رئيسيةسلايدر الرئيسيةغازمقالات الغاز

آسيا الوسطى طريق بديل لتوصيل الغاز الروسي إلى الصين (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • أسواق قازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان لم تكن تاريخيًا محور التركيز الأساسي لشركة غازبروم
  • شركة "قازاق غاز" تنقل الغاز الروسي عبر قازاخستان إلى أوزبكستان وقيرغيزستان
  • شركة غازبروم تعمل على تنويع محفظة صادراتها من خلال تأمين أسواق آسيا الوسطى
  • انخفاض الصادرات إلى أوروبا أرغم شركة غازبروم على استكشاف وترسيخ أسواق بديلة

باتت دول آسيا الوسطى تشكّل طريقًا بديلًا بالغ الأهمية لوصول الغاز الروسي إلى الصين، في الوقت الذي تسعى فيه موسكو لتأمين منافذ جديدة للتعويض عن عقود الغاز مع دول الاتحاد الأوروبي.

وتمثّل المناورات الأخيرة لشركة غازبروم لتأمين أسواق قازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان حتى عام 2040 تحولًا إستراتيجيًا كبيرًا بالنسبة إلى شركة الطاقة الروسية العملاقة.

ولم تكن هذه الأسواق، تاريخيًا، محور التركيز الأساسي لشركة غازبروم، التي أعطت الأولوية إلى حد كبير للأسواق الأوروبية الأكثر ربحية.

ومع ذلك، مع توقيع العقود طويلة الأجل في "منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي" SPIEF 2024، تعمل شركة غازبروم على تعزيز وجودها في آسيا الوسطى، وتتوقع صادرات تصل إلى 12 مليار متر مكعب من الغاز الروسي في السنوات المقبلة.

وعلى الرغم من هذه الكميات الكبيرة، يشير المحللون إلى أن هوامش الربح من عقود آسيا الوسطى هذه ستكون أقل مقارنة بالعقود الأوروبية.

نقل الغاز الروسي إلى آسيا الوسطى

في يونيو/حزيران 2024، أبرمت شركة غازبروم العديد من عقود النقل والتوريد الرئيسة مع دول آسيا الوسطى.

ووقعت اتفاقيات طويلة الأجل مع شركة "قازاق غاز" لنقل الغاز الروسي عبر قازاخستان إلى أوزبكستان وقيرغيزستان، بدءًا من عام 2025 إلى عام 2040.

وتشمل الاتفاقيات عقودًا لتوريد الغاز من المناطق الشمالية والجنوبية من قيرغيزستان، وتستهدف المستهلكين الرئيسين مثل محطات الكهرباء "أوه جيه إس سي" و"بشكيك تيبولو إنيرغو كيه بي".

بالإضافة إلى ذلك، تم التوقيع على خطة عمل لتعزيز نظام خط أنابيب الغاز في وسط آسيا، بهدف تعزيز نقل الغاز الروسي إلى أوزبكستان من خلال توسيع قدرة "خط أنابيب الغاز في وسط آسيا 4".

منشأة تخزين الغاز تحت الأرض تابعة لشركة غازبروم في بلدة كاسيموف بروسيا
منشأة تخزين الغاز تحت الأرض تابعة لشركة غازبروم في بلدة كاسيموف بروسيا - الصورة من بلومبرغ

وجاءت الاتفاقيات الإستراتيجية في أعقاب بدء إمدادات الغاز إلى أوزبكستان بالتدفق العكسي عبر خط أنابيب الغاز في وسط آسيا في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويسلط عقد غازبروم و"أوزغاستريد" لمدة عامين، الذي يبدأ بإمدادات يومية تبلغ 9 ملايين متر مكعب من الغاز الروسي، الضوء على أهمية أوزبكستان بوصفها سوقًا، لا سيما خلال ذروة متطلبات الشتاء.

في المقابل، توجد خطط جارية لزيادة الواردات من خلال تحديث نظام خطوط أنابيب الغاز، ما قد يؤدي إلى زيادة القدرة الاستيعابية 3 مرات بحلول عام 2030.

بدورها، حظيت البنية التحتية لإمدادات الغاز في قيرغيزستان بالاهتمام، بفضل اتفاقيات تعكس نظام الإمداد ثنائي المسار الذي يشمل أوزبكستان وقازاخستان.

وتعالج العقود النقص المستمر في الغاز الذي عاق النمو الاقتصادي في المنطقة، وتفاقم بسبب انخفاض الإنتاج في أوزبكستان وقازاخستان.

ويؤدي بدء إمدادات الغاز الروسي إلى أوزبكستان إلى تخفيف هذا النقص، ما يتيح التغويز الكامل للمنشآت الرئيسة مثل محطة بشكيك للطاقة الكهروحرارية.

التداعيات والمخاطر الجيوسياسية

التنويع واستقرار السوق: من خلال تأمين أسواق آسيا الوسطى، تعمل شركة غازبروم على تنويع محفظة صادراتها، الأمر الذي يمكن أن يوفر وقاية لديها ضد التقلبات أو العقوبات المحتملة في السوق الأوروبية.

ومن الممكن أن يعزز هذا التنويع استقرار السوق الشامل لشركة غازبروم، ويعكس إستراتيجية رد الفعل تجاه الضغوط الجيوسياسية المحتملة من أوروبا.

الاستثمارات في البنية التحتية: إن التوسع المخطط لشبكة أنابيب الغاز بين آسيا الوسطى ومركز آسيا الوسطى وإنشاء قدرات جديدة لنقل الغاز في قازاخستان يدل على استثمارات كبيرة في البنية التحتية.

وتهدف هذه التطورات إلى تسهيل مرور الغاز الروسي إلى أوزبكستان وقيرغيزستان عبر قازاخستان.

من ناحية ثانية، تنطوي هذه المشروعات على نفقات رأسمالية كبيرة وتحديات لوجستية، يمكن أن تتفاقم بسبب عدم الاستقرار الإقليمي أو التغيرات في الأنظمة السياسية.

التبعية الاقتصادية والنفوذ: بالنسبة إلى قازاخستان، وأوزبكستان، وقيرغيزستان، فإن عقود توريد الغاز طويلة الأجل مع شركة غازبروم من الممكن أن تضمن أمن الطاقة وتدعم التنمية الاقتصادية.

وتمتد اتفاقية غازبروم مع "قازاق غاز" القازاخستانية من عام 2025 إلى عام 2040، على الرغم من أن حجم الالتزامات التعاقدية ما يزال غير معلن.

ويمكن لهذا الاعتماد على الغاز الروسي أن يمنح موسكو نفوذًا جيوسياسيًا كبيرًا على هذه البلدان.

وفي أوقات التوتر السياسي، قد تستعمل روسيا إمدادات الطاقة بوصفها أداة لممارسة نفوذها، الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة استقرار السياسة الإقليمية.

المنافسة والهوامش: في ظل قدرة شركة غازبروم على تصدير ما يصل إلى 12 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى هذه البلدان، فإن هوامش الربح المنخفضة مقارنة بالعقود الأوروبية تثير تساؤلات بشأن الجدوى المالية لمثل هذه الصفقات على المدى الطويل.

وفي حال تقلّبت أسعار الطاقة العالمية أو إذا بحثت دول آسيا الوسطى عن موردين بديلين للطاقة، فإن ربحية غازبروم وهيمنتها على السوق قد تتعرض للخطر.

الديناميكيات الإقليمية: تؤكد الاتفاقيات الأهمية الإستراتيجية لآسيا الوسطى في الأجندة الجيوسياسية الأوسع لروسيا.

ويهدف عقد شركة "غازبروم إكسبورتس" مع شركة "غازبروم قيرغيزستان المحدودة"، الذي يسري حتى عام 2040، إلى توريد الغاز إلى شمال وجنوب قيرغيزستان، مع إمدادات لاحقة طويلة الأجل إلى محطات الكهرباء "أوه جيه إس سي" و"بشكيك تيبولو إنيرغو كيه بي".

وقد تثير هذه الخطوة ردود فعل من القوى الإقليمية الأخرى مثل الصين، التي لديها مصالحها الخاصة في مجال الطاقة ومشروعات البنية التحتية في آسيا الوسطى، ولا سيما من خلال مبادرة الحزام والطريق. بالإضافة إلى ذلك، قد تنظر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى هذا التوسع بوصفه وسيلة لروسيا لتوسيع نفوذها، ما قد يؤدي إلى زيادة التوترات الجيوسياسية والجهود المبذولة لموازنة الوجود الروسي في المنطقة.

ورغم أن توسع شركة غازبروم في آسيا الوسطى من خلال العقود الطويلة الأجل يشير إلى جهود التنويع الإستراتيجي، فإنه يفرض العديد من المخاطر الجيوسياسية.

وتشمل هذه العوامل الاعتماد الإقليمي على الطاقة الروسية، والتحديات المحتملة في مجال البنية التحتية، وانخفاض هوامش الربح، والتداعيات الجيوسياسية الأوسع التي تشمل القوى الكبرى الأخرى التي لها مصالح في آسيا الوسطى.

وسيتوقف نجاح غازبروم في معالجة هذه التعقيدات على قدرتها على الحفاظ على علاقات مستقرة مع حكومات آسيا الوسطى وإدارة المشهد التنافسي بفاعلية.

محطة ضغط تابعة لشركة غازبروم بمنطقة أوست لوغا في روسيا
محطة ضغط تابعة لشركة غازبروم بمنطقة أوست لوغا في روسيا - الصورة من بلومبرغ

تراجع الصادرات الأوروبية

شهد إهمال غازبروم التاريخي لأسواق آسيا الوسطى، مدفوعًا بهوامش ربحها المنخفضة مقارنة بأوروبا، تحولًا ملحوظًا في الأعوام الأخيرة.

وكان انخفاض صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا سببًا في إرغام شركة غازبروم على استكشاف وترسيخ أسواق بديلة، خصوصًا في آسيا الوسطى.

ويتضمن هذا المحور الإستراتيجي زيادة إمدادات الغاز، واستثمارات كبيرة في البنية التحتية والمناورات السياسية لضمان الهيمنة المستدامة على الطاقة في المنطقة.

التداعيات والمخاطر الجيوسياسية

إعادة الاصطفاف الإستراتيجي: كان انخفاض الصادرات الأوروبية سببًا في ضرورة إعادة الاصطفاف الإستراتيجي بالنسبة إلي شركة غازبروم.

وفي عام 2022، أعلنت الشركة نيتها تشكيل اتحاد غاز مع قازاخستان وأوزبكستان، ويهدف هذا الاتحاد إلى تسهيل إمدادات الغاز إلى هذه الدول والتوسع في السوق الصينية.

بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأت شركة غازبروم إمدادات الغاز إلى أوزبكستان عبر خط أنابيب وسط آسيا الوسطى في الوضع العكسي، وصدرت ما يصل إلى 3 مليارات متر مكعب سنويًا مع خطط لزيادة هذا الحجم إلى 11 مليار متر مكعب بحلول عام 2026.

وتؤكد عملية إعادة الاصطفاف هذه حاجة شركة غازبروم إلى تنويع قاعدة أسواقها وتخفيف المخاطر المرتبطة بالاعتماد المفرط على الأسواق الأوروبية، وقد نقلت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) هذه التطورات.

تعزيز طرق الإمداد والبنية التحتية: إن اتفاقية إمداد أوزبكستان بالغاز تسلط الضوء على أهمية طرق النقل الموثوقة.

ويُعد خط أنابيب آسيا الوسطى، الذي جرى بناؤه في البداية في العهد السوفيتي، بمثابة بنية تحتية حيوية للتدفق العكسي إلى أوزبكستان.

والتزمت شركة "قازاق غاز" القازاخستانية بتعزيز قدرة النقل، ومن المحتمل أن تصل إلى 22 مليار متر مكعب سنويًا.

وهذا يتطلب ترقيات كبيرة لمحطات الضاغط والبنية التحتية الأخرى لخطوط الأنابيب.

وحسبما أشار نائب رئيس مجلس إدارة "قازاق غاز"، أيدين أكان، فإن المراجعة الفنية جارية لتقييم نطاق الإصلاحات والتحسينات الضرورية.

ويؤدي التوسع إلى تسهيل زيادة تدفق الغاز، ويعزز العلاقات الاقتصادية بين روسيا ودول آسيا الوسطى.

التحديات الاقتصادية والتقنية: يؤدي انخفاض إنتاج الغاز المحلي في أوزبكستان إلى تفاقم انقطاعات الكهرباء في فصل الشتاء، ما يستلزم زيادة الواردات.

وفي عام 2023، بلغت تكلفة الغاز الموردة إلى أوزبكستان نحو 160 دولارًا لكل 1000 متر مكعب، بإجمالي 1.28 مليار متر مكعب جرى تسليمها في ذلك العام.

وتتوقع وزارة الطاقة القازاخستانية أن يرتفع حجم العبور إلى أوزبكستان إلى ما يقرب من 4 مليارات متر مكعب في عام 2024.

وتتطلب معالجة هذا النقص حلولًا فورية وطويلة الأجل للبنية التحتية، وتنطوي على استثمارات مالية كبيرة وجهود منسقة بين روسيا وقازاخستان وأوزبكستان.

اعتماد السوق والاستقرار الإقليمي: يسلط اعتماد أوزبكستان المتزايد على واردات الغاز الروسي الضوء على الاتجاه الجيوسياسي الأوسع لتبعية الطاقة.

ويمنح هذا الاعتماد روسيا نفوذًا كبيرًا على أمن الطاقة في أوزبكستان، خصوصًا خلال أوقات ذروة الطلب في الشتاء.

ومن الممكن أن يكون مثل هذا النفوذ أداة للتأثير السياسي، ما قد ينعكس على قرارات السياسة الداخلية والخارجية لأوزبكستان.

وبالمثل، فإن قيرغيزستان، بوارداتها الحالية البالغة 0.34 مليار متر مكعب في عام 2023 وتخطط لزيادة هذه الكمية إلى مليار متر مكعب سنويا، أصبحت تعتمد بشكل متزايد على الغاز الروسي.

القدرة والجدوى الاقتصادية: يُعد المحور الإستراتيجي لشركة غازبروم في آسيا الوسطى مدفوعًا جزئيًا بالحاجة إلى الاستفادة من قدرتها الإنتاجية الحرة البالغة 100 مليار متر مكعب.

وعلى الرغم من أن الهوامش في آسيا الوسطى أقل من تلك الموجودة في أوروبا، فإنها أعلى بكثير من المبيعات المحلية داخل روسيا، وهذا يجعل أي عرض إضافي بهامش تصدير إيجابي أمرًا مرغوبًا فيه.

ويشير المحلل فيتالي إرماكوف إلى أن التوازن بين استعمال القدرات المتاحة والحفاظ على الجدوى الاقتصادية أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى شركة غازبروم.

وعلى الرغم من انخفاض الهوامش، فإن ضرورة ضمان تدفقات الإيرادات المتسقة تجعل أسواق آسيا الوسطى جذابة بصورة متزايدة.

المنافسات الجيوسياسية والديناميكيات الإقليمية: يؤثر الوجود المتزايد للغاز الروسي في آسيا الوسطى في الديناميكيات الإقليمية، خصوصًا في سياق مبادرة الحزام والطريق الصينية.

وقد تنظر الصين، في ظل استثماراتها الكبيرة في البنية الأساسية في آسيا الوسطى، إلى توسع شركة غازبروم بوصفه خطوة تنافسية.

وقد يؤدي هذا إلى تنافس إستراتيجي بين روسيا والصين على النفوذ على قطاع الطاقة في آسيا الوسطى. بالإضافة إلى ذلك، قد تنظر الدول الغربية إلى التحول الإستراتيجي لشركة غازبروم بوصفه محاولة من جانب روسيا، لتعزيز نفوذها في منطقة ذات أهمية جيوسياسية، ما قد يؤدي إلى زيادة التدابير الدبلوماسية والاقتصادية المضادة.

حقل غازبروم تشاياندينسكوي للنفط والغاز والمكثفات بمنطقة لينسك بجمهورية ساخا الروسية
حقل غازبروم تشاياندينسكوي للنفط والغاز والمكثفات بمنطقة لينسك بجمهورية ساخا الروسية - الصورة من بلومبرغ

النتائج الإستراتيجية طويلة المدى: تهدف استثمارات غازبروم في البنية التحتية وطرق الإمداد في آسيا الوسطى إلى فرض هيمنة طويلة المدى في مجال الطاقة في المنطقة.

ومن خلال إنشاء شبكة قوية لإمدادات الغاز، تستطيع شركة غازبروم ضمان إيرادات مستدامة مع الاستفادة من نفوذها السياسي في دول آسيا الوسطى.

وتتجلى الأهمية الإستراتيجية لهذه الأسواق من خلال احتياجاتها المتزايدة من الطاقة وإمكانات النمو الاقتصادي في المستقبل.

إن ضمان إمدادات الغاز المستقرة والموثوقة يمكن أن يعزز العلاقات الاقتصادية والتحالفات السياسية القوية بين روسيا ودول آسيا الوسطى.

وفي الوقت نفسه، يمثل التحول الإستراتيجي الذي تبنته شركة غازبروم نحو آسيا الوسطى استجابة متعددة الأوجه لانحدار الصادرات الأوروبية.

وينطوي هذا المحور على استثمارات كبيرة في البنية التحتية، وطرق إمداد معززة، وتحالفات إستراتيجية مع قازاخستان وأوزبكستان.

ورغم أن هذه الخطوة تفرض تحديات اقتصادية وتقنية وجيوسياسية معقدة، فإنها توفر فرصًا لشركة غازبروم لتنويع قاعدتها السوقية والاستفادة من التبعيات الإقليمية.

وسوف يعتمد نجاح هذه الإستراتيجية في المدى الطويل على قدرة غازبروم على التغلب على هذه التحديات والحفاظ على علاقات مستقرة مع حكومات آسيا الوسطى.

التحديات الإستراتيجية

في نهاية عام 2023، واجهت شركة غازبروم تحديات كبيرة سلطت الضوء على التقلبات والمخاطر الكامنة في موقعها الإستراتيجي الحالي.

وانخفض إنتاج الشركة من الغاز الطبيعي والغاز المصاحب إلى مستوى تاريخي منخفض بلغ 359 مليار متر مكعب، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 13% عن العام السابق، وانخفاضًا كبيرًا بنسبة 30% مقارنة بعام 2021.

ويمثّل هذا الانخفاض في الإنتاج، المفصل في التقرير السنوي لشركة غازبروم، أدنى مستوى إنتاج منذ تحول وزارة صناعة الغاز في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية إلى شركة منتجة للغاز، التي كانت ذات يوم تتباهى بمستويات إنتاج تتجاوز 600 مليار متر مكعب.

وعلى الرغم من هذا الانخفاض، أعلنت شركة غازبروم بعض الزيادات في مجالات أخرى.

وارتفعت معالجة الغاز من 34.7 مليار متر مكعب عام 2022 إلى 49.9 مليار متر مكعب عام 2023. وبالمثل، شهد إنتاج النفط زيادة من 67.9 مليون طن إلى 72.4 مليون طن.

على صعيد آخر، انخفض تكرير النفط ومكثفات الغاز المستقرة، وغيرها من الهيدروكربونات السائلة، بصورة طفيفة، من 57.5 مليون طن إلى 56.8 مليون طن.

وتعكس هذه الأرقام صورة معقدة للأداء التشغيلي لشركة غازبروم، إذ طغت الخسائر الكبيرة في إنتاج الغاز على المكاسب في بعض المجالات.

وبلغ إجمالي الاستثمارات الرأسمالية، في عام 2023، 3118.6 مليار روبل (35.38 مليار دولار)، بزيادة قدرها 276.8 مليار روبل عن العام السابق. بالنسبة لعام 2024، تُقدر توقعات الاستثمار بمبلغ 2572.8 مليار روبل.

ويؤكد هذا الاستثمار الكبير التزام شركة غازبروم بالحفاظ على بنيتها التحتية وتوسيعها، على الرغم من الضغوط المالية.

رغم ذلك، تأتي هذه الاستثمارات وسط عدم استقرار مالي أوسع نطاقًا، أبرزه الانخفاض الكبير في قيمة أسهم غازبروم.

(روبل روسي = 0.011 دولارًا أميركيًا)

في مايو/أيار 2024، أعلنت شركة غازبروم أول خسارة تُعزى إلى المساهمين منذ 25 عامًا بموجب المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية (IFRS)، بلغت 629.1 مليار روبل.

وأدت هذه الخسارة المالية المقلقة إلى انخفاض سريع في سعر سهم الشركة، الذي انخفض إلى أدنى مستوى له منذ سبتمبر/أيلول 2017.

وأدى قرار مجلس الإدارة بالتخلي عن دفع أرباح الأسهم لعام 2023 إلى تفاقم مخاوف المستثمرين، ما أدى إلى تسريع عمليات بيع أسهم غازبروم.

بحلول منتصف عام 2024، انخفض سعر السهم بنسبة 0.95% إلى 117.87 روبل لكل سند مالي، بعد انخفاض بنسبة 3.3% في اليوم السابق.

وتراجعت معنويات المستثمرين بصورة أكبر بسبب أداء شركة غازبروم في "منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي".

وكانت التوقعات عالية بأن شركة غازبروم سوف تتوصل إلى اتفاق مهم بشأن مشروع "باور أوف سيبيريا 2" مع الصين، وهو ما كان من شأنه أن يساعد في تعويض الخسائر من السوق الأوروبية.

رغم ذلك، تمكّنت شركة غازبروم فقط من تأمين العقود مع دول آسيا الوسطى، وبأسعار أقل بكثير من تلك التي تقدمها العقود الأوروبية.

وعلى الرغم من أن العقود الأوروبية تتضمّن شراء الغاز بسعر يتراوح بين 250 و300 دولار للمتر المكعب، فإن اتفاقيات آسيا الوسطى تتراوح أسعارها بين 150 و175 دولارًا، وهو ما يعكس انخفاض هوامش الربح.

وكان غياب صفقة كبيرة مع الصين في "منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي" بمثابة ضربة كبيرة لثقة المستثمرين.

ويُنظر إلى مشروع "باور أوف سيبيريا 2" بوصفه مبادرة إستراتيجية بالغة الأهمية من شأنها أن تساعد شركة غازبروم على التخفيف من الأثر المالي الناجم عن انخفاض الصادرات الأوروبية.

ودون هذا الاتفاق فإن قدرة غازبروم على تثبيت استقرار وضعها المالي تظل غير مؤكدة.

وعلى الرغم من التحديات المستمرة، هناك عوامل محتملة يمكن أن تؤدي إلى انتعاش سعر سهم غازبروم. ومن الممكن أن تؤدي التطورات الإيجابية في المشروعات الكبيرة مثل "باور أوف سيبيريا 2" وإنشاء مركز للغاز في تركيا إلى تعزيز مكانة غازبروم في السوق وأدائها المالي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع مؤشر تعرفات الغاز داخل روسيا والاستئناف المحتمل لدفع أرباح الأسهم يمكن أن يحسّن معنويات المستثمرين ويوفر دفعة لقيمة أسهم غازبروم.

نظرة مستقبلية

يمثّل توجه شركة غازبروم نحو آسيا الوسطى تعديلًا إستراتيجيًا بالغ الأهمية، وإن كان محدودًا، في الاستجابة للانخفاض الكبير في صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا.

ورغم أن آسيا الوسطى لا تستطيع أن تحل محل السوق الأوروبية من حيث حجمها وربحيتها بصورة كاملة، فإنها توفر طريقًا بديلًا بالغ الأهمية لوصول الغاز الروسي إلى الصين، وهي السوق ذات الأهمية المتزايدة بالنسبة إلى إستراتيجية غازبروم طويلة الأمد.

وتبقى الغاية الطموحة المتمثلة في تأمين عقد لخط أنابيب باور أوف سيبيريا 2، الذي يهدف إلى نقل 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويا إلى الصين، هدفًا محوريًا، ولكنه بعيد المنال.

ويسلط التأخير في وضع اللمسات الأخيرة على هذا الاتفاق الضوء على التحديات التي تواجه التفاوض على شروط مواتية تلبي المصالح الاقتصادية لكلا الطرفين.

في عام 2023، كثفت شركة غازبروم تركيزها بصورة كبيرة على آسيا الوسطى حسبما نشرته منصة الطاقة المتخصصة.

وعلى الرغم من احتياطيات الغاز المحلية الكبيرة التي تتمتع بها المنطقة، فإن دول آسيا الوسطى واجهت نقصًا مستمرًا في الغاز، الأمر الذي أضعف قدرتها على تلبية الطلب المحلي والوفاء بالتزامات التصدير إلى الصين. وعلى مدى العامين الماضيين، التزمت شركة غازبروم بتصدير ما مجموعه 10 مليارات متر مكعب من الغاز إلى آسيا الوسطى، مع توقعات تشير إلى أن هذا الحجم قد يرتفع إلى 20-25 مليار متر مكعب.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الخطط الرامية إلى زيادة نقل الغاز عبر قازاخستان إلى أوزبكستان، التي من المحتمل أن تصل إلى 22 مليار متر مكعب سنويًا، تسلط الضوء على النطاق المتوسع لعمليات غازبروم في آسيا الوسطى.

وتُعد السياسات الاقتصادية لهذه المعاملات حاسمة، إذ تتراوح أسعار عقود الغاز طويلة الأجل في أوروبا بين 250 و300 دولار لكل ألف متر مكعب.

وعلى العكس من ذلك، تتراوح الأسعار المحلية داخل روسيا حول 62 دولارًا لكل 1000 متر مكعب، ومن المتوقع أن تستقر الأسعار في آسيا الوسطى في نطاق متوسط ​​يتراوح بين 150 و175 دولارًا لكل 1000 متر مكعب.

وتعكس إستراتيجية التسعير هذه انخفاض الربحية مقارنة بالأسواق الأوروبية، ولكنها تظل أكثر ربحية بصورة ملحوظة من المبيعات المحلية في روسيا.

وتُعد صادرات غازبروم إلى آسيا الوسطى بمثابة صادرات غير مباشرة إلى الصين.

ومن خلال توريد الغاز الروسي إلى دول آسيا الوسطى، فإنّ شركة غازبروم تمكنها من الوفاء بالتزاماتها التصديرية إلى الصين، وبالتالي الحفاظ على التدفق الحيوي للغاز إلى واحدة من أكبر مستهلكي الطاقة على مستوى العالم.

وتؤكد آلية التصدير غير المباشرة هذه الأهمية الإستراتيجية لآسيا الوسطى بوصفها قناة للغاز الروسي للوصول إلى السوق الصينية، خصوصًا في ظل غياب اتفاق نهائي بشأن باور أوف سيبيريا 2.

خلاصة القول، رغم أن آسيا الوسطى لا تستطيع أن تحل بالكامل محل السوق الأوروبية لشركة غازبروم، فإنها توفر مسارًا إستراتيجيًا بالغ الأهمية لدعم صادرات الغاز إلى الصين وتوسيع نطاقها.

ويُعد التطوير المستمر للبنية التحتية واتفاقيات النقل في آسيا الوسطى أمرًا ضروريًا لجهود شركة غازبروم الرامية إلى تنويع قاعدة أسواقها والتخفيف من تأثير انخفاض الطلب الأوروبي.

ويعتمد نجاح إستراتيجية غازبروم في المستقبل على قدرتها على التعامل مع التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية المعقدة، وتأمين الشروط المواتية لمشروعات كبرى مثل مشروع باور أوف سيبيريا 2، والاستفادة من شراكاتها في آسيا الوسطى للحفاظ على محفظة صادرات قوية ومتنوعة.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق