ارتفاع أسعار الكهرباء في أوروبا.. هل يصبح التخزين حلًا لتراجع طاقة الرياح؟
دينا قدري
واصلت أسعار الكهرباء ارتفاعها في أوروبا، وأدى تراجع سرعة الرياح بالقارة العجوز هذا العام إلى تفاقم أزمة الطاقة الناجمة عن ارتفاع أسعار الغاز والفحم؛ ما جعل الأنظار تتجه نحو طرق لتخزين الكهرباء الزائدة عندما تكون الرياح قوية.
ويتميز توليد طاقة الرياح بتكاليف تشغيل منخفضة، ويوّفر كهرباء بالجملة أرخص من المحطات الحرارية التي يجب أن تدفع ثمن الوقود، إلى جانب التكاليف المرتبطة بانبعاثات الكربون.
وهذا يجعل أسعار الكهرباء بالجملة تنخفض في أوقات الرياح الشديدة، بينما تؤدي مُدَد الرياح الأضعف إلى ارتفاع الأسعار والحاجة إلى المزيد من المحطات الحرارية، حسبما أفادت وكالة رويترز.
تراجع طاقة الرياح
أدى انخفاض طاقة الرياح إلى زيادة الطلب في محطات الطاقة الحرارية، إلّا أن شحّ إمدادات الغاز الطبيعي أدى إلى ارتفاع التكاليف.
وتسبّب الارتفاع الحادّ في أسعار الغاز في جميع أنحاء العالم بارتفاع فواتير الكهرباء للشركات والمستهلكين، كما اضطرت بعض الصناعات الثقيلة إلى قطع الإمدادات، وتوقّف بعض مورّدي الكهرباء عن العمل.
واستخدم أكبر منتجي طاقة الرياح في أوروبا -بريطانيا وألمانيا والدنمارك- 14% فقط من الطاقة المركّبة في الربع الثالث من العام، عندما سجلت أسعار الغاز مستويات قياسية، مقارنةً بمتوسط 20-26% في السنوات السابقة، وفقًا لبيانات ريفينيتيف.
وقال المحلل في معهد فراونهوفر الألماني، برونو برغر، لرويترز، إن الناتج المشترك من مزارع الرياح البرية والبحرية انخفض بنحو 16% هذا العام حتى الآن في ألمانيا، التي تُعدّ أكبر اقتصاد في أوروبا بأعلى قدرة لطاقة الرياح في القارّة.
كما قال المحلل الرئيس في شركة وود ماكنزي للاستشارات، روري ماكارثي: "لو كانت لدينا رياح شديدة أو معقولة فقط خلال تلك المدّة، لما شهدنا ارتفاع الأسعار هذا".
تخزين الكهرباء
تحدثت الرئيسة التنفيذية لشركة فاتنفول السويدية، آنا بورغ، عن أزمة ارتفاع أسعار الكهرباء في أوروبا هذا العام.
وأوضحت أن "السوق ستكون أكثر تقلبًا في المستقبل، وأن السوق بحاجة إلى التكيف مع ذلك".
وأضافت: "هناك حاجة واضحة وهناك قيمة -أيضًا- في خدمات المرونة والتخزين.. أعتقد أننا ما زلنا في بداية تطوير هذا النوع من نموذج الأعمال فقط".
وبدأت المرافق في جميع أنحاء أوروبا في الاستثمار في أنظمة التخزين، بما في ذلك البطاريات الكبيرة أو حلول الشحن الذكية للسيارات الكهربائية.
وتسعى العديد من الدول أيضًا إلى مكافأة سلوك المستهلك المرن، مثل العملاء الصناعيين الذين يكبحون الطلب في ساعات معينة. ويمكن أن يساعد التوافق الأفضل بين العرض والطلب في الحفاظ على استقرار الشبكة.
