال مالياً، يمثل التوقف بسبب الأعاصير بروز طبقة أخرى من المخاطر وعدم اليقين إلى الواجهة في عام صعب شهد تأجيل العديد من المشاريع المقترحة أو تأجيلها، حسبما أورد موقع "ديسموغ" الكندي.

وكان مشروع كاميرون -الذي تقوده شركة "سيمبرا إنرجي"- قد انتهى -بالكاد- من افتتاح مصنعه للغاز المسال عندما زاره الرئيس الأميركي دونالد ترمب عام 2019، قبل أن توقفه "لورا" عن العمل هذا العام.

أضرار الأعاصير

وفيما أعلنت "سيمبرا" و3 شركاء لها، في أغسطس/آب 2014، بناء المصنع، وصل المشروع -الذي تبلغ تكلفته 10 مليارات دولار- بعد 6 سنوات، إلى التشغيل الكامل، وبدأت معدلات تدفقه النقدي في منتصف أغسطس/آب الماضي، أي قبل أسبوعين تقريبًا من زحف "لورا".

وقال مُلاك "كاميرون للغاز الطبيعي المسال" لاحقاً، إن المصنع عانى أضراراً طفيفة نسبيًا جراء العاصفة، لكنه لم يستعد الطاقة الكهربائية حتى الأسبوع الماضي، واستغرق الأمر أسبوعًا إضافيًا حتى تطهير قناة مرور الناقلات البحرية، وكل ذلك أضيف إلى الصعوبات التي تواجه تشغيلهم للمصنع الواقع قبالة ساحل خليج المكسيك.

ويسلط تعثر بدء تشغيل مصنع كاميرون الضوء على جزء واحد -فقط- من حالة عدم اليقين التي يواجهها المستثمرون في المصانع الجديدة للغاز المسال، والمخاطر التي تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وانهيار الطلب على النفط والغاز هذا العام، فضلاً عن تاريخ الغاز الطبيعي في تقلبات الأسعار الجامحة، التي سبقت الوباء بوقت طويل؛ فالعديد من مشاريع تصدير الغاز المسال بُنيت -أو يُعتزم بناؤها- على ساحل خليج المكسيك الذي يتعرض هذا العام لضربات من الأعاصير التي تتكرر بشكل غير عادي وتتفاقم بسرعة، وهي ظاهرة توقعها علماء الطقس منذ فترة طويلة، وترتبط باحترار المناخ.

كما يتنبأ العلماء بأن مثل هذه الظاهرة من المحتمل أن تصبح أكثر خطورة في السنوات المقبلة؛ إذ تشير التوقعات إلى أن الأعاصير قد تصبح أكثر حدة.

وغالبًا ما يحاجج المدافعون عن صناعة الغاز المسال بأن وضع خطر الأعاصير في الحسبان يجعل بناء المشاريع بمعزل عن ساحل خليج المكسيك أمراً منطقياً.

لكن الأعاصير ليست عامل الخطر الوحيد الذي تواجهه مشاريع تصدير الغاز الطبيعي المسال؛ إذ تهدد عوامل أخرى تلك المشاريع سواء على ساحل الخليج أو بعيدًا عنه.

تقلبات الأسعار

تقلبات أسعار الغاز الطبيعي مرشحة للاستمرار، على الرغم من وفرة إنتاج الغاز الصخري الذي دفع الأسعار إلى الانخفاض في السنوات الأخيرة.

وفي هذا الإطار، ذكرت وكالة بلومبرغ في 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أن التقلبات التاريخية بأسعار الغاز الطبيعي ارتفعت إلى مستويات لم تحدث منذ أواخر عام 2018.

وحتى تتمكن من تصدير الغاز الطبيعي ونقله خارج أميركا الشمالية، لابد من تبريده إلى درجات حرارة منخفضة للغاية، حتى يصل إلى النقطة التي يتحول فيها من الحالة الغازية إلى السائلة، ثم يتم تحميله على ناقلات بحرية، ومن الواضح أن بناء محطات لمعالجة الغاز بهذه الصورة وتسييله ثم شحنه ليست مهمة بسيطة، فمثل تلك المحطات تتكلف في الغالب مليارات الدولارات، وتستغرق سنوات طويلة لبنائها.

