تغيُّرات سياسة الطاقة الأميركية من إدارة بايدن لرئاسة ترمب الثانية (تقرير)
نوار صبح
- ستسعى إدارة ترمب الثانية إلى تحقيق الهيمنة الأميركية على الطاقة
- الوقود الأحفوري سيظل الدعامة الأساسية للاقتصادين الأميركي والعالمي
- الولايات المتحدة قادت العالم في خفض الانبعاثات على مدى السنوات الـ15 الماضية
من المتوقع حدوث تحولات جذرية في سياسة الطاقة الأميركية برحيل إدارة جو بايدن، وعودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، ولا سيما فيما يتعلّق بالوقود الأحفوري والطاقة المتجددة.
ووفقًا لتقرير طالعته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تتطلّع إدارة ترمب الثانية إلى تحقيق الهيمنة الأميركية على الطاقة من خلال العمل على نمو إنتاج الوقود الأحفوري وإطلاق العنان لطاقة الولايات المتحدة والابتكار، لضمان الرخاء الاقتصادي وتعزيز قيادتها على الساحة العالمية.
ويمثّل ذلك النقيض لنهج إدارة بايدن-هاريس، التي قيّدت صناعة الطاقة الأميركية بالاعتقاد الخاطئ بأنها مصدر تحديات القرن الـ21، وليست الحل.
وستتضمّن سياسة الطاقة الأميركية لإدارة ترمب الثانية الاهتمام بأنظمة الطاقة النظيفة، لكن ليس على حساب النمو الاقتصادي، إذ ستعمل على دعم صناعة الغاز الطبيعي، ونشر الطاقة النووية من المفاعلات الصغيرة إلى المتوسطة وكبيرة الحجم.
تغير المناخ
صوّرت إستراتيجية بايدن-هاريس للأمن القومي تغير المناخ بأنه "أكبر تهديد وجودي في عصرنا"، وجعلت سياستهما، في التحول القسري إلى الطاقة المتجددة، الولايات المتحدة تواكب الدول الأخرى، الراغبة في إنفاق مبالغ باهظة من المال من أجل ملاحقة الحياد الكربوني "المراوغ"، حسب وصف مقال أعدّه 3 مسؤولين حكوميين سابقين، نشرته مجلة "ذا ناشيونال إنترست" (The National Interest) الأميركية نصف الشهرية.
وعلى الرغم من حجم الإنفاق العالمي الذي يتراوح ما بين 125 و275 تريليون دولار، فإن الوقود الأحفوري سيظل الدعامة الأساسية للاقتصاد الأميركي والعالمي، مع تأكيد أن تغير المناخ يُعد حقيقة واقعة، لكنه لا يمثل تهديدًا وجوديًا.
ويدعم هذه الرؤية، تقرير توقعات الطاقة السنوية لإدارة معلومات الطاقة الأميركية لعام 2022، الذي بلغت فيه نسبة الوقود الأحفوري من استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة في عام 2021، نحو 79%، التي لن تنخفض، بحلول عام 2050، إلّا إلى 74%.
وفي عام 2022، خلصت دراسة موجزة أصدرها مجلس بايدن-هاريس للمستشارين الاقتصاديين ومكتب الإدارة والموازنة إلى أن الأميركيين سوف يصبحون أكثر ثراءً بمقدار 1.71 مرة في غضون 25 عامًا دون تأثيرات تغير المناخ في الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضحت الدراسة أن الأميركيين سيصبحون أكثر ثراءً بمقدار 1.66 مرة فقط عند انعكاس أضرار تغير المناخ.
وتوقعت نسخة عام 2023 من هذه الدراسة الموجزة أنه بحلول عام 2050، ستكون نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة 111.2% في ظل سيناريو الحياد الكربوني و112.6% في ظل سيناريو الانبعاثات العالية.
ونظرًا إلى أن هذه التقارير لا تراعي نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، أو الابتكارات الأميركية، أو نظام الضرائب التصاعدي لبايدن، فمن الإنصاف القول إن الظروف الاقتصادية محافظة بشدة.
وتُمثّل السياسات التي تُثبط الاستكشاف، وتمنع بناء البنية التحتية للطاقة، انهزامًا ذاتيًا، وترفع الحواجز التنظيمية، وتبني خيارًا زائفًا بين الأمن المناخي مقابل الرخاء الاقتصادي والأمن القومي، وفق التقرير.
ومن ناحية أخرى، فإنها تقوّض قدرة قطاع الطاقة في الولايات المتحدة على جذب الاستثمار، والحفاظ على موثوقية الشبكة، وتوفير الطاقة بأسعار معقولة للأميركيين العاديين والصناعات التي تكافح من أجل بناء سلسلة توريد عالمية أكثر أمنًا، دون الاعتماد على الصين.
