العمل المناخي في أميركا بين إرث بايدن وتصرفات هاريس.. مواجهة مرتقبة مع شركات النفط
نوار صبح
- المراقبون للسياسة البيئية يتوقعون أن تسير هاريس على خطى رئاسة بايدن
- كاملا هاريس استعملت الجزرة أكثر من العصا لتسريع انتقال الطاقة النظيفة
- كانت تصرفات هاريس ضد صناعة النفط الضخمة في ولاية كاليفورنيا محسوبة
- أكبر عمل مناخي ستخوضه هاريس على الأقل ماليًا هو قانون خفض التضخم
سيعتمد العمل المناخي في أميركا، في حالة فوز مرشحة الرئاسة عن الحزب الديمقراطي، على إرث الرئيس الأميركي جو بايدن والتصرفات السابقة لنائبته كامالا هاريس، التي عملت مدّعية عامة لولاية كاليفورنيا، وواجهت شركات النفط.
وعلى الرغم من أن الرئيس جو بايدن قد رسّخ إرثًا استثنائيًا في العمل المناخي، فإن نائبته كامالا هاريس رفعت سقف التوقعات حين دخلت السباق الرئاسي في 21 يوليو/تموز الماضي، حسب مقال اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
ويفكر المهتمون بشؤون المناخ في إمكانيات جديدة بناءً على تصرفات هاريس السابقة، والقرارات التي ستتخذها لمحاسبة شركات النفط الكبرى.
وأنعشت هاريس تطلعات العمل المناخي في أميركا، وأعلنت بعض المجموعات، التي لم تؤيَّد من قبل المرشحين الرئاسيين، دعمها لمرشحة الحزب الديمقراطي بعد مدة وجيزة من تخلّي بايدن عن سباق الرئاسة.
أسباب تأييد هاريس
تشيد مجموعات العمل المناخي في أميركا بتاريخ كامالا هاريس بصفتها مدّعية عامة سابقة لولاية كاليفورنيا واجهت شركات النفط، وبالعمل في مجال العدالة البيئية الذي ركّزت عليه في عهد إدارة بايدن والطبيعة التاريخية لترشّحها كونها امرأة ملونة.
وازدادت جاذبية هاريس عندما اختارت زميلها في الترشح، حاكم ولاية مينيسوتا، تيم والز، الذي نفّذ برنامج إنفاق مناخي بقيمة مليارَي دولار في الولاية، ووقّع قانونًا لجعل الولاية محايدة كربونيًا بحلول عام 2040.
جاء ذلك في مقال لمراسلة مؤسسة الصحافة البيئية إنسايد كلايمت نيوز Inside Climate News، في واشنطن، ماريان لافيل.
وقالت المديرة الوطنية لشبكة الصفقة الخضراء الجديدة، كانييلا إنغ: "نرى أن أمل رئاستها أمر منعش حقًا"، مشيرة إلى أن هاريس كانت من الرعاة الأصليين للتشريع المميز للمجموعة بصفتها عضوة في مجلس الشيوخ عام 2019.
وأوضحت إنغ أن هاريس تتمتع بسجلّ "في التأكد من عدم تأثّر المجتمعات السوداء والسمراء ومن ذوي الدخل المنخفض بالتلوث الذي تسبّبه الشركات".
ويمثّل السجل نفسه الذي نال دعم هاريس من مجموعات العمل المناخي في أميركا قائمة التفاصيل في قضية الرئيس السابق دونالد ترمب ضدها.
وكتبت حملة ترمب في رسالة بريد إلكتروني في 29 يوليو/تموز الماضي: "لقد دافعت كامالا هاريس منذ مدة طويلة عن أكثر عناصر الطاقة اشتراكية ومعاداة لأميركا في خطة" المناخ "اليسارية المتطرفة".
ويتوقع المراقبون للسياسة البيئية أن تسير هاريس على خطى بايدن، إذ حددت أهدافًا طموحة للحدّ من تلوث المناخ، لكنها استعملت الجزرة أكثر من العصا لتسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة.
الاختلاف بين بايدن وهاريس
قد يكون الاختلاف المباشر الأكثر وضوحًا بين بايدن وهاريس في قدرتهما على توصيل فوائد أكثر من 500 مليار دولار وجهتها الإدارة الحالية نحو الطاقة النظيفة.
في المناظرة الرئاسية في يونيو/حزيران الماضي، وصف ترمب الإنفاق بأنه "خدعة خضراء جديدة" تدفع التضخم، وردّ بايدن بعنف: "إذا وصلنا إلى 1.5 درجة مئوية في أيّ نقطة، حسنًا، لا يوجد طريق للعودة".
على النقيض من ذلك، يركّز خطاب هاريس حول برنامج العمل المناخي في أميركا، الذي تطور على مدار العام الماضي من خلال السفر في الداخل والخارج، على الأفراد وقصص النجاح والفوائد الحالية، تمامًا مثلما سعى بايدن إلى القيام به في حملته الناجحة "إعادة البناء بشكل أفضل" لعام 2020.
وقالت هاريس في مناسبة أقيمت بولاية كارولينا الشمالية في أبريل/نيسان الماضي: "عندما نستثمر في المناخ، فإننا نخلق فرص عمل، ونخفض التكاليف، وندعم الأسر".
محاسبة مصادر التلوث في كاليفورنيا
تمثّل مواجهة كامالا هاريس لشركات النفط الكبرى محور دعم حلفاء نائبة الرئيس في حركة المناخ الذين يعدّونها أرفع مسؤول عن إنفاذ القانون في كاليفورنيا.
وكانت تصرفات هاريس ضد صناعة النفط الضخمة في ولاية كاليفورنيا، التي تحتل المرتبة الثالثة بين الولايات من حيث سعة التكرير، محسوبة.
وبدلًا من التعامل مع ادّعاءات جديدة صعبة، استعملت هاريس قانونًا راسخًا لمعالجة حالات صارخة من تلوث الهواء والماء، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وفي عام 2016، كانت هاريس واحدة من 17 محاميًا عامًا أطلقوا تحقيقًا في شركة إكسون موبيل وما إذا كانت قد ضللت الجمهور ومساهميها بشأن مخاطر تغير المناخ، في أعقاب الأدلة التي ظهرت في التقارير نشرتها مؤسسة الصحافة البيئية إنسايد كلايمت نيوز.
تجدر الإشارة إلى أن هاريس لم تقاضِ إكسون أبدًا، فقط المدّعون العامون لعدد قليل من الولايات فعلوا ذلك في النهاية؛ وخسرت نيويورك قضيتها في عام 2019، وما تزال ماساتشوستس ومينيسوتا ورود آيلاند تكافح من أجل قضاياها.
ورفعت هاريس دعوى قضائية ضد شركات النفط الكبرى بسبب تسرب خزانات البنزين تحت الأرض التي تهدد المياه الجوفية، وحصلت على تسويات بملايين الدولارات في عامي 2015 و2016، من شركة فيليبس 66 وكونوكو فيليبس وبي بي.
وانضمت هاريس إلى قضية جنائية ضد شركة بلينز أوول أميركان بايبلاين Plains All-American Pipeline، ومقرها هيوستن، بسبب تسرب 140 ألف غالون (529 ألفًا و957 لترًا) من النفط الخام الثقيل في المحيط الهادئ عام 2015، ما أدى إلى تلوث الشاطئ، وأدينت الشركة في عام 2018.
وفي أسابيعها الأخيرة لكونها مدّعية عامة، رفعت هاريس دعوى قضائية لمنع خطة إدارة أوباما للسماح بالتكسير المائي الهيدروليكي في المحيط الهادئ، وهي القضية التي فازت بها كاليفورنيا في عام 2022.
وفي عام 2014، عارضت هاريس التوسع المقترح من جانب شركة شيفرون لمصفاتها التي يبلغ عمرها قرنًا من الزمان في ريتشموند بولاية كاليفورنيا، وواجهت شركة النفط واتحادات البناء التي اعتقدت أن مصفاةً أكبر من شأنها أن تعني المزيد من الوظائف النقابية.
وفي النهاية، قلّصت شركة شيفرون خطّتها، واستجابة مباشرة للمخاوف التي أثارتها هاريس، وافقت على الحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عند المستويات الحالية آنذاك، والحدّ من معالجة الكبريت في المنشأة.
من خلال التدخل في خطة مصفاة شيفرون، كانت هاريس تواكب النضال الطويل لأغلبية السكان السود واللاتينيين الذين يعانون من بعض أسوأ تلوث الهواء في البلاد، حسبما تقول الرئيسة التنفيذية لمؤسسة "كاليفورنيا إنفيرونمنت فوترز"، ماري كريسمان.
الدفاع عن سجل بايدن المناخي
يعدّ أكبر عمل مناخي ستخوضه هاريس، على الأقل ماليًا، هو قانون خفض التضخم، وهو حزمة بقيمة 370 مليار دولار من حوافز الطاقة النظيفة للمستهلكين والشركات التي وافق عليها الكونغرس في عام 2022 بأضعف الهوامش.
وقال نائب الرئيس الأول للشؤون الحكومية في رابطة الناخبين من أجل الحفاظ على البيئة the League of Conservation Voters، تيرنان سيتنفيلد: "من الصعب جدًا التشريع، ومن الصعب تحديدًا التشريع بشأن شيء كبير وتحويلي مثل قانون خفض التضخم".
وأضاف: "كانت هناك نقاط عديدة بدا فيها الأمر وكأنه معلّق بخيط رفيع، أو ربما انقطع الخيط، لكننا لم نستسلم أبدًا"، و"الأهم من ذلك، لم يستسلم الرئيس أبدًا".
من ناحية ثانية، فإن 71% من البالغين في الولايات المتحدة إمّا يعتقدون أن قانون التقاعد الفردي لم يُحدث فرقًا كبيرًا في تغير المناخ، أو لا يعرفون ما يكفي ليقولوه، وفقًا لاستطلاع رأي أجراه مركز إيه بي-نورك AP-NORC لأبحاث الشؤون العامة في أبريل/نيسان الماضي.
بدوره، استغل ترمب الشكوك والفجوة المعرفية من خلال طرح رواية مفادها أن القانون يسبّب الألم للمستهلكين.
وقال ترمب في مؤتمر الحزب الجمهوري: "سنُنهي الهدر السخيف وغير المعقول لأموال دافعي الضرائب الذي يغذّي أزمة التضخم".
الوقود الأحفوري
على الرغم من أنه يمكن لهاريس أن تشير إلى الإنجازات في مجال الاستثمار بالطاقة النظيفة في الداخل والمشاركة الدولية في الخارج، فإنها ستواجه أسئلة صعبة بشأن القضية المناخية الأكثر إثارة للجدال سياسيًا، وموقفها من تطوير الوقود الأحفوري.
وتُعدّ سلطة الرئيس في تقييد الحفر بصورة مباشرة محدودة؛ إذ يُنتَج 76% من النفط و89% من الغاز الطبيعي على الأراضي الخاصة في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من سياسات إدارة بايدن-هاريس المناخية، فقد بلغ إنتاج النفط والغاز مستويات قياسية خلال مدة ولايتهما، وتظل الولايات المتحدة أكبر مصدر للنفط والغاز في العالم.
تحمل القرارات المتعلقة بمشروعات الوقود الأحفوري -التي يتمتع الرئيس بسلطة عليها هي الموجودة على الأراضي والمياه العامة أو عبر الحدود- عبئًا سياسيًا هائلًا، حسب مقال لمراسلة مؤسسة الصحافة البيئية إنسايد كلايمت نيوز، في واشنطن، ماريان لافيل.
واتخذ بايدن إجراءات متعددة لتقييد تطوير الوقود الأحفوري، إذ سحب تصريح خط أنابيب كيستون إكس إل، وقام بتوسيع أو تعزيز الحماية عبر 16 مليون فدان في القطب الشمالي، واقترح إنهاء تأجير الفحم الجديد من الاحتياطيات الفيدرالية في حوض نهر باودر، المنطقة الأكثر إنتاجًا لتعدين الفحم في البلاد.
وحدّد بايدن 6 محميات وطنية جديدة ووسّع اثنتين، ما أدى إلى إنشاء حماية لأكثر من 1.6 مليون فدان من الأراضي العامة.
ويوجد قراران اتخذهما بايدن بشأن الوقود الأحفوري طغيا على كل القرارات الأخرى: موافقته في مارس/آذار 2023 على مشروع حفر النفط الضخم لشركة كونوكو فيليبس بقيمة 8 مليارات دولار في ألاسكا، وقراره بإيقاف الموافقات على الطلبات المعلّقة والجديدة للمرافق لتصدير الغاز المسال.
ويخضع وقف الغاز المسال للتقاضي، حيث أصدر قاضٍ فيدرالي عيّنه ترمب الشهر الماضي قرارًا بوقف التنفيذ.
وتُعدّ هذه قضية ساخنة لقطاع النفط والغاز، الذي سارع إلى الإشارة إلى أن هاريس لم تعالج القضية بعد، إذ يشير المحللون إلى العواقب الجيوسياسية هائلة، إذ كان الغاز المسال من الولايات المتحدة يساعد أوروبا في التعامل مع فقدان إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا منذ غزوها أوكرانيا.
اقرأ أيضًا..
- 10 تريليونات قدم مكعبة غاز في مصر.. بئر أوريون تنتظر حسم مصيرها
- مشروع جديد لأطول خط كهرباء في العالم ينتزع الصدارة من المغرب
- الكهرباء في الصين تراهن على الطاقة النووية.. وشكوك إزاء تراخيص الفحم