ووفقًا لتقرير حديث صادر عن منظمة مشروع النزاهة البيئية، فهناك 6 محطات لإنتاج الغاز المسال تعمل في الولايات المتحدة في الوقت الحالي: واحدة في ميريلاند، وأخرى في جورجيا، و4 محطات موزعة على طول ساحل الخليج، وهناك محطتان أخريان تحت الإنشاء، حيث بدأ تشغيلها جميعًا لأول مرة خلال العقد الماضي بعد موافقة الجهات التنظيمية، بعدما أنتج النشاط السريع للصخر الزيتي وفرة من الغاز، أغرقت أنحاء الولايات المتحدة.

ورغم اعتماد جهات التنظيم الفيدرالية لأكثر من 12 مشروعاً جديداً لإنتاج الغاز المسال على مدى السنوات الخمس الماضية، إلا أن تقريراً لـ "مشروع النزاهة البيئية" يذكر أن 10 منها تأخر بدء عملها كليًا أو جزئيًا.

الاحتباس الحراري

ووفق ما أورده التقرير، فإن إجمالي مشروعات إنتاج الغاز المسال يبلغ 17 مشروعاً (12 محطة جديدة و5 مشروعات توسع) من شأنها مجتمعة أن تضخ أكثر من 67 مليون طن من غازات الاحتباس الحراري كل عام.

وخلص التقرير إلى أن "هذا التلوث يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة المناخ أكثر مما تسببه الانبعاثات الناتجة عن 16 مصنع لتوليد الطاقة بالفحم تعمل على مدار الساعة لمدة عام".

وتمثل تلك المشاريع، التي تعاني التأخير، أكثر من ثلثي التلوث بغازات الاحتباس الحراري.

وبإضافة تلوث الهواء الخطير الذي أحدثته مصانع الغاز الطبيعي المسال، عارض خبراء البيئة تلك المشاريع، وأوصوا بأن تلقى جهات التنظيم نظرة فاحصة على اقتصاديات باقي المصانع المقترحة.

وفي السياق، قالت آن رولفز، من لواء دلو لويزيانا (منظمة للعدالة البيئية)، في مؤتمر صحفي حول تقرير "مشروع النزاهة البيئية" في 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري: "لقد أصبحوا (ملاك المصانع) جشعين وتوسعوا بشكل مفرط"، مضيفة: "هذا التمديد المستمر للتصاريح يعتمد على الإيمان بجدوى المشاريع وتمويلها، لكن لا يمكن بناء مثل هذه المشاريع بأي طريقة سليمة اقتصاديًا".

الجدوى الاقتصادية

كما يطرح محللو الصناعة الماليون تساؤلات حول الأوضاع الاقتصادية للعديد من مشاريع الغاز المسال المقترحة، ومنهم ديفيد برازيل، مدير الشؤون المالية بشركة "آر بي إن إنرجي" الاستشارية، الذي قال في مؤتمر عن صناعة الغاز الصخري: "بالأمس القريب كانت الأوضاع الاقتصادية لصادرات الغاز المسال تجري بسلاسة ولا تتطلب تفكيراً، لكن عندما انهارت أسعار النفط، وأدت إجراءات الحظر المترتبة على وباء كوفيد-19 إلى القضاء على طلب الغاز العالمي وانخفاض أسعاره الدولية، تعرضت جميع مشروعات الغاز المسال إلى تأخير التشغيل، الأمر الذي أضر بالتزاماتها التجارية، والواقع يقول أنها لن تتم".

وأضاف برازيل: "التأخيرات التي تعرضت لها المشروعات هي خير دليل على حدة المخاطر المترتبة على ظروف السوق السيئة هذا العام، فقد انخفض الغاز الذي يغذي المحطات من 9 مليارات قدم مكعبة يومياً في مارس/آذار الماضي إلى ما يقرب من النصف في الوقت الحالي".

