تقارير الهيدروجينالنشرة الاسبوعيةرئيسيةهيدروجين

نقل الهيدروجين في أنابيب الغاز يواجه تحديات.. والجزائر والمغرب يترقبان التجربة

دينا قدري

سلّطت دراسة جديدة الضوء على تحديات نقل الهيدروجين في أنابيب الغاز القائمة، في ظل الجهود الرامية إلى تجربة مزج الوقود منخفض الكربون بأنظمة الغاز الحالية.

وخلصت الدراسة التي حصلت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، أن البنية التحتية الحالية للغاز "غير صالحة للاستعمال في الغالب" مع الهيدروجين، دون استثمار كبير، أو تغييرات في التشغيل من شأنها أن تقلل كثيرًا من كمية الطاقة المقدّمة للعملاء.

ويرى الكثيرون أن استبدال الهيدروجين الخالي من الكربون أو منخفض الكربون بالغاز الطبيعي يُعدّ أداة جذابة لإزالة الكربون، لأنه يمكن أن يعيد استعمال البنية التحتية باهظة الثمن ذات القيمة الاقتصادية الكبيرة.

ومع ذلك، أظهرت الدراسة أن هناك العديد من التحديات التي لم تُحلّ مع استعمال الهيدروجين في البنية التحتية الحالية للغاز الطبيعي، بسبب اختلاف صفاته الفيزيائية والكيميائية مقارنةً بالميثان، المكون الرئيس للغاز الطبيعي.

ولهذه الاختلافات آثار كبيرة في سلسلة قيمة الغاز الطبيعي بأكملها، بما في ذلك الإنتاج والنقل لمسافات طويلة والتوزيع المحلي والتخزين والاستعمال النهائي.

وعلى الصعيد العربي والعالمي أيضًا، فإن الجزائر ثم المغرب (وفق ترتيب الإعلان)، قد أبديا رغبة في دراسة إمكان تصدير الهيدروجين في أنابيب الغاز الطبيعي الحالية القائمة لدى كل من البلدين.

إذ تمتلك الجزائر خطوط أنابيب تربطها بأوروبا، من بينها خط أنابيب مباشر مع إسبانيا، هو خط ميد غاز، في حين لدى المغرب أنبوب "المغرب العربي وأوروبا" الذي يربطه مباشرة بإسبانيا أيضًا، والذي كان يُصَدَّر من خلاله الغاز الجزائري إلى مدريد، قبل أن يتوقف تجديد العقد يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2021.

نقل الهيدروجين

ذكرت الدراسة أن الهيدروجين يُعدّ جذابًا على افتراض أن الشبكة العالمية الواسعة من البنية التحتية للغاز الطبيعي يمكن إعادة استعمالها لنقله، جزءًا من مستقبل الطاقة الخالية من الكربون.

لذلك، تعمل شركات المرافق والحكومات بسرعة على تعزيز الجهود الرامية إلى تجربة مزج الهيدروجين منخفض الكربون في أنظمة الغاز الطبيعي الحالية، والعديد منها بهدف التحول في النهاية إلى الهيدروجين النقي.

ومع ذلك، فإن الهيدروجين له خصائص فيزيائية وكيميائية مختلفة جوهريًا عن الغاز الطبيعي، مع عواقب كبيرة على السلامة وإمدادات الطاقة والمناخ والتكلفة.

عمومًا، في حين إن إعادة توجيه نظام الغاز الطبيعي للاستعمال مع الهيدروجين قد تبدو جذابة للوهلة الأولى، فإن التطبيق العملي المحدود والمخاطر وفجوات البيانات تشير بقوة إلى أن استبدال الغاز المماثل يوفر فوائد محدودة مقابل زيادة المخاطر، حتى لو جرى التغلب على العقبات الفنية والاقتصادية الرئيسة.

ومع ذلك، فإن الاستمرار في الاعتماد على الغاز الطبيعي ليس خيارًا قابلًا للتطبيق لمعالجة أزمة المناخ.

وتوصلت الدراسة بعنوان "مراجعة التحديات المتعلقة باستخدام نظام الغاز الطبيعي للهيدروجين"، إلى أنه يُمكن لمزج الهيدروجين التغلب على العديد من التحديات، لكنه لا يقدّم إلّا انخفاضًا طفيفًا في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، بسبب كثافة الطاقة الحجمية المنخفضة للهيدروجين.

وعلاوةً على ذلك، فإن الانتقال إلى الهيدروجين النقي (أي 100% هيدروجين) غير ممكن دون عمليات تحديث واستبدال كبيرة، حتى لو جرى التغلب على الحواجز التقنية والاقتصادية، فإن المخاطر البيئية والسلامة الخطيرة تظل قائمة.

جدوى نقل الهيدروجين في أنابيب الغاز

خلصت الدراسة -التي نُشرت في مجلة علوم وهندسة الطاقة يوم 18 أغسطس/آب 2024- إلى أن البنية التحتية الحالية غير قابلة للاستعمال في الغالب دون خفض مستويات الضغط (ما يترتب على ذلك من انخفاض كبير في معدلات تدفّق الطاقة)، أو استثمارات كبيرة، والتي غالبًا ما تعتمد على حلول غير مثبتة.

بالإضافة إلى ذلك، تحتاج الأجهزة المستعملة لنقل الغاز الطبيعي في النهاية إلى الاستبدال، وحتى في هذه الحالة، ستظل تواجه تحديات تتعلق بالسلامة والصحة، والتي يجب التغلب عليها بحلولٍ جديدة.

وعلى الرغم من أن العديد من المخاوف المرتبطة بنشر أنظمة طاقة الهيدروجين النقي يُمكن تخفيفها عن طريق مزج الهيدروجين بالغاز الطبيعي، فإن القيام بذلك لن يساعد في إزالة الكربون من الاقتصاد، لأنه لا يسهّل الانتقال التدريجي إلى الهيدروجين النقي، ولا يوفر سوى انخفاض طفيف في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وتُعدّ الفوائد المترتبة على انخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري محدودة، بسبب كثافة الطاقة الحجمية المنخفضة للغاية للهيدروجين مقارنةً بالغاز الذي يحلّ محلّه.

على سبيل المثال، فإن خليطًا من 20% هيدروجين (من حيث الحجم) في الغاز الطبيعي لا يمثّل سوى نحو 7% هيدروجين من حيث محتوى الطاقة، وفي أفضل الأحوال، يمثّل انخفاضًا بنسبة 7% فقط في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل جول من الحرارة الناتجة عن احتراقه.

وعلاوة على ذلك، ما يزال مزج الهيدروجين بالغاز الطبيعي ينطوي على مخاطر تتعلق بالسلامة والمناخ، بسبب التسرب وانبعاثات أكاسيد النيتروجين، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

نقل الهيدروجين في أنابيب الغاز

حلول لنقل الهيدروجين.. هل تنجح؟

يُنتَج الغاز الطبيعي من الآبار، ويُغذَّى عبر خطوط التجميع إلى محطات المعالجة، حيث يُنتج خليط غاز يلبي مواصفات خطوط الأنابيب.

وأشارت الدراسة -التي اطّلعت منصة الطاقة المتخصصة على تفاصيلها- إلى أنه ستكون هناك حاجة إلى بنية أساسية جديدة لتوسيع مرافق إنتاج الهيدروجين، ثم نقل الهيدروجين إلى البنية الأساسية لنقل الغاز الطبيعي.

ومع ذلك، على الرغم من أن محطات معالجة الغاز الطبيعي ليست مصممة للتعامل مع الهيدروجين، فمن الممكن إنقاذ بعض الأجزاء ونقلها.

وكما شددت الدراسة على أن فشل الأنابيب يُعدّ مصدر قلق بسبب الاختناق المحتمل والحرائق والانفجارات، ولأن أنابيب الغاز الطبيعي عادةً ما تُدفن، فإن عمليات التفتيش الخارجية صعبة، ويُعتمد بشكل كبير على عمليات التفتيش الداخلية للتحقق من سلامة مادة الأنابيب.

ومن ثم، هناك خطر كبير من الفشل المبكر إذا أُعيد استعمال أنابيب الغاز الطبيعي لنقل الهيدروجين، إلّا أنه اقتُرِحَ العديد من الحلول، ولكن يشمل كلٌّ منها تحديات إضافية.

أولًا، يُمكن مزج الهيدروجين بالغاز الطبيعي تحت عتبة معينة، بحيث يكون الضغط الجزئي للهيدروجين محدودًا، ولكنه يحدّ بشكل كبير من إمكان إزالة الكربون من خلال استعمال الهيدروجين، لأنه ليس من الآمن السعي إلى معدلات خلط أعلى دون إجراء عمليات تجديد أو استبدال كامل للأنابيب.

ثانيًا، من الممكن أحيانًا تركيب بطانة أو طلاء في أنبوب الغاز الطبيعي لحمايته من التآكل، ما دفع بعضهم إلى اقتراح أن البطانة أو الطلاء قد توفر وسيلة لحماية خطوط أنابيب الغاز الحالية ضد مركبات الكربون الهيدروفلورية المرتبطة بالهيدروجين؛ إلّا أنه يمكن أن يكون هذا تحديًا من الناحيتين الفنية واللوجستية.

ثالثًا، إن إعادة استعمال خطوط أنابيب الغاز الحالية لنقل الهيدروجين تتطلب في كثير من الأحيان خفض مستويات الضغط إلى ما لا يقلّ عن نصف إلى ثلث الضغط الأصلي بسبب أكواد التصميم والمعايير، ويمثّل انخفاض مستويات ضغط بهذا الحجم انخفاضًا كبيرًا جدًا في سعة حمل الطاقة في خط الأنابيب.

نسبة مزج الهيدروجين في خطوط الغاز

تأتي نتائج هذه الدراسة الجديدة لتؤكد ما سبق أن أشار إليه خبير الصناعات الغازية لدى منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول أوابك، المهندس وائل حامد عبدالمعطي، في مقال نشرته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).

إذ سلّط الضوء على استعمال شبكات نقل الغاز الطبيعي الحالية في نقل الهيدروجين، لتوفير التكلفة الرأسمالية الكبيرة المطلوبة لبناء شبكات جديدة للهيدروجين.

وأشار عبدالمعطي إلى أن صناعة الغاز الطبيعي تمتلك شبكات نقل وتوزيع واسعة النطاق تنتشر في العديد من دول العالم، يصل مجموع أطوالها إلى قرابة 3 ملايين كيلومتر.

وشدد على أن استعمال خطوط الغاز الطبيعي لنقل الهيدروجين ليس بالأمر الجديد، بل كان الغاز الطبيعي الغني بالهيدروجين يُستعمل مطلع القرن الـ20 غازًا للمدينة في عدّة دول، من بينها بريطانيا والولايات المتحدة.

وكانت نسبة الهيدروجين تصل في خليط الغاز إلى نحو 50%، لكن في الوقت نفسه كانت الأجهزة المستعملة آنذاك (الطهي والتدفئة) مصممة للعمل مع الغاز الغني بالهيدروجين، بحسب خبير أوابك.

يقول عبدالمعطي: "بناءً على هذا الإرث القديم، بدأت بعض الدول دراسة الحدود القصوى المسموح بها لخلط الهيدروجين مع الغاز في شبكات نقل الغاز القائمة، دون أن يتسبب ذلك بضرر على المستعمِلين النهائيين، أو يتطلب تحويلات جوهرية في شبكات الغاز التي ستنقل الخليط الجديد (خليط الهيدروجين والغاز الطبيعي)".

عالميًا، تختص الشركات المشغّلة لشبكات نقل الغاز الطبيعي وتوزيعه بوضع الحدود المسموح بها لنسبة الهيدروجين في الغاز الطبيعي، تلبيةً للمواصفات المطلوبة لبعض القطاعات.

وتختلف الدول فيما بينها حسب نسبة الهيدروجين المسموح بها محليًا في خليط الغاز، إذ تتراوح النسبة بين 2 و6%، وتصل إلى 10% في ألمانيا، ولكن في حالات محددة، منها المناطق التي لا توجد فيها محطات للغاز الطبيعي المضغوط متصلة بالشبكة.

ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- نسبة مزج الهيدروجين في شبكات الغاز ببعض الدول:

نسب مزج الهيدروجين في شبكات الغاز

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق