تغير المناخ في 2021.. تداعيات ملموسة وتعهدات غير كافية
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي
يُعد تغير المناخ أزمة العصر الحديث، ومع التداعيات السلبية الملموسة، فإنه كان أبرز الأزمات التي شهدها العالم في 2021.
أصبح التغير المناخي أمرًا واقعيًا وليس مشكلة مستقبلية، فلم تكن الآثار الكارثية للأزمة أكثر وضوحًا مما كانت عليه هذا العام، إذ عانت العديد من المناطق في جميع أنحاء العالم موجات الحرارة الشديدة، والجفاف القاسي، والفيضانات وأعاصير مميتة.
ومع حقيقة أن 2021 شاهدًا على قسوة تداعيات تغير المناخ، فإنه شهد أيضًا العديد من القرارات والتعهدات سواء فردية أو دولية، في سبيل خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وفق وحدة أبحاث "الطاقة".
وأمام ذلك، لا تزال التعهدات تمثل جزءًا صغيرًا فقط لتحقيق أهداف الحياد الكربوني، في وقت لا تزال فيه دول مثل الهند والصين تقاوم فكرة التخلّص نهائيًا من الوقود الأحفوري.
ولقراءة حصاد 2021 بشأن النفط والغاز والطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، والذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة، يرجى الضغط هنا.
ظواهر تغير المناخ
كانت العواصف التي ضربت الولايات المتحدة، والفيضانات في أوروبا، من أبرز الظواهر في 2021، فضلًا عن الشتاء الأكثر برودة، والصيف الأكثر دفئًا، بحسب تحليل وحدة أبحاث "الطاقة".
وعانت البرازيل جفافًا قاسيًا، أدى إلى انخفاض معدل المياه في محطات الطاقة الكهرومائية إلى أقل مستوى في 91 عامًا، فيما ضربت الفيضانات الهند والصين وعددًا من الدول الأخرى حول العالم.
ووفقًا لتقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، الصادر نهاية أكتوبر/تشرين الأول، فإن بيانات الأشهر الـ9 الأولى من 2021، تشير إلى أن سيكون في المرتبة بين الخامس والسابع لأكثر الأعوام دفئًا على الإطلاق، مع حقيقة أن متوسط درجات الحرارة بلغ 1.09 درجة مئوية فوق المتوسط بين عامي 1850-1900.
ليس هذا فحسب، وإنما تسارع ارتفاع مستوى سطح البحر حول العالم منذ عام 2013 إلى مستوى مرتفع جديد في عام 2021، مع استمرار احترار المحيطات.
ودفعت موجة الحر في كندا والأجزاء المجاورة من الولايات المتحدة درجات الحرارة إلى ما يقرب من 50 درجة مئوية في قرية في كولومبيا البريطانية، كما وصلت درجة حرارة وادي الموت بكاليفورنيا إلى 54.4 درجة مئوية في 9 يوليو/تموز، وهو أعلى معدل مسجل منذ ثلاثينيات القرن الماضي على الأقل، ومماثل للعام الماضي، وفقًا للتقرير.
ومع الحرارة القاسية، عانت الأنهار الجليدية الكندية ذوبانًا سريعًا، كما هطلت الأمطار -بدلاً من تساقط الثلوج- لأول مرة على الإطلاق في ذروة الغطاء الجليدي في غرينلاند، هذا بالإضافة إلى تسببها في حرائق كبرى للغابات، مع حقيقة أن حريق ديكسي في شمال كاليفورنيا، هو أكبر حريق منفرد شهدته الولاية.
وعلى العكس من ذلك، أثرت ظروف البرد غير الطبيعي على أجزاء كثيرة من وسط الولايات المتحدة وشمال المكسيك في منتصف فبراير/شباط، وكانت أشد التأثيرات حدة في ولاية تكساس، التي شهدت عمومًا أدنى درجات حرارة لها منذ 1989 على الأقل.
تداعيات الكوارث الطبيعية في 2021
حددت دراسة -أجرتها مؤسسة كريستيان أيد الخيرية- 10 أحداث متطرفة للطقس تسبب كل منها بأكثر من 1.5 مليار دولار من الخسائر.
وبحسب الدراسة، كان إعصار آيدا في خليج المكسيك الأميركي الأكثر ضررًا من الناحية المالية هذا العام، مع خسائر اقتصادية بنحو 65 مليار دولار، كما تسبب في مقتل 95 شخصًا، إذ أدى إلى هطول أمطار غزيرة في عدد من الولايات والمدن، وأعلنت نيويورك حالة الطوارئ للفيضانات السريعة لأول مرة.
وكان ثاني أكبر حدث من حيث التكلفة المالية هو الفيضانات في ألمانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى، بنحو 43 مليار دولار، تليها العاصفة التي ضربت تكساس الأميركية في فبراير/شباط، بنحو 23 مليار دولار، ثم فيضانات خنان في الصين بتكلفة 17.6 مليار دولار، بحسب الدراسة.
ورغم أن غالبية أحدث الطقس كانت في الدول المتقدمة، فإن الفيضانات والعواصف في العديد من المناطق الفقيرة تسببت في معاناة شديدة وسط نزوح جماعي لسكانها.
فعلى سبيل المثال، أدّت الفيضانات في جنوب السودان إلى نزوح أكثر من 800 ألف شخص، في حين أجبر إعصار تاوكتا الذي ضرب الهند وسريلانكا وجزر المالديف في مايو/أيار، نحو 200 ألف شخص على النزوح، وفقًا للدراسة.
ومن المرجح أن يكون عام 2021 هو المرة الرابعة خلال 5 سنوات التي تكلف فيها الكوارث الطبيعية العالمية أكثر من 100 مليار دولار، بحسب شركة التأمين أي أو إن (Aon).
قرارات دولية بشأن تغير المناخ
مع بروز تداعيات تغير المناخ، تسارعت الجهود العالمية في 2021، من أجل خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتقليل من آثار الأزمة.
ولعل أبرز الأحداث المتعلقة بتغير المناخ هذا العام، هي قمة المناخ كوب26، فرغم اختلاف الآراء حول نجاحها من عدمه، فإنها شهدت العديد من التعهدات، التي يحتاجها العالم في مواجهة تغير المناخ، بحسب وحدة أبحاث "الطاقة".
وخلال كوب26، تعهّدت أكثر من 100 دولة بخفض انبعاثات الميثان بنسبة 30% على الأقل بحلول 2030، مقارنة مع مستويات العام الماضي، كما شهد المؤتمر التزامًا بوقف عمليات إزالة الغابات بحلول نهاية العقد، من قبل 141 دولة تمثل مجتمعة 91% من مناطق الغابات العالمية.
كما اتفقت أكثر من 20 دولة ومؤسسة مالية على وقف تمويل مشروعات الوقود الأحفوري في الخارج، فيما دعت قمة المناخ إلى الالتزام بتقديم الدعم إلى الدول النامية في مواجهة تغير المناخ، بعد أن فشلت الدول المتقدمة في الوصول إلى التمويل البالغ 100 مليار دولار في العام الماضي.
وترى شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي أن الالتزام بتعهدات كوب 26، سيجعل العالم قادرًا على تحقيق سيناريو خفض الاحترار العالمي إلى 1.6 درجة مئوية بحلول منتصف القرن، مع تراجع انبعاثات الكربون السنوية إلى 3 غيغا طن في عام 2050، مقارنة مع 37 غيغا طن في الوقت الحالي.
وسبقت كوب26، قمة مجموعة العشرين في أكتوبر/تشرين الأول، مع تعهد قادة الدول، التي تتسبب بنحو 80% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، بالتخلص التدريجي من استخدام الفحم في توليد الكهرباء، في أقرب وقت ممكن، مع الالتزام بوقف تمويل الفحم في الخارج مع نهاية 2021.
تعهدات الدول للحياد الكربوني
على مستوى الدول، تزايدت تعهدات الحياد الكربوني وتقديم المساهمات الوطنية في هذا العام، إذ أبلغت 120 دولة، تمثل ما يزيد قليلًا على نصف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، عن المساهمات المحددة وطنيًا الجديدة أو المحدثة، حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، بحسب الأمم المتحدة.
فيما تعهد ما مجموعه 49 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي بهدف تحقيق الحياد الكربوني، مع حقيقة أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بصفة خاصة، وضعا مؤخرًا أهدافًا أكثر طموحًا لخفض الانبعاثات لعام 2030، إلى النصف تقريبًا.
ومن بين الخطوات الإيجابية على مستوى الدول، إعلان الهند هدفها لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2070، خلال قمة كوب 26، بعد ضغوط عديدة على ثالث أكبر مصدر للانبعاثات الكربونية حول العالم، التي كانت ترى أن الدول المتقدمة هي من يجب أن تواجه أزمة تغير المناخ.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، انضمت تركيا رسميًا إلى اتفاقية باريس للمناخ 2015، مع خططها لتحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الحالي، كما أعلنت البرازيل التزامها بتحقيق الحياد الكربوني عام 2050.
كما أطلقت الإمارات مبادرتها الإستراتيجية الهادفة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، مستهدفة استثمار 163 مليار دولار في الطاقة النظيفة، فيما أعلنت البحرين سعيها للوصول إلى الحياد الكربوني في 2060.
ورغم ذلك، أظهر تقرير فجوة الانبعاثات الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أكتوبر/تشرين الأول، أن المساهمات المحددة وطنيًا الجديدة والمحدثة لن تخفض سوى 7.5% من انبعاثات 2030 المتوقعة، في حين يلزم تقليص 55% لتحقيق هدف باريس 1.5 درجة مئوية.
وأشار التقرير إلى أن أحدث التعهدات المتعلقة بالمناخ لعام 2030، تضع العالم على المسار الصحيح لارتفاع درجة الحرارة هذا القرن بما لا يقل عن 2.7 درجة مئوية.
ماذا عن القادم؟
"تغير المناخ لم يعد مشكلة مستقبلية، إنها مشكلة حالية"، هذا ما قاله الأمين العام لمنظمة الأرصاد الجوية بيتيري تالاس، مشيرًا إلى أن العالم أمامه 8 سنوات فقط من العمل -حتى 2030- ليكون على المسار الصحيح للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية من خلال خفض الانبعاثات إلى النصف.
وفي تقريرها السادس الصادر هذا العام، توقعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ارتفاعًا كبيرًا في وتيرة ومدة وشدة الظواهر الجوية المتطرفة؛ مثل الجفاف وموجات الحرارة والأمطار الغزيرة.
وأوضح التقرير الأممي أنه بالمعدلات الحالية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، سوف يتجاوز العالم زيادة درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن، بل بدرجتين مئويتين، ما لم يتخذ خطوات عاجلة لتحقيق الحياد الكربوني.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن العالم سيخسر نحو 10% من إجمالي القيمة الاقتصادية بسبب تغير المناخ، حال استمرار الوضع الحالي من زيادة درجات الحرارة وعدم الوفاء باتفاقية باريس، وفقًا لبحث صادر عن شركة التأمين السويسرية سويس ري (Swiss Re).
وفضلًا عن تجنب الخسائر المالية، فمن شأن تحقيق هدف الحياد الكربوني منتصف هذا القرن، أن يؤدي إلى استقرار درجات الحرارة في غضون عقدين من الزمن، لكن بعض الآثار، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، ستظل مستمرة لعدة قرون، وفقًا لتقرير الهيئة التابعة للأمم المتحدة.
موضوعات متعلقة..
- العالم وتغير المناخ.. الماضي سيئ والمستقبل أكثر سوءًا (تقرير)
- تغير المناخ والاقتصاد العالمي.. التداعيات السلبية أصبحت ملموسة (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- أسواق النفط في 2021.. ماذا حدث وماذا سيحدث؟
- سوق النفط في 2022.. توقعات متفائلة للطلب والمعروض
- أوبك+ في 2021.. قرارات حكيمة بقيادة السعودية وتفادٍ للأزمات