وأشار إلى أن الركود الاقتصادي له "تداعيات جوهرية" على صناعة خطوط الأنابيب وشركات الحفر الصخري.

تحديات قانونية

ومن جانبٍ آخر، قد تواجه مشروعات الغاز المسال التي تعرضت لتأخير التشغيل مرارًا تحديات قانونية جديدة. هذا ما يشير إليه تقرير "مشروع النزاهة البيئية" الجديد، حيث يذكر 14 محطة لإنتاج الغاز المسال انتهى القائمون عليها من تأمين تراخيصها الفيدرالية أو تصاريح "قانون الهواء النقي" اللازمة إلا أن بناءها لم يبدأ بعد.

وفي السياق ذاته، أوضح إريك شيفر، مدير "مشروع النزاهة البيئية"، أن هذه التصاريح لا تدوم إلى الأبد، مشيرًا إلى أن عملية التشييد يجب أن تبدأ عادةً في غضون فترة زمنية "مقبولة"، غالبا ما تتراوح بين 18 و36 شهرًا من تاريخ إصدارها.

ومن ثم، فإن وقت صلاحية هذه المشروعات بدأ في النفاد، مثل ما هو الحال في محطة "دريفتوود" ومحطة "بحيرة تشارلز" في كالكاسيو بولاية لويزيانا، ومحطة "بورت آرثر" و"ريو جراند" في تكساس.

وفي هذا السياق، قال شيفر مشيرًا إلى المشروعات المذكورة: "تلك التصاريح قد انقضت ولابد من سحبها".

وأضاف أن تلك المعارك (القانونية) تظل قائمة بغض النظر عمّن سيصبح رئيسًا للولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، "فالولايات لديها السلطة للقيام بذلك" حسب قوله.

الوفاة بكورونا

وعلى صعيدٍ آخر، أوضح تقرير "مشروع النزاهة البيئية" الجديد أن جائحة كوفيد- 19 زادت -أيضًا- من مخاطر الصحة العامة المرتبطة بمحطات الغاز الطبيعي المسال.

وأورد التقرير أنه "بمجرد الانتهاء من بناء محطات إنتاج الغاز المسال المذكورة وتشغيلها بكامل الطاقة، ستتسبب مجتمعة في زيادة الانبعاثات السنوية بما يصل إلى 4900 طن من الجسيمات المجهرية المماثلة للهباب الكربوني (أي ما يعادل 2.5 من الجسيمات الدقيقة)، و31,600 طن من أكسيد النيتروجين، و1500 طن من ثاني أكسيد الكبريت، و35,800 طن من أول أكسيد الكربون و28,100 طن من المركبات العضوية المتطايرة". إذ أظهرت العديد من الدراسات أن التعرض طويل الأمد لتلوث الهواء يزيد من خطر المرض والوفاة جراء "كوفيد-19".

وسيطرت هذه المخاوف على مسؤولي العمل المجتمعي في "بورت آرثر" بتكساس، بالقرب من حدود لويزيانا، في المنطقة التي يشار إليها -أحيانًا- باسم "معقل السرطان"، حيث اصطدمت خطط بناء مصنع للغاز المسال بتأجيل القرار النهائي للاستثمار، فضلاً عن اتفاقية مبيعات مدتها 20 عامًا ماتزال معلقة حتى الآن.

وقال رئيس الشبكة "جون بيرد"، في المؤتمر الصحفي الذي عقد الإثنين الماضي: "لقد عانى مجتمعنا كثيرًا جراء الإنبعاثات البيئية الملوثة ومن الكوارث الناتجة عنها أيضاً"، مشيرًا إلى أن 70% من الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من مصنع الغاز المسال المقترح هم من الفئة المحرومة من عدة مزايا اقتصادية.

وأضاف: "إنه قرار صعب للغاية، لأن الكثير من الأفراد يتطلعون إلى الوظائف والفرص المنتظرة، ولكن المؤسف أن هذه الوظائف والفرص لن تفيد المواطنين في بورت آرثر؛ فهم لا يستهدفون الأشخاص العاملين على خطوط التشغيل".

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق