أدنوك الإماراتية تغيّر معادلة صفقات الطاقة العالمية بميزانية 150 مليار دولار
هبة مصطفى
تلقّت شركة بترول أبوظبي الحكومية -المعروفة باسم أدنوك الإماراتية- دعمًا رئاسيًا، لزيادة ميزانية الشركة المخصصة لعقد صفقات طاقة، بما يعزّز مكانة الشركة بوصفها مستثمرًا عالميًا.
ومع ميزانية قدرها 150 مليار دولار منحها رئيس البلاد محمد بن زايد، تتحول الشركة الإماراتية -تدريجيًا- من منتج للنفط إلى أحد أكبر مبرمي صفقات الطاقة العالمية.
ووفق معلومات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تعكس سياسة الشركة رغبة في زيادة نفوذها بصفتها شركة طاقة عالمية، وربما تعد مساعي الاستحواذ على شركة كوفيسترو (Covestro) الألمانية للكيماويات دلالة على هذه الرغبة.
ويبدو أن الاندماج والاستحواذ أصبحا أبرز أدوات دول الشرق الأوسط النفطية الكبرى، لتنويع مصادر الطاقة واقتصادها، مع تجنب توسعة نطاق الوقود الأحفوري.
ملامح سياسة أدنوك
زادت شهية شركة أدنوك الإماراتية لإنجاح صفقات استحواذ ذات صبغة عالمية في قطاع الطاقة، إلى أن وصل الأمر باعتقاد البعض أنها قد تستحوذ مستقبلًا على شركة النفط البريطانية بي بي (BP).
وانتعشت ميزانية الشركة المخصصة لمثل هذه الصفقة بدعم رئاسي، ويمكن أن تشكل ميزانية 150 مليار دولار نقطة انطلاق نحو عقد صفقات طاقة عالمية ضمن الأكبر على الإطلاق.
ومنذ عام ونصف العام، أصدر الرئيس محمد بن زايد قرارًا بزيادة ميزانية الشركة بنحو "الخُمس"، لزيادة إنتاج النفط والغاز بالإضافة إلى جذب أصول عالمية في مجالات: الكيماويات والغاز والطاقة النظيفة، طبقًا لتقرير نشرته بلومبرغ (اليوم الجمعة 28 يونيو/حزيران 2024).
ويُشرف الرئيس التنفيذي للشركة رئيس قمة المناخ كوب 28 الفائتة، سلطان الجابر، على قطار الاستحواذ على الأصول الذي أطلقته أدنوك، ودعم الجابر هذ الاتجاه بخبراء لتقييم الاستثمارات الإستراتيجية.
ونجحت الشركة العام الماضي 2023 في إبرام اتفاقيات غاز في 3 قارات: أميركا، وأوروبا عبر شراء شركة مصدر -وحدة الطاقة النظيفة التابعة لأدنوك- شركة يونانية للطاقة المتجددة، وصفقة لتشغيل محطات الوقود في جنوب أفريقيا.
"كوفيسترو" نموذجًا
من بين صفقات الطاقة كافّة التي أنجزتها شركة أدنوك الإماراتية، تحتل خطط الاستحواذ على شركة الكيماويات الألمانية "كوفيسترو" موقعًا فريدًا ضمن إستراتيجية الشركة.
وقبل أيام قليلة رفعت الشركة عرض شراء "كوفيسترو" إلى 12.5 مليار دولار، في محاولة لتحريك الصفقة لصالحها، إذ إن نجاحها سيعد بمثابة أكبر صفقة استحواذ دولية تبرمها دولة خليجية.
وطال عمر صفقة كوفيسترو لمدة تقارب العام، وما زالت السيناريوهات المحيطة بها غير واضحة المعالم إذا ما كانت ستتجه بها إلى النجاح أم لا، غير أن نجاحها سيكون دافعًا للشركة الإماراتية لتنفيذ صفقات أكبر، واختبارًا لقدرتها على اقتناص استحواذ دولي.
وخلال العام الماضي، واجهت صفقة استحواذ أدنوك على "كوفيسترو" الألمانية بعض التحديات، في ظل تحفظ رئيسها التنفيذي ماركوس ستيلمان، على إتمام الصفقة ترقبًا لحصول الشركة الألمانية على دعم محلي بدلًا من بيعها.
ومنذ ذلك الحين، توقف الحديث عن تطورات الصفقة إلا أن أدنوك -شهر يونيو/حزيران الجاري- رفعت قيمة عرض الشراء إلى 12.5 مليار دولار، بمباركة من ستيلمان ومسؤول أعمال التكرير والكيماويات لدى أدنوك خالد سالمين، وبدعم مباشر من الرئيس الإماراتي محمد بن زايد.
محاولات أخرى
خاضت شركة أدنوك الإماراتية محاولات عدة للاستحواذ والشراء، نجح بعضها وأصاب البعض الآخر تحديات قادت الصفقات للإخفاق.
ووصف المعني بملف نفط الخليج لدى مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأميركي بن كاهيل، محاولات أدنوك بأنها تتعلق بالنفوذ، إذ تطمح الشركة الخليجية في التحول إلى شركة طاقة دولية لها مشروعات وأذرع عالمية.
ولم يحالف الحظ عملية استحواذ أدنوك على شركة "ستاندرد تشارترد" المصرفية البريطانية، كما تعثرت صفقة شراء شركة براسكيم (Braskem) البرازيلية، وتوقف مشروع إنشاء مشروع بتروكيماويات بتكلفة 30 مليار دولار، بالإضافة إلى تأثر صفقة لشراء شركة إسرائيلية منتجة للغاز بالحرب التي تشنها الأخيرة على قطاع غزة.
وأجمع محللون على أن هذه المحاولات "صحية" لإستراتيجية أدنوك التوسعية، مؤكدين أن الصفقات الكبرى عادة تستغرق وقتًا كبيرًا للاتفاق حول التفاصيل.
ومن شأن نجاح صفقة استحواذ أدنوك الإماراتية على "كوفيسترو" الألمانية أن تغيّر هذه القناعة، خاصة أن مشاورات الصفقة تأتي في وقت حرج تسعى شركة إكسون موبيل (Exxon Mobile) خلاله لإتمام صفقة "بايونير" مقابل 60 مليار دولار.
ويوضح الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- ملامح تشكيل كيان جديد تحت إدارة أدنوك:
مستقبل صفقات الخليج
تعكس رؤية شركة أدنوك الإماراتية أن صفقة "كوفيسترو" لن تكون صفقة الاستحواذ الأخيرة، إذ تتطلع الشركة الخليجية للاستحواذ على أصول أخرى في قطاع الغاز المسال والكيماويات، بالإضافة إلى شراء مشروعات طاقة شمسية عبر شركة "مصدر".
وتُقدّر قيمة صفقة الاستحواذ على "كوفيسترو" بنحو 11.7 مليار يورو (12.5 مليار دولار أميركي)، ووصفت بأنها أكبر صفقات شركة أدنوك.
(اليورو = 1.07 دولارًا أميركيًا)
وفي محاولة لدفع الصفقة إلى المضي قدمًا، رفعت أدنوك الإماراتية سعر السهم بقيمة تقارب الدولاريْن من 64.4 دولارًا إلى 66.5 دولارًا، مشيرة إلى أن العرض المقدم هو الأخير بالنسبة لها، ولن ترفع سعر السهم مرة أخرى، بعدما شمل عرضها الأولى سعر 59.1 دولارًا للسهم.
وفي مرحلة سابقة، كانت أدنوك قد حرّكت سعر السهم من مستوى العرض الأولي لنحو 64.4 دولارًا للسهم، بقيمة إجمالية 12.12 مليار دولار، قبل أن تطرح عرضها الأخير الذي يبدو أنه أثار شهية الشركة الألمانية لبدء تفاوض جديد حول صفقة الاستحواذ.
وتنظر الدول النفطية الخليجية إلى صفقات الاستحواذ على أصول مشابهة، بوصفها استثمارًا طويل الأجل يكسبها ميزات سياسية واقتصادية، في خريطة الطاقة العالمية.
ويواجه هذا الطموح العديد من التحديات، أبرزها المشكلات التنظيمية الخارجية وتحفظات الحكومات الأجنبية على الشراء إلى حد رفض الصفقة.
موضوعات متعلقة..
- أدنوك الإماراتية تقترب من إنجاز أكبر صفقة استحواذ في تاريخها
- أدنوك الإماراتية تستحوذ على شركة شحن عالمية في صفقة بمليار دولار
- إستراتيجية أدنوك الإماراتية للاستحواذ.. هل تمتد لبي بي البريطانية؟
اقرأ أيضًا..
- أرامكو السعودية قد تخفّض أسعار بيع النفط إلى آسيا في أغسطس (مسح)
- ما علاقة تغير المناخ بشراء ولايات أميركية الغاز المسال من قطر والجزائر؟ (تقرير)
- الأردن يعلن اكتشافات غاز تكفي الكهرباء لعشرات السنين