وتستثمر أوروبا حاليًا 40 مليار يورو سنويًا في شبكات الكهرباء، وفقًا لمجموعة الضغط "ويند يوروب"، التي تُقدّر أن الاستثمارات السنوية تحتاج إلى المضاعفة خلال الـ30 عامًا المقبلة، لتصل إلى 66-80 مليار يورو (74.7- 90.5 مليار دولار) سنويًا.
تشجيع الطاقة المتجددة
أكدت كل من المفوضية الأوروبية ووكالة الطاقة الدولية أن أسعار الكهرباء القياسية الأخيرة لا ينبغي أن تُبطئ الجهود المبذولة لتحقيق الأهداف المناخية بموجب اتفاقية باريس من خلال الابتعاد عن الوقود الأحفوري.
بدلاً من ذلك، يجب على الحكومات المساعدة في تعزيز قدرة الرياح ومصادر الكهرباء المتجددة الأخرى، وضمان المزيد من الإنتاج الكلي، وتجنّب الحاجة إلى الاعتماد على الوقود الأحفوري بوصفه احتياطيًا.
وقال رئيس شركة ستات كرافت النرويجية، كريستيان رينينغ توينسن: "كلما زادت الطاقة المتجددة التي يمكننا بناؤها، زادت الكهرباء من تلك المصادر، وقلت الحاجة للفحم والغاز لإنتاج الكهرباء".
وأضاف: "لذلك نعتقد أن الاتجاه (لنمو الطاقة المتجددة) سيستمر، وسيتعزز من خلال أسعار الكهرباء هذه بدلًا من أن يتباطأ".
خسائر الشركات
تضررت الأرباح في العديد من مولّدات طاقة الرياح الأوروبية بفعل هدوء الرياح هذا العام، لكن الشركات ما تزال ملتزمة بزيادة السعة.
وقالت شركة أورستد -أكبر مطوّر لمزارع الرياح البحرية في العالم-، إن سرعات الرياح المنخفضة كان لها تأثير سلبي يبلغ 2.5 مليار كرونة (379.20 مليون دولار) للأشهر الـ9 الأولى من العام مقارنةً بعام 2020.
كما أشارت شركة آر دبليو إي الألمانية إلى أن الرياح الضعيفة تسببت في انخفاض أرباح وحدات الرياح والطاقة الشمسية بنسبة 38% في الأشهر الـ9 الأولى من العام.
وقالت شركات في هذا القطاع، إنه لا يوجد ما يشير إلى أن تغيّر المناخ نفسه أدّى دورًا في انخفاض سرعة الرياح.
وتقيس ستات كرافت -أيضًا- سرعات الرياح وظروفها بشكل منتظم، ولكنها لم تشهد أيّ تعديلات غير عادية على بياناتها، وفقًا لرئيسها التنفيذي.
الطقس والأسعار
اتفق رئيسا شركتين لتجارة الطاقة على أن المزيد من مصادر الطاقة المتجددة سيجعل الأسعار أكثر تقلبًا على المدى القصير إلى المتوسط، إذ سيحدد الطقس الأسعار إلى حدٍ كبير.
يقول متداولو الكهرباء -الذين يستفيدون عادةً من الظروف المتغيرة-، إن السوق يمكن أن تتعامل مع التقلبات المرتفعة، كما إن الزيادات في الأسعار توفر للمستثمرين حافزًا لتمويل الحلول الاحتياطية.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة إن كوموديتيز، جسبر جوهانسون: "من أجل الحصول على استثمارات تجارية في أنواع مختلفة من التخزين -مثل البطاريات-، تحتاج السوق إلى إعطاء إشارة السعر هذه، يجب أن يكون هناك تقلّب، وكلما كانت إشارة السعر أقوى، سنرى المزيد من الاستثمارات".
وأكد الرئيس التنفيذي لشركة نورليس إنرجي تريجينغ، أندرس بوديتز، أن الأسعار المرتفعة يجب أن تفضل بناء المزيد من الطاقة المتجددة.
الضرائب في بريطانيا
تتعرض بريطانيا لضغوط للانضمام إلى الحكومات الأوروبية الأخرى في التخفيف من تأثير ارتفاع أسعار الكهرباء لدى الأسر الأكثر فقرًا، من خلال مراجعة الضرائب على الفواتير، حسبما أكدت وكالة بلومبرغ.
وعملت 20 دولة -من أصل 27 دولة عضوًا في الاتحاد الأوروبي- لتخفيف الضريبة على المستهلكين والأسر الأكثر ضعفًا، بالطريقة الأكثر فاعلية من خلال التخفيضات الضريبية، وفقًا للمفوضية الأوروبية.
ويمكن أن تؤدي تكاليف الكهرباء المرتفعة إلى زيادة الإيرادات الضريبية في بريطانيا بمقدار 180 مليون جنيه إسترليني (240 مليون دولار) هذا الشتاء، مع مكاسب مفاجئة أخرى في أبريل/نيسان، وفقًا لشركة كهرباء فرنسا ومؤسسة طاقة خيرية.
ويستند ذلك إلى أسعار أعلى لـ15 مليون عميل على التعرفات الافتراضية وضريبة القيمة المضافة التي يدفعونها.
هذا جزء بسيط من التكلفة التي تواجهها البلاد بعد ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز بالجملة إلى مستويات قياسية، لكن مجموعات حماية المستهلك تدعو الوزراء للنظر في كيفية كبح الزيادة في الفواتير.
ارتفاع سقف أسعار الكهرباء
تفاقم الوضع بسبب انهيار 20 من مورّدي الكهرباء الأصغر، مع نقل عملائهم إلى شركات أخرى وانتشار التكلفة في جميع أنحاء الصناعة.
وارتفع سقف المبلغ الذي يمكن للشركات فرضه على العملاء -فيما يسمى بالتعرفات المتغيرة القياسية- بأكثر من 10% في أكتوبر/تشرين الأول، ومن المقرر أن يقفز أكثر في أبريل/نيسان.
في هذه المرحلة، سيجري إنفاق واحد من كل 8 جنيهات إسترلينية (10.68 دولارًا) على الكهرباء في بريطانيا من قبل أفقر الأسر، وفقًا للعضو المنتدب للعملاء في شركة كهرباء فرنسا، فيليب كوماريه.
وأشار إلى أن الحكومة يمكن أن تخفض ضريبة القيمة المضافة على فواتير الكهرباء، وتوفر خصمًا لـ2.2 مليون أسرة ذات الدخل المنخفض أو المعاشات التقاعدية.
وتشير التقديرات إلى أن إيرادات ضريبة القيمة المضافة من فواتير الكهرباء قد تقفز بدءًا من أبريل/نيسان بمقدار 400 مليون جنيه إسترليني (534.2 مليون دولار) أخرى.
إلّا أن الحكومة البريطانية أكدت أنها لا تعترف بالتقديرات، وأنه من المتوقع أن تكون إيرادات ضريبة القيمة المضافة هذا العام أقلّ من مستويات ما قبل جائحة فيروس كورونا.
موضوعات متعلقة..
- أزمة الطاقة تهدد أوروبا بتراجع تاريخي في إمدادات الغاز والكهرباء
- أسعار الغاز.. 4 عوامل تُهدد أمن الطاقة في أوروبا خلال فصل الشتاء
- طاقة الرياح.. الاتحاد الأوروبي يشجع النرويج على التوسع في مشروعات الكهرباء النظيفة
اقرأ أيضًا..
- باحث فرنسي يشكك في الغاز المغربي.. ويصف الاكتشافات بـ"المخاطرة"
- قمة معادن المستقبل.. السعودية تتطلع إلى استثمارات ضخمة (تقرير)
- السيارات الكهربائية.. 20 طرازًا تتنافس على خطف أنطار الجمهور (صور)