ويهدّد المسار الحالي لأميركا -استمرار سياسات الطاقة التي تسترشد بكارثة المناخ- بتقويض الاستقرار الاقتصادي الأميركي ونفوذها العالمي، حسبما ورد بالتقرير.
أمن الطاقة في أميركا
تستهدف سياسة الطاقة الأميركية لإدارة ترمب الثانية بصفة رئيسة تحقيق أمن الطاقة في أميركا، إذ لا تتعلق الهيمنة على الطاقة بإنتاجها فحسب، وإنما بضمان تحرر البلاد من الاعتماد على إمدادات الطاقة الأجنبية، والحرية في متابعة النمو الاقتصادي القوي، والحرية في سَن سياسة خارجية غير مثقلة بانعدام الأمن في مجال الطاقة.
ويمثّل إحياء هذا المبدأ في عهد إدارة ترمب، خطوة من شأنها وضع الولايات المتحدة بوصفها قوة عظمى في مجال الطاقة تتمتع بالقوة اللازمة لرعاية مصالحها العالمية، وتعكس هيمنة الطاقة "مشروع الاستقلال" للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، في سبعينيات القرن الماضي، عندما حررت زيادة الإنتاج والمبادرات الأخرى التي تلت ذلك المستهلكين من أهواء منظمة أوبك ومن تأثير ضبابية سياسات الطاقة، بما في ذلك التضخم.
وتوفّر هيمنة أميركا على الطاقة للبلاد الثقة والقدرة اللازمين في مواجهة الخصوم والمنافسين، مثل الصين وروسيا وإيران، ومن شأن وفرة الطاقة أن تدعم الاقتصاد، وتدفع عجلة النمو والابتكار، وتخلق فرص العمل، وتخفض التضخم، وتمكّن أميركا من الصمود في وجه الخصوم، وتدعم الحلفاء بصادرات الطاقة الموثوقة، وتعزز القوة الأميركية.
من ناحية ثانية، تدعم هيمنة الطاقة الاستعمال الفعال للأدوات الاقتصادية التي يمكن للولايات المتحدة أن تمارسها على الخصوم، ما يقلل من خياراتهم ويجبرهم على التفاوض.
أهمية سياسة الطاقة الأميركية
لا يمكن المبالغة في أهمية سياسة الطاقة الأميركية المحلية الموجهة نحو النمو، لأن الطاقة تُعد شريان الحياة للاقتصاد، وتؤثر في مدخرات الأسر، وربحية الشركات، ونمو الناتج المحلي الإجمالي، وخلق فرص العمل.
على صعيد آخر، تتطلّب العوامل التي تعطل السوق، من الذكاء الاصطناعي إلى التصنيع المتقدم، كميات هائلة من الطاقة بأسعار معقولة بأعلى معايير الموثوقية.
واقترح التقرير، على إدارة ترمب الثانية، أن تركز على 3 خطوات رئيسة لضمان جاهزية قطاع الطاقة الأميركي للنجاح على المدى الطويل.
أولى هذه الخطوات إلغاء التشريعات غير الضرورية التي تخنق الصناعة وتردع الاستثمار، وتبني نهج شامل للنمو يأخذ في الاعتبار احتياجات الأميركيين، وتبسيط إجراءات الترخيص، الذي من شأنه أن يزيد الابتكار في جميع أنحاء طيف الطاقة، من مصادر الطاقة التقليدية إلى المفاعلات النووية المتقدمة.
وحول سياسة الطاقة الأميركية الخارجية، تشكل السياسة القوية أهمية بالغة للحفاظ على القوة الاقتصادية الأميركية، التي تشكل بدورها الأساس لقوتها العسكرية.
وسوف تدفع سياسة الطاقة الأميركية لإدارة ترمب، من خلال ضمان إمدادات وفيرة من الطاقة، أسعار الطاقة العالمية إلى الانخفاض من خلال اقتصادات جانب العرض لتقويض اقتصادات دول مثل روسيا وإيران، وتنفيذ العقوبات بثقة ضد إيران وفنزويلا دون التأثير في الاقتصاد الأميركي.
الحاجة إلى أنظمة الطاقة النظيفة
أدركت إدارة ترمب الحاجة إلى أنظمة الطاقة النظيفة، لكنها رفضت بشكل حاسم فكرة أن هذا يجب أن يأتي على حساب النمو الاقتصادي واتبعت نهج "كل ما سبق" للطاقة.
وفي إطار سياسة الطاقة الأميركية لإدارة ترمب الثانية، حُدّدت مسارات للطاقة النظيفة من خلال دعم صناعة الغاز الطبيعي، ومن خلال النشر السريع والمسؤول للطاقة النووية من المفاعلات الصغيرة إلى الكبيرة الحجم، إذ ستعمل هذه الحلول على تقليل انبعاثات الكربون، وستعزز البنية التحتية للطاقة في أميركا دون تدخل خصومها.
وبفضل ارتفاعات إنتاج الطاقة الجديدة، فإن هذا النهج قد يمكّن أميركا من الاستعمال التكتيكي للعقوبات والتعرفات الجمركية بدلًا من فرض العقوبات وتقويض الاقتصاد الذي يضمن فاعليتها في الوقت نفسه.
الخروج من الاتفاقيات الدولية
قد تسعى الولايات المتحدة إلى جانب الخروج من الاتفاقيات الدولية المحددة مسبقًا مثل اتفاق باريس للمناخ، إلى الخروج أيضًا من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، في إطار سياسة الطاقة الأميركية لإدارة ترمب الثانية.
ويوضح الإنفوغرافيك أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز بنود اتفاق باريس بشأن المناخ:
ويرى التقرير "أنه ينبغي لإدارة ترمب أن تنظر إلى أي اتفاقيات أخرى في هذا الشأن باعتبارها معاهدات، وأن تقدمها للمراجعة والتصديق في الكونغرس، بدلًا من التحايل على إرادة الشعب الأميركي".
وأضاف: "من شأن هذه الخطوة أن تعيد السيادة الأميركية، وتسمح للولايات المتحدة بإصلاح مشاركتها العالمية داخل منظمات مثل وكالة الطاقة الدولية أو الانسحاب من منظمات مثل الوكالة الدولية للطاقة المتجددة".
توسيع إنتاج الغاز المسال وتصديره
سوف يشكّل توسيع إنتاج الغاز المسال وتصديره أولوية رئيسة في سياسة الطاقة الأميركية في الولاية الثانية لترمب، وهي إستراتيجية من شأنها أن تمنح أوروبا بديلًا للغاز الروسي وتوفر الطاقة الموثوقة التي تشتد الحاجة إليها لدعم النمو الاقتصادي للدول النامية، ولا سيما الشركاء الأميركيين في جنوب شرق آسيا.
كما تتضمّن سياسة الطاقة الأميركية لإدارة ترمب ترسيخ مكانة الولايات المتحدة بصفتها المُصدّر الرائد للغاز المسال عالميًا، ما سيُعزز نفوذها العالمي وسيدفع النمو الاقتصادي المحلي إلى الأمام.
وفي سياق متصل، قادت الولايات المتحدة العالم في خفض الانبعاثات، على مدى السنوات الـ15 الماضية، بفضل الغاز الطبيعي الأميركي، وفقًا للمراجعة الإحصائية للطاقة العالمية لعام 2023.
ولا يُعد هذا من صنع حكومة بايدن، لأن الصناعة الأميركية العاملة والمبتكرة في سوق حرة وتنافسية هي التي قادت الجهود الرامية إلى خفض الانبعاثات، وعلى النقيض من ذلك، فإن "قيادة" الحكومة، أو بالأحرى تدخلها، في هيئة قوانين الطاقة المتجددة، والحوافز، والإعانات، والتنظيم المفرط، يمثّل أصل الأزمة الحالية المتمثلة في موثوقية الشبكة، وانعدام أمن الطاقة، والاعتماد على الصين.
ولضمان بقاء الولايات المتحدة قادرة على المنافسة على المستوى العالمي، يوصي التقرير بأن تتضمن سياسة الطاقة الأميركية لإدارة ترمب إعادة توجيه الإدارات والوكالات الفيدرالية، وتوجيه موظفي الخدمة العامة في أميركا لخدمة أهداف نمو الطاقة، وإصلاح ممارسات الإقراض الفيدرالية المتجسدة في وزارة الخزانة، ومؤسسة التنمية والتمويل، وبنك التصدير والاستيراد، بالإضافة إلى إصلاح الخدمة التجارية الخارجية.
موضوعات متعلقة..
- سياسة الطاقة الأميركية بعد فوز ترمب.. هل تتراجع الطاقة المتجددة لصالح الوقود الأحفوري؟
- سياسة الطاقة الأميركية قد تواجه خطرًا بفوز ترمب.. ما القصة؟
- سياسة دونالد ترمب تجاه البيئة والطاقة.. تقرير يكشف ملامح مستقبلية
اقرأ أيضًا..
- الهيدروجين الأخضر في أوروبا يتلقى ضربة جديدة من شركة كبرى
- أدنوك الإماراتية تدشن أكبر استثمار في 2024.. ما القصة؟
- أبرز مشروعات الهيدروجين العربية.. أوابك تكشف قائمة الكبار
المصادر:
- أبرز ملامح سياسة الطاقة الأميركية لإدارة ترمب الثانية من مجلة ذا ناشيونال إنترست الأميركية
- توقعات إدارة معلومات الطاقة الأميركية لاستهلاك الطاقة في أميركا حتى عام 2050.